• الحلقة الثانية
  • 2022-04-03

الحزن

السلام عليكم.

الابتعاد عن الحزن:
الدنيا بُنيَت على الابتلاء
هل شعرتَ بالحُزن يوماً؟ هناك في الدنيا الكثير مما يُدخِل الحُزن إلى القلب، لأن الدنيا بُنيَت على الابتلاء، وفيها من المصائب ما فيها، وقد يُصيب الإنسان من شرٍّ أو من شيءٍ لا يُحِبُّه ما يُدخِل الحُزن إلى قلبه.
ولكن لماذا الحُزن؟ هل تعلم أن الحُزن لم يَرِد في كتاب الله تعالى إلا مَنهِيَّاً عنه أو مَنفِيَّاً؟
مَنهِيَّاً عنه، كقوله تعالى:

وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)
[ سورة آل عمران ]

وكقوله تعالى مُخاطِباً نَبَّيَه:

وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127)
[ سورة النحل ]

وكقول الله تعالى على لسان نبيِّه صلى الله عليه وسلم:

إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
[ سورة التوبة ]

أو جاء الحُزن مَنفِيَّاً كقوله تعالى:

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)
[ سورة البقرة ]

وقد تكرَّر ذلك كثيراً في كتاب الله.
إذاً الأصل ألا يَسلُك الإنسان مَسلَك الحُزن، لأن الحُزن يُميتُ القلب ويملؤه هَمَّاً وغَمَّاً وكَمَداً، فربَّما يقعِد الحزين حتى عن الطاعات، وحتى عن الأعمال الصالحة، ونحن قد خُلِقنَا لنعمل صالحاً، ولنَعمُرَ الأرض بالخيرات، فإذا امتدَّ الحُزن بنا أيَّاماً وأيَّاماً وشهوراً وسنوات فهذا يُدخِل الكَمَد إلى القلب فيقعِد الإنسان عن مُهَمِّته في الحياة، ولا يؤدي دوره الذي أراده الله منه.
فالحُزن واقع ولكن لا ينبغي أن يطول، لذلك ما جاء في القرآن مأموراً به، بينما جاء الفرح في القرآن مأموراً به، أما الحُزن فجاء مَنهِيَّاً عنه أو جاء مَنفِيَّاً.

الحُزن على فوات مطلوبٍ أو حصول مكروهٍ ليس مطلوباً ولا محموداً:
لكن قد يُحمَدُ المرء على ما سَبَّبَ الحُزن له، مثال ذلك قوله تعالى:

وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92)
[ سورة التوبة ]

حُزن القلب واقعٌ
فهؤلاء حَزِنوا لكن ما الذي أحزنَهم؟ أحزنَهم أنه فاتَهم خيرٌ في الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنسان إذا فاتته صلاة الفجر فقام من نومه حزيناً فإنه يُحمَد على سَبَب الحُزُن، لا على الحُزن نفسه، يُحمَد لأن تَرْكَ الواجب أحزنه، أما الذي يفوتُه شيءٌ من الدنيا فيحزن فلا يُحمَد لا على الحزن ولا على سَبَب الحُزن.
الحُزن الذي يكون على فوات مطلوبٍ أو حصول مكروهٍ ليس مطلوباً ولا محموداً، ولكن حُزن القلب واقعٌ، قال صلى الله عليه وسلم:

{ إنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، والقَلْبَ يَحْزَنُ، ولَا نَقُولُ إلَّا ما يَرْضَى رَبُّنَا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ }

[ صحيح البخاري ]

وهذا حُزنٌ لا بدَّ منه لكنه لا ينبغي أن يُوقِعَ الإنسان في هَمٍّ وغَمٍّ مُستمرَّيْن بحيث يمنعه الحزن عن العمل وُيقعِدُه عن مُهَمِّته في الحياة.

الحزن فطرة بشرية علينا الاستعاذة بالله منه:
إذاً أيها الكرام، يجب أن نُخرِج الحُزن من قلوبنا، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:

{ اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ، والجُبْنِ والبُخْلِ، وضَلَعِ الدَّيْنِ، وغَلَبَةِ الرِّجالِ }

[ صحيح البخاري ]

فكان يستعيذ بالله من الحَزَن، لكن لأن الحُزن فطرةٌ بشرية، فقد أقرَّها الإسلام ما دامت ضمن الحدود الطبيعية:

{ ما كان من العين ومن القلب فمن الله، وما كان من اليد واللسان فمن الشيطان }

[ رواه أحمد ]

فتدمع العين ويحزن القلب لكن لا يتحرك اللسان بما يُغضِب الله، ولا تتحرك اليد بالَّلطْم ونحو ذلك بهذه الحدود ودون أن يمتد الحُزن لآمادٍ و آماد، فهو فطرةٌ بشرية واقعة، لكن بغير ذلك فالحُزن إمَّا مَنهيٌّ عنه أو مَنفِيّ.
إلى الملتقى أستودعكم الله، والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته.