خمسة أمور تعينك على الابتعاد عن المعاصي

  • محاضرة في الأردن
  • 2019-12-02
  • عمان
  • الأردن

خمسة أمور تعينك على الابتعاد عن المعاصي

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين.


خمسة أمور تمنع الوقوع في المعصية :
1 ـ أن يعلم العبد قبح المعصية ودناءتها :
وبعد أخواننا الأكارم؛ الحديث اليوم عن المعصية، وكلنا ذو خطأ، والإنسان ينسى فيخطئ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ، كلنا ذو خطأ:

{ كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ }

(رواه الترمذي)

هذه خمسة أمور تمنع الوقوع في المعصية، وقد استخلصتها من كلامٍ نفيس لابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى، خمسة أمور تمنع الوقوع في المعصية:
الحلال طيب، والحرام خبيث
أولاً: أن يعلم العبد قبح المعصية ودناءتها، وأن الله تعالى إنما حرمها صيانةً لجسمه ولنفسه ولروحه ولعقله، ما حرم الله تعالى شيئاً إلا كان شيئاً خبيثاً، ولا أحلّ شيئاً إلا كان شيئاً طيباً، قال تعالى:

وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
(سورة الأعراف: الآية 157)

حرم الله ما حرم ضماناً لسلامتك
فالحلال طيب، تطيب به النفوس، والحرام خبيث، تخبث به النفوس، بل إن الحلال ما سمي حلالاً إلا لأن النفوس تحلو به، والحرام ما سمي حراماً إلا لأنه يحرم العبد من القرب من مولاه، وهو أعظم ما في الدنيا وفي الآخرة، وهو القرب من الجليل جلّ جلاله، فالحلال طيب، والحرام خبيث، فإذا علم العبد قبح المعصية ودناءتها أعرض عنها، لماذا حرّم الله الحرام؟ هل حرمه حداً لحريتك أم حرّمه ضماناً لسلامتك؟ هذا السؤال، الذي يفهم أن المحرمات إنما حرمت حداً لحريته فهو بعيدٌ عن فقه الإسلام بُعد الأرض عن السماء، إنما حرم الله ما حرم ضماناً لسلامتك، كما أنك تمشي في الطريق فتجد لوحةً قد كتب عليها: توتر عال خطر الموت لا تقترب، فإذا شعرت أن واضع هذه اللوحة يريد أن يَحُدَّ من حركتك، وأن يعيق حركتك نحو ما تريد، فأنت ما فهمت الهدف من اللوحة، أما إذا فهمت أن هذه اللوحة إنما وضعت ضماناً لسلامتك لئلا تقترب فيجذبك التيار، فيحصل المحظور، فقد فقهت تماماً ما الذي أراده واضع القانون، هذا باختصار، فنحن عندما نقول: الحرام يحرم النفس من مناجاة ربّها، والحلال تحلو به النفوس، فالله ما أحلّ إلا الطيب، ولا حرم إلا الخبيث، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما تركت من شيءٍ- من شيءٍ هذا للعموم- يقربكم من الله إلا أمرتكم به، وما تركت من شيءٍ يبعدكم عن الله إلا نهيتكم عنه، فإنما أحلّ الله الحلال لتقترب من الله، وحرم الحرام لأنه يبعدك عن مولاك، والإنسان إذا استغنى عن طاعة الله - والعياذ بالله- يشقى بهذا الاستغناء.

{ مَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا أَمَرَكُمُ اللهُ بِهِ، إِلَّا وَقَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَا تَرَكْتُ شَيْئًا مِمَّا نَهَاكُمُ اللهُ عَنْهُ، إِلَّا وَقَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ }

(أخرجه الشافعي والبيهقي)

إذاً أول بند من البنود الخمس التي تمنع الوقوع في المعصي: أن يعلم العبد قبح المعصية ودناءتها.

مقاصد الشريعة :
أخواننا الكرام؛ كل الأوامر والنواهي في الشريعة جاءت لحفظ المقاصد الخمس، كلها، مقاصد الشريعة الخمس الكبرى، حفظ الدين، لأن الدين نجاتك في الأبد، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ العرض، هذه مقاصد الشريعة الكبرى.
حفظ الدين؛ فأي شيءٍ يسيء إلى دينك حرمه الله تعالى.
والنفس؛ فأي شيءٍ يهلك النفس من انتحار، من قتل، من إتعاب للنفس، من إجهاد لها، كلها محرم.
حفظ العقل؛ فحرم الخمر لحفظ العقل مثلاً.
حفظ المال؛ فالله تعالى حرم السرقة والربا وغيرها من المنكرات، والغش والخداع لحفظ مالك، فكما أنه جلّ جلاله أمرني ألا آكل أموال الناس بالباطل فقد أمر مليار ومئتي مليون مسلم في الأرض ألا يأكلوا مالي في الباطل، هكذا ينظر الإنسان، أنا أُمرت ألا آكل مال الناس بالباطل، لكن أُمِرَ الناس كلهم أيضاً ألا يأكلوا مالي بالباطل.
حفظ العِرض؛ أنا أُمرت أن أحافظ على أعراض الناس، لكن أُمِرَ الناس كلهم أن يحافظوا على عرضي.
بهذا المعنى جاءت المحرمات والمنهيات في الشريعة، فجاءت لحفظ العرض، والعقل، والمال، والنفس، والدين، هذه مقاصد الشريعة، فكل شيءٍ أحلّه الله لأن النفس تحلو به، وتطيب به، وكل شيءٍ حرمه الله تعالى لأن النفس تُحرم به من لذة القرب من الله تعالى.
المنكر تنكره الفطرة السليمة
يسمى المعروف والمنكر أيضاً؛ المعروف: تعرفه الفطر السليمة ابتداءً، المنكر: تنكره الفطرة السليمة ابتداءً، الكذب منكر، أي نفس سليمة تنكر الكذب، الصدق معروف، أي نفس سليمة تعرف هذا الأمر أنه شيء معروف واضح.

الاستسلام لأوامر الله :
إذاً أخواننا الكرام؛ النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قال؟ قال: "إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ"، بمعنى آخر الحلال بيّن بنتائجه الإيجابية المسعدة، "الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ"، الله تعالى بيّن الحلال وبيّن الحرام.

{ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: وأَهْوَى النُّعْمَانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلَى أُذُنَيْهِ: إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ الْقَلْبُ }

(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)

الاستسلام لله على قدر معرفتك به
قد يغيب عن ذهن الإنسان الحكمة من بعض المحرمات، لأن علمه قاصر، لكنه يستسلم لمولاه، أي لو أن إنساناً ذهب إلى الطبيب، والطبيب درس ست سنوات، وعمل اختصاصاً أربع سنوات، وفوقهما سنتين، صار يدرس اثنتي عشرة سنة، قال له: لا تأكل هذه المطعومات مثلاً، عد له بعض المطعومات، قد لا يفقه حكمة بعض المنهيات، لكنه يقول لك: هذا طبيب قد درس في أعرق الجامعات، فأنا ما فهمت لماذا نهاني عن هذا، لكن هو أخبر لأنه صاحب العلم، فقد يغيب عن ذهنك أنت أيها الإنسان لماذا حرم الله هذا الأمر، له حكمة جليلة لكن أنت غابت عنك، لكنك تستسلم لأنه الخبير العليم جل جلاله، فالاستسلام لله على قدر معرفتك به، كلما كان الإنسان أعظم معرفة بالله عز وجل يستسلم لأوامره أكثر، سيدنا إبراهيم أُمر أن يذبح ابنه، هل هناك أحد يعرف ما الحكمة عندما قال:

قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ
(سورة الصافات: الآية 102)

هل هناك إنسان يعرف ما الحكمة من أن يذبح إنسان ابنه؟ أبداً، لا يوجد، لكن:

فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ
(سورة الصافات: الآية 103)

العابد لله مستسلم لأمره
أنا أقول: لقد ذبح إبراهيم ابنه وإن لم يذبحه، لأن القضية انتهت، وضعه ويريد أن يذبحه، على فكرة كلما اتضح جانب الحكمة في الأمر الإلهي وفي النهي الإلهي ربما يضعف جانب العبودية فيه، وكلما غابت الحكمة عنك فأنت يقوى عندك جانب العبودية والاستسلام الله تعالى، كيف؟ أنت أيها الإنسان عندما تقول: أنا لا أطيع أمراً حتى أفهم حكمته، أنت في الحقيقة لا تعبد الله، أنت تعبد ذاتك، لأنّ الأمر الذي تجد فيه مصلحتك تفعله، والأمر الذي تغيب عنك المصلحة فيه تتركه، إذاً هذه ليست عبادة لله، لكن العابد لله تعالى يقول لك: أنا مستسلم لأمره سواءً فهمت الحكمة أم لم أفهمها، يكفي أن الله تعالى أمر.
أذكر مرة كنت أتابع على الشاشة لقاء بين شخص أسلم حديثاً، وشخص عالم من علماء الإسلام، فسأل الشخص المسلم حديثاً هذا العالم الكبير، قال له: لماذا حرم الله لحم الخنزير؟ ما الحكمة من تحريم لحم الخنزير؟ وما حكمه؟ قال له: حرام، وأخذ يعدد له الأضرار الجسمية والنفسية الناتجة عن هذا المحرم، الدودة الشريطية، وأنه إذا طبخ اللحم مهما غلي لا تذهب الدودة، والنفس تخبث بلحم الخنزير، ويتطبع بطباع الخنزير، وهناك حكم كثيرة يعرفها أهل الاختصاص، فعدّ له في دقائق ربما خمس دقائق أو كذا، فلما انتهى قال له هذا المسلم حديثاً، هو غير عربي، مسلم حديثاً، قال له: كان يكفيك أن تقول لي: إن الله حرّمه، كان يكفيك بالنسبة لي أن تقول لي: إنّ الله حرمه، أي أنا يكفيني أن تقول لي: حرام لأن الله حرّمه، هذا الاستسلام.

2 ـ الحياء من الله :
إذاً خمسةٌ تمنع الوقوع في المعصية، أولاً: أن يعلم العبد قبح المعصية ودناءتها، وأن الله تعالى لم يحرمها إلا لأن فيها خبثاً للنفس والجسد والروح والعقل، هذه الأولى.
الثانية: الحياء من الله، يقول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح:

{ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، قَالَ لَيْسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ }

(أخرجه الترمذي)

اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، قالوا يا رسول الله: إِنَّا نَسْتَحْيِي من الله وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، أي نحن نستحي من الله والحمد لله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ ذَاكَ" - يبدو أنكم ما فهمتم مقصودي أن استحيوا من الله، نحن نستحي من الله، من منا لا يستحي من الله- قال: لَيْسَ ذَاكَ، الحياء من الله حق الحياء أن: - الآن احفظوا هذه، حق الحياء من الله ما هو؟- تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ".
الشرح: أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، لا تدخل لرأسك شيئاً لا يرضي الله عز وجل، تقول: أنا متأثر بالفكر الغربي بهذه المسألة، موضوع قطع اليد كأنها غير مناسبة لهذا العصر، نحن بالقرن العشرين، هذا ما حفظ الرأس وما وعى، كأنني أرى في بعض، هذا نسمعه اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي- الأحكام الشرعية ظلماً للمرأة، ما شاء الله ومن أنت؟
يقولون هذا عندنا غير جائزٍ فمن أنتم حتى يكون لكم عند؟ ***
{ ابن دقيق العيد رحمه الله }
يجب أن يكون الفكر والتصور صحيحاً
من أنتم؟ هذا إله يشرع، أنت تقول: كأني أرى، من أنت؟ فأَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، هذا الشبهات، لأن اليوم الشبهات كثيرة، أي لا ينبغي أن تدخل إلى رأسك شيئاً فيه مخالفة لشرع الله عز وجل، العقل الفكر، أن يكون الفكر والتصور صحيحاً، الإسلام عظيم، الإسلام منهج الله، الإسلام وحي السماء، كتاب وسنة، لا ينبغي أن أدخل الشبهات إلى عقلي، وأن تستقر في ذهني، هذا الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، لا تدخل إلى بطنك لقمةً من حرام، انظر فيما تأكل، هذا المال حلال أم حرام؟ ودائماً يعبر بالمال يأكلون المال الحرام لأن أكثر ما يستخدم المال للأكل، وهذا لا يعني أنه يستخدم لشيء آخر مسموح، لا، معاذ الله، الحرام حرام، أي إذا اشترى ألبسة نفس الشيء، لكن يستخدم دائماً يأكلون أموال الناس لأن أغلب ما يفعل بالمال هو الطعام والشراب، قال: وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، أي لا تدخل إلى جوفك لقمةً من حرام، الآن: وأن تَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، الْبِلَى: المصائب، تذكّر الإنسان الموت، وسنأتي على هذه النقطة بعد قليل، يستحي من الله أن يقع في معصيته، قال: وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، ما قال: ترك الدنيا، انتبهوا، انظروا الدقة النبوية، قال: وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ، الإنسان يريد الآخرة لا يريد الدنيا، لكنه يتخذ الدنيا مطيةً للآخرة، فماذا يترك؟ هل يترك الدنيا فيأخذها غيره ويعلو بها؟ لا، قال: وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، لأن الشيطان يزين لهم:

وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
(سورة النمل: الآية 24)

الدنيا ممر للآخرة
ماذا تعني الزينة؟ أي أنت اليوم لو جئت ببعض القمامة- أجلكم الله- ووضعتها في علبة، وغلّفت العلبة بشكل جيد، علبة بيضاء ووضعت عليها وردة حمراء، هذه القمامة أصبحت مزينة، فأنت ظننتها شيئاً، وهي ليست بشيء، هي قمامة لكنها زُيِّنت لك، من أعمال الشيطان أنه يُزيّن لك المعصية، يُزيّن لك الدنيا، فأنت اترك الزينة وخذ حقيقة الدنيا، حقيقة الدنيا أنها ممرٌ للآخرة فخذ منها، ولا تنس نصيبك من الدنيا بما يوصلك لدار السلام بسلام، هذا هو المعنى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ، هذا الحديث يكفي في موضوع الحياء من الله، أي الحياء من الله ناتج عن المراقبة، متى راقب الإنسان ربه أنه مطّلعٌ عليه؟ استحيا منه أن يقع في معصيته، فكيف تعصيه وهو يراك؟

اطلاع الله على الناس بعلمه و قدرته :
الله معي، الله ناظرٌ إليّ
يقول سهل بن عبد الله التَسْتُرِيّ: كنت صغيراً أقوم في الليل فانظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار، أحد الصالحين، فأنظر إلى صلاته فتعجبني - أتساءل: خالي ماذا يفعل في الليل؟ ينهض في الليل ويقول: الله أكبر وببطء وكذا؟- فجعلت أنظر إليه، فقال لي: يا سهل قل في نفسك وسرك كل يوم ثلاث مرات: الله معي، الله ناظرٌ إليّ، الله شاهدي، قال: فجعلت أقولها في سري - هو لا يدري، قال: كل يوم قلها- فقال: فجعلت أقولها، قال: فلما كبرت قليلاً قال: اجعلها سبع مرات، قال: فجعلت أقول كل ليلة، الله معي، الله شاهدي، الله ناظرٌ إليّ، سبع مرات، قال: فوجدت حلاوتها في قلبي، قال: فلما كبرت قال لي خالي: يا سهل من كان الله معه، ناظراً إليه، شاهداً عليه، أيعصيه؟ قلت: لا، قال: إياك والمعصية.
علمه بالتلقين، الله معي، الله ناظرٌ إليّ، الله شاهدي.

{ الإحْسَانُ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ }

(صحيح البخاري)

{ أفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه حيث كان }

(ابن مردويه والبيهقي عن عبادة بن الصامت)

مطّلع عليه بعلمه وبقدرته.

أداء الشعائر و تحقيق غايتها و مقصدها :
يوم كنّا صغاراً جميعاً كانوا يروون لنا قصة بائعة الحليب، تعرفونها؟ ليست قصة ليلى والذئب هذه القصة ليس لها عبرة، أما بائعة الحليب ففيها عبرة:
قالت بنية قومي فامزقي اللبــــــــــن فالماء سوف يزيد الوزن والثمن قالت لها البنت يا أماه معـــــــــــذرةً فقد نهى عمر أن نخلط اللبــــــــــن قالـت الأم أنـــــــــــــى يرى عمـــــــــــــرٌ صنيعنا إنما الفاروق ليس هنـــــا قالت البنت لا تـفـعـلــــــــي أبــــــــــــداً فالله يعلم مـنا الــســــــــــر والعـــلـن إن لم يكن عمر الفاروق يبصرنا فإن رب أبي حفصٍ هنا معنــــــــــا ***
{ بائعة اللبن - جدة عمر بن عبد العزيز }
إن لم يكن عمر يرانا فإن رب عمر يرانا، الفاروق رضي الله عنه كان يتفقد رعيته ليلاً فسمع مقالتها، ففي الصباح أرسل زيد بن أسلم قال: اطرق الدار، انظر من فيه؟ فإذا فتاة وجدتها مع أمها، فتاة صغيرة في عمر الزواج، هذه التي قالت: إن لم يكن عمر يرانا فإن رب عمر يرانا، فجاء إلى أولاده قال: والله لو كان لي حركة إلى النساء لتزوجتها، لكن أنا لا أريد أن أتزوج، فمن منكم يتزوجها؟ يريد أن يزوجها لأحد أولاده، فقال الأول: لي زوجة، وقال الثاني: لي زوجة، فقال عاصم: أنا ليس لي زوجة أنا أتزوجها، فزوّجها لعاصم، حفيدهم عمر بن عبد العزيز، الذي أعاد للخلافة راشديتها، لأن عمر رضي الله عنه عَلِمَ أن الفتاة التي تستحي من الله وتراقب الله ستنشئ جيلاً مختلفاً تماماً، إن لم يكن عمر يرانا فإن رب عمر يرانا.
حقيقة الدين مراقبة لله
هذا الراعي الذي كان يرعى في شعف الجبال وجاءه ابن عمر رضي الله عنه، ابن سيدنا عمر أيضاً، جاء - وهم كانوا في الطريق وأرادوا أن يأكلوا- وقال للراعي: تعال كل معنا، فقال: إني صائم- أنا صائم اليوم- قال له: في هذا الحر؟ قال له: أبادر أيامي، ستأتيني أيام أحر، أصومه ليومٍ أشد منه حراً، قال: أبادر أيامي، فأراد أن يمتحنه، لأنه عندما سمع منه أنه صائم وفي هذا الحر الشديد ومعه العديد من الأغنام في شعف الجبال يا ترى هل هذا كلام بكلام أم واقع؟ فقال له: بعني هذه الشاة نذبحها ونأكلها، قال: ليست لي، كيف أبيعك إياها هي ليست لي؟ قال له: قل لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب، أي لها حل، قال له: إنّي لفي أشد الحاجة إلى ثمنها، ولو قلت لصاحبها: ماتت أو أكلها الذئب لصدقني فإني عنده صادقٌ أمين، قال: ثم انصرف الراعي يرفع إصبعه إلى السماء يقول: أين الله؟ أين الله؟ إذاً هذا الأعرابي استطاع أن يفهم حقيقة الدين، حقيقة الدين أين الله؟ أن ترى أن الله يراقبك، مطلعٌ عليك، شاهدك، ناظرك، هذا هو الدين، هو مراقبة لله، الباقي شعائر ومهمة جداً ولا يمكن التنازل عنها أبداً، لكن حقيقة الدين أن تصل إلى مرحلة أين الله؟ كلاهما متكاملان الشعائر والمعاملة، أي هناك سلوكان اليوم مرفوضان، السلوك الأول، شخص يقول لك: إيماني في قلبي، تقول له: كأننا لا نراك في الصلاة، يقول لك: هذه الصلاة حركات وسكنات أنا المهم معاملتي للناس، انظر إلى الذين يصلون ماذا يفعلون؟ هذا تلبسة، امرأة غير محجبة تمشي في الطريق، لماذا لا تتحجبين؟ الحجاب ليس له علاقة، الإيمان في القلب، هذا سلوك مرفوض، الإسلام شعائر ومعاملة، والصنف الثاني إنسان بالصف الأول في المسجد لكنه يؤذي الناس ويغشهم، وامرأة محجبة وملتزمة كانت تتكلم في أعراض النساء، فكلاهما مرفوض، بالإسلام الكل متكامل لا يتجزأ، العبادة الشعائرية مطلوبة لكن لابد أن تحقق هدفها في معاملة الناس:

إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ
(سورة العنكبوت : الآية 45)

{ رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ وَالعَطَشُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ }

(رواه النسائي وابن ماجه)

فالمطلوب أداء الشعائر، والمطلوب أن تحقق الشعائر مقصدها وغايتها، ولا يغني واحدٌ عن الآخر.

3 ـ أن يعلم أن النعم التي هو فيها إنما تزول بمعصية الله :
المعاصي تزيل النعم
خمسةٌ تمنع الوقوع في المعصية، أولاً: أن يعلم العبد قبح المعصية ودناءتها، وأن الله تعالى إنما حرمها صيانةً له ولنفسه ولجسده الخ...، ثانياً: أن يستحي من الله حق الحياء، وذكرنا ما هو حق الحياء، ثالثاً: أن يعلم أن النعم التي هو فيها إنما تزول واحدةً واحدةً بمعصية الله، كلنا في نِعم والمعاصي تزيل النعم، يقول صلى الله عليه وسلم: " قد يحرم العبد الرزق بالذنب يعمله" قد يحرم العبد الرزق بالذنب يُصيبه، فالإنسان إذا عصى الله تعالى زالت عنه النعم، نحن في نعم كثيرة، الصحة نعمة، والمال نعمة، والكفاية نعمة، والزوجة نعمة، والولد نعمة، والبيت نعمة، كلنا مغمورون بنعم الله، فالمعاصي تُزيل النعم، فينبغي أن يعلم العبد أن المعصية التي هو فيها تزيل النعم التي أنعم الله بها عليه، بينما شكره يزيدها:

{ عن ثوبانَ مولَى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: لا يَزيد في العُمْر إلا البِر، ولا يردُّ القدَرَ إلاَّ الدُّعاء، وإنَّ الرجل ليُحرم الرِّزقَ بالذنب يُصيبه }

(رواه ابن ماجه والنَّسائي)

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود: "إِنِّي لَأَحْسَبُ الرَّجُلَ يَنْسَى الْعِلْمَ كَانَ يَعْلَمُهُ بِالْخَطِيئَةِ يَعْمَلُهَا".
الإمام الشافعي رضي الله عنه رحل من مصر إلى المدينة المنورة ليلقى إمام عصره الإمام مالك رحمه الله، فقبل أن يذهب إليه أخذ مُوَطَّئَهُ، موطَّأ الإمام مالك فيه آلاف الأحاديث، أخذه وحفظه بأسانيده عن ظهر قلب، حفظ المُوطّأ كاملاً، فلما وصل المدينة جلس بين يدي الإمام مالك يقرأ عليه المُوطّأ حديثاً حديثاً، فكان- كما يقول الشافعي- ينظر الإمام مالك إليّ مدهوشاً، هذا الشاب كيف حفظ هذا الحفظ؟ فكان ينظر إليه مدهوشاً، قال: فأتممت قراءته في أيام، كل يوم، كل يوم، يقرأ عليه حتى أتم قراءة الموطأ، فلما انتهى منه قال: "يا غلام إِنِّي لأَرَى اللَّهَ قَدْ أَلْقَى في قَلْبِكَ نُورًا، فَإِيَّاكَ أَنَّ تُطْفِئْهُ بِظُلْمَةِ الْمَعْصِيَةِ"‏، فكان الشافعي يقول:
شَكَوْتُ إلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي فَأرْشَدَنِي إلَى تَرْكِ المعَاصي وَأخْبَرَنِي بأَنَّ العِلـــــــــــــْمَ نُــــــورٌ ونورُ الله لا يهدى لعاصــــي ***
{ الإمام الشافعي - العصر العباسي }
فكل معصيةٍ لها نعمةٌ تُزِيلُها هذه الثالثة.

4 ـ أن يعلم أن لكل معصيةٍ عقاباً :
أما الرابعة فكل معصيةٍ لها عقاب.
الأولى: أن يعلم العبد قبح المعصية ودناءتها، الثانية: أن يستحي من الله حق الحياء، الثالثة: أن يعلم أن المعاصي تُزيل النعم، الرابعة: أن يعلم أن لكل معصيةٍ عقاباً.
يقول عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: " إِنَّ للمَعْصِيَةِ سَوَاداً فِي الْوَجْهِ، وَظُلْمَةً فِي الْقَبْرِ، وَوَهْناً فِي الْبَدَنِ، وَنَقْصاً فِي الرِّزْقِ، وَبُغْضَةً فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ، وإِنَّ للطاعة بياضاً فِي الْوَجْهِ، وَنُورًا فِي الْقَبْرِ، وَقُوَّةً فِي الْبَدَنِ، وَسَعَةً فِي الرِّزْقِ، وَمَحَبَّةً فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ".
فكل معصية لها عقاب، وكل معصية تُزيل نعمة.

إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ
(سورة الرعد: الآية 11)

أعظم عقاب للمعصية
أعظم عقاب للمعصية أن يُحجب الإنسان عن ربه في الدنيا أو في الآخرة، يظن الإنسان أن هذا أهون عقاب، لكنه أعظم عقاب ألا يشعر بالقرب من الله عز وجل، وأن الله معه يدعمه، يؤيده، ينصره، أن يشعر بأن الله تخلى عنه:

كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ
(سورة المطففين: الآية 15)

ومن أعظم العقوبات على المعصية والعياذ بالله سوء الخاتمة.
يذكر ابن القيم رحمه الله في بعض كتبه وينقل القصة موثقة عنده جرت في عهده أو قريباً منه، أن هناك مؤذناً كان يؤذّن في مسجد، مؤذّن وما أعظم هذه المهنة! أطول الناس أعناقاً يوم القيامة، لكن يبدو في دينه رِقَّة، أي ليس متمكناً من إيمانه، فخرج يوماً ليؤذّن فإذا بامرأة تسأله: أين حمام منجاب؟ حمام منجاب حمام قديم معروف كان يبدو في الشام، فقالت: أين حمام منجاب؟ قال: فوقعت في قلبه هذه المرأة، فأشار لها إلى باب داره، فدخلت في السرداب فدخل وراءها وأغلق الباب، فلما رأت أنها قد وقعت في شراك المعصية وهي لا تريدها قالت له: يصلح أن يكون معنا الليلة ما يطيب به عيشنا؟ فقال: الآن آتيك بكل ما تشتهين، فخرج يبحث ويأتي بالطعام والشراب، فهربت، فلما رجع لم يجدها، فجعل ينشد ويقول:
يَا رُبَّ سائلةٍ يَوْمًا وقد تعبت أَيْن الطَّرِيق إِلَى حمام منْجَاب؟ ***
{ شعر من التراث العربي عن سوء الخاتمة في العصر العباسي }
وترك الأذان وأصبح كلما تغنى يتغنى بهذا الشعر يَا رُبَّ سائلةٍ يَوْمًا وقد تعبت، أَيْن الطَّرِيق إِلَى حمام منْجَاب؟ يقول ابن قيم: فلما حضرته الوفاة، قال له بعض من عنده قل: لا إله إلا الله، فجعل يقول: يَا رُبَّ سائلةٍ يَوْمًا وقد تعبت، أَيْن الطَّرِيق إِلَى حمام منْجَاب؟ فمن أعظم مصائب المعصية سوء الخاتمة، ولو تدبر الإنسان في هذا العقاب وحده لكفاه أن يقول: بعداً عن المعصية وأن يتوب إذا أحدث المعصية لأننا كلنا أصحاب خطأ، لن نكذب على أنفسنا، لكنه لا يصر على معصية ولا يفعلها استعلاءً، أو إصراراً، أو مداومةً، وإنما يتوب منها فوراً ويدعها.

5 ـ قصر الأمل وتذكر الموت :
خمسةٌ تمنع الوقوع في المعصية، أن يعلم العبد قبح المعصية ودناءتها، أن يستحي من الله حق الحياء، أن يعلم أن المعاصي تزيل النعم واحدةً واحدة، أن يعلم أن لكل معصيةٍ عقابا، والخامسة: قصر الأمل وتذكر الموت، الإنسان الذي يطول أمله يتمادى في المعاصي، والذي يذكر الموت دائماً (كفى بالموت واعظاً يا عمر) أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ:

{ عن أبي هريرة قال: قال رسولُ الله ﷺ: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَادِمِ اللَّذَّاتِ، الموت }

(رواه الترمذي، والنَّسائي)

فالموت يقطع كل اللذائذ، ويقطع كل المتع الدنيوية، فإذا تذكر الإنسان الموت وتذكر أن له موقفاً بين يدي الجليل عندها يسارع إلى التوبة.
الموت يقطع كل اللذائذ
روى ابن قدامة في كتابه "التوابون" بأن هناك شخصاً اسمه دينار العيار، وكانت له أم تعظه فلا يتعظ، يا بني تب، يا بني، يا بني، فلا يتوب، قال: ثم إنه مرَّ يوماً بمقبرةٍ فوجد فيها عظماً نخراً قد خرج من القبر، فأمسكه في يده ففتته فتفتت، فقال: كيف بك يا نفس إذا صار عظمك رفاتاً وجسمك تراباً وما زلت مكبةً على المعاصي والآثام؟ هو كان مسرفاً على نفسه، ثم رجع إلى البيت فجعل يبكي ويستغفر ويتوب ويصلي، قالت له أمه: يا بني أتعبت نفسك، كانت تعظه فلا يتعظ، ثم اتعظ بالموت، فصارت تقول: خفّف عنك، أتعبت نفسك، قال يا أماه: راحتها أريد، يا أماه إنّ لي موقفاً بين يدي الله تعالى إما إلى ظل ظليل، وإما إلى شر مقيل، فتذكُّر الموت، وبأن الأمل قصير، وبأن الدنيا فانية، وبأن لنا موقفاً بين يدي الله يعين الإنسان على أن يقلع عن المعاصي، وأن يتوب من بعضها إن وقع فيها.
هذه إذاً خمسةٌ تمنعنا أو تعيننا على ترك المعصية، أن يعلم العبد قبح المعصية ودناءتها، وأن الله إنما حرمها صيانةً لنفسه، وجسمه، وعقله، وروحه، وأن يستحي من الله حق الحياء، وأن يعلم أن المعاصي تزيل النعم، وأن يعلم أن لكل معصيةٍ عقاباً، وأن يتذكر الموت فيقصر أمله.

العلاقة بين المعصية ونتائجها والطاعة ونتائجها علاقة علمية :
المعصية وبال بذاتها
أخواننا الأحباب؛ تذكرت عندما قلنا لكل معصية عقاب، العلاقة بين المعصية ونتائجها علاقة علمية، ماذا يعني علاقة علمية؟ أي هناك مدفأة، المدفأة القديمة تعرفوها، وهذه المدفأة مشتعلة في الشتاء فعندما يُقرّب الإنسان يده منها، ويضع يده على المدفأة ستحترق، العلاقة بين الفعل ونتائجه علاقة علمية، المدفأة تحرق، الموضوع ليس موضوع يكون أو لا يكون العقاب أو النتيجة ستحصل أو لن تحصل، المعصية لها نتيجة سيئة حكماً، إنسان يقود شاحنة كبيرة مرتفعة، وهناك جسر وسيارات أمامه، ومكتوب على الجسر: أربعة أطنان و نصف، ماذا يعني هذا الكلام؟ أي إذا سيارتك أكثر من أربعة أطنان و نصف لا تمر، فهو أوقف سيارته لأنها خمسة أطنان، وقال: يبدو أنه ليس هناك شرطة لأستعجل وأمر، هذا غبي، الموضوع ليس له علاقة بالشرطة، لا تحتاج إلى شرطي يعاقبك، الجسر وحده سيعاقبك، فأنت عندما تتعامل مع الله عز وجل بأن المعصية ليست الموضوع، فالمشكلة أن المعصية نفسها وبال، فالمعصية هي بنفسها تعاقبك، فالإنسان عندما- والعياذ بالله- يعصي ربه فنتيجة الخطأ حتمية، سيخطئ، سيأخذ نتيجة، وبالمقابل تماماً الطاعة ونتائجها علاقة علمية، فأنت عندما تطيع الله ستجد راحة في نفسك، ستجد أُنساً بالله عز وجل، ستجد قرباً من الله، ستجد خيراً من الله عز وجل، فالطاعة نتائجها فيها والمعصية بذور نتائجها السيئة في داخلها.
والحمد لله رب العالمين