عبادة الخوف والرجاء

  • 2018-07-13
  • عمان
  • مسجد حدائق الملك عبد الله الأول

عبادة الخوف والرجاء


الخطبة الأولى

يا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْد، مِلْء السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، ومِلْء ما بينهما وَمِلْء مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْد، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْد، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْد، لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت، وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدّ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، غِنَى كُلِّ فَقِير، وَعِزُّ كُلِّ ذَلِيل، وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيف، وَمَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوف، فكيف نفتقر في غناك، وكيف نضل في هداك، وكيف نَذِلُّ في عزك، وكيف نُضامُ في سلطانك، وكيف نخشى غيرك والأمرُ كله إليك، وأشهدُ أن سيدنا محمد عبده ورسوله، أرسلتهُ رحمةً للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنّات القرُبات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، وعلى أصحاب سيدنا محمد، وعلى أزواج سيدنا محمد، وعلى ذرية سيدنا محمدٍ وسلم تسليماً كثيراً.

وبعد فيا أيها الإخوة الكرام: الله تعالى يقول في كتابه الكريم:

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ
(سورة الذاريات: الآية: 56)


عبادة الجوارح
والعبادة أيها الإخوة؛ تكون بالجوارح، وتكون بالقلب، فعبادة الجوارح مهمةٌ جداً، وعبادة القلب كذلك مهمةٌ جداً، ومن عبادات القلب التي ينبغي الانتباه لها: عبادة الخوف والرجاء، فالقلب يَعبُد الله تعالى بالخوف وبالرجاء معاً، قال تعالى يصف الملائكة المقربين، والرسل، وعباد الله الصالحين:

أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا
(سورة الإسراء: الآية 57)

التوازن بين الخوف والرجاء
(يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) فمن عبادات القلب المهمة أن ترجو رحمة الله، وأن تخاف عذابه، وأن يكون ذلك بالتوازن، دون أن يطغى الرجاء على الخوف، أو أن يطغى الخوف على الرجاء، قال تعالى:

نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
(سورة الحجر: الآية 49)

هذا رجاء، ثم قال:

وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ
(سورة الحجر: الآية 50)

هذا هو الخوف، فتعبُدُ الله بالرجاء وتعبُدُه بالخوف.

اجتماع الخوف والرجاء في القلب
وعندما تقرأ أسماء الله الحسنى، وتتعبده بأسمائه الحسنى تجد فيها الحليم، والغفور، والغفار، والعفو، والتواب، والكريم، فترجو ما عنده، ثم تقرأ في أسمائه الحسنى: القوي، المتين، القهار، القدير، المقتدر، العزيز، الجبار، فتخافه، ترجوه بأسمائه، وتخافه بأسمائه:

إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا
(سورة الأنبياء: الآية 90)

تدعو الله بالرَغَب أن يُدخلك جناته، وتدعوه بالرَهَب أن يُجيرك من ناره، هذا هو المؤمن.

يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا
(سورة السجدة: الآية 16)

تخاف عذابه، وتطمع في جنته.

أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ
(سورة الزمر: الآية 9)

لا بد أن يجتمع في قلب المؤمن خوفٌ من الله، ورجاءٌ بما عند الله.

{ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى شَابٍّ وَهُوَ فِي المَوْتِ فَقَالَ: «كَيْفَ تَجِدُكَ؟» قَالَ: وَالله يَا رَسُولَ الله إنِّي أَرْجُو اللهَ وَإِنِّي أَخَافُ ذنُوبي. فَقَالَ رَسُولُ: «لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْب عَبْدٍ فِي مِثلِ هَذا المَوْطِنِ إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ» }

(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ)

اجتماع الخوف والرجاء في قلب المؤمن
(وَهُوَ فِي مرض الموت) يستقبل الموت، ( كَيْفَ تَجِدُكَ؟) كيف أنت؟ (إنِّي أَرْجُو اللهَ وَإِنِّي أَخَافُ ذنُوبي) أرجو وأخاف وهو على فراش الموت، (لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْب عَبْدٍ) أي الخوف والرجاء، (إِلاَّ أَعْطَاهُ اللهُ مَا يَرْجُو وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ) عندما يجتمع الرجاء والخوف في قلب المؤمن يعطيه الله رجاءه، ويؤمِّنه مما يخافه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

{ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ عَلَى عَبْدِي خَوْفَيْنِ، وَلَا أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ، إِذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }

(أخرجه ابن حبان بسند حسن)

أمِن مكر الله في الدنيا:

يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ
(سورة الانفطار: الآية 6)

أمِنَ مكر الله في الدنيا، أمِنَ عذابه، يفعل المعاصي، تقول له: هذه معصية، يقول لك: الدنيا هكذا، الله غفورٌ رحيمٌ، نحن أمة محمدٍ مرحومة، أمِنَ عذاب الله في الدنيا.
أيها الإخوة الكرام: الخوف والرجاء كجناحي طائر، الطائر له رأس، رأسه المحبة محبة الله، وجناحاه الخوف والرجاء، فأنت تنطلق إلى الله بالحب، ومعك خوفٌ ورجاءٌ، ولا يتوازن الطائر إلا بجناحين، ولا يتوازن المؤمن في علاقته مع ربه إلا بالخوف والرجاء، فيزيد الخوف حيناً فيأتي الرجاء، ويأمَنُ حيناً بالرجاء فيأتي الخوف يحذره من عذاب الله تعالى، الخوف والرجاء معاً.

أحوال الصحابة والتابعين والسلف الصالح في الخوف والرجاء
وهذه أحوال الصحابة والتابعين والسلف الصالح في الخوف والرجاء، نبدأ بالخوف: هذا أبو بكر الصديق هذا الذي قال النبي صلى الله عليه وسلم:

{ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، عَاصِبٌ رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَقَعَدَ عَلَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا المَسْجِدِ، غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ }

(صحيح البخاري)

(سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا المَسْجِدِ، غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ)، (وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا).
هذا أبو بكر يمسك بلسانه ويقول: - هَذَا الَّذِي أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ- كان يبكي ويقول: - ابْكُوا عِبَادَ اللَّه فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكَوْ-.
عمر بن الخطاب عملاق الإسلام قرأ يوماً سورة الطور حتى إذا بلغ قوله تعالى:

إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ
(سورة الطور: الآية 8)

الخوف والرجاء في سيرة الصحابة
بكى، واشتد بكاؤه، ولم يستطع إتمام القراءة، قال لابنه وهو في مرض الموت: - ويحك يا عبد الله ضع خدي على الأرض لعل الله يرحمني-، ثم قال: - وَيْلٌ لِي وَلِأُمِّي إِنْ لَمْ يَغْفِرْ لِي رَبِّي، وَيْلٌ لِي وَلِأُمِّي إِنْ لَمْ يَغْفِرْ لِي رَبِّي -، هذا
عمر.
عُثمانُ بنُ عفَّانَ: كان إذا وقَف على قبرٍ يَبْكي حتَّى يَبَلَّ لِحيتَه بالدموع.
بكى أبو هريرة رضي الله عنه يوماً فقيل له: مَا يُبْكِيْكَ؟ قَالَ: - مَا أَبْكِي عَلَى دُنْيَاكُمْ هَذِهِ وَلَكِنْ عَلَى بُعْدِ سَفَرِي وَقِلَّةِ زَادِي وَأَنِّي أَمْسَيْتُ فِي صُعُوْدٍ وَمَهْبَطُهُ عَلَى جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ فَلاَ أَدْرِي أَيُّهُمَا يُؤْخَذُ بِي؟ - فلهذا أبكي.
فاطمة بنت عبد الملك، زوجة عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين، تقول: ما رأيت أحداً أشد فرقاً، أي خوفاً، من ربه من عمر، كان إذا صلى العشاء جلس في المسجد ثم يرفع يديه فلم يزل يبكي حتى تغلبه عيناه، من النعاس، بكى يوماً فبكى أهل الدار، قيل له: يا عمر ما يبكيك؟ قال: - والله ذكرت منصرف القوم بين يدي الله، فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير، فلهذا أبكي -.

بين الاطمئنان في أيامنا والخوف عند السلف الصالح
أيها الإخوة الكرام: هذه أحوال الخوف وهؤلاء أيها الإخوة الذين ذكرتهم لكم من الخلفاء الراشدين والصحابة الكرام والتابعين الأجلاء، جمعوا بين منتهى العمل مع منتهى الخوف من الله تعالى، ونحن اليوم جمعنا بين قلة العمل واطمئنانٍ من عذاب الله، لا شك أن خوفهم هو خوف العقلاء، ولا شك أن اطمئنان بعضنا هو اطمئنان الساذجين، لأنه:

{ عن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "مَنْ خَافَ أَدْلَجَ، وَمَنْ أَدْلَجَ، بَلَغَ المَنْزلَ ألا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَاليةٌ، أَلا إِنَّ سِلْعةَ اللَّهِ الجَنَّةُ" }

(رواه الترمذي)

أَدْلَجَ: أي مشى في الظلمة.
الخوف علامة الإدراك
فمن يخاف فإن خوفه علامة إدراكه، أرأيت إلى أبٍ في حقلٍ يعمل في الأرض، ومعه ابنٌ صغيرٌ عمره لا يتجاوز السنتين، وظهر ثعبانٌ في الحقل، ربما هذا الطفل الصغير تقدم ناحية الثعبان، ومسح عليه، ولاعبه، وهو لا يدري ما هو الثعبان، فنظر الأب نظرةً فوجد الثعبان فارتعد خوفاً، لماذا خاف الأب ولم يَخَف هذا الطفل الصغير؟ لأن الأب يدرك ما معنى الثعبان، ويدرك أن لدغته قاتلة، أما الصغير فلا يدري ما هو الثعبان، فلم يخف، الذي يخاف هو الذي يدرك، وهؤلاء السلف الصالح كانوا يدركون عظمة الله، ويدركون أن أي تقصيرٍ في جانب الله تعالى، إنما هو تقصيرٌ في حق العبودية، فكانوا يخافون الله تعالى، وأما إذا وجدنا اليوم بعض المسلمين يرتكبون من المعاصي والآثام الكثير الكثير، ويحضرون الجلسات المختلطة، والنساء كاسياتٌ عارياتٌ، ثم ينام ملءَ عينيه، فهذا دليلٌ على عدم إدراكه، لأنه لا يدري ما عند الله، ولا يدري أنه عصى العظيم جلَّ جلاله:
"لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت"
{ (من كلام السلف الصالح) }
الله أمرك، ثم خالفت أمره، وأنت لا تُخالف أمر شخصٍ تظن أن أمرك بيده، ممن لهم سلطةٌ في البلد، ثم تعصي الله جهاراً نهاراً! هذا المسلم الذي يعصي الله اليوم لا يدرك ما عند الله.

المحمود و المذموم من الرخوف والرجاء
الخوف مع الحب هو الخوف المطلوب
لكن أيها الإخوة لا بد من ملاحظة: الخوف المحمود المطلوب شرعاً هو الذي يمنعك من معصية الله، فإذا أصبح الخوف هو أساساً في علاقتك مع الله، فأصبح الخوف مُقعِداً لك عن العمل، وعن الدنيا، وعن تربية الأولاد، وعن رعاية الزوجة، فهذا خوفٌ مذمومٌ، نحن لا نريد خوفاً مثبِّطاً، نريد خوفاً مع الحب، خوفاً يمنع من المعصية فحسب، لا خوفاً يُقعِد عن العمل، ويُقعِد عن الدنيا.
وفي المقابل أيها الإخوة لا بد من الرجاء، بعض السلف كان يقول: " لَمَّا عَلِمْتُ أَنَّ رَبِّيَ عَزَّ وَجَلَّ يَلِي مُحَاسَبَتِي زَالَ عَنِّي حُزْنِي؛ لِأَنَّ الْكَرِيمَ إِذَا حَاسَبَ عَبْدَهُ تَفَضَّل"، من سيحاسبك يوم القيامة؟ الله، قال: زَالَ عَنِّي حُزْنِي؛ لِأَنَّ الْكَرِيمَ إِذَا حَاسَبَ عَبْدَهُ تَفَضَّلَ، إذا حاسبت لئيماً يحاسبك على القِرش، لكن إذا حاسبت كريماً قال لك: اذهب، يتفضَّل عليك.
قال ابن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية يوم عرفة، وهو جاثٍ على ركبتيه، وعيناه تهمِلان، قلت له: من أسوأ هذا الجمع؟ جمع عرفة، قال: الذي يظن أن الله تعالى لا يغفر له، كريمٌ جلَّ جلاله.
عمر بن عبد العزيز: كان إذا دخل دار الخلافة قرأ قوله تعالى:

أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُون
(سورة الشعراء: الآية 205-206-207)

فلما حضرته الوفاة كان في قمة الرجاء، فقال:

تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)
(سورة القصص: الآية 83)

عاش على الخوف، وخُتِمَ له بالرجاء.
ضابط الخوف المحمود هو أن يمنعك عن المعصية
وهنا نقول أيها الإخوة؛ كما قلنا: إن ضابط الخوف المحمود هو أن يمنعك عن المعصية فحسب، فنقول: إن ضابط الرجاء المحمود هو الرجاء الذي يكون مع العمل، أما الرجاء الذي يكون مع التقصير، والتفريط، والإهمال في جنب الله، فهو ليس رجاءً، لكنه جهلٌ وغرورٌ وتفريطٌ، فمن يعمل يرجو رحمة الله

إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ
(سورة الأعراف: الآية 56)

ليست قريبةً من المفرطين، ولا من الغافلين، ولا من المتحدين بالمعاصي لله تعالى، هي (قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ).

أثر الخوف والرجاء في العلاقة مع الله تعالى
نُحب الله بقدر ما نرجوه ونخافه
أيها الإخوة الكرام: الرجاء والخوف ما إن يستقرا في قلب العبد المؤمن، حتى يكون في حالٍ مع الله ترضي الله، رجاءٌ وخوف، فإذا وجدت نفسك قد مالت إلى المعاصي، فتذكر ما أعده الله لمن عصى وعد إلى الجادة، وإن وجدت يأساً وقنوطاً، فقل: يا ربي ما أوسع رحمتك، نرجوه بقدر ما نخافه، ونخافه بقدر ما نرجوه، ونُحبه بقدر ما نرجوه ونخافه، هذه هي العلاقة مع الله تعالى.
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن توزنَ عليكم، واعلموا أن ملكَ الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسیَتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكیّس من دانَ نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، واستغفروا الله.

الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمین، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وليُّ الصالحین، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّیْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِیمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِیمَ فِي الْعَالَمِینَ إِنَّكَ حَمِیدٌ مَجِیدٌ.

الدعاء
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك يا مولانا سمیعٌ قریبٌ مجیبٌ للدعوات، اللهم برحمتك عُمَّنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا، لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنَّا كُنَّا مِن الظَالِمِينَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، أنت حسبنا عليك اتكالنا، (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) اللّهم اهدِنا فيمَن هَديْت، وعافِنا فيمَن عافيْت، وتَوَلَّنا فيمَن تَوَلَّيْت، وبارِك لَنا فيما أَعْطَيْت، وقِنا واصْرِف عَنَّا شَرَّ ما قَضَيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، إنَّهُ لا يذلُّ من واليتَ، ولا يعزُّ من عاديتَ، تبارَكتَ ربَّنا وتعاليتَ، لَكَ الحَمدُ عَلى ما قَضَيْت، وَلَكَ الشُّكرُ عَلى ما أَنْعَمتَ وَأَوْلَيت، اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين، وانصر الإسلام، وأعز المسلمين، اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، اللهم بفضلك ورحمتك فرج عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها فرجاً عاجلاً قريباً يا أرحم الراحمين، اللهم أطعم جائعهم، واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم، وآوِ غريبهم، اللهم أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء، اللهم اجعل هذا البلد آمناً سخياً رخياً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، اللهم انصر إخواننا المرابطين في المسجد الأقصى، وفي القدس الشريف على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، وَفِّق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، عباد الله (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).