• الحلقة 09
  • 2023-03-31

أين الله..!

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)
(سورة الأنعام)

ثواب الصيام في سبيل الله عظيم
السلام عليكم: قال نافع: خرج ابن عمر رضي الله عنهما يوماً مع بعض أصحابه إلى بعض نواحي المدينة، فجلسوا، ووضعوا طعامهم، فمرّ بهم راعٍ، فقال له عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "هلمّ إلينا وكُلْ من طعامنا"، فقال الراعي: "إني صائم"، فقال له ابن عمر: في هذا اليوم شديد الحرّ، وفي آثار تلك الغنم، وفي تلك الشِّعاب والجبال تصوم؟! فقال له الراعي: "أبادر أيامي الخالية، أصومه ليوم أشد منه حراً" الراعي مؤمن بالغيب، يصوم الآن؛ لأنه ينتطر يوماً غاب عن حواسّه، لكنه متيقّنٌ من قدومه، فيصوم في ذلك الحر، وفي الشِّعاب، وهو في آثار الغنم لأنه ينتظر يوماً يقف فيه بين يدي الله، فيعطيه ثواباً عظيماً على يومٍ صامه في سبيل الله، فقال له ابن عمر رضي الله عنه -وكأني به يريد أن يمتحنه أصيامه ذلك مترافق مع عبادة تعاملية راقية، أم هو مجرد امتناع عن الطعام والشراب-، فقال له: "بعنا شاة من هذه الشِّياه، نَجتَزِرُها، ونُصيبُ من لحمها، ونعطيك من لحمها ما تفطر عليه" فقال الراعي: "إنها ليست لي، إنها لمولاي"، فقال ابن عمر: "وما عساك إن قلت لمولاك أكلها الذئب"، فقال له: "لو قلت له لصدقني، فإني عنده صادق، ولكن أين الله؟" قال: فولّى الراعي وهو يرفع أُصبعه إلى السماء ويقول: "أين الله؟ أين الله؟" فمازال ابن عمر رضي الله عنه يكررها ويقول: "قال الراعي: أين الله، أين الله؟"

مقام المراقبة:
إنه مقامٌ من مقامات الإيمان بالغيب، مقام المراقبة، وهذا أعظم مقام يصل إليه العبد؛ أن يراقب الله تعالى في كل حركة من حركاته، بل في كل سَكَنَة من سَكَنَاته، قال تعالى:

أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ (14)
(سورة العلق)

مقام المراقبة أعظم مقام يصل إليه العبد
إذا علمت بأن الله تعالى يرى، فإنك لا تعصي الله تعالى؛ لأنه يراك ويراقبك، ويسمعك، ويراك، فعندما توقن بذلك فإنك تلتزم أمره.
جاء رجل إلى حكيمٍ وقال له: "أريد أن أعصي الله تعالى"، قال: "اذهب فاعصه في غير أرضه"، قال: "الملك كله لله"، قال: "أيليق بك أن تعصيه وأنت تعيش على أرضه"!، ثم قال له: "إذاً اذهب إلى مكان لا يراك الله تعالى، فاعصِه فيه"، قال: "وأين ذاك المكان الذي لا يراني الله فيه"؟ قال: "إذاً إذا كنت في كل حالٍ في أرض الله، وفي مُلك الله، وتحت نظر الله، وسمع الله تعالى، فإياك والمعصية".
هذا مقام المراقبة؛ أن تسأل في كل لحظة فتقول: أين الله، إنه من مقامات الإيمان بالغيب.
إلى الملتقى أستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.