لا للإسقاط

  • الحلقة 16
  • 2023-04-07

لا للإسقاط

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)
(سورة الأنعام)

السلام عليكم:
سمع عن إنسان أتاه رزق وفير فجأة من حيث لا يحتسب، فقال فوراً: لعل الله تعالى كافأه على إحسانٍ صنعه، وبعد حين سمع عن رجل آخر احترق محله التجاري، فقال فوراً: إن الله تعالى يعاقبه على إساءةٍ فعلها، لعله لم يدفع زكاة ماله. هل هذا صحيح بالمطلق؟

الجزاء والعقاب في الدنيا لأخذ العبرة:
الجواب: لا، عطاء الكريم الأكرم، الجواد، المعطي، لا يليق به أن يكون منقطعاً، وعقوبته جل جلاله وهو المنتقم الجبار لا تكون صغيرة، عطاؤه ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، عطاؤه جنة، ثوابه نعيم، عقوبته نار –والعياذ بالله-.
المؤمن إذا أصابه شيء يتوب إلى الله
نعم، إن الله تعالى قد يكافئ بعض المُحسِنين في الدنيا، وليس من شأننا أن نفصّل في المسألة، ونُسقطها على الأشخاص، لكن نقول بالعموم الله تعالى يكافئ بعض المحسنين في الدنيا؛ ليشجع الباقين على الإحسان، يكافئهم بيسيرٍ من الثواب، وقد يكافئ بعض المذنبين في الدنيا بيسير من العقاب؛ ليرتدع الباقون، لكن هذا ليس بالمطلق، المؤمن إذا أصابه شيء يكرهه من إيمانه، من دافع إيمانه يقول في ذاته: لعل ذلك من المعاصي والآثام فيتوب إلى الله تعالى، ويرجع إليه ويؤوب إليه، لكنه لا يُسقط ذلك على الناس، بل على العكس تماماً، إن أصاب أخاه المؤمن مكروهاً فإنه يقول لعل الله رفع به درجته، الله يبتليه ليرفع درجته عنده، ولا يتهمه بالمعصية، يُحسن الظن بالناس، ويُسيء الظن بنفسه.

الجزاء والعقاب يوم القيامة:
متى يوفّي الله تعالى الناس أجورهم؟ يوم القيامة:

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)
(سورة آل عمران)

الثواب والعقاب يوم القيامة
الحياة متاعٌ وغرورٌ، فلا يمكن أن تكون ثواباً، ولا عقاباً، هبْ أن إنساناً قدّم روحه لله تعالى، فهل تقبل أن يكون ثوابه في الدنيا؟ أو هل تتصور أن يكون ثوابه عند الله في الدنيا؟ ثوابه عند الله تعالى عظيم في الآخرة، وهبْ أن إنساناً قتل مئات الآلاف، وشرّد الملايين، فهل يُتصوَّر أن يكون عقابه في الدنيا بمرض يصيبه في نهاية حياته! ربما يحصل ذلك، لا أقول إنه لا يحصل، لكن هل هذا هو العقاب؟ الجواب: لا، العقاب يوم القيامة، في نار لا ينفد عذابها، والثواب يوم القيامة في نعيم لا ينفد، هذا هو ثواب الله، وذاك هو عقاب الله، ولأننا ينبغي ألا ننتظر عقوبة في الدنيا، فقد قال الله تعالى مخاطباً نبيه، وهو أحب الخلق إليه:

وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ (46)
(سورة يونس)

فإما أن يحصل أن ترى بعينك بعض ما نعدهم، ولم يقل: "كل"، وإنما "بعض"، لأن ما يعدهم الله تعالى من الهلاك والثبور هو في الآخرة، ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ﴾ ما معنى ذلك؟ معناه أن سيد الخلق، وحبيب الحق، قد لا يُتاح له أن يرى في حياته مصير الظالمين، ومصير الطغاة والمجرمين، ولكنه -صلى الله عليه وسلم-، ولكننا من بعده، ونحن أمته متأكدون من أن الله تعالى يُثيب المحسن، ويعاقب المسيء، وموقنون من أن يوم القيامة قادم لا محالة، وأننا سنقف فيه بين يدي الله تعالى جميعاً، وموقنون أن الله تعالى قد يعاقب المسيء في الدنيا، وإن أراد ألا يعاقبه فإنه لا يفعل:

وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)
(سورة إبراهيم)

عندما تجد الظالم يتمادى في معاصيه وآثامه، والله لا يعاقبه ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾
إلى الملتقى، أستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.