الحلف باليمين وأنواعه وكفارته

  • لقاء مع رابطة حملات الحج السورية
  • 2021-06-18

الحلف باليمين وأنواعه وكفارته


مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على الحبيب الطبيب الشفيع سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الحمد لله الذي جعلنا من أهل الإيمان والإسلام والقرآن، ومن أتباع النبي محمدٍ عليه أفضل الصلاة وأتمُّ السلام، الحمد لله الذي جعلنا نقرأ في كل صلاةٍ من صلواتنا المفروضة وفي النوافل والسنن:

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
[سورة الفاتحة]

قانون المعاملة بين المسلم وأخيه المسلم
أخوتي وأخواتي السادة المتابعون لرابطة حملات الحج السورية، في هذا البرنامج المبارك الذي نبدؤه من هذه الليلة المباركة تحت عنوان: "فقه المعاملات"، حقيقةً أيها الأخوة إن المعاملة بين المسلم وأخيه المسلم جعل لله عز وجل لها قانوناً في القرآن العظيم، وجعل لها منهجاً في السنة النبوية المحمدية العظيمة، التي جعل فيها التحابب، والتآلف، والتآخي، والتعاون، من أجل أن ينال كلٌّ منا حقه من الآخر، فلا يكون هناك اعتداءٌ بالقول أو بالعمل بين مسلمٍ وآخر، بل بين مسلمٍ وغير مسلم، لذلك قال تعالى:

الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
[سورة البقرة]

جعل الله عز وجل للمسلم حدوداً يمشي من خلالها، فلا يكذب، ولا ينحرف عن الطريق، لا بالقول ولا بالعمل، لذلك الله سبحانه وتعالى عندما قال:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107)
[سورة الكهف]

والعمل يكون من خلال القول، ومن خلال ما يقوم به المسلم من أعمالٍ، ينظر الله عز وجل إليه، ماذا فعل من عملٍ صالح، أو من عملٍ غير صالح، لذلك أيها الأخوة الكرام، إننا نقع في شبهاتٍ كثيرة، ونقع في زلات، وفي أكل حقوقٍ كثيرة، عندما يأتي أحد الناس المغيّبين عن الدين الحقيقي، وعن حقيقة هذا الإسلام، فيأتي ليأكل حق أخيه مالاً، أو بيتاً، أو اغتصاباً، أو أرضاً، أو حقوقاً نفسيةً، أو معنوية، فيأتي فيحلف بالله كاذباً، ويأتي ويشهد شهادة زورٍ، يقضم حق أخيه، فيجعله إما أن يُحكم عليه بالسجن، أو بأخذ الحقوق، أو بالقتل، أو بالإعدام لا سمح الله، من خلال يمينٍ لا ترضي الله عز وجل، وتسبب الظلم وسفك الدماء فيما بعد، لذلك أيها الأخوة، إسلامنا الحنيف وديننا العظيم حرص على تربية المسلم على الآداب، وعلى الحقوق، وأداء الواجبات، التي رسمها لنا القرآن الكريم، ورسمتها لنا السنة النبوية المطهرة بقوله عليه الصلاة والسلام، وبفعله، وبإقراره، لذلك أيها الأخوة، سنقف اليوم تحت عنوان: "صدق المعاملات"، ونبدأ به بعنوان: الحلف باليمين، وأحكام اليمين، وكفارة اليمين، متى تكون اليمين جائزة، ومتى تكون اليمين محرمة، ومتى يكون صاحب اليمين يستطيع أن يحنث في يمينه، كل ذلك سنتبيّنه من خلال قول الله سبحانه وتعالى:

لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)
[سورة البقرة]

وقول الله سبحانه وتعالى:

وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)
[سورة النحل]

وليحذر المسلم من اليمين الكاذبة، ومن اليمين الفاجرة، ومن اليمين الغموس، ومن اليمين التي يأكل بها الحقوق، لأن النبي عليه الصلاة والسلام حذر من هذه الأيمان، فقال عليه الصلاة والسلام:

{ خمسٌ ليس لهنَّ كفَّارةٌ: الشِّركُ باللهِ، وقتلُ النَّفسِ بغيرِ حقٍّ وبهْتُ مؤمنٍ والفِرارُ من الزَّحفِ ويمينٌ صابرةٌ يقتِطعُ بها مالًا بغيرِ حقٍّ }

[الترغيب والترهيب]

اليمين الصابرة هي التي تؤدي بصاحبها إلى السجن، أو إلى الاعتداء عليه جسداً، أو سجناً، أو قتلاً، أو أكل ماله بغير حق.
أيها الأخوة؛ النبي عليه الصلاة والسلام حذرنا من هذه الأيمان التي لا ترضي الله، والتي تنزع الحقوق من أيدي بعضنا البعض بغير حق، قال عليه الصلاة والسلام:

{ من حلفَ على يمينٍ مَصبورةٍ كاذبًا فليتبوَّأ بوجهِهِ مقعدَهُ من النَّارِ }

[أخرجه أبو داود]

من أجل ذلك أيها الأخوة وجب علينا أن نذكر:

وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)
[سورة الذاريات]

من هذه الإطلالة الكريمة التي نلتقي بها معكم أيها السادة، أيها المتابعون الكرام، نلتقي معكم مرحبين بفضيلة أخي وحبيبي الدكتور بلال نور الدين، دكتور الفقه المقارن، والمشرف العلمي على موقع وأعمال العلّامة الكبير الداعية الدكتور محمد راتب النابلسي، لنبدأ معه الحوار، وهذا اللقاء الطيب المبارك، نرحب بكم فضيلة الدكتور في هذا البرنامج المبارك، ونعتذر من الأخوة المتابعين عن تأخيرنا قليلاً بسبب بعض الظروف، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم فضيلة الدكتور.

الدكتور بلال:
حياك الله دكتور حسن، بارك الله بكم، ونفع بكم بأعلى المراتب.

الدكتور حسن:
جزاكم الله عنا كل خير فضيلة الدكتور، أحببنا دكتورنا الكريم أن نطلّ على إخواننا المتابعين، ومن يتابعون هذه الإطلالة فيما بعد، على اليوتيوب أو على صفحة الفيسبوك، أن نذكر بحكمٍ من أحكام هذا الدين العظيم، وهو الأيمان في الإسلام، بدايةً نتوجه لفضيلتكم نسأل ما المقصود باليمين تعريفاً ومعنىً في الشرع؟ وهل المقصود منه تحقيق الأمر أو توكيده بذكر اسم الله أو صفةٍ من صفاته؟ تفضل فضيلة الدكتور.

تعريف اليمين:
الدكتور بلال:
حياكم الله، بارك الله بكم وأهلاً وسهلاً بجميع الأخوة المتابعين.
اليمين وجمعها الأيمان والمفرد اليمين، ويساويها الحَلف أو الحِلف وكلاهما صحيح بالله تعالى، أو القسم، وكلها مسمياتٌ لمدلولٍ واحد، واليمين قيل سمي يميناً لأنّ العرب كانوا إذا أقسموا يمينهم أخذوا بأيمان بعضهم، بمعنى كل إنسان يمدُّ يده اليمين ويأخذ بيد أخيه توثيقاً لهذا الحلف الذي حلفوه، فأصبح القسم يسمى يميناً من هذا الباب، وهذا أرجح ما قيل بتسميته باليمين، هذا من حيث اللغة.
أما من حيث الشرع فاليمين أن يحلف الإنسان بالله تعالى، أو باسمٍ من أسمائه، أو بصفةٍ من صفاته، على أن يفعل شيئاً، أو أن يترك شيئاً، أن يحلف أن يفعل شيئاً في المستقبل، أو أن يترك شيئاً في المستقبل، والله تعالى جلّ جلاله هو خالق كل شيء، فالله تعالى يقسم بما يشاء من مخلوقاته، فنقرأ قوله تعالى:

وَالْعَصْرِ (1)
[سورة العصر]

وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1)
[سورة الشمس]

وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1)
[سورة الليل]

وَالضُّحَىٰ (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ (2)
[سورة الضحى]

لا يجوز للمسلم أن يحلف بغير الله تعالى
فيقسم جلّ جلاله ببعض ما خلق، من أجل أن يلفت أنظار القارئين والمستمعين لكتاب الله، إلى عظيم ما يقسم به، فالعظيم إذا أقسم بشيء فإنما يقسم بشيءٍ يستحق الانتباه، لكن لا يجوز للمسلم أن يحلف بغير الله تعالى، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة النهي عن الحلف بغير الله، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:

{ منْ حلفَ بغيرِ اللهِ فقدْ أشركَ }

[الجامع الصغير]

وهذا محمولٌ كما قال أهل العلم إذا فعل ذلك على وجه التعظيم لشيءٍ غير الله تعالى، وطبعاً هذا هو الشرك الأصغر وليس الشرك الأكبر المخرج من الملّة وإنما هو لزيادة التشنيع على ذلك، وبيان أن المسلم ينبغي أن يتحرّز من أن يحلف بغير الله تعالى، فلا عظيم في قلب المؤمن إلا الله، فإذا حلف فليحلف بالله تعالى كأن يقول: والله، أو باسمٍ من أسمائه كأن يقول: أقسم بالرحمن الرحيم، أو بصفةٍ من صفاته، أو نحو ذلك، لكن لا يجوز له أن يقسم بغير الله تعالى؛ لأنّه لا يعظم في قلب المؤمن إلا الله، فالحلف بغير الله تعالى لا يجوز في شريعتنا؛ وإنما يتوجه المؤمن للحلف بالله، ثم نقول أيضاً تتمةً لهذا الكلام، قبل أن نشرح بمعيتكم بما يتعلق بأحكام اليمين، نقول: الأصل في الإنسان وإن كان اليمين مباحاً، الأصل أن اليمين مباحة، مادام الإنسان لا يحلف أن يفعل معصيةً، أو يحلف كذباً والعياذ بالله، فله أن يحلف بأن يقول: أقسم بالله أن أزور أختي غداً، أقسم بالله أن أعطي فلاناً مبلغاً من المال في الأسبوع القادم، كلام مباح له أن يقسم وله ألا يقسم، لكن مع أن اليمين مباحٌ شرعاً إذا كان ضمن الضوابط الشرعية، إلا أنه يُكره الإفراط في الحلف، بغير الله محرمٌ أو مكروه، مكروهٌ تحريماً، أما الحلف بالله فيكره الإفراط فيه؛ لأنّ الله تعالى قال:

وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (10)
[سورة القلم]

أي يكثر الحلف، وقديماً قال العرب: من تكثر أيمانه غالباً يكثر كذبه؛ لأنّه لو لم يكن يخشى ألا يصدقه الناس لما أكثر من الأيمان، فالإكثار من الحلف بالله تعالى ليس من شأن المؤمن؛ وإنما الأصل ألا يحلف إلا إذا كان هناك داعٍ لذلك، كأن يُدعى إلى يمينٍ، أو يريد أن يؤكد شيئاً فيفعل ذلك، كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول: "ما حلفت بالله تعالى صادقاً ولا كاذباً"، تعظيماً لله عز وجل ما اضطر في حياته أن يحلف بالله، حاشاه أن يحلف كاذباً، ولكن حتى صادقاً ما حلف بالله، واليمين مكروهةٌ، الإكثار من اليمين المنعقدة أو المعقودة مكروهةٌ لقوله تعالى:

وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (224)
[سورة البقرة]

أي لا تجعل اسم الله على لسانك دائماً للأيمان، اجعل اسم الله على لسانك، فلسانك رطبٌ بذكر الله، لكن في العامية دائماً تحلف، ليس ذلك لائقاً بأدب المؤمن، في المجلس الواحد يحلف عشر مرات، كل مرة والله أقسم بالله أنه حصل، والله لم يحصل، والله لم أقل، الإكثار من الحلف ولو كنت صادقاً به مكروهٌ شرعاً؛ لأنّه إفراطٌ، وأن تجعل الله عرضةً في أيمانك في كل كلمةٍ تقولها، قال تعالى: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ)، هذا الملخص سيدي، نفتتح به حديثنا عن اليمين وأنا جاهزٌ لأسئلتكم.

الدكتور حسن:
بارك الله بكم دكتورنا الحبيب، السؤال المطروح هل الحلف، واليمين، والإيلاء، والقسم بمعنى واحد، وما الفرق بينها؟ ومتى تكون اليمين صحيحة شرعاً؟

الحَلف واليمين والقسم مدلولاتٌ لمسمى واحد:
الدكتور بلال:
نعم يا سيدي، الحلف أو الحَلف واليمين والقسم، هي مدلولاتٌ لمسمى واحد، الإيلاء هو قَسم لكنه قسمٌ من نوعٍ خاص، إذا قيل: آلى الرجل بمعنى حلف، لكن تنصرف فقهاً إلى من حلف ألا يقرب زوجته، أقسم يميناً بالله ألا يقرب زوجته بما يكون بين الرجل وزوجته، قال تعالى:

لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ۖ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (226)
[سورة البقرة]

فالإيلاء هو حِلف، أو حَلف، لكنه منصرفٌ إلى نوعٍ خاص، وهو أن يحلف الرجل ألا يقرب زوجته، أما القسم أن يقسم بالله تعالى فيقول: أقسم بالله ألا أفعل، واليمين هو قسمٌ بالله، والحلف هو حلفٌ بالله، فهما مدلولات إلى كلمة واحدة إلا الإيلاء فإنه منصرف إلى شيء آخر.

أنواع اليمين من حيث حكمها الشرعي:
عندما تدعى إلى حلف يمين ينبغي ألا ترفضها
اليمين تتناوبها الأحكام الخمس كما قال الحنابلة، الأحكام الخمس هي الوجوب، والندب، والكراهة، والتحريم، والإباحة، هذه الأحكام الخمس في الفقه الإسلامي، كيف ذلك؟ قالوا اليمين قد تكون واجبة، بمعنى قد يجب على الإنسان أن يحلف يميناً، إذا جاءه القاضي وطلب منه أن يحلف يميناً، إذا جاء إنسان متهم بسرقة وهو يعلم أن هذا الشخص كان عنده في وقت السرقة، قال: لا أريد أن أحلف، لا، اليمين واجبةٌ عليك الآن؛ لأنك إن حلفت هذه اليمين فإنك تنجّي إنساناً بريئاً من تهمةٍ تعلق بها، فعندما تدعى إلى حلف يمين من أجل الحقوق، اليمين واجبةٌ بحقك، وينبغي ألا ترفضها، ثم إن اليمين قد تكون مندوبةً، بمعنى لك أجر في فعلها، لكن لو تركتها لا وزر عليك، قالوا: ذلك يكون عندما يكون فيه مصلحة، كأن يكون هناك إصلاحٌ ببن شخصين متخاصمين، أو تزيل حقداً من قلب مسلمٍ، أو تدفع شراً عنه، أنت وجدت أثناء جلسة الإصلاح بين شخصين أنك لو حلفت يميناً صادقاً فيها أن فلاناً يحبك، أو أن فلاناً لم يقل ذلك، فحلفت على ذلك من أجل أن يصلح الأمر بينهما، ويزول ما في قلب أحدهما على الآخر، فهذا مندوب، لأنك تصلح فيه بين شخصين، ثم إن اليمين قد تكون مباحةً ليست مندوبةً ولا واجبةً، المباح يستوي فيه جانب الفعل والترك، مثلاً الطعام والشراب، الطعام ما حكمه؟ مباح من شاء أكل ومن شاء لم يأكل، إلا في حالات خاصة، لكن الطعام والشراب مباح، فاليمين تكون مباحةً في حالة وهي أن يحلف الإنسان على فعل شيء مباح أو أن يتركه، بمعنى إنسان حلف يميناً بالله أن يدفع مالاً لفلان، أو حلف يميناً أن يزور فلاناً، أو حلف يميناً ألا يدخل هذا المكان، انزعج من مكان قال: والله لا أدخل هذا المكان، هذا يمين مباح لكن كما قلنا الأصل بالمسلم ألا يُكثر من الأيمان المباحة، وأن يدع اليمين عندما يتعين عليه الحلف ألا يفعل ذلك، بمعنى على لسانه بشكل مستمر، وقد تكون اليمين مكروهةً، وهو أن يحلف الإنسان على ترك مندوب، كأن يقول الإنسان: أقسم بالله ألا أصلي الضحى، والضحى سنة، فأنت الآن بهذا الحلف وقعت في ترك مندوب، حلفت على ترك مندوب، فهذه يمينٌ مكروهة، وهنا الكراهة تصل إلى التحريم، ليس التحريم القطعي وإنما المكروه تحريماً، وقد يكون محرماً، يحرم على الإنسان أن يحلف، يحكم عليه أن يحلف صادقاً، الكذب محرم في كل حال، لكن نتكلم عن اليمين، متى يحرم على الإنسان الحلف بشكل عام؟ عندما يكون الحلف كاذباً، كأن يحلف الإنسان كاذباً على شيء، وهو يعلم أنه كاذبٌ فيه، قال تعالى:

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)
[سورة المجادلة]

فالكذب حرام، ومن أعظم الحرمات أن يحلف الإنسان كاذباً فيقول: والله ما رأيت فلاناً وهو قد رآه، أو يقول: والله لم أفعل وهو قد فعل، يقولها وهو يعلم أنه كاذب، لكنه يحلف لينجي نفسه من شيء، أو ليورط إنساناً بشيء أو كذا، فهذه يمينٌ كاذبة وهي من الحلف المحرم، فالحلف يتناوبه الأحكام الخمس، الوجوب، والندب، والإباحة، والكراهة، والتحريم القطعي عندما يكون اليمين كاذباً، هذه أنواع اليمين من حيث حكمها الشرعي، لكن يوجد أحكام لليمين من زوايا أخرى سنعالجها بمعيتكم إن شاء الله.

الدكتور حسن:
جزاكم الله خير فضيلة الدكتور، يوجد حكم أن الحلف لا يجوز إلا باسم الله سبحانه، أو بصفةٍ من صفاته، هل يجوز أن يحلف المسلم بالقرآن أو بالكعبة أو بالنبي عليه الصلاة والسلام أو بآيةٍ من القرآن أو بمخلوق؟ وكذلك السؤال الذي يأتي معه: الله عز وجل أقسم بمخلوقاته، ويجوز لله أن يقسم بما يشاء، فهل يجوز للمسلم أن يقسم بما أقسم الله عز وجل به؟

على المؤمن ألا يقسم إلا بالله أو بالقرآن الكريم:
الدكتور بلال:
الحلف بالقرآن الكريم جائز
سيدي لنبدأ واحدة واحدة، الحلف بالقرآن الكريم جائز؛ لأنه يتضمن كلام الله تعالى وكلام الله تعالى من صفاته، فلو قال الإنسان: أقسم بالقرآن الكريم، أو بآية من آياته أني كذا فهذا جائز؛ لأنّ كلام الله صفةٌ من صفاته وهذا ما عليه جمهور الأمة، فالقرآن ليس مخلوقاً كما قال المعتزلة، وإنما هو كلام الله القديم الأزلي الثابت، فهو صفةٌ من صفاته فيجوز الحلف به، وأما الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم فعلى عِظم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم في نفوسنا، وعلى عِظم محبتنا له صلى الله عليه وسلم وجاهه العظيم والكبير، إلا أن الأصل ألا يحلف الإنسان بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ النبي في محصلة الأمر بشر، قال تعالى:

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)
[سورة الكهف]

فلا ينبغي للمؤمن أن يحلف بغير الله تعالى، أما بما أقسم الله تعالى به في قرآنه، مثلاً: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)، نعم هناك من قال ولكنه قول ضعيف من أهل العلم، أنه ما أقسم الله تعالى به يجوز أن نقسم به، فنقول: والشمس، لكن هذا القول ضعيف، إنما جمهور الفقهاء من الأئمة على أنه لا يجوز للمسلم أن يحلف بمخلوقات الله، حتى بما أقسم الله تعالى به، فهذا أمرٌ لله تعالى وحده أن يقسم بما يشاء من مخلوقاته، أما المؤمن فلا يقسم إلا بالله، مستمدين بعدة أحاديث أحدها:

{ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَالَ: مَن كانَ حَالِفًا، فَلْيَحْلِفْ باللَّهِ أوْ لِيَصْمُتْ }

[صحيح البخاري]

وهناك رواية: (منْ حلفَ بغيرِ اللهِ فقدْ أشركَ)، وقلنا إن هذا الشرك الأصغر وليس الأكبر، وأنه محمولٌ على من حلف يريده عظيماً غير الله تعالى بحلفه، فلا يجوز أن يحلف الإنسان بشيءٍ من مخلوقات الله تعالى، أما القرآن الكريم، أو صفات الله، حكمة الله، عدل الله، أسماء الله الحسنى، فهذه يجوز للمؤمن أن يحلف بها.

الدكتور حسن:
سيدي بارك الله لنا في حياتكم، قول الله عز وجل:

فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40)
[سورة المعارج]

هذا قسمٌ لله سبحانه وتعالى بما خلق، وله أن يحلف بما يشاء، فهل يجوز للمسلم أن يقسم بمثل هذه الآيات الكريمة وهذا القسم؟

القسم في القرآن نوعان:
الدكتور بلال:
القسم في القرآن نوعان أحدهما هذا الذي ذكرته، طبعاً في القرآن لا أقسم بمعنى أقسم، (فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ)، هنا قسم بالرب جلّ جلاله، فهذا جائز، يجوز للإنسان أن يقول: أقسم برب المشارق والمغارب، هنا القسم جاء بالله تعالى، أو أن تقول: أقسم برب القمر والنجوم، أقسم برب الكواكب، هذا لا شيء فيه، القسم هنا منصرف إلى الله تعالى وليس إلى الأشياء، وإنما إذا قال الله تعالى:

وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ (2)
[سورة الليل]

هنا يقسم الله تعالى بمخلوقاته، لكن كما قلنا: المؤمن الأصل ألا يقسم بشيء من المخلوقات حتى بالمخلوقات التي أقسم الله تعالى بها، لأن الله تعالى له أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، أما المؤمن فلا يقسم إلا بالله تعالى، أو بشيءٍ من أسمائه أو صفاته جلّ جلاله.

الدكتور حسن:
بارك الله بكم دكتورنا الحبيب، السؤال الآن حياكم الله قوله: أقسم عليك، أو أقسمت عليك، ولم يذكر اسم الله هنا، هل تكون يميناً؟ وهل يحتاج هذا القسم إلى نية؟ هنا لم يذكر اسم الله، قال: أقسم عليك، أو أقسمت عليك، ولم يذكر اسم الله في هذا القسم، هل يحتاج إلى نية؟ وهل إذا قال: أقسم بالله عليك، أو أقسمت عليك بالله، هل هذا يعتبر قسماً مُعتبراً ولا يحتاج إلى نية ليكون القسم مُعتبراً؟

القسم واليمين لا يحتاج إلى نية:
الدكتور بلال:
المسلم ظاهره أن يحلف بالله تعالى
جزاكم الله خيراً، بدايةً لو قال: أقسم عليك، أو أقسم بالله عليك، عند جمهور الفقهاء الأمران سيّان، لأنه مسلم، والمسلم ظاهره أن يحلف بالله تعالى، فإذا حلف المُقسم به بدلالته لأنّه واضح ومعروف، فحذف للدلالة عليه، مادام قال: أقسم عليك، يقصد أقسم بالله عليك، إلا إذا ادعى غير ذلك فهذا شأنٌ آخر، لكن الأصل أقسم عليك فهي أقسم بالله عليك، وهي قسمٌ منعقدةٌ بالنسبة للحالف، فهو حلف أقسم بالله عليك أن تفعل كذا، فهذا الرجل إن فعل كذا فقد برئت ذمة الحالف، وإن لم يفعل فقد اضطر الحالف أن يدفع كفارة اليمين؛ لأنّه أوجبها على نفسه عندما قال: أقسم عليك أن تفعل كذا، أما الأصل فهو أن الحالف لا يُسأل عن نيته، الآن سنتحدث عن يمين اللغو، أما الحالف فلا يحتاج إلى أن يسأل: هل نويت الحلف أم لم تنو الحلف، مادام ظاهر الكلام هو الحلف فقد وقعت اليمين.

الدكتور حسن:
إذاً دكتورنا القسم واليمين لا يحتاج إلى نية، إذا كان من أقسم يقسم بالله، لا يحتاج إلى نية إنما النية تكون في اللغو حقيقةً.
السؤال الآن هل الحلف بأيمان المسلمين يلزمها كفارة؟ مثلاً أن يقول: إن فعلت كذا سأحج إلى بيت الله الحرام، أو أصوم شهراً، أو أطعم ألف مسكين، لكن بعد أن حلف وجد نفسه غبر قادر على ذلك، أو إن قال: إن سافرت إلى البلد الفلاني فالحلال عليّ حرام، حرّم الحلال على نفسه إن سافر إلى مكان يريده أو يرتاح به، أو إن قال: إن فعلت كذا، تزوجت مثلاً، أو أصبح لدي منزل، فإن كل ما أملك صدقة، وبعد ذلك شعر أنه لا يستطيع أن يفي بهذه الأيمان، فالقسم الأول من السؤال: هل الأيمان تلزمها كفارة؟ ومتى تلزمها كفارة؟ وهذه الأيمان التي ذكرتها إن فعلت كذا فالحلال عليّ حرام، هل يجوز أن يحرّم الحلال في يمين من الأيمان؟ هل يجوز أن يرصد كل ما يملك صدقة أو كل ما لديه، يحرم أولاده من خلال هذه الأيمان؟ وماذا يفعل إن وقع بهذا اليمين؟

اليمين ثلاثة أقسام:
الدكتور بلال:
نعم جزاكم الله خيراً، يا سيدي اليمين عند العلماء ثلاثة أقسام، القسم الأول هو يمين اللغو، والثاني هو اليمين المنعقدة، والثالث هو اليمين الغموس، اللغو، والمنعقدة، والغموس، اليمين اللغو دليلها قوله تعالى:

لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)
[سورة البقرة]

وفي الآية الثانية:

لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)
[سورة المائدة]

اللغو يمين غير منعقدة
فهاتان الآيتان تدلان على أن اللغو يمين غير منعقدة، لا توجد كفارة وكأنها لم تكن أصلاً، ما معنى اليمين اللغو؟ لأن بعض الناس اليوم يقولون إذا قال: والله، دون كسر الهاء فهذا لغو، فإذا قال: واللهِ بكسر الهاء تصبح منعقدة، لكن ما الضابط؟ متى يكون اليمين لغواً ومتى تكون منعقدة؟ العلماء لهم في ذلك اتجاهان، الاتجاه الأول اللغو في اليمين ما يجري على اللسان للتأكيد أو التنبيه من غير اعتقاد اليمين، في القلب لم يرد أن يحلف، مثلاً شخص يجلس مع شخص آخر، يقول له: هل نحضر طعاماً؟ يقول: لا والله، لا يريد أن يتعبه ويكلفه، الرجل قال له: أريد أن أجلب، وأتى بالطعام، هذه يمين لغو لأنه لم يرد الحلف، هو ما أراد أن يحلف، ما أراد أن يقسم بالله عز وجل ألا يحضر طعاماً، لكن أراد ألا يكلفه من أجل التأكيد والتنبيه، لكن ما كسب قلبه هذا اليمين، أو الأم أحياناً في المنزل تقول لابنها: والله لأموتك، وهي لا تريد لا أن تميته ولا أن تصيبه بشيء من الرياح من خوفها عليه، فهي ما أرادت اليمين، فهنا نقول: هذه يمين لغو ليس عليها شيء وكأنها لم تكن، ونوصي الأخوة أن يحاولوا جهدهم ألا يقولوها، (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ)، ليس لها داعٍ، هذا ما ذهب إليه بعض أهل العلم وهو قول الإمام الشافعي، وقول الإمام أحمد، وهو منقول عن السيدة عائشة رضي الله عنها، روى البخاري عنها أنها قالت، نزل قول الله تعالى:(لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ)، في قول الرجل: لا والله، بلى والله، لا والله لا أفعل، بلى والله أفعل، ما يجري في الأسواق ومع الناس وكذا، لم يتعمد الإنسان فيه القسم، هذا الاتجاه الأول.
الاتجاه الثاني باللغو في اليمين ويمكن أن نجمع بينهما، قال: أن يحلف الإنسان على أمرٍ يظنه كما يعتقد فيكون الأمر بخلافه، يأخذ مبلغاً من إنسان، يقول له: كم المبلغ الذي أخذته؟ يقال له: عشرة آلاف، يقول: ليست عشرة بل اثنا عشر، يقول لك: عشرة، تقول له: اثنا عشر، يقول لك: والله العظيم المبلغ الذي أخذته كان عشرة، هو عدّهم وكانوا عشرة ولكنه أخطأ في العد، فهو عندما حلف كان صادقاً فيما يقول، لم يكذب، تقول له: أين المال هاته؟ تعده فيكون اثني عشر، فقال: لم أنتبه سامحوني، فهو عندما حلف حَلف صادقاً، ويريد الصدق لكن ظهر الأمر على خلاف ما يظن، فقالوا: هذا هو اللغو، وهو منقول عن العباس رضي الله عنه، وهذا ما ذهب إليه الحنفية والمالكية، ويمكن أن نجمع بين الأمرين فنقول: اليمين اللغو هي يمين يحلفها الإنسان من غير قصدٍ تجري على لسانه، لا يريدها ولا يتعمدها قلبه، أو أنه يظن شيئاً فيحلف عليه فيظهر خلافه، فهذه يمينٌ لغوٌ غير منعقدةٍ لا توجب كفارةً عند جمهور الفقهاء بل عند جميع الفقهاء.
اليمين المنعقدة تجب عليه الكفارة
أما اليمين المنعقدة، وهي أن يحلف الإنسان على شيءٍ يفعله أو يتركه، على فعل أمرٍ ما أو عدم فعله في المستقبل، كأن يقول: والله لن أزور صديقي فلاناً، أو يقول: والله لأنفقنَّ نصف مالي في سبيل الله، يحلف على شيء يريد أن يفعله في المستقبل، أو يريد أن ينهى نفسه عن فعله في المستقبل، فهذا إذا حنث به ولم يفعل ما حلف عليه، فإنه تجب عليه الكفارة، وكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون به أهليكم، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، اليوم لا يوجد تحرير رقبة، اليوم أمم الأرض تستعبد الشعوب كلهم، لا يوجد عبيد أفراد، نسأل الله السلامة، يوجد شعوب مستعبدة نسأل الله أن يجعل فرجاً ومخرجاً، فاليوم إما أن يطعم عشرة مساكين، أو يكسوهم، والإطعام والكسوة من أوسط ما يطعم به أهله، مثلاً الذي يأكل كل يوم شيئاً ألذ من الذي قبله، لا يحق له أن يقول: سأطعم الفقير طعاماً عادياً، يطعمه مثلما يأكل، أو ينفق مالاً يطعم عشرة مساكين يعطي لكل مسكين وجبتين مشبعتين، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ويجوز أن تكون متتابعةً أو متفرقة، (ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ)، لا تحلف إلا إذا كنت مضطراً لذلك، أو محتاجاً لذلك، ولا تجعل اليمين دائماً عل لسانك، هذه اليمين المنعقدة وهي التي توجب الكفارة.
أما اليمين الثالثة فهي اليمين الغموس، وهي الحلف على الكذب، وسميت غموساً لتسمية رسول الله صلى الله عليه وسلم لها فقد قال صلى الله عليه وسلم:

{ الكَبائِرُ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، أوْ قالَ: اليَمِينُ الغَمُوسُ.شَكَّ شُعْبَةُ وقالَ مُعاذٌ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، قالَ: الكَبائِرُ: الإشْراكُ باللَّهِ، واليَمِينُ الغَمُوسُ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، أوْ قالَ: وقَتْلُ النَّفْسِ }

[أخرجه البخاري]

اليمين الغموس هي يمين كاذبة
وسميت غموساً إما لأنها تغمس صاحبها بالإثم، أو لأنها تغمس صاحبها بالنار والعياذ بالله، بالإثم أو بالنار، نسأل الله السلامة، وهذه اليمين الغموس عند جمهور الفقهاء ليس لها كفارة، قالوا: هي أعظم من أن تكون لها كفارة، هي يمين كاذبة، حلف كذباً، قال: والله ما رأيت فلاناً اليوم وهو قد رآه، ويشتد إثمها عندما يتعلق بها الحقوق والعياذ بالله، كأن يحلف أمام القاضي أنه التقى بفلان هذا اليوم وهو لم يلتق به، أو أن يحلف أنه أعطاها مهرها وهو لم يعطها مهرها، أو أن يحلف بالله أنه قال كذا وهو لم يقل كذا، أو يحلف بالله أن هذا المال ليس لفلان وهو لفلان، فعندما يتعلق بها حقوق العباد يشتد إثمها والعياذ بالله، وتغمس صاحبها في نار جهنم، فمن حلف كذباً فعليه أن يبادر بالتوبة إلى الله، ثم ننظر فإن كانت يمينه أدت إلى انتزاع حقٍ من إنسان، أو إضرارٍ بإنسان فعليه أن يراجع حساباته فوراً، وأن يعود إلى القاضي، أو الحكم، أو إلى الشخص الذي تضرر من ذلك، فيصلح ما كان منه، وقالوا: ليس لها كفارة، إلا أن الشافعية قالوا: هو آثمٌ إثماً عظيماً ويحتاج إلى كفارة، فيكفر عنها بإطعام عشرة مساكين، فإن لم يستطع فصيام ثلاثة أيام، والصحيح من أقوال العلماء وما عليه الجمهور، أنه ليس عليه كفارة، ولكن إثمه عظيم، وتوبته واجبة، والإصلاح واجبٌ إذا تعلق بالأمر حقوق العباد، وأما ما ذكرتم بأن يحلف الإنسان على شيءٍ معين فقد قال صلى الله عليه وسلم:

{ لا نذرَ ولا يمينَ فيما لا يملك ابنُ آدمَ، ولا في معصيةِ اللهِ، ولا في قطيعةِ رحمٍ، ومن حلف على يمينٍ فرأى غيرَها خيرًا منها فليدَعها وليأتِ الذي هو خيرٌ فإنَّ تركَها كفارتُها }

[صحيح أبي داود]

مثل الذي تفضلتم به كأن يقسم بالله عز وجل أن يحرّم على نفسه حلاله، قال تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ۖ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (1)
[سورة التحريم]

فالله تعالى أباح لنا المباحات، فعندما يحرم الإنسان على نفسه شيئاً أباحه الله، فينبغي أن يعود عن يمينه، ويأتي الذي أباحه الله له، وليكفر عن يمينه، أو أن يقول كما تفضلتم أقسم بالله أن أتصدق بكل مالي، ثم ينظر فيقول: ماذا صنعت؟ ومن يطعم أولادي؟

وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)
[سورة البقرة]

فإنفاق المال كله تهلكة، وعدم الإنفاق تهلكة، فأنا عندما قلت: أتبرع بكل مالي غداً، وليس لديّ طعام، والله أمر بالأخذ بالأسباب، فأعود عن اليمين وأقول: سأنفق جزءاً من مالي، فأقول لك: كفّر عن يمينك وآت بما هو خيرٌ، وإن الخير هنا ألا تنفق كل مالك، ثم تتكفف الناس، فهنا يأتي حديث المصطفى:

{ ومن حلف على يمينٍ فرأى غيرَها خيرًا منها فليدَعها وليأتِ الذي هو خيرٌ فإنَّ تركَها كفارتُها }


الدكتور حسن:
بارك الله بكم دكتور على هذا البيان، وجزاكم الله عنا كل خير، فضيلة الدكتور أنا أرى أن لليمين شروطاً، كما بيّن ذلك الفقهاء، من هذه الشروط، إذا نظرنا إلى صبيٍّ صغير، وحلف باليمين، هل تنعقد يمينه؟ إذا كان غير مسلم هل تنعقد يمينه؟ إذا كان فاقد العقل فهل هناك شروط لهذا اليمين؟ وما أركان اليمين؟

شروط وأركان اليمين:
الدكتور بلال:
المجنون لا ينعقد يمينه لأنّه فقد عقله
لا شك أن هناك شروطاً يسميها الفقهاء: شروط الحالف، بمعنى الذي يُقسم، المُقسم باليمين، أول شروطه كما تفضلتم البلوغ، فالصبي لا تنعقد يمينه، لا بد من أن يكون بالغاً، والشرط الثاني: العقل، المجنون لا ينعقد يمينه؛ لأنّه فقد عقله، إذا أخذ ما أوهب أسقط ما أوجب، ومن الشروط: القصد، فلا ينعقد من النائم أو من كان شارباً للخمر، مع إثمه العياذ بالله، أو النائم الذي لا يميز، وهو في نومه تكلم مثلاً، فقالوا: هذا شرطه القصد، وهو أن يقصد اليمين، أن تكون عنده الإرادة، فإذا سقطت إرادته وحلف وقال: لم أنتبه، وأنت نائم حلفت يميناً، أو كنت بين النوم والصحو، فهذا الشرط الثالث، والشرط الرابع هو الاختيار، فلا تنعقد يمينٌ مع الإكراه، فإذا توعّد شخص آخر: إن لم تحلف الآن سأقتلك، أو سأسلب مالك، أو سأنتهك عرضك والعياذ بالله، فحلف فهذا لا تنعقد يمينه؛ لأنّه لم يتوفر لديه عنصر الاختيار، فلا بد من الاختيار، فهذه الشروط في الحالف، أن يكون بالغاً، عاقلاً، راشداً، وأن يكون مختاراً قاصداً ليمينه، أما قضية الحلف عندما تكون من غير مسلم فهذا موضع خلاف، هل تنعقد يمينه؟ الذين قالوا: إن الكافر أو غير المسلم مطالب بفروع الشريعة، قالوا: تنعقد يمينه، والصحيح من أقوال العلم أن هذا حكمٌ شرعي، والحكم الشرعي يكون للأشخاص المسلمين حصراً، فلا تنعقد يمين غير المسلم، والله تعالى أعلم.

الدكتور حسن:
جزاكم الله عنا كل خير فضيلة الدكتور، السؤال الآن: هل إذا حلف ناسياً أو حلف خطأ على أمرٍ من الأمور، هل عليه حنثٌ في اليمين وعليه كفارة؟

حكم من حلف ناسياً أو حلف خطأ على أمرٍ من الأمور:
الدكتور بلال:
الصحيح أن من حلف ناسياً فيمينه يمين لغو غير منعقدة، كما بيّنا في المعنى الثاني الذي قاله الفقهاء، هو نسي فحلف فتبين له أنه كان ناسياً الأمر، فلا تنعقد يمينه ولا كفارة عليه، قال صلى الله عليه وسلم:

{ رُفِعَ عن أُمَّتي الخطأَ والنِّسيانَ وما استُكْرِهوا عليهِ }

[عمدة التفسير]

وقال تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ)، فالمخطئ الذي حلف خطأ ثم تبين خلافه أو نسي الأمر فحلف، فالصحيح من أقوال أهل العلم وهذا من أقوال الحنفية والمالكية أن يمينه لغوٌ غير منعقدة، ولا كفارة عليه لو تبين خطؤها والله أعلم.

الدكتور حسن:
السائل يسأل فضيلة الدكتور، من حلف يميناً ثم قال: إن شاء الله، هل عليه حنثٌ وعليه كفارة؟

حكم من أتبع يمينه بكلمة إن شاء الله:
الدكتور بلال:
هذه فيها حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن هذا الشخص الذي استثنى، فقال: أقسم بالله لأفعلنَّ كذا إن شاء الله، فإن كان الاستثناء متصلاً بالكلام، بمعنى لو قال: لأفعلنَّ كذا ثم سكت فترةً طويلةً، ثم قال: إن شاء الله، فهذا منعقدةٌ يمينه وإن حلف بها فعليه كفارة، لكن لو كانت متصلة كأن قال: أقسم بالله لأفعلنَّ كذا إن شاء الله، أو قال: أقسم بالله لأفعلنَّ كذا إن شاء الله، بمعنى الفاصل قصير بينهما، فهذا لا كفارة عليه، لأنه استثنى، وهذا مخرج لبعض الناس الذي يسبقه يمينه أحياناً، أن يسارع فيقول: إن شاء الله، وفي ذلك لو لم يستطع القيام بما حلف عليه، أو لم يستطع ترك ما حلف على تركه، فإنه باستثنائه هذا تبرأ ذمته ولا كفارة عليه والله أعلم.

الدكتور حسن:
هل إذا حلف يميناً مكرراً، أقسم ثلاث مرات أو أربع أو خمس، فهل تلزمه كفارة لكل يمين أو حنث لكل يمين أم تلزمه الكفارة للأيمان مجتمعةً مرةً واحدة؟

حكم الحلف باليمين المكررة:
الدكتور بلال:
أولاً: أريد أن أذكر حديث الاستثناء لكلمة إن شاء الله؛ لأنني نسيت أن أذكره، حتى يكون القول مدعماً بالحديث، وفيه بركة حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث أبي داود في الصحيح:

{ مَنْ حلفَ فقال: إن شاءَ اللهُ فله ثنيَّاه }

[أخرجه الترمذي]

وقال صلى الله عليه وسلم:

{ مَنْ حَلَفَ على يَمِينٍ فقال: إنْ شاءَ اللهُ، فلا حِنْثَ عليهِ }

[سنن الترمذي]

وفي الحديث:

{ إذا حلفَ الرجلُ فقال: إن شاءَ اللهِ فهوَ بالخيارِ إن شاءَ فليَمضِ، وإن شاءَ فليَتركْ }

[مسند أحمد]

اليمين المكرر على شيء واحد له كفارة واحدة
هذا الاستثناء في اليمين، أما الحلف باليمين المكررة، عندما يكرر الإنسان يمينه، فعندما يكرر اليمين على شيء واحد، كأن يقول: أقسم بالله لأفعلنَّ كذا، ثم يقول: أقسم بالله لأفعلنَّ كذا، ثم في اليوم الثاني: أقسم بالله لأفعلنَّ كذا، ثم لم يفعل، فهذا عليه كفارةٌ واحدة؛ لأنّ الأيمان كلها انعقدت على شيءٍ واحد، فإذا حنث فيلزمه كفارة واحدة لكل الأيمان؛ لأنّها انعقدت على شيءٍ واحد، الآن لو أن إنساناً قال: أقسم بالله لن أفعل هذا الأمر، ثم فعله مرة ومرتين وثلاث أيضاً عليه كفارةٌ واحدة، أقسم مرة واحدة ثم حنث مراراً، فعليه كفارةٌ واحدة، لكن لو قال: أقسم بالله لن أفعل كذا ثم فعله، فعليه كفارة، ثم أعاد فقال: أقسم بالله لن أفعل، ثم أعاد فعله، فعليه كفارةٌ ثانية، لأنه حنث بالأولى فعليه كفارة، ثم حلف مرةً ثانية وحنث فوجبت الكفارة، وهكذا هذه الحالات الثلاثة، الحالة الأولى أن يكرر اليمين على شيءٍ واحد ثم يحنث، فعليه كفارةٌ واحدة، الحالة الثانية أن يحلف بالله مرة أو مرات ثم يحنث مرات بالأمر نفسه، فهذا أيضاً عليه كفارة واحدة، الحالة الثالثة يحلف بالله ثم يحنث، عليه كفارة، ثم يحلف على الأمر نفسه ثم يحنث، فعليه كفارةٌ ثانية للحلف الثاني وهكذا.

الدكتور حسن:
فضيلتكم هل تكرار اليمين في المجلس الواحد له علاقة كحلف الطلاق في مجلسٍ واحد أو في عدة مجالس؟

الطلاق حكم شرعي وليس يميناً يحلف به:
الدكتور بلال:
الطلاق لم يُشرع ليكون يميناً
جزاك الله خيراً على طرح سؤال في الطلاق، لأن اليوم الناس يتساهلون في هذا الأمر، الطلاق لم يُشرع ليكون يميناً، الطلاق هو طلاق، هو ليس يميناً في الأصل، لكن الناس حولوه إلى يمين، الله تعالى شرع العلاقة بين الزوجين، ثم لأن طبيعة الحياة تقتضي أن الحياة قد تستحيل في الاستمرار بين الزوجين لسببٍ أو لآخر، فإن الفراق مسموح، وجعل الله له القاعدة المعروفة، وهي أن الرجل يطلّق زوجته في طهرٍ لم يمسها فيه، وهي غير حائض، طلاق سني لمرة واحدة فقط، يقول لها: أنتِ طالق، فتدخل في عدتها ثلاث حيضات، ثم أثناء الحيضات له أن يراجعها، وهي في بيته وعنده وأمامه وبزينتها، فربما يعود إليها، أو هي تتراجع عن خطئها، أو هو يتراجع عن خطئه، فجعل لها فترة الإصلاح التي هي ثلاث حيضات، أي ما يقارب ثلاثة أشهر، فإذا انتهت عدتها تحتاج إلى خطبة وعقد، ثم جعل الله للحل الثاني، الطلقة الثانية بالشروط نفسها، يطلقها في طهرٍ لم يمسها فيه، وهي غير حائض، فإن شاء أرجعها في عدتها، فإن انقضت عدتها فإنه يحتاج إلى عقد ومهر جديدين، فإن طلقها للمرة الثالثة لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره، هذا النظام الإسلامي الذي وضعه الله تعالى للطلاق، اليوم بعض الأزواج، الطلاق ليس بالنسبة له قراراً عند استحالة الحياة، وإنما حوله إلى وسيلة ضغط على زوجته، أو وسيلة فرض رجولة على زوجته، أو يريد أن يُؤدّبها، أو يمنعها من شيء فجعل الطلاق يميناً، فيقول لها: إن ذهبت فأنتِ طالق، نقول لهذا الرجل: أولاً: أنت تفعل حراماً، لأن الله لم يشرع الطلاق للحلف، وقلنا: من حلف بغير الله فقد أشرك، فلا يجوز الحلف بالطلاق، الطلاق ليس للحلف، تريد أن تطلّق زوجتك يوجد محكمة، ويوجد طلاق شرعي بوقت شرعي تطلقها فيه، فهنا نقول له: أنت أخطأت لأنك حولت الطلاق من أحكام شرعية إلى أيمان، ثم تذهب إلى المفتين وهذا يفتيك بأنها طلقت فتنزعج منه، وهذا يفتيك بأنها لم تطلق فتشك في فتواه، لأنك جعلت الطلاق في غير موضعه الذي وضعه الله فيه، ثم نأتي إلى هذه المسألة وهي الحلف بالطلاق، كأن يقول: عليّ الطلاق، فهذا يعني الأيمان عند الفقهاء تقع بوقوع شرطها، فقالوا: إذا قال إن فعلتِ فأنت طالق، أو عليّ الطلاق لن تذهبي وذهبت فيقع طلاقه، وهذا ما عليه جمهور الفقهاء، وذهب بعض الحنابلة، وذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وكثيرٌ من المعاصرين إلى أن جعلوا هذا اليمين يميناً وليس طلاقاً، قالوا بشرط ألا يكون يريد طلاقها، هو لا يريد أن يطلق زوجته ولكن هي تريد أن تذهب إلى هذا المكان وهو لا يريدها أن تذهب، فقال لنفسه أفضل طريقة أمنعها أقول لها: عليّ الطلاق لا تذهبي، وهنا النساء للأسف يحلو لهن أن يذهبن لأنه قال ذلك، وتذهب، يتصل بي ويقول لي: حلفت عليها ألا تذهب وذهبت، لماذا حلفت عليها ألا تذهب؟ يقول لي: والله يا شيخ حلفت عليها لأنني أريد أن أمنعها، وهل استطعت أن تمنعها؟ لا والله ذهبت، لذلك لا تعدها، مادامت هي ذهبت بجميع الأحوال إذاً لماذا حلفت بالطلاق؟ فهذا الرجل الذي حلف بالطلاق، نقول له: استغفر من ذلك ولا تعد إليه، وطبعاً كل حالة تحتاج إلى إفتاء، وأنا لا أفتي هنا بالطلاق وإنما نقول بشكل عام: تحرّز وابتعد عن الحلف بالطلاق، فإن الطلاق لا يُشرع للحلف، ثم إن وقع شيء من الإنسان فهناك له مخرج في بعض المذاهب وبعض دور الإفتاء، أنه إن لم يقصد طلاق زوجته، فإنه يعد يميناً قسمياً وليس طلاقاً، ويكفّر عنه بإطعام عشرة مساكين، لكن كل حالة تحتاج إلى فتوى، لا نعمم بمسألة الطلاق، تحتاج إلى مفت ويبين له ما الذي حصل تماماً وإلى آخره.

الدكتور حسن:
بارك الله بكم دكتورنا الغالي، دكتور السؤال الأخير للبيان، بما أنكم تكلمتم عن قضية الطلاق إن كان يميناً قسمياً، فإن كان الطلاق معلقاً على شرط، وكان يميناً قسمياً، بعدما ذكر هذا اليمين للمفتي والشيخ واعتبره يميناً قسمياً، ويريد أن يحنث في يمينه، الحنث في هذا اليمين أين مكانه؟ أو أي يمين كان أين مكان الحنث ودفع الكفارة؟ هل يكون دفع الكفارة عند الحنث باليمين أم قبله أم بعده؟ ما هو موضع الكفارة؟ وما هو موضع الحنث في اليمين؟

موعد دفع الكفارة عند الحنث باليمين:
الدكتور بلال:
هو إذا قال لزوجته مثلاً إن ذهبتِ فأنت طالق، وهي ذهبت وأفتى له المفتي بعد أن استجوبه..

الدكتور حسن:
لنعتبر أنها لم تذهب، أقسم عليها يميناً إن ذهبت إلى بيت أهلك فأنت طالق، فما ذهبت، هنا في هذه النقطة ما هو محل دفع الكفارة؟ هل تدفع الكفارة ويحنث في يمينه قبل أن تذهب لأنّه يقع الشرط في اليمين؟

الدكتور بلال:
كما قلنا الصحيح هي ذهبت، المفتي يفتي له، إن أفتى له أنها يمين فيدفع، لكن لم تدفع بعد، قال لها: لن تذهبي والآن أنا أريدها أن تذهب، وأنا بصراحة خرجت الكلمة معي وأنا منفعل، أولاً يدفع كفارة اليمين قبل الحنث ثم يسمح لها أن تذهب.

الدكتور حسن:
الشيخ الأستاذ أحمد الحاج علي حفظه الله من الأمانة العامة نرحب به بهذا السؤال، حفظه الله سبحانه وتعالى، يسأل السائل: هل يقع الطلاق بلحظة الغضب الشديد؟ وما هو الحل إذا كانت هذه الطلقة هي الثالثة؟ بارك الله بكم.

أنواع الغضب:
الدكتور بلال:
الغضب عند الفقهاء ثلاثة أنواع
الغضب عند الفقهاء ثلاثة أنواع، الغضب الأول يسمونه الغضب الشديد الذي يخرج الإنسان عن طوره، الذي نقول له بالعامية أغلقت معه، يقول له الفقهاء الإغلاق، لا طلاق في إغلاق، وقد فسر كثيرٌ من الفقهاء الإغلاق بالغضب الشديد، فهذا لا يقع طلاقاً، نسأله ما الغضب الذي حصل معك؟ يقول: والله يا شيخ لم أعد أرى في عيني، كيف هذا؟ والله تكلمت ولكن لا أعلم ما تكلمت، عندما زال الغضب عني، قالوا لي: إنك قلت لزوجتك: أنتِ طالق، والله لم أكن في وعيي، لم أدر أنني هكذا قلت، الآن أسترجع لا أستذكر تماماً، هذا لا يقع طلاقه عندها؛ لأنّه أُغلق عليه، فما تحصّل منه القصد، والله تعالى قال:

وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)
[سورة البقرة]

فأين عزمه وهو خارج عن طوره؟ هذا الغضب الشديد ولا يقع طلاقه، القسم الثاني الغضب الاعتيادي المعروف، وهذا يقع طلاقه بلا خلاف؛ لأنّه لا يوجد إنسان يطلق زوجته إلا في غضب، هو يغضب فيقول لها: أنت طالق، فإذا كان الغضب هو الاعتيادي، الرجل يعي ما يقول، لكن يقول لها: اذهبي أنت طالق، فهذا يقع طلاقه بلا خلاف، وهناك غضبٌ بين الغضبين؛ لا هو غضبٌ شديد مخرج عن الطور، ولا هو غضب عادي معتاد يفعله كل الناس، وإنما غضب متوسط لم يصل إلى أن الإنسان يخرج عن طوره، يقول لك: أنا أتذكر، لم أنس، لكن أنا لم أكن أريد أن أُطلّق، خرجت عن طوري، ولكن أتذكر أني حلفت، فهذا ما اختلف به الفقهاء، وهنا يأتي النظر الفقهي، وهنا يأتي دور المفتي في أن ينظر بالمسألة، وأن ينظر في حال السائل، وفي حال زوجته، مثلما تفضل الأخ ممكن أن تكون الطلقة الثالثة، قد تكون الطلقة الأولى أو الثانية المفتي يقول: سآخذ بقول من قال إنه وقع، ممكن ينظر له يلقى أنها الطلقة الثالثة وأسرة، وهو نادم وهي نادمة، ويسمع منه فيجد أن الغضب الذي وصل له هو ليس غضباً اعتيادياً، هو غضب خارج عن المألوف لكن لم يصل إلى الإغلاق، فيحكم وهذا حكم فقهي مشروع، قال به كثير من أهل العلم، أن الغضب المتوسط يُلحق بالإغلاق، ليس المتوسط الشديد، لكن ليس الإغلاق، يُلحق بالإغلاق، أما الاعتيادي فيقع الطلاق بلا خلاف، وأما الإغلاق فلا يقع بشبه إجماع، وأما الشديد الذي لم يصل إلى الإغلاق فيمكن أن نلحقه بالإغلاق، وهذا يتبع إلى نظر المفتي وبيان حال الإنسان ومن كان معه من الشهود الذين كانوا عند وقوع الطلاق، والله تعالى أعلم.

خاتمة وتوديع:
الدكتور حسن:
بارك الله بكم دكتور، حفظكم الله سبحانه وتعالى، ونفع الله بكم الأمة، تشرفنا بهذه الإطلالة المباركة، وجزاكم الله عنا كل خير، أطلنا عليكم وأثقلنا عليكم، أرجو من الله أن يبارك بدينكم، وإيمانكم، وصحتكم، وعلمكم، في هذه اللحظات المباركة، نشكر جميع من تابعنا في هذه الإطلالة الطيبة، ونبقى على تواصلٍ دائم، في برنامج:" رابطة حملات الحج السورية في الدعوة إلى الله"، وفي هذا البرنامج المميز مع فضيلة الدكتور المبارك الطيب، الأخ الكريم الدكتور بلال نور الدين حفظه الله، نلقاكم على خير، نشكر لكم حضوركم هذا، ونستودع الله دينكم، وأماناتكم، وخواتم أعمالكم، شكراً لكم فضيلة الدكتور، شكراً لمن تابعنا، شكراً لمن هيأ هذا البرنامج، شكراً لمن يتابعنا الأستاذ محمد الجمل في البث المباشر، الأستاذ الشيخ أحمد بن محني في التنسيق الإعلامي، شكراً للأمانة العامة والرابطة، شكراً لكم دكتورنا الغالي الدكتور بلال حفظكم الله، وإلى اللقاء في لقاءٍ قادمٍ بإذن الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته