خمسة أعداء فاحذرهم

  • 2018-09-21
  • عمان
  • مسجد الصالحين

خمسة أعداء فاحذرهم


الخطبة الأولى
الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده، وَنَعُوْذُ بِاللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ له إقراراً بربوبيته وإرغاماً لمن جحد به وكفر، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله سيد الخلق والبشر ما اتصلت عينٌ بنظرٍ أو سمعت أذنٌ بخبرٍ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكَ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وعلى أصحاب سيدنا محمدٍ، وعلى أزواج سيدنا محمدٍ، وعلى ذرية سيدنا محمدٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً كَثِيْراً، عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأحذركم من عصيانه ومخالفة أمره.
أيها الإخوة الكرام: حديثنا اليوم عن الأعداء، نعم سنتحدث عن الأعداء، ولكن ليس الأعداء الذين خطروا ببالكم الآن من شرقٍ ومن غربٍ، ممن عداوتهم ظاهرةٌ معروفةٌ، أعني بهم أولئك المتآمرين على أمتنا المتعاضدين من أجل إطفاء نور الله فيها

وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
(سورة التوبة: الآية 32)

الأعداء التقليديون عداوتهم ظاهرة
ومن يعاونهم ويؤيدهم من أبناء جلدتنا على السعي في تحقيق مخططاتهم، سأحدثكم عن أعداءٍ مختلفين لكنهم والله ولا أبالغ أشد خطراً من الأعداء التقليديين، ذلك أن الأعداء التقليديين عداوتهم ظاهرة معروفة ولا أظن إنساناً مسلماً لا يدرك أعداءه الحقيقيين لكن عداوة هؤلاء الذين سنتحدث عنهم غالباً ما تكون غير ظاهرة وقد يبدون بصورةٍ غير الصورة التي هم عليها.

العدو الأول : الشيطان
أيها الإخوة الكرام: عنوان خطبتنا اليوم خمسة أعداء فاحذرهم، العدو الأول هو الشيطان، قال تعالى:

إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
(سورة يوسف: الآية 5)

مُّبِينٌ: ظاهر، فكيف يخفى علينا؟ والله تعالى يخبرنا بأنه عدو (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ)

فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ
(سورة طه: الآية 117)

أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا
(سورة الكهف: الآية 50)

بل إن الله تعالى وبصيغة العتاب يخاطبنا فيقول:

أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
(سورة يس: الآية 60)

أيها الإخوة الكرام: حينما يخبرنا جلَّ جلاله

وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا
(سورة النساء: الآية 122)

بأن الشيطان لنا (عَدُوٌّ مُّبِينٌ) فلماذا يتخذه بعض المسلمين صديقاً ودوداً؟ فلماذا يستجيب بعض المسلمين له ولوسوساته ؟!

أساليب الشيطان
أيها الإخوة الكرام: حتى تحذر أيَّ عدوٍّ فينبغي لك أن تعرف أساليبه، لأنك إن أدركت أساليبه عرفت عداوته فحذرته.

1. الظهور بمظهر الناصح
أيها الإخوة: أول أساليب هذا العدو الشيطان أنه يظهر بمظهر الناصح، هو لا يقول لك: أنا عدو، بل يظهر بمظهر الناصح المشفق عليك

وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ
(سورة الأعراف: الآية 21)

لما أخرج أبوينا من الجنة ظهر بمظهر الناصح (وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ).

2. تزيين عمل السوء
الشيطان يزين عمل السوء
الأسلوب الثاني من أساليب هذا العدو أنه يزين عمل السوء، كيف يزين عمل السوء؟ سأضرب لكم مثالاً: لو جئنا بسلة قمامة فيها من القمامة ما فيها وأحطناها بغلافٍ مخصصٍ للهدايا الغالية الثمن ووضعنا عليها عقدة حمراء اللون وبطاقة إهداء، كيف بدت سلة القمامة؟ بدت مزينة لكنها في حقيقة الأمر لن تخرج عن كونها سلة قمامة، فإذا جاء إنسانٌ يغتر بالمظاهر فسيسعى إليها وسيأخذها ويذهب بها إلى بيته ويضعها ربما فوق فراشه فإذا فتحها وتفاجأ بأنها قمامة هذا هو الغرور أن تنظر إلى الشيء فتظن أنه أكبر من حجمه وهو في الحقيقة إنما تغتر به وهو ليس كذلك، الشيطان يزين عمل السوء، فهو عندما يتحدث عن المنافق يصفه بأنه لبق.
اليوم عندما تجد في إعلامنا أو في إعلام غيرنا منافقاً يتملق ويقلب الحق باطلاً والباطل حقاً ويزين للبسطاء هذا شيطان، هذا يقول عنه الشيطان من شياطين الإنس والجن: إنه لَبِقْ يعرف كيف يحاور يستطيع أن ينفذ بنفسه دون أن يأخذ أحدٌ منه كلمة، فيصفون المنافق باللبق.
الشيطان يغيّر المفاهيم
وأما الاختلاط المحرم غير المنضبط بضوابط الشريعة وأن يكون للفتاة صاحبٌ وللفتى صاحبةٌ فهذه حضارة، وهذا مظهرٌ لبق وهذا من متطلبات العصر، وهذا مما يحسِّن أخلاق الشاب والفتاة، هذا هو الشيطان، وأما المرأة حينما تتفلت من منهج الله وتلبس الثياب الفاضحة وتسير في الطريق كيفما يحلو لها فهي فتاةٌ متحررةٌ، أما تلك التي التزمت منهج ربها فهي متشددة، متزمِّتة، هذا ما يفعله الشيطان، وأما المشروبات التي حرمها الله، الكحول، التي تودي بعقل الإنسان وقد جاءت الشريعة لحفظ عقله فهي مشروباتٌ روحيةٌ، هكذا تبدل المفاهيم وهكذا تحوَّل في أذهان الناس وهذا من فعل الشيطان، قال تعالى:

وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ
(سورة النمل: الآية 24)

زينها لهم، فلا تلتفت إلى تزيين الشيطان، وإنما التفت إلى منهج الله عز وجل وسمِّ الأمور بمسمياتها الحقيقية هذا أمرٌ محرمٌ، وهذه فتاةٌ تخالف منهج الله عز وجل متفلتةٌ من منهج الله، وهذا اختلاطٌ محرمٌ يؤدي إلى مفاسد عظيمة، وهذا منافقٌ يداهن ليرضي الأقوياء والأغنياء، هذه الأمور بمسمياتها.

3. التدرج في إغواء الإنسان بالمعصية
الانتقال للمعصية خطوةً خطوة
ومن أساليب الشيطان أيضاً أنه يخطو بالإنسان نحو المحرمات خطوةً خطوة، إذا نظر إلى رجلٍ من أهل المساجد، إذا نظر إلى رجلٍ يصلي، إلى شابٍّ ملتزمٍ، إلى شابٍّ من عائلةٍ ملتزمةٍ، هل يأمره بالزنا فوراً؟ أبداً لا يفعل ذلك الشيطان لأنه يعلم أنه سيستعيذ منه فوراً، لكنه يبدأ معه بإطلاق البصر في المحرمات، ثم بصحبة السوء، ثم بصحبةٍ تحرريةٍ، كما يزين الأعمال، إلى أن يصل إلى خلوةٍ محرمةٍ فيقع في الزنا، إذاً الشيطان يخطو خطواتٍ مع الإنسان ليوصله إلى المحرم، لا يأمره بالسرقة؛ يأمره أولاً أو يزين له الغش، هذا ليس غشاً هذه شطارة، هذا تعرف كيف تكسب القرش، هذا وهذا إلى أن يصل إلى السرقة، قال تعالى:

لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ
(سورة النور: الآية 21)

لا تَسِر معه من أول خطوة، قف له بالمرصاد من أول خطوة ولا تمضي معه لأنه سيوصلك إلى أكبر محرم مما يبدو لك في البداية أنه أصغر محرم.

4. التبرؤ من العاصي عند الحساب
أيها الإخوة الكرام: وآخر أساليب الشيطان أنه يتبرأ من الإنسان عند الحساب، متى وقعت في الفخ تبرأَ منك

وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم
(سورة إبراهيم: الآية 22)

الظهور بمظهر الناصح
بالمناسبة إخواننا الكرام؛ كل أفعال الشيطان يفعلها أعداؤنا التقليديون اليوم، كلها، فهم يظهرون لنا بمظهر الناصح، بدءاً من الاستعمار سموه استعماراً وهو استدمار، فتلاعبوا بالألفاظ وزينوا أعمالهم وجاؤوا إلى العراق ليسرقوا النفط وقالوا جئنا لنحرركم من الطغيان، وفي كل بلدٍ عربيٍّ يعبثون بنا وهم يظهرون بمظهر الناصح المشفق ونظنهم أصدقاء ونسميهم أصدقاء وهم ألد الأعداء ونثق بهم وبمالهم وبتمويلهم وهم لا يريدون في بلادنا إلا خراباً وسوءاً، هؤلاء شياطين الإنس ينفذون ما يفعله شياطين الجن تماماً، ويخطون بنا خطوةً خطوةً حتى نقع في فخهم ثم يتبرأون منا ويقولون نحن لا نتدخل بالشؤون الداخلية للدول بعد أن تنتهي المشكلة ويقع الفأس بالرأس ويقتل الملايين ثم يخرجون منها وكأنهم لم يفعلوا شيئاً، بربكم أيها الإخوة؛ في الأسلوب الرابع للشيطان، حول هذا الأسلوب، لو أن إنساناً ذهب إلى حفلة وقد لبس أجمل الثياب وإذا به يقعُ في حفرةٍ مليئةٍ بالنتن خرج إلى المخفر ليشتكي، قال له الضابط: جئت تشتكي على من؟ قال: فلان، قال: ما علاقة فلان؟ قال: هو الذي أوقعني في الحفرة، ائتوا بفلان، قال له: كيف أوقعك بها؟ هل أشهر مسدساً في وجهك وقال لك: إن لم تنزل أقتلك؟ قال: لا، قال: هل دفعك دفعةً عنيفةً فسقطت في الحفرة؟ قال: لا، قال: إذاً ما الذي حصل؟ قال: هو قال لي انزل في الحفرة فنزلت، بربكم هل هذا منطق؟! هذا ما يفعله الشيطان (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم) أنتم الذين وصلتم إلى ما وصلتم إليه، منهج الله واضح والحق أبلج والباطل أبلج وأنتم أردتم أن تنزلوا في حفرة المعاصي والآثام.
أيها الإخوة الكرام: إذاً العدو الأول هو الشيطان، الله تعالى يقول:

إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا
(سورة فاطر: الآية 6)


العدو الثاني : صديق السوء
أما العدو الثاني فهو نوعٌ من أنواع الشياطين ولكنه شياطين الإنس: وهو صديق السوء.
أيها الإخوة الكرام: وهنا أخاطب الشباب وأخاطب الآباء وأخاطبكم بما تعرفون ولكن من باب الذكرى

فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ
(سورة الذاريات: الآية 55)

حجم تأثير الصديق
الطفل أيها الأحباب؛ أو الشاب إنما يأخذ من محيطه ومن أبيه ومن معلمه ومن مدرسته ومن مجتمعه إنما يأخذ من تربيته ما لا يتجاوز الثلاثين بالمئة كما يقول علماء الاجتماع لكنه يأخذ من صديق السوء سبعين بالمئة، فانظر في من يصادق ابنك وانظر أيها الشاب فيمن تصاحب، إياكم وصحبة السوء فإنها عداوةٌ وأية عداوةٌ، شياطين الإنس أيها الإخوة؛ قد يكونون أحياناً أخطر من شياطين الجن لأنهم يتبعون أساليب شياطين الجن ويزيدون عليها أن لهم حريةً في الحركة أكثر من شياطين الجن فيأخذ بالشاب إلى مراتب الهوى، وكان هذا الأسبوع الحديث فيه في وسائل الإعلام عن آفةٍ خطيرةٍ هي المخدرات، نسأل الله السلامة، فكم من شابٍّ وقع في هذه المصيبة من صديق سوء، وكم من شابٍّ تعود والعياذ بالله خمراً أو مسكراً من صديق السوء، وكم من إنسانٍ تعود صحبة الأراذل وصحبة النساء المحرمة من صديق سوء، وكم من صديق سوءٍ دلَّ صديقه على مكانٍ لا يرضي الله عزَّ وجلَّ فأوقعه في شر عمله.
أيها الأحباب: عندما نتكلم عن صديق السوء نتكلم عن مستقبل أولادنا، نتكلم على مستقبل أمتنا، فلذلك أيها الإخوة إحذروا ثم إحذروا أصدقاء السوء لأولادكم.
أيها الأحباب: يقول الله تعالى:

الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ
(سورة الزخرف: الآية 67)

خليلٌ لك تمشي معه ويمشي معك وهو في الحقيقة عدوٌّ، إذا كان خليلك من المتقين فهو صديقٌ حميمٌ يبقى معك إلى ما بعد قيام الساعة، إلى الآخرة، وأما إن كان صديق سوء فهو عدوٌّ ظهر في مظهر الناصح

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا
(سورة الأنعام: الآية 112)

وقدم شياطين الإنس .
ويقول صلى الله عليه وسلم:

{ وعنْ أَبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: لا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلا يَأْكُلْ طعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ }

(رواه أبو داود)

لا تصاحب إلا من ينهض بك إلى الله حاله ويدلك على الله مقاله، إذا جلست مع إنسان فارتقيت في سُلَّمِ الإيمان فصاحبه، وإذا جلست مع إنسان فشدك إلى الرذيلة فدعه.

العدو الثالث : النفس
العدو الثالث أيها الإخوة: هو النفس، النفس أيها الإخوة؛ قد تصبح عدواً للإنسان، نفسك التي بين جنبيك، قال تعالى:

إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي
(سورة يوسف: الآية 53)

(أَمَّارَةٌ) صيغة مبالغة، أي كثيراً ما تأمر صاحبها بالسوء، والله في القرآن الكريم يثني على النفس اللوامة التي تلوم صاحبها دائماً.
إخواننا الكرام: مقياسٌ قس به نفسك إذا وقعت في معصية؛

{ وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ }

(أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ)

النفس اللوامة علامةٌ للإيمان
إذا وقعت في معصية لامتك نفسك فهذه علامةُ إيمانٍ وربِّ الكعبة هنيئاً لك فمازال في النفس حياء تلوم صاحبها لمَ فعلت كذا؟ لمَ أسأت لفلانٍ بكلمةٍ هذا اليوم؟ لمَ لم تقم لصلاة الفجر اليوم؟ لمَ؟ ولمَ؟ لمَ؟، هنيئاً لك نفسك لوامة أقسم الله بها في كتابه لأنها نفسٌ ترقى بالإنسان

لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ
(سورة القيامة: الآية: 1-2 )

وإذا كانت النفس والعياذ بالله تأمر بالسوء بشكلٍ مستمرٍّ ولا تلوم صاحبها فهذه علامة ضعف الإيمان

إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي
(سورة يوسف: الآية 53)

أيها الإخوة الكرام: يقول تعالى:

وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ
(سورة النازعات: الآية 40-41)

فالجنة تكون مأوى لمن؟ لمن خاف مقام الله ونهى نفسه عن هواها، كل الأنفس تحب الهوى، تميل إلى الهوى، لكنها فُطرت على الحق والخير فإذا وافقت الفطرة وتركت الهوى كانت (الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ).
صلاة الفجر تريح النفس
إخواننا الكرام: حتى أوضح بمثل؛ أذَّن مؤذِّنٌ لصلاة الفجر ورنَّ جرس المنبه وأسكتته وتابعت نومك، هذه موافقةٌ للنفس، لأن هوى النفس أن تبقى في الفراش، أن تتابع النوم، لكن التكليف أن تستيقظ لصلاة الفجر، الآن صحوت بعد شروق الشمس إلى عملك؛ قد أرضيت جسدك ولكنك أتعبت نفسك، يعني عندما لم تنهَ النفس عن الهوى فأنت قد خالفت فطرتك التي فطرك الله عليها ووافقت طبعك الذي هو يعارض التكليف، الآن ارتاح جسدك ولكن تعبت نفسك، بالمقابل لو أنك قمت إلى صلاة الفجر وأدَّيت الفجر في وقتها وخسرت ساعةً من النوم تعب جسدك لكن أرضيت نفسك عندما نهيتها عن الهوى، وفي كل شأنٍ من شؤون حياتنا هذه هي المعادلة أن تنهى النفس عن الهوى أن تمنعها من شيءٍ تريده
والنَّفسُ كَالطّفلِ إِنْ تُهمِلْه ُشَبَّ عَلَى حُـبِّ الرّضَاع وَإِنْ تَفْطِمْهُ يَنفَطِـــــــــــمِ وخالِفِ النفسَ والشيطانَ واعصِهِـمَا واِنْ همـا مَحَّـضَـاكَ النُّـصـحَ فـاتَّهِـــــمِ
{ قصيدة البُردة للإمام شرف الدين أبي عبد الله محمد بن سعيد البوصيري }
لا تقبل منهما نصحاً في غير طاعة الله عزَّ وجلَّ.

العدو الرابع : الجهل
أيها الإخوة؛ العدو الرابع هو الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به.
أيها الإخوة؛ قال تعالى:

وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ
(سورة الملك: الآية 10)

إنها أزمة علم، وهم في النار؛ لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب الجحيم

{ كفَى بالمرءِ عِلمًا أن يَخشَى اللَّهَ، وَكفَى بالمرءِ جَهلًا أن يُعجَبَ بنفسِه }

(الجامع الصغير)

كفى بالمرء علماً أن يخشى الله، فإذا خشيَ الإنسان ربه فهو عالمٌ وربِّ الكعبة

إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ
(سورة فاطر: الآية 28)

ولو كان لا يملك أي شهادة لكنه يخاف الله فهو عالم، وأما الذي يضع خلفه أكبر شهادةٍ في الشريعة الإسلامية ولكنه لا يخشى الله فينظر في حرام ويأكل مالاً في حرام فهو جاهلٌ وربِّ الكعبة، فالعلم في الخشية، فمن خشي الله فهو عالم ومن لم يخشَ الله فهو جاهل ولو ملك أعلى شهادة.

العدو الخامس : الإعلام الفاسد المفسد
تأثير الأفلام الكرتونية على الأطفال
أيها الإخوة الكرام: وأما العدو الأخير فهو الشاشة، الإعلام، الإعلام الفاسد المفسد، عندما يتابع طفلك الصغير في البيت فلماً كرتونياً بسيطاً ليس من ثقافتنا ولا من إنتاجنا وإنما ترجم من ثقافةٍ أخرى فهو في الحقيقة، وهذا من إحصائيات، فهو في الحقيقة يتابع فيه عنفاً وسحراً وجنساً، مشاهد العنف تحتل المساحة الأكبر ضرب ودمار وقتل وإساءة وإيذاء، ومشاهد السحر تحتل مساحةً أخرى، طفل كرتوني يُنزِل مطر وآخر ينبت شجر والثالث يلقي العصا فتفعل ما تفعل وما إلى ذلك، ويبقى مشاهد الجنس والعياذ بالله وهي موجودةٌ في برامج الأطفال من حيث رأيناها أو لم نرَها، وهذه دراسات، وأما الكبار أيها الإخوة؛ فمشكلة الإعلام أننا عندما نتابع الإعلام فهو يعرض لنا ما يريد أن نشاهده لا ما ينبغي أن نشاهده، الإعلام نوعان:
الإعلام الإسلامي: هو ما قاله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت في المعركة، استخدم سلاح الإعلام، قال: (أُهْجُهُم وروح القدس معك) يستخدم لنصرة الحق ولإزهاق الباطل هذا إعلامٌ إسلاميٌّ.
وأما الإعلام الفرعوني: فيمثله فرعون طاغية العصر ولكل عصرٍ طغاته

قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ
(سورة غافر: الآية 29)

الإعلام يصور لك ما يريد أن يوصله لك
فأنا لا أُريك إلا الشيء الذي أريد أن تراه وفق رؤيتي أنا، فعندما نتابع حكايةً لكاتبٍ يرى أن المرأة المحجبة امرأةٌ متخلفةٌ فهو يُرينا الصورة التي يريدها هو، وأن رجل الدين هو إنسانٌ يبتز أموال الآخرين ولا يريد من الدين إلا أن يصل إلى مآربه وشهواته فهو يُرينا ما يرى هو، فيصور المرأة المتفلتة على أنها في بيتها أفضل أم وأفضل أسرة وأنها تقوم على رعاية أولادها وتستقبل ضيوفها بكل حبٍّ وودٍّ، ثم يأتي إلى المحجبة فيُريك بيتها وقد امتلأ بالأغراض بيتٌ صغيرٌ بيتٌ لا يصله ضوء الشمس فيضع في ذهنك دون أن تشعر أن هذا هو الواقع والواقع خلاف ذلك، فالإعلام يصور لك ما يريد أن يوصله لك لا ما ينبغي أن يكون على أرض الواقع.
توجيه الإعلام بالشكل الصحيح
أيها الإخوة الكرام: إذاً ينبغي أن ننتبه من الشاشة، هي أصبحت واقعاً حتى لا ننكر، لكن كيف نوجه هذا الواقع بالشكل الصحيح؟ بدءاً بالشاشة الصغيرة على الهاتف وانتهاءاً بالشاشة الكبيرة في البيت كيف نوجهها إلى متابعة الشيء الهادف أو في أسوء الأحوال لنقل: الأقل ضرراً وأن لا نصل بعقول أبنائنا وبناتنا إلى محبة الرذيلة من خلال الشاشة؟ فالإعلام له أن يصور الواقع وله أن يصور الرذيلة لكن على نحوٍ نكرهها، لكن إذا صور الرذيلة على نحوٍ نحبها فإن مجتمعاً بأكمله ينهار، وهذا ما يحصل اليوم في الإعلام تُصَوَّرُ الرذيلة ويقول لك الكاتب: أنا أريد أن أعرض الواقع كما هو حتى أحذر منه، لكن في الواقع لا يزداد المجتمع إلا رذيلةً فهو يصور الرذيلة على نحوٍ يحبها الناس ويرغبون بها ويندفعون إليها ولا يصورها على نحوٍ يكرهها الناس من خلال هذا الإعلام.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسیَتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكیّس من دانَ نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، واستغفروا الله.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمین وأشهدُ أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحین، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّیْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ فِي الْعَالَمِینَ إِنَّكَ حَمِیدٌ مَجِیدٌ.

الدعاء
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك يا مولانا سمیعٌ قریبٌ مجیبٌ للدعوات، اللهم برحمتك أعمنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين وانصر الإسلام وأعزَّ المسلمين، اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل الدين، اللهم بفضلك ورحمتك هيئ لهذه الأمة أمرَ رشدٍ يُعزُّ فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل عصيانك ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، اللهم بفضلك وكرمك انصر إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أطعمهم من جوع واكسهم من عريٍ وداوهم من مرضٍ يا أرحم الراحمين وأنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء وتولهم بكريم لطفك وعنايتك يا أرحم الراحمين، اللهم انصر إخواننا المرابطين في المسجد الأقصى وفي القدس الشريف على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، اجعل اللهم هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد.