• الحلقة الثامنة
  • 2021-03-28

يوسف مع السجينين


مقدمة:
الدكتور مراد:
الحمد لله رب العالمين، أحمدك يا رب حمد الشاكرين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه الغر الميامين.
أعزائي المشاهدين؛ أهلاً وسهلاً بكم في برنامجكم: "رحلة الصديق"، اليوم حلقتنا بعنوان: "يوسف مع السجينين"، واسمحوا لي أن أرحب بضيوفي الكرام؛ الأستاذ الدكتور محمد الفاعوري من جامعة العلوم الإسلامية عبر السكايب، أهلاً وسهلاً بك دكتور.

الدكتور محمد الفاعوري:
حياكم الله، وأهلاً وسهلاً بكم، ونفع الله بكم.

الدكتور مراد:
حياكم الله، وأيضاً أخي الدكتور بلال نور الدين أهلاً وسهلاً بك، وأسعد الله مساءك.

الدكتور بلال:
أسعدكم الله أخي الدكتور مراد، أكرمك الله.

الدكتور مراد:
حياكم الله، ونحن نتكلم عن يوسف عليه السلام، اليوم عندما ودعناه إلى السجن سنتكلم عن يوسف مع السجينين، سنحاول في هذه الحلقة أن نلتقط بعض النسائم الإيمانية والتربوية، دخول يوسف عليه السلام السجن ظلماً وعدواناً، وما ذكره الله عز وجل عند دخوله ولقائه بالفتيان، وماذا جرى بينهما من حوار، كل هذا سنناقشه، سنتكلم به بعد أن نأخذ هذه المقاطع من سورة يوسف، ثم نعود إليكم.

وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)
[ سورة يوسف ]

صدق الله العظيم.
نجدد الترحاب بضيفينا؛ الدكتور محمد الفاعوري عبر السكايب من جامعة العلوم الإسلامية، وأخي الدكتور بلال نور الدين، حياكم الله.
دكتورنا؛ سمعنا محطة آياتنا لهذا اليوم، المحطة التي سنقف عليها، دكتور محمد سيدنا يوسف يودع في السجن، وفرق بين سجين وسجين، سجين مظلوم، وسجين دخل السجن هارباً من المعصية والخطأ وليس واقعاً فيه، وقد قال العلماء: ولو اختار سيدنا يوسف غير السجن لأخذه، ما تعليقك؟ وماذا نتعلم عن هذه الوقفة أخي الدكتور محمد؟

اختيار يوسف عليه السلام السجن والصبر عليه:
الدكتور محمد الفاعوري:
نبارك في هذه البرامج الطيبة النافعة، وأسأل الله تعالى أن يجعل هذه الأحاديث التي تدور في ظلال القرآن مما ينفعنا عند ربنا الكريم المنان، إنه سبحانه سميع الدعاء.
حقيقة قصة يوسف عليه السلام كأنك تتنقل مع كاميرات تسير مع هذا الصغير الشاب في الجب، يتحرك شيئاً فشيئاً، قصة جميلة، إذا كان الحديث عن يوسف، وكان القاص والمتحدث، والحاكي لنا، والمخبر هو الله تعالى، فانظر إلى جمال الكلمات والعبارات والأخبار، نعم إنه سجن، لكن نحن نعيش مع جمال الآيات بالرغم مما نعلم من شدة السجن وكربته في حياة يوسف عليه السلام.

قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33)
[ سورة يوسف ]

ما قال: أهون عليّ، ما قال: أيسر عليّ، قال
(أَحَبُّ إِلَيَّ)
هنالك إشارات يشير إليها علماء التفسير، وإن كان هذا ليس المقام إلا أن نمر في الظلال.
قال: (أَحَبُّ إِلَيَّ) لأنه يريد أن يقطع مطامع النساء تجاهه، أنه يختار أصعب مكان يراه الناس وهو أن تقيد الحريات مقابل أن يكون في حرية، يظن الناس أنها في معصية.
النظر إلى التعلق الإلهي مع الله عز وجل
نعم يوسف عليه السلام رضي الله تعالى عنه، بالرغم من مقاماته العالية عليه السلام يعيش هذه اللحظة (أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) والظاهر أن القضية لم تتوقف على امرأة العزيز فحسب، بل إن النسوة كأنهن اخترن هذا الشاب بعدما رأين منه من إبداع خلق الله تعالى له، هن ينظرن إلى جمال منظره، وهو ينظر إلى جمال روحه في تعلقه مع ربه عز وجل، هنَّ ينظرن إلى ذلك الجمال البشري، وهو ينظر إلى التعلق الإلهي مع الله عز وجل، نعم السجن فيه ظلمة، فيه وحشة، فيه خوف، لكن مطامع الدنيا كلها تقطع في هذا.
وما ذكرته دكتورنا الحبيب، دكتور مراد؛ أنه هو من اختار هذا المكان السجن، أن يكون في هذا المقام الصعب نعم لأن المشقة عند الأنبياء، وما تكاد ترى نبياً إلا عاش المشقة بتنوع أحوالها، بردٌ أو إخراجٌ أو سجن، ونبينا عليه الصلاة والسلام المثل الأعلى، والمعلم الأول، كان قد عاش حياة الأنبياء في كل صورها من الإيذاء والمعاناة، والشدة والكرب، ثلاث سنوات في شعب أبي طالب، كلها يعيشها في مثل هذه الأحداث.
الصبر لا يكون إلا على البلاء
لماذا يقول: (أَحَبُّ إِلَيَّ) مع أنه ورد عند الترمذي الرجل الذي جاء النبي الصحابي، وسأل الله الصبر، فقال عليه الصلاة والسلام: إنك تسأل الله تعالى البلاء؟ لأن الصبر لا يكون إلا على البلاء، فما بال يوسف كما قال البعض لم يختر غير السجن، يوسف عليه السلام يتكلم في مقام الورود، والمقدور عليه، لأن البشرية لا تنطبق على الأنبياء، لأنه هو يعيش في واقع، إما أن يكون في السجن، وإما أن ينصاع للنساء، فليس هنالك حل، فمقام الورود هو الذي يحدد المقصود، وهذا جمال فهم الأنبياء، وجمال المدرسة التي نتعلم من الأنبياء فيها أن نطلب من الله تعالى ضمن المقدور، وليس أوسع من ذلك، هذه اللفتة التي أشرت إليها دكتور مقصودها أنه لماذا اختار السجن؟ لماذا عاش في السجن؟ لماذا طلب هذا المقام؟ لأن هذا مقام الورود، وإلا فنحن نسأل الله تعالى العافية، كما جاء في حديث النبي عليه الصلاة والسلام، فكل هذه الأخبار تدلك على هذا المقام.
(أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) أيضاً هنا الجمال، الصبا والصبوة، وريح الصبا التي قالوا فيها: والصبابة كلها تدور في العشق، والليل، والجهل، والطغيان إذا طغت نفس الإنسان، إذا طغت شهوة الإنسان على نفسه وقبوله لربه ضاع كل شيء، ولكن يتجلى لنا كلام البوصيري الذي يقول:
والنفس كالطفل إن تهمله شبّ على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم
{ قصيدة البُردة للإمام شرف الدين أبي عبد الله محمد بن سعيد البوصيري }
والرجل التي أحب امرأةً سوداء فقال:
أحب لأجلها السودان حتى أحبّ لأجلها سود الكلاب
{ أبو الهدى الصيادي }
هذا على ماذا يدل؟ هذا يدل على خوف يوسف على نفسه أن تكون الصبوة، والشهوة هي الطغيان الأكبر، ولكن الأنبياء أهل عصمة، والعصمة تأبى ذلك كله، فلماذا يكون هذا المقام وهذا الخوف؟ لأن البشرية لابد أن تكون المثال الأعلى في كل المقامات، ونبينا عليه الصلاة والسلام جاء في سيرته ما يحاكي هذه الضغوط البشرية حتى لا يظن ظان أن القدوات كانوا أعلى من الناس في بعض المقام.

الدكتور مراد:
جميل! أشارة لطيفة جداً دكتور محمد، وهذا أيضاً يقودنا إلى أمر آخر أي أن يكون سيدنا يوسف هو المظلوم، ولا يرتكب ظلماً لهذه النفس، لأنه يوم القيامة في الحديث أن الله يقول:
"أنا الملك، أنا الديان، وعزتي وجلالي لا يغادر هذا الصراط واحد من الظالمين "
أي سيدنا يوسف يظلم هذه النفس؟! حتى الذي يظلم النفس لا يمر على الصراط كما ورد عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم .
ننتقل إلى أخي الدكتور بلال.
دكتور بلال؛ الرؤيا كانت مركزية في حبكة القصة عند سيدنا يوسف عليه السلام، وقد تناولنا كما تذكر مع ضيوفنا السابقين موضوع الرؤيا وانتقلنا وأبحرنا في هذا الكلام وفصلناه، هنا نلاحظ أن كل من الفتيين بعد دخول السجن ذكر الرؤيا التي رآها على سيدنا يوسف عليه السلام: (قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) فيا ترى ما سبب ذلك؟ ما السبب الذي دفع هؤلاء، هل لغرابة الرؤى بدايةً أم رأوا في سيدنا يوسف علم وحكمة؟ ما تعليقك على هذا الأمر أخي الدكتور بلال؟

اتجاه الرجلين في السجن إلى سيدنا يوسف لتفسير ما رأوه:
الدكتور بلال:
أكرمكم الله دكتور، وأكرم الله أستاذنا الكريم على هذه اللفتات الطيبة.
حقيقةً لا شك أن الرؤيا غريبة، وليست من أضغاث الأحلام، لأنها واضحة، أي شيء يرويانه كما رأياه، شيء يلفت النظر، ويتطلب تفسيراً، أحياناً الإنسان يرى أضغاث أحلام فلا يلتفت لها، أو يرى ما كان حديث نفس فلا يلتفت له، أما هذه الرؤيا فهي واضحة المعالم، فغرابتها تقتضي أن يقصها، لكن لماذا على يوسف عليه السلام؟
الإحسان فطرة
هنا أعلماه بذلك، قالا: (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) فيوسف كان محسناً، ولما رأوا من إحسانه ما رأوه، أي هنا يوجد فجوة في القصة (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا) قبل أن يقول أحدهما ماذا جرى في السجن؟ لو أردنا أن نتخيل ما الذي رأياه علماً، حكمةً، أدباً، إحساناً، تواضعاً، يحل مشكلات السجناء الآخرين، يخفف عنهم كرب السجن، يحن على مريضهم، يطعم جائعهم، يعطي محتاجهم (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) لخصا الذي رأياه منه في السجن.
والحقيقة أخي الدكتور مراد؛ أن الإحسان فطرة، هذان الرجلان لم يكونا على دين التوحيد، لم يكونا موحدين كما هو سياق الحديث، لأنه بدأ يدعوهما إلى الله، لكن رغم ذلك استشعرا الإحسان.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم لطالما استعبد الإنسان إحسان
{ أبو الفتح البستي }
بالبر يستعبد الحر كما قيل، فالإحسان فطرة في النفوس، لا يحتاج إلى توجيه، ولا إلى معلومات، ولا إلى أي شيء، صحيح أن الدين يثقل الإحسان ويوجهه في الطريق الصحيح، لكن هم بالفطرة رأوا يوسف على صراط مستقيم.

الدكتور مراد:
قدوة، رأوه قدوة، نعم.

الدكتور بلال:
وكما قالوا: القدوة قبل الدعوة، فهو لو لم يكن قدوةً في حياته بأخلاقه وبإحسانه لهما لما توجها إليه بالسؤال، ولما سمعا منه لما بدأ يدعوهما إلى الله تعالى، لذلك يمكن أن نقول: إن الإحسان قبل البيان، والناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، وهذه رسالة نوجهها لكل من يتابعنا الآن، للأب في بيته، وللمعلم في صفه، وللموظف في مكتبه، لكل إنسان، أحسن ولو بالكلمة الطيبة، لأن الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم، لاسيما الأطفال الصغار، وحتى الكبار، الناس ينظرون إليك، إلى حركتك في الحياة (إِنَّا نَرَاكَ) ما قالوا إنا سمعنا عن إحسانك، وإنما قالا: (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) رأيا إحسانه فاستجابا لما بدأ يحدثهما عن الله، ويبين لهما التوحيد، (أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ) كما سيأتي معنا، إذاً يوسف عليه السلام اتجها إليه لإحسانه.

اختلال ميزان الإحسان:
عامل الناس كما تحب أن يعاملوك
لكن هنا أريد أن أركز على شيء، اليوم ميزان الإحسان عند كثير من الناس فيه اختلال، بمعنى أنك تجد الإنسان يحب الإحسان من الآخرين لكنه لا يبادر بالإحسان إليهم، قالوا: عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، وهذا ليس حديثاً، لكن معناه موجود في حديثٍ شريف، أن يحب أن يأتي إلى الناس مثلما يؤتى إليه، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فمعناه صحيح وموجود في الأحاديث الصحيحة، عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، فأنا اليوم عندما أحب من الناس أن يقدموا لي الخير، وألا يسيئوا إليّ ينبغي أن أبدأ بنفسي، فمقياس الإحسان اليوم اختل عند كثير من الناس، لأنه يحب أن يأتي الناس إليه ما لا يحب أن يأتي هو إليهم، فالفكرة تقتضي أن الله عز وجل حينما أمرني بالإحسان فقد أمر ملياراً ومئتي مليون مسلم أن يحسنوا إليّ، فهذا المعنى عندما نتلمسه نتجه بكلنا إلى الإحسان وهو أعلى المراتب.

{ عن أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما قالا : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بارزاً للناس، فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال : أن تُؤمن بالله، وملائكته، وكتابه، ولقائه، ورُسُلِهِ، وتؤمنَ بالبعث الآخر، قال : يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبُدَ الله، لا تُشْركُ به شيئاً، وتُقيمَ الصلاةَ المكتوبة، وتؤدي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان. قال : يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إن لم تره فإنَّه يراك }

[أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي]


الدكتور مراد:
جميل! سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاؤوا له بثمامة ربطه في المسجد وقال: ضعوه في المسجد فلينظر، هنا نقول: تربية بالقدوة، رآها بأم عينيه، اليوم دعاؤنا دائماً للآباء، وللمعلمين، والموجهين، الأسوة والقدوة، إذا نظر إليك تثبت أكثر من الكلام، التربية بالقدوة هذا أمر مهم جداً، سيدنا يوسف نقل نموذجاً أمامه، فجعل هؤلاء الفتيين ينتقلون إلى سيدنا يوسف ليطلبوا منه أن يعبر لهم هذه الرؤيا.
نعود إلى دكتورنا العزيز، دكتور محمد؛ حياك الله دكتورنا من جديد، دكتورنا اليوم عندما نتكلم عن الداعية، الداعية الناجح الذي يستثمر الأماكن، والأوقات، والأشخاص ليبلغ دعوته، هنا نلاحظ سيدنا يوسف عليه السلام قدم ما يكون من معجزة بالإخبار عن الغيب ليدل أصحابه على صدقه في الدعوة، والتعبير، فقبل أن يقدم دعوته لهما بالإيمان، أخبرهما بمعرفته بالمغيبات التي هي معجزة له من الله، حتى يطمئنوا عندما يقدم لهم الدعوة (قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) ترقية، تهيئة حتى يقدم لهم بعد ذلك التوحيد والإيمان، ما الدرس الذي نستفيد من هذه الوقفة كدعاء؟ وما هو الرابط بين الغيب والتوحيد؟ كما قال ابن عباس: الغيب هو الله عز وجل، ما هو الرابط بين الغيب والتوحيد؟ وما هي الوقفة كدعاء واستثمار الدعاء لمثل هذا الموقف دكتورنا؟

صدق يوسف وأدبه جعله قدوة للآخرين:
الدكتور محمد الفاعوري:
القدوات لا تكون فقط في الكلمات
دكتور؛ أول شيء قبل البدء بهذا الموضوع ما ذكره الدكتور بلال مشكوراً- الله يحفظه - في قضية أثر العين مقدم على أثر السمع، حتى سبحان الله أخبرنا أن العين هي المواجهة، والأذن هي المجانبة بالنسبة للرأس حتى، العجيب (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) الرؤيا عند علماء اللغة العربية هي رؤية العين، ورؤيا القلب، التي يسمونها القلبية، أرى كذا، أي أطمئن لكذا، أو أرتاح لكذا، أو أرجح كذا، فهي لم تكتف المسألة لقضية أنهم رأوا، بل اطمأنوا من أن هذا الرجل صادقٌ في أحواله، صادقٌ في الزمن الذي مكثوا معه فيه، فكلامه هنا كلام رائع جداً، في قضية أن القدوات لا تكون فقط في الكلمات، حتى إنك لتجد أن غالب الناس إذا نظروا أو تكلموا واقع حالهم يغلب على واقع مقالهم.
مشى الطاووس يوماً باختيال فقلــد شكل مشيته بنوه فقال: علام تختالون؟ قالوا بدأت بـه ونحن مقلدوه وينشأ ناشئ الفتيان منــــــــــــا على ما كان عوده أبوه
{ مجمع الحكم والأمثال لأحمد قطش }
فالمسألة إذاً بالنسبة ليوسف عليه السلام هي حقيقةً كان هنالك - إذا صح التعبير- مقدمات بأخلاقه، بسلوكه، بتعامله، كما ذكرتم مشكورين، ثم هنالك جانب آخر أنه ليس عالماً، ليس مفسر الأحلام، ليس إنساناً عادياً، سيخبركم بأمر الغيب (لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) فالمسألة أنه لا يجوز أن يقول لهم: إن القضية تعلمها واكتسبها فحسب، هنالك أمر غيبي، هنالك أمر متعلق بأنه نبي من عند الله تعالى، هنالك مسألة رسالة، مسألة دعوة، مسألة متعلقة بغير الواقع الذي يتكلمون أنتم ستستفتون عن الرؤيا، لكن أنا سأخبركم بأمر الآخرة، المسألة التي هي أعظم من مصيركم في هذه الحياة، وانظر إلى أدب يوسف (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ) يا صاحبي الصحبة دلالة على الملازمة، كما يقول العلماء الصحبة إما أن تكون في الدار، أو الجوار، أو الأحزان كما يقول هذا صاحب لأنه لازمه، أو صاحب الدار من حيث السكنة، كما نقول أصحاب النار وأصحاب الخلود.

الدكتور مراد:
هذه دكتور محورنا الآخر، دكتور محمد، نحن الآن نريد أن نركز على المحور الذي قبله، الآن نريد الصاحب بعد ذلك نأخذها.

استثمار يوسف عليه السلام الوقت والمكان للدعوة إلى الله:
الدكتور محمد الفاعوري:
التكلم في مسألة تتعلق بالتوحيد
إذاً هنا يوسف عليه السلام عندما أراد أن يتكلم في مسألة تتعلق بالتوحيد، تتعلق بالغيبيات لابد أن يخبرهم عن شيء لا يعرفونه، ما كان يأتيهم طعام إلا قبل أن يصل الطعام ستأكلون كذا، ويأتيكم كذا، ويخبرهم بكذا، هذه المسائل لا تكون إلا عن غيب، لا تكون إلا عن مسألة لم تكتشفها العيون، ولم تبصرها، هو سجين، حاله كحال غيره، ليس هنالك ثمة فرق بينهم وبينه، بل هو مشكلته بالنسبة لواقع السجناء أصعب مشكلة، لأن مشكلته مع الرأس الأكبر في المنطقة التي يعيش فيها، فهو أكثر شخص ربما يكون موجهاً له الخصام والمعاداة، ومع ذلك تأتيه الأخبار، ويخبرهم بشيء ليثبت هذه المسألة التي تتعلق بالنبوة، وليست بالعلم، بعد ذلك يخبرهم بمسألة التوحيد الذي يعطل في هذه القضايا العالية والله تعالى في القرآن يقول:

الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
[ سورة البقرة ]

قبل أن تدخل على سورة البقرة، وتتكلم في آل عمران، وتأتي على المائدة، وتمشي على الأعراف، وتتحدث عن القصص، وتأتي إلى الأنبياء، وتأتي إلى الزخرف وفاطر قبل كل هذه الأحاديث العالية الجميلة المتتابعة لابد من أن تكون عندك مسألة الإيمان بالغيب، ويخبرهم بمسألة سبقت أنه علمها قبل أن تأتي، وسيخبرهم بمسألة تتعلق بمصائرهم، بأحوالهم، بأخبارهم، مسألة التأكيد الذي ذكرتموه بقضية القدرات هذه هي التي تؤكد ما ترون، وأنا غالباً لا أحب أن أبتعد عن شخصية النبي عليه الصلاة والسلام، الذي قيل فيه: لو لم يكن له آيات مبينة لكان منظره ينبئ كالخبر، عليه الصلاة والسلام، حقيقة المنظر والمخبر كانتا في شخصية يوسف ظاهرة، جمال المنظر لم يكن أقل من جمال المخبر، من جمال الخلق، من الصدق من التعابير عليه الصلاة و السلام.
إذاً المسألة التي ذكرتموها دكتور مراد؛ هي مسألة أن هناك أموراً استفاد منها يوسف عليه السلام في التربية البشرية، في التعامل، في إخبار الغيبيات، في مسألة مؤكد على قضية، ومسألة تتعلق: (أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ).

الدكتور مراد:
جميل! وهذه دعوتنا أيضاً للدعاة كيف أن سيدنا يوسف استثمر الوقت والمكان حتى لو كان في السجن سبحان الله كلكم على ثغر من ثغر هذا الدين فلا يؤتين من قبلكم يقدم ما عليه، رحمة الله عليه نوح كان دائماً يركز علينا تركيزاً كبيراً جداً، يقول: الداعي هذا منهجه، هو الدعوة لله عز وجل، ويجب أن يهيئ نفسه بداية بالإخلاص، حتى كان يقول من ضمن محاضراته يوجه ويقول: كيف خطيب الجمعة يوم الجمعة يريد أن يخطب ولا يصوم الخميس؟ علمنا أمور مهمة جداً، العلاقة الغيبية بينك وبين الله، أحسن ما بينك وبين الله يحسن الله ما بينك وبين الخلائق، وهذه أيضاً كانت مع سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم عاش بين:

يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)
[ سورة المزمل]

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1)
[ سورة المدثر]

علاقة بينك وبين الله عز وجل، ثم علاقة مع البشر، لهذا حتى الداعية دائماً الأمور الغيبية مهمة جداً قبل أن يخرج إلى منبره، يدعو الله أن يفتح بينه وبين المصلين، هذه أمور مهمة جداً، وزكاة العلم أن يعلمه للناس، وهذا أمر مهم جداً، حتى أن الإمام علي كرم الله وجهه قال: لكل شيءٍ زكاة، وأشار أيضاً أن للعلم زكاة.

الدكتور محمد الفاعوري:
دكتور مراد؛ المسألة مثلما ذكرتم، حفظك الله، ليس الأفق السجن الذي يعيش فيه يوسف.

الدكتور مراد:
أكبر من ذلك.

الدكتور محمد الفاعوري:
أفق الروح التي في نفسه، هو لا يرى جدراناً قريبة، مثل الخليل بن أحمد الفراهيدي يقال إنهم دخلوا عليه فوجدوه يسكن في بيت من الخص أو القصب، أي شيء ضيق، قالوا: إمام الدنيا يسكن في هذا البيت؟! فقال: إن البيت الضيق للمتحابين أوسع من الدنيا، وإن البيوت الواسعة للمتباغضين أضيق من هذا البيت.

الدكتور مراد:
جميل! حتى لو كان السجن لكن دعوته موجودة، وهذا حال الداعي والعالم والنبي وغيره، أي لا تتوقف دعوته، هذا منهج، منهج أساسي.
نعود إليك دكتور بلال، أخذ شيئاً من السؤال الذي سنطرحه عليك أخي الشيخ محمد، أي أفرح قلوبنا بهذا الكلام الطيب، بارك الله فيه.
دكتور بلال؛ هل كان يتطلع سيدنا يوسف عليه السلام إلى إسلام صاحبيه، أي يبحث على أنهم يسلموا، هذا واضح لأنه أخذ يتلطف معهما، قال: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ) فيه حسن استدلال، فيه ملاطفة، فيه لين في الكلام، حتى يخرجهم من عبادة الأصنام إلى عبادة الله عز وجل الواحد (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) أي أنتم كنتم تعبدون إلهاً أكثر من إله، عدتم إليّ الذي أعبد إلهاً واحداً هو الله عز وجل، هذه فيها دلالات دكتورنا؟ خطابه خطاب رقيق للصاحبين قال: (يَا صَاحِبَيِ) أي صحبة السجن، هناك صحبة الحج كما أشار الدكتور بصحبة الرفاق، الزميل في الدراسة وإلى غيره ، هل كانت الصحبة هنا مكانية فقط؟ وهل الصحبة لها ضوابط شرعية؟ نريد أن نشير إلى هذا المنهج دكتورنا؟

التودد والتلطف مع الآخرين شرطان ضروريان لهداية الناس إلى الله:
الدكتور بلال:
جزاك الله خيراً، وجزى الله خيراً أخي الدكتور محمد.
التودد والتلطف في الصحبة الظرفية
حقيقةً هنا الصحبة ظرفية (يَا صَاحِبَيِ) في السجن، هنا معنى الظرف كما تفضلت صاحب الحج، وصاحب الدراسة، أي بأيام الحج، فهذه فيها معنى الظرفية بلا شك، لكن فيها الأهم من ذلك معنى التودد والتلطف، فأنت عندما تقول لإنسان ولو كان صحبةً ظرفية، تقول له: أنت صاحبي، فأنت الآن تتودد إليه، يوسف من هو في إحسانه؟! وهما الساقي والخباز من هما في بعدهما عن الله؟!

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
[ سورة الحجرات ]

لكن هما ببعدهما عن الله من هما أمام يوسف عليه السلام في إحسانه في السجن ومكانته؟ ومع ذلك قال: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ) فهذا فيه تودد، وفيه تلطف، وفيه تحبب لهما ليستمعا إلى قوله، لأن الله تعالى عندما أرسل موسى إلى فرعون:

فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)
[ سورة طه]

فأمرهما بلين القول، وهذا من لين القول بلا شك، وأحد الدعاة - سامحه الله - قال لأحدهم: سأعظك وسأغلظ عليك في القول، قال: ولِمَ الغلظة يا أخي؟ لقد أرسل الله من هو خيرٌ منك إلى من هو شرٌ مني، أرسل موسى إلى فرعون، فقال له: (فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) فهذا اللين في الكلام (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ) لا شك أن فيه تودداً وتلطفاً وتحبباً لهما.

شروط الصحبة:
الصحبة الخاصة هي صحبة الإيمان
لكن لو جئنا إلى الصحبة العامة، الصحبة العامة لها شروط شرعية ذكرها ابن عطاء الله السكندري فقال: لا تصحب من لا ينهضك حاله، ولا يدلك على الله مقاله، هذا ضابط للصحبة العامة، أن تقوى بإنسان، صاحبي أذهب معه إلى النزهات، أستقبله في بيتي، أتودد له في كل حين، أهديه هديةً، هذه الصحبة الخاصة هي صحبة الإيمان، ينهضك حاله؛ فإذا جلست معه تنهض، تشعر أنك نهضت إلى الله عز وجل بعد نهاية الجلسة، ويدلك على الله مقاله، فهو صاحب مقال، و صاحب حال، حاله يسري ، فإذا كنت في مجلس فيه أحد من أهل العلم والفلاح، وحاله عظيم مع الله عز وجل، تشعر بالأنس من غير أن تفهم لذلك قانوناً، لأنك تشعر بالأنس، فإذا تكلم أسعدك كلامه أيضاً، ودلك على الله، فهذه الصحبة بلا شك خاصة.
لكن هنا يوجد شيء مهم جداً هل يعني ذلك أن الإنسان مطلوب منه أن يسحب فقط هؤلاء الناس، وأن يعادي الآخرين؟ معاذ الله أبداً، نحن نقول: هذه الصحبة خاصة، صحبة إيمانية، لكن لا يعني ألا يخالط الناس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من خالط الناس وصبر على أذاهم خير ممن لم يخالطهم، ولم يصبر على أذاهم " فلابد من مخالطة الناس وألا نقول: هلك الناس، لأن من قال: هلك الناس فهو أهلكُهم، وهو أهلكَهم، كما في الروايتين، فينبغي أن نخالط الناس.

الدكتور مراد:
وهذا دكتورنا - أقاطعك سامحني حتى نستفيد جميعاً - هذه اللفتة سيدنا عمر بن عبد العزيز هو من عالج مسألة الخوارج، من قبل سيدنا ابن عباس كما هو معلوم حاورهم، سيدنا عمر بن عبد العزيز عندما جاء وسأل عنهم وهم في الجبال قال: من يعلمهم؟ قال: علماؤهم، قال: لا، اذهبوا بعلمائنا معهم، أي أرسلوا علماءنا حتى يسمعوا منا، هذا أمر مهم جداً حتى تفتت الأفكار الهدامة وغيرها، وهذا كان يسجل إلى سيدنا عمر بن عبد العزيز، تفضل أخي.

العناية بالأبناء والالتفات إلى من يصاحبون:
الدكتور بلال:
ضوابط مخالطة الناس
نعم، أنا كنت أريد أن أضيف شيئاً، هذا كلام طيب جداً، إذاً نحن لنا صحبة إيمانية خاصة، حب في الله، ومودة، واجتماعات، وجلسات مطولة، ونزهات، وسهرات جميلة في حب الله، ولنا صحبة أخرى من نوع آخر على طريقة (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ) لأننا ينبغي أن نخالط الناس، أن نكون في برجٍ أخلاقي، لا أن نكون في برجٍ عاجي بعيداً عن هموم الناس ومشكلاتهم.
لكن هنا للأخوة الشباب، يسألني بعض الشباب: ما الضابط؟ أنا أحياناً أجلس مع بعض البعدين عن الله فأشعر أني أشد إليهم، فقلت لهم: أتعرفون لعبة شد الحبل؟ أنت أمسك الحبل من جهة وهو من جهة أخرى، إن وجدت أنه يشدك إليه فالاعتزال خير هنا، لأنه بدأ يشدك إلى المعاصي والآثام، وإن رأيت أنك تشده إليك، إلى دينك، وقيمك، وأخلاقك، فثابر معه.

{ عن أبي رافع رضي الله عنه: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله تعالى عنه إلى اليمن فعقد له لواء فلما مضى قال: يا أبا رافع ألحقه ولا تدعه من خلفه وليقف ولا يلتفت حتى أجيئه فأتاه فأوصاه بأشياء فقال: يا علي لأن يهدي الله على يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس }

[أخرجه الحاكم]


الدكتور مراد:
وهذه دعوتنا إلى الآباء اليوم حتى ابنك ابحث عن أصحابه، ابحث له، أي ساعد ابنك على الصاحب الطيب، والصاحب الملتزم.

الدكتور بلال:
الذي يشده إلى الله.

الدكتور مراد:
الفتن كثيرة، أنا قلت لابني في يوم من الأيام: ادع أصحابك لعندي، أريد أن أتعرف عليهم، وأراهم، وأرى حالهم، وواقعهم، تستطيع أن تؤثر عليهم أن يؤثروا عليك، هذا مهم جداً، حتى تستطيع ان تبني ابنك.
أخي الشيخ محمد، وأنت الصاحب الصديق العزيز، حياك الله من جديد، هل لك من تعليق على الصحبة؟

الدكتور محمد الفاعوري:
لا، لي تعليق أنك قبل أن تقول لولدك: ادع أبناءهم، ادع أنت أصدقاءك.

الدكتور مراد:
هي لك دكتور؛ أنت فقط حدد، مع أن الكورونا موجودة.

الدكتور محمد الفاعوري:
حفظك الله دكتور مراد، الصاحب ساحب حقيقةً هذا المثل قيل قديماً وهو صحيح، ولذلك قبل أن نقول لأبنائنا: صاحبوا وزاملوا، إذا كان لهم مناعة كاملة في أن يكونوا مؤثرين لا متأثرين، والدكتور بلال محفوظاً عند الله تعالى إن شاء الله بيّن المسألة العامة والمقيضة صراحةً، هناك عموم بالزمالات، والصداقات التي تفرضها علينا الأحوال، والأزمان، والأماكن، والعمل، وهناك صحبة حقيقية، قل لي من تصاحب أقل لك من أنت.

الدكتور مراد:
جميل، دكتورنا دكتور محمد؛ قال يوسف عليه السلام للذي (لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا) وهو الذي رأى أنه يعصر (خَمْراً) (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) طبعاً هذه فيها لفتة جميلة عندما قال لهما أشار (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا) من قبل عندما قال (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) قال (أَحَدُكُمَا) لم يشر له مباشرةً قال (أَحَدُكُمَا) وهذه أيضاً فيها لفتة جميلة جداً، لم يحكم على الشخص مباشرةً، هذه أيضاً فيها لفتة من لفتات التفسير (لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا) هو الذي رأى أنه يعصر الخمر، فقال (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) أي اذكر لي شأني، وقصتي، وحالي، وواقعي، والظلم الذي وقع عليّ لعله يرق قلب ذلك الملك فيخرجني مما أنا فيه، هنا كانت شبهة، كيف لسيدنا يوسف وهذا النبي أن يطلب من أحد غير الله عز وجل؟ وهل يعتبر التوسط في المظلومية محموداً أم مذموماً؟ هذا أمر مهم جداً دكتورنا، نريد أن نسمع منك التعليق على هذا.

ارتباط حسن الظن بحسن العمل:
الدكتور محمد الفاعوري:
حفظك الله، أولاً: (أَحَدُكُمَا) لأن هذا الكلام الذي ذكرته فيه حقيقة دقيقة جميلة، علم التربية اليوم يقول: الطبيب إذا دخل على مريض، لا يقول له مباشرة: أمورك انتهت وأنك كذا وكذا، لا يصلح هذا الكلام، الأصل أن نؤمل الناس، لأن الأمل أقوى من العمل، هذا الأصل في قضية حسن الظن بالله تعالى، والعمل لا يغيب عن الأمل إذا كان حسن الظن مربوطاً بحسن العمل، فأحدهما حتى تبقى قضية الأيام الثلاث التي سيخرجان بعدها لا يدري أحدهما من الذي سيصلب، ومن الذي سيسقي، يبقى في القضية متنفساً ألا ينام ثلاثة أيام وهو قلق أن مصيره إلى كذا.

الدكتور مراد:
أي أمر نفسي، والناحية النفسية مهمة في هذا.

الأخذ بالأسباب طريق الأنبياء:
الدكتور محمد الفاعوري:
من أروع ما يكون في الصحبة التي أراد يوسف أن يمثلها في القدوة التي تربي وتعلم كيف أنها تراعي مشاعر الناس، كيف أنها لا تخدش، لا تجرح، نحن ندخل عند شخص الآن قد نجاه الله تعالى من الكورونا – نسأل الله أن يرفع البلاء عن البلاد والعباد - تجد بعض الناس يقولون: وجهك متغير، والله أنا أصبت بها ولكن لم يتغير وجهي، إلى ماذا تريد أن تصل؟ هذا الفهم الذي جاء في هذه الآية لفتة جميلة.
عدم الأخذ بوسائل الدنيا من التواكل
الآية التي ذكرتها دكتورنا الحبيب؛ حتى ننطلق من قضية هل يجوز أو هل يصح من النبي أن يتوجه إلى غير الله؟ وهل حقيقةً عوقب بهذا الأمر (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) كما أشار بعض المفسرين (ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ) هنا الظن بمعنى اليقين، كان يوسف عليه السلام متأكداً، هو نبيٌ من عند الله تعالى لا يقول إلا الحق، ولا ينطق إلا بالصدق، يقينه مقطوعٌ به أن الساقي سينجو، وأن الخباز سيقتل، وأنه سيصلب، فقال للساقي: (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) فهل هذه الشفاعة شرعاً تجوز؟ وهل تصح؟ أصلاً عدم الأخذ بوسائل الدنيا من التواكل ليس من التوكل، ونبينا عليه الصلاة والسلام بيَّن هذا في أحواله، بيَّن هذا في طرائقه، موسى عليه السلام مع أن الله تعالى منجيه لا محال.

فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63)
[ سورة الشعراء ]

مريم عليها السلام مع أن الله تعالى مطهرها من كل ما يكون حولها، وسيكون لها الشفاء والعافية.

وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً (25)
[ سورة مريم ]

الأخذ بالأسباب طريق الأنبياء، هذا لا شك فيه كمنظومة أولية أن نفهم ما معنى أن النبي يطلب أسباب الدنيا وهو مجاب الدعوة عند الله، أما قال قبل قليل: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ).

فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)
[ سورة يوسف ]

كان الأمر مسألة بسيطة وسهلة، وهو يعلم أن الله تعالى يجيبه، فلماذا يأخذ بأسباب الدنيا؟ لماذا (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ)؟ أنا ما زلت أتحرك مع أن بشرية الأنبياء هم قدوات ليسوا من عالم الخيال، لابد أن يعيشوا بشريتهم بكل معانيها، ولابد أن يكون لهم من الجوانب غير جوانب الإعجاز التي اختصهم الله بها، يعيشوا البشرية، النبي صلى الله عليه وسلم طلق، والنبي تزوج، والنبي هاجر، هذا كله أمثلة حتى تؤكد هذا الموضوع.

جواز التوسط في المظلمة والشفاعة:
لكن موضوعنا الآن هل الوساطات مما يجوز استعماله؟ عند الفقهاء يوجد شيء اسمه: الظفر بالحق، أي حتى لو لم يكن هناك وساطات هنالك وسائل أجازها الفقهاء في قضية الوصول للحق، هل الشفاعات تجوز شرعاً؟ الله سبحانه وتعالى قال:

ويَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)
[ سورة الأنبياء ]

حتى يوم القيامة الشهيد يشفع، وهنالك مسائل دلت عليها كتب الحديث والسنن، أنها من الطرق التي تؤدي إلى الخير، أما قص علينا القرآن حديث زوجة فرعون؟

وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)
[ سورة القصص ]

أما كانت شفاعة ووساطة نجت نبياً من براثن رجل طاغية كان يقول:

فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24)
[ سورة النازعات ]

فإن كانت يا دكتورنا الحبيب الوسائل التي تستخدم في الشفاعات هي منجاة للمظلوم، للضعيف.

إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271)
[ سورة البقرة ]

وإن كانت هي إضاعة لحقوق الآخرين على حساب آخرين أو على منجاة آخرين وتقديم آخرين فبئس الحال، فالمسألة التي طلبها يوسف عليه السلام ليست إضاعة لحقوق الآخرين، هي مظلمة وقعت عليه (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) وانظر إلى جمال الكلام، وجمال العبارات: (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) الذي أنت ستتربى في مكانه، وتكون عنده، وكذا، فقط (اذْكُرْنِي) أخبره بما يوجد عندي من الميزات، اذكر ما عندي من الإيجابيات، لم يقل له: اذكر لهم أنكم كنتم قد اتهمتم إياي أو أوقعتم علي ظلماً، فقط تكلم عن صفاتي، فهذه الكلمات هي التي طارت بها الدنيا بأخبار النبي، مثلاً عندما كان يقال: إنه الصادق الآمين، هذه بمعنى (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ).
الإحسان فطرة
فالحال أحياناً يسبق الكلمات والمقال عن الشخص، فيجوز للإنسان أن يترفع - دكتور مراد، ودكتورنا الحبيب بلال - بمظلمة وقعت عليه، وليس من الصواب أن يكون الإنسان بعيداً عن حقه، فإن السكوت عن الحق هو فرقٌ بين الخجل والحياء، وكلاهما مصطلحان متقاربان بعيدان معنى بكل البعد، فإن الحياء لا يأتي إلا بخير، والخجل منقصةٌ في العبد لابد أن يترفع عنها.
فطلب يوسف عليه السلام هو طلب نبيل، طلب كريم، طلب يعود الإنسان أن يطلب حقه، وأن يجعل هنالك وسائل من وسائل البشر التي يتوصل بها إلى حقه، ويتوصل بها إلى مطلبه، طالما يعلم يقيناً أن هذا الأمر مما يقربه من ربه، مما يعلو شأنه، عند الفقهاء شيء اسمه: الورع البارز، الورع البارز أنت في المسجد شيخ مراد، وأنت أقرأ الناس، ولا تتقدم من باب أنه والله أنا لا أحب أن أئم الناس، هذا ورع بارز لا معنى له، بل بالعكس الشفاعات والتقدم وإبراز نفسك في مقامات لابد منها هذا من الواجب الشرعي الذي يترتب على العبد فإن تأخر عنه فهو إلى الإثم أقرب.

الدكتور مراد:
جميل! بعض العلماء مثل القرطبي وغيره، أشاروا أن الأنبياء عملهم مع الله مباشرة، فهو أشار أنه لو طلب هذا من الله عز وجل مباشرةً، لكن هذا أمر لا بأس به وكما أشرت يجوز التوسط في المظلمة والشفاعة، وأشرت إلى موضوع الشفاعة، وشفاعة سيدنا النبي كافية يوم القيامة لنا، لولا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم كيف سندخل الجنة؟!
ننتقل إلى أخي الدكتور بلال؛ (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) والشيطان ليس له القدرة على النسيان، فأنسى الشيطان ذلك الناجي، نسي، انشغل في حياته، مع الملك وكثير من الناس عندما ينشغل ويكون في الدرجات، أو في الأماكن العالية ينسى الذكر الذي يقربه، من جملة ذلك نسيانه ذكر يوسف الذي يستحق أن يجاز بأتم الإحسان، قدم لهم الكثير في السجن، وذلك ليتم أمره وقضاؤه، قضاء الله عز وجل (فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ) والبضع كما أشار العلماء من الثلاثة إلى العشرة، ومنهم من قال: جلس سبع سنوات ولهذا قيل إنه لبث كما أشاروا سبع سنوات، فما الحكمة من طول المكث؟ وما بين الأمس واليوم؟ فما هي رسالتك دكتور لليوسفيين الذين ظلموا ظلماً وزوراً دخلوا السجون، ماذا تقول دكتور؟

يوسف عليه السلام قدوة حسنة لكل مظلوم:
الدكتور بلال:
الأنبياء بشر تجري عليهم خصائص البشر
أكرمك الله دكتور، أنا أشكر لك أنك تكرمت ببيان المعنى الراجح في قوله تعالى (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ) لأن هذا ما يليق بالأنبياء، وبنبوتهم، وبعصمتهم، أن يقول قائل فأنسى الشيطان يوسف، وإنما الراجح فيها أنه أنسى الشيطان هذا الساقي أن يذكر عند ربه، وأشكر قبل ذلك الدكتور محمد لأنه بيّن بشرية الأنبياء، لأن الأنبياء لو لم يكونوا بشراً تجري عليهم كل خصائص البشر لما كانوا سادة البشر، فنحن اليوم دكتور مراد عندنا هذا الأمر أن نسياناً بسيطاً لحكمة بالغة من الله عز وجل كانت نتيجته أن لبث هذه السنوات في السجن، أخي الدكتور محمد؛ إذا أراد الله إنفاذ أمرٍ أخذ من كل ذي لب لبه، فمع الله عز وجل ليس هناك ذكيٌ، وليس هناك عاقل، وليس هناك متذكر مع الله عز وجل، هو إذا أراد أمراً يقول له كن فيكون.

بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)
[ سورة البقرة ]

فشاءت حكمة الله أن يتربى يوسف في هذه المدرسة اليوسفية، لذلك نقول لكل يوسفي وأختصر لأن الوقت ضاق، نقول لكل يوسفي امتحن بامتحاناتٍ تشبه امتحانات يوسف في السجن، أو في الجب، أو في القصر يوم مُكن وأصبح عزيزاً لمصر، هذه الامتحانات كلها امتحانات نبوة، والأنبياء قمم البشر، وسادة البشر، ولكل مظلومٍ إلى يوم القيامة يدخل السجن ظلماً له في يوسف أسوة حسنة.
وليعلم أن قضاء الله خير، وأن ما أراده الله واقع، ونحن نجري في ملك الله عز وجل كما يريد جل جلاله، فلنسلم الأمر له في كل ما يكن، دون ترك الأخذ بالأسباب لأنها عبوديةً لله.

خاتمة:
الدكتور مراد:

لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)
[ سورة آل عمران ]

والحمد لله رب العالمين