أيهما أوثق؟

  • الحلقة : 03
  • 2023-03-25

أيهما أوثق؟

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)
(سورة الأنعام)

السلام عليكم: خلال رحلة الإنسان في الحياة يتلقّى معلومات، بعضها يتلقاه عن طريق عالم الشهادة، يرى أشياء، يسمع أشياء فيتلقى معلوماته من خلال عالم الشهادة، وهناك معلومات أخرى يتلقاها عن طريق عالم الغيب أو الخبر، يصله خبر بأن هناك شيئاً ما، هذا لا يدركه بحواسه، لكنه وصله بالخبر الصادق، هذه المعلومات التي يتلقاها الإنسان من عالمين؛ من عالم الشهادة، وعالم الغيب، أيها أوثق في المعرفة عند الإنسان، أيها أشد مصداقية عند الإنسان؟

قيمة الخبر من قيمة المخبِر:
قيمة الخبر من قيمة المُخبِر
لا شك أن الإجابة البَدَهية أن يقول القائل: إنه عالم الشهادة؛ لأنني أرى الأشياء بعيني، فذاك أوثق في المعرفة، وأقول لك: ليس ذلك دقيقاً 100%، فهناك معلومات نتلقاها من عالم الغيب لا تقل أهمية عن عالم الشهادة، بل قد تكون عند المؤمنين أوثق من عالم الشهادة؛ لأن الخبر قيمته من قيمة المُخبِر، فإذا كان من يُخبِر بالغيب هو الله تعالى.

اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ۗ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا(87)
(سورة النساء)

فإن مصداقية هذا الخبر في المعرفة أشد من مصداقية عالم الشهادة.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ والذي نفْسُ محمَّدٍ بيَدِه، لو رَأَيْتم ما رأَيْتُ لَضحِكْتم قليلًا، ولَبكَيْتم كثيرًا، قالوا: ما رأيْتَ؟ قال :رأَيْتُ الجَنَّةَ والنَّارَ، وحضَّهم على الصلاةِ، ونَهاهم أنْ يَسبِقوه، إذا كان إمامَهم في الرُّكوعِ والسُّجودِ، وأنْ يَنصرِفوا قبلَ انصرافِه منَ الصلاةِ، وقال لهم: إني أَراكم من أَمامي، ومن خَلْفي، وسأَلْتُ أَنَسًا عن صلاةِ المريضِ فقال: يَركَعُ، ويَسجُدُ قاعدًا في المكتوبةِ. }

(تخريج المسند لشعيب)

يأتي أحد الرجال المؤمنين من السلف الصالح فيقول لأصحابه في مجلس من المجالس: لقد رأيت الجنة والنار عِياناً، رأيتها عِياناً وكأنها من عالم الشهادة، قالوا: يارجل، انظر فيما تقول، فوالله ما أحد رأى الجنة والنار عِياناً، فقال: لقد رأيتهما عِياناً، لأني رأيتهما بعين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورؤيتي لهما بعيني رسول الله أصدق عندي برؤيتي لهما بعيني؛ لأن بصري قد يزيغ وقد يطغى، أما بصره صلى الله عليه وسلم، فـ:

مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17)
(سورة النجم)

إذاً: عندما يكون الخبر صادقاً، فإنه لا يقل وثوقية عن عالم الشهادة بل يزيد عليها؛ لأن المُخبِر هو الله تعالى.
من هنا قال أحد السلف الصالح: "لو كُشف الغطاء ما ازددتُ يقيناً"، لو كشف الغطاء؛ أي تحولت من عالم الغيب إلى عالم الشهادة فشاهدت بعيني ما كنت أسمع عنه بأ ذني، كُشف الغطاء؛ فرأيت كل شيء، رأيت الجنة، والنار، واليوم الآخر، والصراط، "ما ازددت يقيناً" بهذه الغيبيات؛ لأنني وصلت إلى مرحلة استوى فيها عندي عالم الغيب وعالم الشهادة، فأنا في يقين من إخبار الله تعالى لي.
من هنا نقرأ في القرآن الكريم:

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)
(سورة الفيل)

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(6)
(سورة الفجر)

والنبي صلى الله عليه وسلم لم يرَ بعينه ما فعله الله بأصحاب الفيل، ولا ما فعله بعاد، ولكن خبر الله إذا جاءك ينبغي أن تتلقاه وكأنك تراه.
إلى الملتقى، أستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.