• الحلقة 13
  • 2023-04-04

وكيف تصبر!

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)
(سورة الأنعام)

السلام عليكم:
في قصة موسى -عليه السلام- مع العبد الصالح، أراد موسى -عليه السلام- أن يتبع العبد الصالح؛ ليعلمه مما علمه الله، فماذا كان جواب العبد الصالح؟ قال:

قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)
(سورة الكهف)

وكأني بالعبد الصالح هنا يضع قاعدة عنوانها: لن تصبر حتى تعلم، ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾ فلما أزِفَت الرحلة كان شرط العبد الصالح الوحيد:

قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)
(سورة الكهف)

اصبر حتى تعلم الحقيقة
وكأنه يضع قاعدة جديدة عنوانها: اصبر حتى تعلم الحقيقة، وانطلق العبدان؛ عبدٌ يملك علماً من لدن الحكيم الخبير، وعبدٌ يملك علماً شرعياً فيه منهج (افعل ولا تفعل) ورغم أن موسى -عليه السلام- قد قطع على نفسه عهداً ألا يسأل عن شيء، وأن يصبر حتى يصل إلى الحقيقة، وحتى يذكرها له العبد الصالح، إلا أنه أمام المفاجآت التي اصطدم بها لم يستطع أن يتمالك نفسه، فاعترض مرة، ومرتين، وثلاثاً، ونسي موسى -عليه السلام- أن تلك الأقدار التي تقع قد وقعت معه هو، لكنه لم ينتبه لذلك، لما خرق السفينة نسي موسى -عليه السلام- أنه وُضِع في التابوت وأُلقي في اليم، فهل نجّاه الله تعالى أم أغرقه؟

فَانطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ۖ قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)
(سورة الكهف)

ولما قتل العبد الصالح الغلام نسي موسى -عليه السلام- أنه قد وكز القبطي قبل ذلك فقضى عليه، ولما بنى العبد الصالح الجدار ولم يتّخذ عليه أجراً اعترض موسى، رغم أنه سقى للفتاتين ولم يتخذ على ذلك أجراً، وإنما أوى إلى جدار فقال:

فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)
(سورة القصص)

هذه أقدار الله تسيّرنا لحكمة يعلمها الله، ولا يمكن أن نصبر عليها إلا من خلال إيماننا بالغيب.
•لماذا يصوم الصائم ويمتنع عن الطعام والشراب؟ لأنه ينتظر موعود الله تعالى.
• لماذا يترك الناس المؤمنون الحرام؟ لأنهم ينتظرون موعود الله تعالى.
نحن نصبر على شيء أحطنا بنتائجه خُبْراً
فنحن نصبر على شيء أحطنا بنتائجه خُبْراً، وهو أننا تلقّينا وعداً من الله تعلى بالجنة، تلقينا وعداً من الله تعالى بالرحمة والمغفرة؛ من أجل ذلك نصبر على ما لم نحط به خبراً، أما الأقدار التي لا نحيط بها علماً، فإننا ندرك بأن لها حكمة ربما غابت عنا، ولكن هناك خير ينتظرنا لا نعلمه، فإذا غابت عنك حكمة شيء حصل معك لم تفهم مراد الله تعالى منه فقل: اللهم صبراً على مالم نحط به خُبراً.
يتزوج رجل بامرأة، هنالك أربعة أقضية يقضيها الله تعالى:

الأول:

لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)
(سورة الشورى)


والثاني:

لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)


والثالث:

أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)
(سورة الشورى)


والرابع:

أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا ۖ وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50)

الناس يقبلون قضاء الله الثالث قبولاً لا حدود له عندما يأتيه الذكور والإناث، ويقبلون إلى حد ما قضاء الله الأول عندما يأتي الإناث فقط، وقضاء الله الثاني عندما يأتي الذكور فقط، ولكن كثير منهم يعترضون على القضاء الرابع ﴿وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا﴾ لأنهم ما فهموا مراد الله منه، فإذا جاءت الأقدار وفق ما يحبون رضوا، وإذا جاءت الأقدار بخلاف ما يرغبون فلتعلم أنه مراد الله تعالى، وقل: اللهم ارزقنا صبراً على ما لم نحط به خبراً.
إلى الملتقى، استودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.