• الحلقة 22
  • 2023-04-13

وعدٌ حقٌّ

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)
(سورة الأنعام)

السلام عليكم:
بدأت سورة الروم بوعد من وعود الله تعالى بالنصر والتمكين، واختُتِمت بقوله تعالى:

فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60)
(سورة الروم)

موعود الله تعالى حق
﴿فَاصْبِرْ﴾ أمر بالصبر حتى يتحقق موعود الله تعالى، فموعود الله تعالى حق، لا بد أن يأتي، طال الزمن أم قَصُر، طول الزمن أو قِصَر الزمن حتى يأتي موعود الله هذا متعلق بحكمة الله، أما وعد الله فآت لا محالة، ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ فإن تأخر النصر، أو تأخر تحقيق موعود الله تعالى، فاقرأ قوله تعالى:

فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4)
(سورة محمد)


الحكمة من عدم تحقق النصر مباشرة:
فلماذا لا ينتصر منهم؟ لماذا لا يُحِقّ الحق فوراً كما تشتهي الأنفس؟ لماذا لا يُذِل أعداءه الآن في هذه اللحظة؟ قال: ﴿وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ﴾ حتى تتحق الفتنة، ويتحقق الاختبار، ويتحقق الابتلاء، فينجح من ينجح، ويرسب مَن يرسب، لكن الفاتورة باهظة، والشهداء كثر، ختمت الآية بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾.

ذَٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ

سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6)
(سورة محمد)


توجيه إلهي بالابتعاد عن أعداء الدين:
نعود إلى ختام سورة الروم ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ هؤلاء الذين ضعف إيمانهم، وقلّ يقينهم، فخفّت أحلامهم، وضعف ثباتهم، وضعف يقينهم، فإنهم يستخفّون المؤمنين، ويحملونهم على ترك مبادئهم، وعلى ترك ثباتهم، وعلى ترك صبرهم حتى يتحقق موعود الله تعالى.
﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ توجيهٌ إلهيٌّ ألّا ندعَ هؤلاء الذين لا يؤمنون بالغيب يعبثون بمبادئنا، وثوابتنا، ويقنّطوننا من رحمة الله، ويُيئّسوننا من نصر الله ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾إياك أن تستمع لهؤلاء، إياك أن تجالسهم، إياك أن تستمع لما يقولون، فإنهم لا يوقنون ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾.

نيل الإمامة في الدين
في مقابل ذلك يقول تعالى:

وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)
(سورة السجدة)

بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين
فبالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين، من أراد أن يصبح إماماً في دين الله تعالى، فعليه بالصبر وعليه باليقين، ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ غالب الذين لا يؤمنون بالغيب، أو مشكلة الذين لا يؤمنون بالغيب أنهم لا يصبرون، يستعجلون، يريدون الحياة الدنيا وهم عن الآخرة معرضون، غافلون، لا يؤمنون بوعد الله تعالى؛ لأنهم لا يملكون من الصبر ما يؤهّلهم على انتظاره، لا يملكون من الصبر ما يدفعهم إلى تحمل المشاق في سبيل الله تعالى، لا يملكون من الصبر ما يجعلهم في موقف لا تُفنيهم فيه سبائك الذهب اللامعة، ولا سياط الجلادين اللاذعة عن دينهم.
الصبر واليقين كلمتان مفتاحيتان لكل من أراد النصر والتمكين، الصبر مع اليقين، إن الصبر مع اليقين ومع التقوى طريق النصر.

إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)
(سورة آل عمران)

أما الصبر مع المعصية وضعف اليقين، فهو صبر الهالكين وليس بعده نصر، وإنما بعده قبر.
إلى الملتقى، أستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.