استغلال الغيب

  • الحلقة 29
  • 2023-04-20

استغلال الغيب

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)
(سورة الأنعام)

السلام عليكم:
الغيب لله تعالى وحده
في الحلقات السابقة كلها كان حديثنا عن عالم الغيب؛ ولأن عالم الغيب غيب، وإتماماً للفائدة لابد أن نقول: إن بعض الناس يستغلون عالم الغيب للانتقال من الغيب المقدس إلى عالم الخرافة؛ فلأن الغيب لا يُرى، فإنه مجال خصْبٌ ورحْبٌ لمن يريدون أن يعبثوا بدين الناس، فينقلونهم إلى الخرافة من خلال عالم الغيب، الغيب لله تعالى وحده، والذي يعلم هو الذي يخبر، فلا تقبل إخباراً عن الغيب إلا من كتاب الله تعالى، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من الله تعالى؛ لأنه:

قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (65)
(سورة النمل)

ومن رسوله صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى أطلعه على بعض هذا الغيب، فأطلعنا صلى الله عليه وسلم من خلال ما أطلعه الله تعالى، وقال لنا صلى الله عليه وسلم:

قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188)

لا تقبل من أحد خبراً غيبياً إلا بدليل
إذاً، إذا أردت أن تأخذ اخباراً عن الغيب فانتبه، لا تقبل من أحد خبراً غيبياً إلا أن يُشفِعَه بدليل من كتاب الله تعالى، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بعض الناس يفعلون ذلك لتخدير الشعوب بعالم الغيب، وبعضهم يفعلون ذلك لابتزاز أموال الناس من خلال إخبارهم بغيبيات ليس لها أصل، وإنما هي من صنع خيالاتهم، وبعضهم يفعلون ذلك من أجل أن يجلبوا الناس إلى الشيخ الذي يتكلم لا إلى الله الذي يتكلم الشيخ بكتاب الله، وسنة رسوله فيما يفترض،
استغلال عالم الغيب كثير في واقعنا؛ لأنه غيب، ولأنه ليس مرئياً للناس، فيمكن أن تحدثهم بأشياء وأشياء، وتقول لهم هذا من عالم الغيب، فانتبهوا، لا تأخذوا من أحد شيئاً إلا بالدليل، ولا تدعوا شيئاً إلا بالدليل، فإن ذكر لكم شيئاَ من الغيب، فطالبوه بالدليل فوراً، من كتاب الله تعالى، أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
كُسِفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من عالم الشهادة، كُسفت الشمس، وكان ذلك في يوم موت ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إبراهيم" وكان من عادة الجاهلية، وهذه هي الخرافة الغيبية التي أحدثكم عنها، كان من عادتهم أنهم يقولون إنما تُكسَف الشمس لموت عظيم من العظماء، أو لحياة عظيم من العظماء، والنبي صلى الله عليه وسلم شاء الله تعالى أن تُكسَف الشمس في يوم وفاة ابنه، فتوَهّم الناس انطلاقاً من قناعاتهم السابقة أن الشمس إنما كُسِفت لموت إبراهيم، النبي صلى الله عليه وسلم في قمة حزنه، وهو حزين على وفاة ابنه، وقد دمعت عينه، وقال:

{ إن العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون }

(صحيح البخاري)

فالحزن في القلب، والدمعة في العين لا ينافيان الإيمان بالقضاء والقدر، ومع ذلك وقف النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤجل الأمر انتصاراً للتوحيد، انتصاراً للغيب، انتصاراً لفكرة أن الغيب لله تعالى وحده، وأنه لا يملك أحد أن يربط الأحداث في عالم الشهادة بأمر غيبي من عنده، فوقف وقال:

{ إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، يُخَوِّفُ الله بهما عباده، وإنهما لا يَنْخَسِفَان لموت أحد من الناس، فإذا رأيتم منها شيئا فَصَلُّوا، وَادْعُوا حتى ينكشف ما بكم }

(متفق عليه)

إذاً النبي صلى الله عليه وسلم رفض أن يربط الناس بين عالم الشهادة بالغيب بأقوال خرافية لا أصل لها، وانتصر للتوحيد، وبيّن الحقيقة التي هي من الله تعالى، وبوحي من الله تعالى.
انتبهوا عالم الغيب أهم ما في ديننا، ولكن انتبهوا ممن يحاول أن يعبث به بالخرافة ليحدثكم عن غيب مِن صُنْعه لا مِن إخبار الله تعالى.
إلى الملتقى، أستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته