• الحلقة العاشرة
  • 2016-05-14

دينار العيّار

الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ، وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.


قصة دينار العيّار و توبته إلى الله :
تروي كتب التاريخ قصة رجلٍ اسمه دينار العيار، كان مسرفاً على نفسه، كثير المعاصي، وكانت له أمٌ تعظه فلا يتعظ، مرّ يوماً بمقبرةٍ قد خرجت منها بعض العظام، فأخذ عظماً نخراً في يده ففتته، ثم خاطب نفسه قائلاً: ويحك يا نفس كأن بك وقد صار عظمك رفاةً، وجسمك تراباً، ومازلتِ مُكِبَّةً على المعاصي واللذائذ والشهوات، ثم ندم من فوره، وعزم على التوبة، ورفع رأسه إلى السماء قائلاً: إلهي ألقيت إليك مقاليد أمري فاقبلني واسترني يا أرحم الراحمين، ثم مضى إلى أمه متغير اللون، منكسر القلب، فكان إذا جنّ عليه الليل أخذ في القيام والبكاء وهو يقول: يا دينار ألك قوة على النار؟ كيف تعرضت لغضب الجبار؟ وظلّ على ذلك أياماً يقوم ويناجي ربه، ويؤدب نفسه، ويحاسبها، فرفقت به أمه وقالت: ارفق بنفسك قليلاً، فقال: يا أماه دعيني أتعب قليلاً لعلي أستريح طويلاً، يا أماه إن لي موقفاً بين يدي الجليل ولا أدري إلى ظلّ ظليل أم إلى شَرٍّ مقيل، أني أخاف عناء لا راحة بعده، وتوبيخاً لا عفو معه، قالت: بني أكثرت من إتعاب نفسك، قال: يا أماه راحتها أريد، إن لابنك في القبر حبساً طويلاً، ثم إن له وقوفاً بين يدي الرحمن الرحيم، وتمر الليالي وهو يقوم يقرأ قوله تعالى :

فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ
(سورة الحجر: الآية 92-93)

هذا هو الموقف.

الخوف من الله عز وجل و الصلح معه :
الخوف من الله عز وجل
وأما العبرة فهي الخوف من الله عز وجل، نريد خوفاً مقروناً بالحب، خوفاً يدفع إلى العمل لا إلى اليأس، خوفاً يصل بنا إلى درجةٍ تشيب لها الرؤوس كما شيبت سورة هودٍ النبي عليه الصلاة والسلام، خوفاً يدفع إلى العمل والانتباه لا خوفاً يهز المشاعر، ويرسل العبرات، ثم يمضي إلى حال سبيله، فنعود بعد رحيله إلى ما كنا عليه من الغفلة والنوم.

{ تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تغير الهواء وهبت ريحٌ عاصفة يتغير وجهه، فيقوم ويتردد في الحجرة، ويدخل ويخرج كل ذلك خوفاً من عذاب الله }

( أحاديث إحياء علوم الدين)

{ كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذا ذهب ثُلُثَا الليلِ قام فقال: يا أيُّها الناسُ اذكُروا اللهَ، اذكروا اللهَ، جاءتِ الراجفةُ تَتْبَعُها الرادِفَةُ، جاء الموتُ بما فيه }

(رواه الترمذي)

تقول فاطمة بنت عبد الملك زوج عمر بن عبد العزيز: ما رأيت أحداً أشد فرقاً - أي خوفاً من ربه- من عمر، كان إذا صلى العشاء جلس في المسجد ثم يرفع يديه، فلم يزل يبكي حتى تغلبه عيناه، ثم ينتبه فلم يزل رافعاً يديه يبكي حتى تغلبه عيناه، فبكى يوماً فبكت فاطمة فبكى أهل الدار لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء، فلما تجلى عنهم وطلع الصباح قالت فاطمة زوج عمر: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين مم بكيت؟ ما سبب بكائك؟ قال: ذكرت منصرف القوم بين يدي الله تعالى فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير ثم بكى.
قصة دينار العيار تذكرنا بالله تعالى
أيها الأخوة، أيتها الأخوات؛ قصة دينار العيار تذكرنا بالله تعالى، وتدفعنا إلى التوبة إليه، والصلح معه، والخوف منه.
أسأل الله عز وجل أن يرزقنا حبه، والخوف منه معاً، إنه ولي ذلك، والقادر عليه، وإلى لقاءٍ آخر.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته