اغتنام آخر الأيام

  • لقاء في برنامج لجام الكلام
  • 2020-05-18

اغتنام آخر الأيام

المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله المبين، الصلاة والسلام على الأمين، اللهم افتح على قلوبنا فتوح العارفين، فتوحاً تُصلح به الحال ونسلك به في سبيل نهضة هذه الأمة، (رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي)، (اللَّهمَّ لا سَهلَ إلَّا ما جَعَلتَه سَهلًا، وأنتَ تَجعَلُ الحَزْنَ إذا شِئتَ سَهلًا) مولانا رب العالمين.
أهلاً وسهلاً بكم، حيّاكم الله وبيّاكم، في هذه الليالي الفضيلة نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل فيها طاعتنا وطاعتكم، ضيفي اليوم في هذا اللقاء الأخ الحبيب الدكتور: بلال نور الدين، سأترك له دقائق للتعريف بنفسه، حياك الله دكتور أهلاً وسهلاً وتقبل الله طاعتكم.

السيرة الذاتية للدكتور بلال نور الدين
تعريف بالدكتور بلال نور الدين
الدكتور بلال: حياكم الله أستاذ وسام الحبيب، وجميل الكلام مع حضرتكم وبحضور الإخوة الأحباب ويسعدني ذلك، لا أحسن الحديث عن نفسي غالباً، فاجأتني، أنا بلال نور الدين، دكتوراه في الفقه المقارن، عضو في رابطة علماء الشام، تخصصي هو اللغة العربية من جامعة دمشق، ثم الشريعة الإسلامية من جامعة الأزهر في القاهرة، ثم الماجستير والدكتوراه في الفقه المقارن من جامعة أم درمان في السودان، وعملي هو في المجال العلمي كنت مديراً لثانوية الشيخ عبد الغني النابلسي الشرعية في دمشق، وبعد ذلك الآن أقوم بالأعمال العلمية، أقوم على التحقيق والتنقيح ومتابعة الأعمال العلمية، وأشرف على موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية على قسم الفتاوى وعلى الموسوعة بشكل عام: موقع الشيخ محمد راتب النابلسي وعلى جميع مؤلفاته ولله الحمد والمنة.
المذيع: ما شاء الله عنك، حيّاك الله وبيّاك، طبعاً من الصفات الجميلة للدكتور بلال هو على قدره العلمي إلا أنه طيب المعشر، هين ولين، صاحب جميل ما شاء الله عنك.
نحن اليوم كما كنا قد تحدثنا عنوان هذا اللقاء: اغتنام آخر الأيام، نحن الآن في أواخر رمضان أسـأل الله أن يتقبل منا ومنكم الطاعات، دائماً هناك بعض التساؤلات التي تثار في كل سنة في هذه الأيام، أولها: هل ليلة القدر لها علامات واضحة؟ دائماً الناس تريد أن تتلمس ليلة القدر، الشمس لها شعاع؟ ليس لها شعاع؟ السماء صافية؟ السماء ليست صافية؟ هناك هواء؟ لا يوجد هواء؟ وتختلف الأمور ما بين الناس هذا يقول: هذه ليلة القدر، وهذا يقول: لا ليست ليلة القدر، ودائماً التساؤلات يقول لك: نحن الآن الليلة عندنا فردية، وفي دولة أخرى ليست فردية زوجية، يا ترى الآن هي ليلة القدر عندنا أم نتلمس ليلة القدر؟ ما هو صحيح ما ورد حول ليلة القدر؟ وكيف يمكن أن تفيدنا في هذا الجانب؟

فضل ليلة القدر
الدكتور بلال: بارك الله بكم، سأجيب عن هذه التساؤلات ضمن حديث عام عن ليلة القدر، وأجيب عن كل ما تفضلت به إن شاء الله، ليلة القدر هي تلك الليلة عظيمة الشرف والمنزلة التي اختصَّها الله تعالى من شهر رمضان المبارك بإنزال القرآن الكريم فيها، قال تعالى:

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ
(سورة القدر: الآية 1-2-3)

عبادة الله عز وجل مع تعظيمه
وألف شهر تعادل أكثر من ثمانين سنة، فليلةٌ واحدةٌ تقدر الله فيها حقَّ قدره تعدل عبادة ثمانين سنة عبادةً جوفاء ليست فيها تعظيم، فالعبادة مع التعظيم مختلفةٌ عن العبادة من غير تعظيم، فإذا تمكنت في ليلةٍ من الليالي أن تكون قريباً من الله تعالى تعظمه وتقدره حق قدره، في القرآن الكريم ذكرت ثلاث مرات: (وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ) أي لم يعظموه حق عظمته كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ
(سورة الزمر: الآية 67)

وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ
(سورة الأنعام: الآية 91)

مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ
(سورة الحج: الآية 74)

ثلاث آيات تعاتب الإنسان عندما لا يقدر الله حق قدره، فعندما تأتي ليلة القدر المباركة ويقدر الإنسان فيها ربه حق قدره فكأنه عبدَ الله ثمانين سنة في ليلةٍ واحدة لأن العلم مقدم على العبادة.
فالْقَدْرِ علم، والقدر أن تعرف صاحب الأمر جل جلاله، أن تعرف الآمر، وأما الأيام التي تقضيها في الأمر فهي أيام رائعة جداً لكنها لا تعدل ليلةً واحدةً تتعرف فيها على صاحب الأمر جل جلاله، فهذه ليلة القدر.

ليلة القدر في الحديث الشريف
ليلة القدر كما جاء في صحيح البخاري:

{ عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرُ بلَيْلَةِ القَدْرِ، فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ المُسْلِمِينَ فَقالَ: إنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بلَيْلَةِ القَدْرِ، وإنَّه تَلَاحَى فُلَانٌ وفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ، وعَسَى أنْ يَكونَ خَيْرًا لَكُمْ، التَمِسُوهَا في السَّبْعِ والتِّسْعِ والخَمْسِ }

(صحيح البخاري)

- أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَرَجَ يُخْبِرُ بلَيْلَةِ القَدْرِ- يعني خرج إلى الناس ليخبرهم بليلة القدر هي الليلة رقم كذا من شهر رمضان، ويحل الإشكال دائماً الذي كل عام نسأل أي ليلة هي ليلة القدر، فأراد الله شيئاً، قال - فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ المُسْلِمِينَ - أي كان بينهما تخاصم، فانشغل النبي صلى الله عليه وسلم بتلاحي هذين الرجلين، وهنا أيضاً عبرة فالخصام دائماً يؤدي إلى أن يحبس عنك شيءٌ من الخير ولو كان على المستوى الجماعي، قال - فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنَ المُسْلِمِينَ، فَقالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بلَيْلَةِ القَدْرِ، وإنَّه تَلَاحَى فُلَانٌ وفُلَانٌ، فَرُفِعَتْ - لم ترفع الليلة وإنما رفع بيانُها، يعني رفع عنكم بيانُها، والدليل متابعة الحديث، قال صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - وعَسَى أنْ يَكونَ خَيْرًا لَكُمْ - هنا تلمس الخير في الأماكن التي يظهر فيها شراً، تلمس الخير في المصائب، قال صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: - وعَسَى أنْ يَكونَ خَيْرًا لَكُمْ - قال المحدثون: الخير هنا في أن تكون كلُّ ليالي العشر ليالي قدر، فإذا ما أخفيت عنك اجتهدت فيها كلِّها، فكان لك نصيبٌ من القرب من الله في جميع الليالي، قال - وعَسَى أنْ يَكونَ خَيْرًا لَكُمْ، التَمِسُوهَا في السَّبْعِ والتِّسْعِ والخَمْسِ - في السَّبْعِ والتِّسْعِ والخَمْسِ أي في السابع والعشرين والتاسع والعشرين والخامس والعشرين.
وفي أحاديث أُخرى :

{ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ : تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ من رمضانَ }

(رواه البخاري)

فنضيف لها الواحدة والعشرين والثالثة والعشرين، فهي خمس ليالٍ كلٌ منها يمكن أن تكون ليلة القدر.

علامات ليلة القدر
علامات ليلة القدر
الآن هل لها صفات معينة؟ الحقيقة يتكلم الناس كثيراً لكن ما يعنينا هو ما ورد في الصحيح وهي علامةٌ واحدة في الصباح وعلامةٌ في الليل، العلامة في الصباح من أجل الاستبشار؛ ينظر الإنسان في الصباح فيرى الشمس لا شعاع لها فيتفاءل لعل الله قبِلَ منه هذا العمل في الليل وقد شعر بالأنس والسكينة بالله.

{ عن أُبَيَّ بنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، فَقُلتُ: إنَّ أَخَاكَ ابْنَ مَسْعُودٍ يقولُ: مَن يَقُمِ الحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ القَدْرِ؟ فَقالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَرَادَ أَنْ لا يَتَّكِلَ النَّاسُ، أَما إنَّه قدْ عَلِمَ أنَّهَا في رَمَضَانَ، وَأنَّهَا في العَشْرِ الأوَاخِرِ، وَأنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، ثُمَّ حَلَفَ لا يَسْتَثْنِي، أنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقُلتُ: بأَيِّ شيءٍ تَقُولُ ذلكَ؟ يا أَبَا المُنْذِرِ، قالَ: بالعَلَامَةِ، أَوْ بالآيَةِ الَّتي أَخْبَرَنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أنَّهَا تَطْلُعُ يَومَئذٍ، لا شُعَاعَ لَهَا }

(صحيح مسلم)

وأما ما يكون في الليل من أجل أن يجتهد الإنسان في العبادة.

{ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي مَنْ قَامَهُنَّ ابْتِغَاءَ حِسْبَتِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَهِيَ لَيْلَةُ وِتْرٍ تِسْعٍ أَوْ سَبْعٍ أَوْ خَامِسَةٍ أَوْ ثَالِثَةٍ أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَمَارَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهَا صَافِيَةٌ بَلْجَةٌ كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا سَاكِنَةٌ سَاجِيَةٌ، لا بَرْدَ فِيهَا وَلا حَرَّ، وَلا يَحِلُّ لِكَوْكَبٍ أَنْ يُرْمَى بِهِ فِيهَا حَتَّى تُصْبِحَ، وَإِنَّ أَمَارَتَهَا أَنَّ الشَّمْسَ صَبِيحَتَهَا تَخْرُجُ مُسْتَوِيَةً لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَلا يَحِلُّ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا يَوْمَئِذٍ }

(رواه الإمام أحمد)

(إِنَّ أَمَارَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ) أي علامة ليلة القدر، (أَنَّهَا صَافِيَةٌ سَاكِنَةٌ سَاجِيَةٌ) يعني فيها صفاء، (لا بَرْدَ فِيهَا وَلا حَرَّ) جوها معتدل، فهذه علامةٌ في الليل ليتسابق الإنسان ويكثر من العبادة، وعلامةٌ في الصباح بعد نهايتها ليستبشر خيراً بأن الله قبل منه عبادته ليلاً.

الله تعالى هو خالق الزمان والمكان
الله هو خالق الزمان والمكان
بقي أن أجيب عن النقطة الأخيرة التي تفضلت بها وهي مهمة جداً أن كثيراً من الناس يسألون: اليوم في بلدنا فردي وفي بلد آخر زوجي، وفي كندا الليل مختلف وهكذا، هنا أقول وهذا أمر مهم جداً ينبغي أن نفهمه: الله تعالى هو خالق الزمان والمكان، وهو خالق الليل والنهار، وهو خالق كندا والشرق الأوسط، فخالق الزمان والمكان وخالق كل شيء لا ينبغي أن نحاكم غيبه إلى القواعد التي خلقها فهذا من قصورٍ عندنا، أن نحاكم الغيب إلى قواعد العقل الذي خلقه الله تعالى.
الزمان لك وليس لله
سأضرب مثلاً: مدير مدرسة كتب على باب أحد الغرف: يُمنع الدخول، يقصد يمنع دخول الطلاب والأمر واضح ومُوقَّع من مدير المدرسة، جاء مدير المدرسة ليدخل إلى الغرفة فأمسك به طالبٌ مسرعاً وقال له: أستاذ إياك أن تدخل مكتوب: ممنوع الدخول، فيضحك المدير ويقول له: هذا القرار لا يطبق عليّ لأنني أنا من أنشأت هذا القرار لحكمة فلا تطبق قراراتي عليّ، ولله المثل الأعلى، أيضاً عندما يخلق الله الزمان والمكان يأتي إنسان ويقول لك: ينزل ربكم كل ليلة في ثلث الليل الآخر، في كل لحظة هناك ثلث ليل آخر فكيف ينزل؟ نعم أنت في اللحظة التي تكون فيها عندك في عمان مثلاً ثلث ليل آخر فهذه لحظة الإجابة عندك، والثاني لحظة الإجابة عنده بعد ساعة والثالث قبل دقيقتين، وكل إنسان عنده ثلث ليل آخر فيتحراه بنفسه ولا يطبِّق ذلك على خالق الزمان والمكان والليل والنهار جل جلاله، فهنا نقول: نعم ليلة القدر بالنسبة لك أنت، الزمان لك وليس لله، فأنت احتكم إلى زمانك وانظر أي ليلة عندك الواحةد والعشرين، الثالثة والعشرين، الخامسة والعشرين، السابعة والعشرين، التاسعة والعشرين، فتحرَّ ليلة القدر واجتهد فيها واترك عقلك خارجاً، فعقلك يوصلك إلى بيت السلطان، ويوصلك إلى البحر كسيارتك توصلك إلى شاطىء البحر، لكنك لا تنزل بسيارتك إلى البحر، عندما تصل إلى البحر انزل من سيارتك واسبح وحيداً، وعندما تصل بعقلك إلى الله اخلع عقلك وادخل إلى الله وحيداً بطاعتك وعبادتك ولا تحتكم بقواعد عقلك المخلوق، ولا تحاكم خالقك بقواعد عقلك المخلوق فهو جلَّ جلاله خالق الزمان والمكان، وكل ليلة يمكن أن تكون ليلة القدر لإنسانٍ ما في هذه البسيطة، المهم أن تتحرى ليلة القدر.
المذيع: الله يجزيك الخير، إذاً خلاصة الأمر: اجتهد، حاول أن تتعرض لنفحات الله سبحانه وتعالى، ولا تفكر في هذه الأشياء، يعني سبحان الله أحياناً الإنسان حتى يتهرب كنوع من أنواع الحيل النفسية يعني تطبيقه كيف، وأحياناً يحاول أن يشكك نفسه حتى لا يجتهد في طلب رضا الله سبحانه وتعالى، فليجتهد الإنسان ويترك هذه الأمور وانتهى، أنت عندك الآن في هذه البلد اجتهد في الليالي العشر الأخيرة إن شاء الله ربنا سبحانه وتعالى يعني يبلغنا وإياكم ليلة القدر.

كيفية الدعاء في ليالي العشر الأخير
بما أننا نتحدث عن ليلة القدر ونتكلم عن الليالي الفضال في العشر الأخير من رمضان، هناك أيضاً من الأشياء التي لا بد أن يُلجم الكلام حولها كون نحن في لجام الكلام، فكرة الدعاء، شخص يقول لك: والله يا أخي لا يصح أن تدعي هناك أدعية مأثورة هي الأولى بالدعاء، ويأتي شخص آخر ويقول لك: لا يا أخي ادعي وخذ راحتك بالدعاء لكن جميل أن يكون جمال الكلام منمق وهناك أدعية تبقى نصف ساعة وساعة وساعتين كلها سجع وكأنها شعر وجميلة تطرب الأذن، وهناك شخص يقول لك: لا يا أخي على سجيتك على طبيعتك هي أقرب لله سبحانه وتعالى عندما تكون تتكلم بقلبٍ منفتح وبلغةٍ بسيطةٍ مع الله سبحانه وتعالى، ما القول الفصل في هذا الأمر فيما يخص الدعاء في هذه الليالي؟
الدكتور بلال: القول الفصل أن الدعاء هو العبادة، والدعاء هو توجه الإنسان إلى الله تعالى:

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
(سورة البقرة: الآية 186)

السؤال عن الله من مقاصد الصيام
وجاءت هذه الآية ضمن آيات الصيام يظن المتأمل للوهلة الأولى أنها أقحمت في آيات الصيام، وحاشا أن تكون قد أقحمت، وكلام الله نسقٌ متكامل، لكنها جاءت بين آيات الصيام لتقول لك: إن مقصد الصيام أن تتوجه إلى الله وأن تسأل عن الله، فإذا حققت الهدف من صيامك فسوف تسأل عن الله في رمضان وبعد رمضان، لا ينبغي أن نقيد الناس بأدعيةٍ محددة، صحيح أن هناك أدعيةً مأثورة مخصوصة في مواطن محددة أو في أماكن محددة أو في أزمان محددة، والالتزام بها أفضل لكن لا ينبغي أن نلزم الناس بها إلزاماً، مثلاً ليلة القدر لم يرِد عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء مأثور لليلة القدر إلا ما ورد في الصحيح :

{ عنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِن عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العفْوَ فاعْفُ عنِّي }

(رواهُ التِرْمذيُّ بسند صحيح)

هذا دعاء مأثور فلنكرره في ليلة القدر وفي كل ليالي العمر، لكن هل نكتفي به؟ لا، أنت لك عند الله حاجة، ولك عند الله حاجات، فابدأ، وإذا كان ثلث الليل الآخر نزل ربكم إلى السماء الدنيا، الآن كل ليلة نحن في ثلث الليل الآخر قبل السحر مستيقظون.

إجابة الله عز وجل لمن يدعوه مهما كانت لغته أو لهجته
كنت أقول قبل قليل وهذا يرجعنا خطوة إلى الوراء على الذي تفضلت فيه حضرتك بألا نشغل أنفسنا بالغيبيات بل نبدأ بالعمل والاجتهاد سألتهم لما سمع الصحابة هذا الحديث:

{ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ }

(صحيح البخاري)

قدرة البشر محدودة
سألتهم: بالله عليكم لما سمع الصحابة هذا الحديث، هل سألوا كيف يتنزل ربنا؟ هل سألوا كيف يكون التنزل وثلث الليل الآخر في بلد مختلف عن البلد الآخر، أم إنهم قاموا ليسألوا الله حاجاتهم؟ فالجواب: قاموا ليسألوا الله، فنحن عندما نشغل أنفسنا كيف يتنزل الله عز وجل؟ طبعاً هو ليس كمثله شيء، وينزل نزولاً ليس كنزولنا الله أعلم به، لكن نحن المطلوب منا أن نبادر إلى الدعاء وأن نبادر إلى الاستغفار وإلى طلب الحاجات لا أن نبقى في الجزئية الأولى كيف يتنزل ربنا ونترك العمل، وقلت لهم: لو أن ملكاً من ملوك الأرض واعد الناس ليلة كذا في ساحة كذا، أن يجمعهم ملك من ملوك الأرض ليلبي حاجاتهم، كم من الناس سيحضر؟ والله لو كان في المدينة مليوناً لحضروا وليس في اللحظة التي يبدأ فيها حضور الملك بل يتجمهرون قبل أيام ويبيتون في الساحة، هل حضور الملك مؤكد؟ لا والله، يمكن أن يأتي ويمكن ألا يأتي، فهو مخلوق والمخلوق حادث، ممكن الوجود وليس واجب الوجود، ولو أنه أتى هل سيسمع الجميع؟ يكاد يكون مستحيلاً، ولو سمع الجميع هل يستطيع أن يلبي الجميع؟ مستحيل، فإذا كان ربنا جل جلاله قد واعدنا في ثلث الليل الآخر للدعاء، فالآن نقول للمسلم: قم وادعُ بما شئت بلغتك العامية، بلهجتك، العوام لهم كلمة: تدلل على الله، ادعه بما شئت، قل له: يارب هذه حاجتي، عندما نطوف حول الكعبة في العمرة والحج، تسمع الناس كلٌّ يدعو بلغته، وربنا عز وجل يسمع للجميع، لذلك لما قال الله:

جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ
(سورة المائدة: الآية 97)

فمن يقف هذا الموقف حول الكعبة ويسمع الناس كيف تدعو، وكيف يلبيهم الله، وكيف يبكون لأنهم يعلمون بتجليات الله عليهم، يعلم أن الله يعلم، وفي ليلة القدر أيضاً نعلم بأن الله يعلم عندما يخاطب كل إنسان ربه بلغته، تعددت اللهجات وتنوعت لكن الله يسمع، فلجام الكلام في الموضوع أن يدعو كلٌّ منا بلغته وبلهجته، بالطريقة التي يريدها، ومن كان يحفظ من المأثورات شيئاً فليزد فيها فهذا خير، والدعاء المأثور لا شك أن له فضلاً زائداً ويكثر من قول: (اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ العفْوَ فاعْفُ عنِّي) لتخصيصه بهذه الليلة بمزية فضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ادع بنفسك واسأل الله بنفسك
المذيع: إذاً الكلمة التي يمكن أن نسمعها عادةً: والله أنا ما بعرف ادعي، يعني أنت تطلب من الله سبحانه وتعالى ليس هناك والله أنا ما بعرف ادعي، وكأن الأمر أصبح صنعة أو مهنة أو شيء لا بد أن يتقنه الإنسان، أنا ما بعرف ادعي، كلنا نستطيع أن نطلب من الله سبحانه وتعالى وكلنا فقراء إلى الله، وكلنا لنا من الأخطاء ومن الذنوب ما تجعلنا نتمرغ على أعتاب فضله وجوده، ويفتح الله على قلوبنا، المهم الإنسان يصدق ويقبل على رب العالمين، في ذات مرة سمعت ابني ياسر، بالقنوت، كان يصلي بأخته إمام، تأخر عنا فصلى لوحده، ورفع يداه وقال: يارب ترزق بابا، وترزق أمي، يارب أريد دراجة، بكل بساطة وبكل عفوية يطلب الأشياء التي يطلبها عادةً من الأشخاص الذين حوله من الله سبحانه وتعالى.
في إغلاق المساجد درس لنا
الدكتور بلال: يجب أن نكون كالطفل بين يدي الله، الطفل أكثر من يحسن السؤال لأنه لا يتكلف به، هكذا ينبغي أن نكون، وأنا قلت لبعض الناس قبل أيام: رمضان هذا فيه من العناء ما فيه بسبب إغلاق المساجد لكن الله تعالى أعطانا درساً مفاده: من كان يعبد المسجد فإن المسجد قد أغلق، ومن كان يعبد ربَّ المسجد فإن رب المسجد أبوابه لا تغلق، فأعطانا درساً أنه لا يوجد: هذا الإمام صوته جميل، نحن لا نعبد صوت الإمام ولا نعبد دعاء الإمام، أنت ادع بنفسك، أنت الإمام، كلنا أئمة، ليس هناك رجال دين في الإسلام، أنت الإمام ادع بنفسك واسأل الله بنفسك، الإمام دعه للمسائل الشائكة، المسائل الشرعية لكن لا تعتمد على الإمام.
المذيع: سبحان الله، فعلياً كنا في احدى الحلقات مع الدكتور عبد الرحمن ذاكر الهاشمي فكنا نتحدث عن موضوع الحيل النفسية وكيف نستفيد من رمضان، واحدة من الأشياء؛ الإنسان إذا لم يكن مع نفسه منعزلاً إلى الله سبحانه وتعالى في نفس الحال بل يمكن بأفضل حال عندما يكون مع الآخرين في مشكلة، يعني هناك مشكلة والله أنا لا أخشع إذا كان مثلاً عندي هنا هواء والصوت ليس جيد ويوجد قليلاً من الميولة وكذا، فهذا لا يؤثر بي، لكن ليس الخلوة مع الله سبحانه وتعالى، فمن الأشياء التي قد تربي أنفسنا وتصحِّينا على هذا الجانب كيف أنا عندما أكون لوحدي مع رب العالمين؟ كيف عندما أكون منعزلاً لا يوجد أحد يراني ولا توجد مؤثرات الناس والضجيج، يعني مع غياب الجو العام لا بد من الصدق، الصدق أدعى بيننا وبين الله سبحانه وتعالى.

السر في حجب الفضل عن المتشاحنين في الليالي الفضيلة
المذيع: فكرة التشاحنات دائماً تخطر لي وأفكر بها، ما هو السر بأن في الكثير من الليالي الفضيلة ربنا سبحانه وتعالى يحجب الفضل عن المتشاحنين، يقول لك المتشاحنين، إلا متشاحنان، في ليلة النصف من كذا إلا المتشاحنان، مع أن أصحاب الكبائر يغفر لهم بهذه الليالي، فما هو السر في خص رسول الله والله سبحانه وتعالى المتشاحنين في هذا الحجب؟
الدكتور بلال : ورد الحديث، كما تفضلتم، بليلة النصف من شعبان ويقاس عليها ليالٍ فضيلة أخرى

{ إنَّ اللَّهَ ليطَّلعُ في ليلةِ النِّصفِ من شعبانَ فيغفرُ لجميعِ خلقِه إلَّا لمشرِك أو مشاحنٍ }

(أخرجه ابن ماجة بسند حسن)

حرص الإسلام على تآلف المجتمع
المشرك متوجه إلى غير الله فهو اصلاً لا يرجو الله بالطريق الصحيح فهذا مفهوم، أما كما تفضلتم لماذا المشاحن؟ الحقيقة أن الإسلام يحرص أيما حرص على تآلف المجتمع المسلم وعلى الإخوة الإيمانية بين الإخوة، والشحناء ليست من طبيعة المسلم، والشحناء ليست من أخلاق المسلم، لماذا لا تغفر الشحناء تحديداً؟ لأن الشحناء غالباً ما تُنشئ حقوقاً للعباد، والله تعالى على عظم قدره لم يجعل لنفسه أن يغفر لإنسانٍ بينه وبين أخيه حق، فترك هذا الأمر لتحلَّه بينك وبين أخيك قبل أن تتوجه إليه، فأنا لا أقبل المشرك ولا أقبل المشاحن، لك حقٌّ عند أخيك أو له حقٌّ عندك، لك واجبٌ أو له واجب؟ اذهب إلى أخيك وصفِّ العلاقة معه ثم تعال إلي.
سأضرب على ذلك مثلاً: أخ مشاحن لأخيه وبينهما قطيعة، ذهب إلى أمه صبيحة العيد ليقبل يدها ويقول لها: يا أمي كوني راضية عني، قالت له: يا بني رضي الله عنك، لكن أنا والله قلبي لن يرضى عنك حتى تصلح ما بينك وبين أخيك، لأن الأم تحبُّ الأخوين معاً، ولله المثل الأعلى، الله يحب عباده جميعاً، فعندما ينظر إلى مجتمع المؤمنين فيجد تشاحناً فيقول لهذا العبد: أنت لن تستطيع أن تُقبل عليَّ وفي قلبك شحناءٌ لأخيك فأصلح ما بينك وبين أخيك ثم هلمَّ إلي.
وهذا يفسره حديث النبي صلى الله عليه وسلم:

{ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ُقَالَ:" بَيْنَما رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ، إِذْ رَأَيْنَاهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ ثَنَايَاهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قَالَ: ( رَجُلَانِ مِنْ أُمَّتِي جَثَيَا بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعِزَّةِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَبِّ خُذْ لِي مَظْلِمَتِي مِنْ أَخِي، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلطَّالِبِ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِأَخِيكِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: يَا رَبِّ فَلْيَحْمِلْ مِنْ أَوْزَارِي)؟! قَالَ: وَفَاضَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبُكَاءِ، ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ ذَاكَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ، يَحْتَاجُ النَّاسُ أَنْ يُحْمَلَ عَنْهُمْ مِنْ أَوْزَارِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلطَّالِبِ: ارْفَعْ بَصَرَكَ فَانْظُرْ فِي الْجِنَانِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أَرَى مَدَائِنَ مِنْ ذَهَبٍ وَقُصُورًا مِنْ ذَهَبً مُكَلَّلَةً بِالُّلؤْلُؤِ؛ لِأَيِّ نَبِيٍّ هَذَا؟ أَوْ لِأَيِّ صِدِّيقٍ هَذَا؟ أَوْ لِأَيِّ شَهِيدٍ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ!! قَالَ: يَا رَبِّ وَمَنْ يَمْلِكُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَنْتَ تَمْلِكُهُ، قَالَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: بِعَفْوِكَ عَنْ أَخِيكَ قَالَ: يَا رَبِّ فَإِنِّي قَدْ عَفَوْتُ عَنْهُ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَخُذْ بِيَدِ أَخِيكَ فَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: (اتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُصْلِحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) }

(أخرجه الحاكم في المستدرك)

حقوق العباد مبنيةٌ على المشاححة
فحتى إن بقي شحناء فالله يصلح بين عباده قبل أن يدخلهم جنته، لأن الله عز وجل يحب المجتمع المسلم المتماسك والمتآلف، فالشحناء ليست من طبيعة المؤمن، فلذلك كأن الله عز وجل يقول: هؤلاء عبادي جميعاً فمن كان بينه وبين أخيه شحناء فلا يقبل علي حتى يزيل ما بينه وبين أخيه من الشحناء والبغضاء فإن حقوق الله مبنيةٌ على المسامحة لكن حقوق العباد مبنيةٌ على المشاححة، فحقوق العباد إما أن تؤديها وإما أن تطلب السماح من صاحبها، فمتى ما أصلحت بينك وبين عباد الله فكما يقول العوام: مع الله الصلحة بلمحة، أما مع العباد هناك حقوق وهناك تصفية وهناك صفاء قلوب، ويجب أن تطيب خاطره بكلمتين، وتتحمل منه أحياناً بعض الأمور، أما مع الله عز وجل فتقول: ياربي تبت، فيأتيك الجواب: يا عبدي وأنا قبلت، فمع الله عز وجل المسامحة فورية، أما ما كان بينك وبين العباد فلا بد من الأداء أو المسامحة.

أسئلة تتعلق بالشحناء
المذيع: هنا لفت نظري دكتور أمر، أنت تحدثت المتشاحنان، إذاً حتى صاحب الحق إذا كان مشاحن أقول له: اذهب وخذ حقك، أيضاً هو يعتبر أحد الأطراف، يعني حتى صاحب الحق يدخل في هذا الحجم لأنه من الاثنين المتشاحنين.
الدكتور بلال : المتشاحنان إما أن يكونا متشاحنين على حق من الحقوق فلا بد من أداء الحق إلى صاحبه، وإما أن يكونا متشاحنين على غيرة أو شيء من الدنيا أو شيء ليس فيه حقوق مادية فأيضاً أدعى للإصلاح بينهما، أن تصلح بينك وبين أخيك قبل أن تتوجه إلى خالقك، فالله تعالى إذا توجهت إليه يحبك أن تتوجه إليه بقلبٍ صافٍ لا شحناء فيه ولا بغضاء، قال تعالى:

وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا
(سورة الحجر: الآية 47)

المذيع: جميل، إذاً هل تنصح، هناك بعض الأشخاص عندهم عادة في كل سنة في مثل هذه الأيام يرسلون رسالة للأشخاص الذين خالطوهم في العمل وفي الحياة أو في مواقف مختلفة أنه يا جماعة سامحونا يوجد لكم حق عندنا وكذا، والبعض يعتبر يا أخي لا تحتاج دراما الذي يوجد له حق يطلبه يعني ولا تحتاج كل هذا الرسائل وسامحوني وكذا، يعني هل هذا فعلياً هو أداة أو تطبيق عملي من التطبيقات التي تعين الشخص على إلغاء المشاحنة؟ وأشجع الآخرين أنه يا جماعة إذا كان هناك شيء اطلبوه مني وكذا، كونه نحن في ليالي فضيلة هل هذا ينصح به؟
المبادرة وعدم الاكتفاء بالرسائل
الدكتور بلال: لا يوجد ما يمنع، هو باب من أبواب الدعوة إلى الله، عندما ترسل لأخيك ربما يكون في نفسه شيء عليك لكن ما قاله، هذه الرسالة تطيب خاطره فيقول: سامحت أخي، فما الذي يمنع؟ فنحن دائماً حريصون على أمور الدنيا ونرسل رسائل من أجل أمور الدنيا لأدق التفاصيل فهذا أمر من أمور الآخرة، هذا من اهتمام المرء بأمور آخرته، لعل شخصاً له حقٌّ عليه، لعل شخصاً قد انزعج منه في شيء، بالإضافة لذلك يجب أن يكون هناك برنامج عملي، ألا يصبح ديدننا فقط إرسال الرسائل، أن يكون هناك برنامج عملي، هناك أخوة لك تعلم أن هناك مشاحنة بينك وبينهم، فهؤلاء لا تكتفِ معهم برسالة، بل اذهب واطرق الباب وقل له: تعال لنحل الموضوع بيننا، لا نريد أن تدخل علينا هذه الأيام المباركة ونحن في شحناء، هناك أخٌ له دين عليك وأنت تستطيع أن تؤديه، هناك أخٌ له مال عليك وأنت تحبسه عنه لأنك تنتظر منه شيئاً مقابل شيء، اذهب وبادر وقل له: هذه الألف لك معي وأنا سأعطيك وحقي أحصِّله فيما بعد إن شاء الله لا يوجد مشكلة، فإذا كانت هذه الرسائل مترافقة مع عمل فعلي ورغبة حقيقية بإزالة الشحناء فهي رسائل خير وبركة، أما عندما يُكتفى بها وحدها وأصبحت مجرد بروتوكول أن أرسل للناس سامحوني هذه ليالٍ فضيلة، وأخي النسبي هناك بيني وبينه شحناء ولا يحتاج إلا أن أتصل به هاتفياً وأعتذر منه لأنني كنت مخطئاً بحقه ولا أفعل هنا نقول له: دعك من الدراما واذهب إلى الحقيقة والواقع.
المذيع: جميل، جميل، دائماً المبادر الذي يأخذ الخطوة العملية له الأجر الأكبر عند الله سبحانه وتعالى.
الدكتور بلال: وخيرهما الذي يبدأ.
المذيع: نعم، وخيرهما الذي يبدأ، حتى وإن كان أحياناً صاحب حق أو قد لا يكون على قناعة أن الآخر له حق عنده لكن آتي على نفسي وأذهب أنا وأسامح وأصفي الموضوع وأجري عند الله سبحانه وتعالى.

رمضان فرصةٌ لمتابعة الترقي لا لمدافعة التدني
المذيع: دائماً في كل رمضان هناك صائمون للمرة الأولى ماذا نقول لأولئك الذين أقبلوا على الله في هذه الليالي وفي هذا الرمضان؟ ما هي النصائح العملية حتى يثبتوا؟
رمضان فرصةٌ لمتابعة الترقي
الدكتور بلال: رمضان فرصة تُمنح للإنسان مراتٍ محدودة في حياته فمن يعيش ستين سنة فسيمرُّ عليه ستون رمضان، خمسة عشر منها قبل البلوغ يبقى له خمسٌ وأربعون رمضان، ومن يعيش سبعين سنة عنده خمسٌ وخمسون رمضان وهكذا، والآن يأتي رمضان بالصيف يعني من يعيش عشرين سنة قادمة لن يأتي عليه مرةً ثانية في الموعد نفسه، وكان إخوة لنا معنا في رمضان الماضي أنا الآن أعدد عشرة في ذهني كانوا معنا في رمضان الماضي وافتقدناهم في رمضان الحالي، فكان رمضان الماضي آخر فرصة لهم وآخر رمضان، فمن يحييه الله إلى هذه الليالي ويقوم فيها ويكسب الأجر ويرفع من رصيده في العمل الصالح فهذه نعمة من نعم الله عز وجل، ثم من يتوب الله عليه في رمضان ويذيقه طعم الأنس والقرب فقد أصبح هذا الطعم حجةً له إن ثابر عليه وحجةً عليه إن لم يثابر عليه، فرمضان فرصةٌ لمتابعة الترقي لا لمدافعة التدني، يعني رمضان 1441 صعدنا درجة ورمضان 1442 صعدنا درجة، 1443 درجة، فنحن نصعد على الدرج، أما مدافعة التدني برمضان صعدنا وبعد رمضان نزلنا ليس كما كنا ربما أسوء مما كنا
رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ
{ أحمد شوقي }
كما كان بعض العرب لما ينتهي رمضان ويعود إلى خمره والعياذ بالله، فنحن في رمضان في واحد شوال سيفطر فمنا عن الطعام والشراب، لكن لن تفطر جوارحنا كلُّها عن المعاصي والآثام حتى يأتي رمضان القادم علينا إن شاء الله ونحن في حالٍ جديدة مع الله فنرقى، لا أن نصعد وننزل في كل رمضان، فمن هيأ الله له صلحاً مع الله في رمضان نقول له: هنيئاً لك من الأعماق، لأنه:

{ إذا رجع العبد العاصي إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله }

(ورد في الأثر)

فهنيئاً لك هذه العودة، فالسماوات والأرض فرحةٌ بعودتك إلى الله.

{ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ عَمُّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ }

(صحيح مسلم)

والله تعالى أفرح بتوبتك من البدوي بناقته كما في الحديث الصحيح الذي ضاعت ناقته ثم وجدها فقال: (ياربي اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ) فأنت قد فرح الله بتوبتك فاستشعر هذا المعنى بأن الله يفرح بتوبتك، فلا تعد بعد رمضان كما كنت عليه قبل رمضان فإن الله أراد بك خيراً ويسر لك خيراً فحافظ على هذا الخير والتزمه حتى يأتي كل رمضان وأنت في صلحٍ مع الله وطاعةٍ لله.

العلاقة مع الله مبنية على أن هناك خطأ وأن هناك توبة
المذيع: دكتور هناك في بعض الأحيان مخادعة، إذا عاد أحدهم بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة إلى ذنبٍ ارتكبه إلى شيء معين إلى خطأ كان يخطئه فوراً يقول: والله أنا لا أستطيع التوبة ولا أستطيع أن أعود إلى رب العالمين، وعدت، وكل هذه الليالي والبكاء والآن عدت إلى الخطأ وأنا إنسان لا يوجد أمل مني، هذه المخادعات أيضاً تلعب بالنفس ما بعد رمضان، هل فعلياً ما يقال: والله من علامات القبول أنك أنت تثبت بعد رمضان إذا لم تثبت لا يقبل منك العمل، هل هناك علامات؟ أو أن أمر القبول عند الله سبحانه وتعالى متروك ولا نشغل بالنا بعلامات القبول؟
كل إنسان له مع الله صلة
الدكتور بلال: لا شك أن أمر القبول عند الله، لكن المؤمن يشعر بعلاماته، بمعنى آخر عندما يدخل طفل إلى أبيه ومعه جلاؤه المدرسي وأوراق علاماته وقد حقق الأول على صفه هل تتوقع أن الأب لن يحرِّك ساكناً وأنه لن يفعل شيئاً ليعبر لابنه عن قبوله لعمله؟ أقل شيء يحضنه ويقبله إذا لم يحضر له هدية، فلا بد أن يعبر، هذا هو الأب فكيف برب العالمين جل جلاله الذي يربينا؟ من تربيته لنا أنه يلقي في قلبنا أنه قد قبلنا في رمضان، وكل إنسان يذوق، والله كل إنسان له مع الله صلة يذوق ذلك في الأيام العشر، يذوق ذلك في صبيحة العيد وهو يكبر الله على ما هداه، فلا بد أن تشعر في أعماقك بأن الله عز وجل راضٍ عنك، ما دمت في طاعته، يلقي في قلبك ذلك، يطمئنك، يسكِّن نفسك، يشعرك بالسكينة، يشعرك بالقرب، تدمع عينك، يخشع قلبك، يقشعر جلدك، لا بد من علامات، لكن كلُّ إنسان يستشعرها بطريقته ولا يبني عليها أحكاماً، وإنما هذه كالمكافأة للاستئناس، كالمكافأة التي يلقيها الله تعالى في قلبك، أما أن يزيِّن لك الشيطان إن حصل معصية بعد رمضان أنك غير مقبول فهذا أيضاً غير صحيح شرعاً.
وَدَّ الشَّيطَانُ أَنَّهُ لَو ظَفَرَ مِنكُم بهذهِ
{ الحسن البصري }
مهما تكرر الذنب كرر التوبة
ما هذه؟ أن يعصي الإنسان فلا يتوب، يقول لك: أنا ميؤوس من حالي، لا، مهما تكرر الذنب كرر التوبة، والأعمال لا تمحى عند الله، نجحت في رمضان، بعد رمضان في يوم من الأيام رسبت في امتحان معين في علاقتك مع الله، هذا لا يلغي نجاحك في رمضان ولا يلغي أن تبدأ توبة جديدة، نحن في الدنيا نفعل ذلك، لو أن الإنسان يستسلم للفشل لما بنيَ مشروع في العالم، فلماذا مع الله لا نبقى على هذه الحال؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يبين أن الإنسان ضعيف:

{ عن أسماءَ بنِ الحَكَمِ الفزازي ، قالَ: سَمِعْتُ عليًّا رضيَ اللَّهُ عنهُ يقولُ: كنتُ رجلًا إذا سَمِعْتُ من رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ حديثًا نفعَني اللَّهُ منهُ بما شاءَ أن ينفعَني، وإذا حدَّثَني أحدٌ من أصحابِهِ استَحلفتُهُ، فإذا حلَفَ لي صدَّقتُهُ، قالَ: وحدَّثَني أبو بَكْرٍ وصدقَ أبو بَكْرٍ رضيَ اللَّهُ عنهُ، أنَّهُ قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يقولُ: ما مِن عبدٍ يذنبُ ذنبًا، فيُحسنُ الطُّهورَ، ثمَّ يقومُ فيُصلِّي رَكْعتينِ، ثمَّ يستغفِرُ اللَّهَ، إلَّا غفرَ اللَّهُ لَهُ، ثمَّ قرأَ هذِهِ الآيةَ: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ إلى آخرِ الآيةِ }

(صحيح أبي داود)

{ حدثنا الأغر بن يسار المزني قال: قال رسول الله ﷺ: يا أيها الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة }

(رواه مسلم)

وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، إذاً لا بد أن نجعل علاقتنا مع الله مبنية على أن هناك خطأ وأن هناك توبة، هذا لا بد منه، لكن المؤمن لا يصرُّ على معصية ونسأل الله أن يكون بعيداً عن الكبائر كعقوق الوالدين والشرك والزنا والسرقة فيقع في الصغائر ويعود إلى التوبة فوراً لكي لا تجتمع عليه وتتكاثر فتهلكه.

تأدية حقوق الناس وعدم حمل الشحناء في القلب
المذيع: اللهم آمين، آخر شيء قبل أن ننتقل إلى نصائح سريعة منك حول اغتنام هذه الليالي عندنا سؤال أو اثنين من بعض المشاهدين، إذا كان شخص مقاطعك من دون سبب ظاهر وتسأله ما الذي أزعجه فينفي أي شيء، هل تدخل أنت في المتشاحنين؟ يعني تشعر بأنه يشاحنك فذهبت وسألته ماذا هناك يا ابن الحلال كذا؟ هل هناك شيء بيني وبينك؟ هو ينفي لا، لا يوجد شيء، فقال أنا أكون قد فعلت الذي علي أم أنا أدخل ضمن المتشاحنين؟
الدكتور بلال: لا يدخل ضمن المتشاحنين، أدى الذي عليه، ما دام لا يعلم أن لفلان عليه حقاً، إن علمت أن له حقاً فلو لم يجبني يجب أن أؤدي حقه، أنا أعرف أنه له مال عندي ولا يحب أن يتكلم، يجب أن أعطيه حقه، ولكن إذا كان ليس له مال عندي ولكن هناك شيء يزعجه ولا يريد أن يتكلم به فيكفي أن أرسل له رسالة معايدة أو رسالة: تقبل الله في العشر وأكتفي بذلك

لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا
(سورة البقرة: الآية 286)

وأنجو من الشحناء.
المذيع: هذه الأسئلة كلها تدور في هذا الأمر، يبدو الناس تعاني من هذا الموضوع، أنه أنا والله أحاول ولكن هو لا يرضى، أو يغلق الباب بوجهي أو كذا، فالإجابة تعم كل هذه الأسئلة.
الدكتور بلال: أدِّ الذي عليك واطلب من الله الذي لك، أنا أؤدي الذي علي فقط، أنا مهمتي ألا أحمل الشحناء في قلبي لأحد وأن أؤدي حقوق الناس، أما إذا حملوا فهم يتحملون المسؤولية، أنا لا أتحمل مسؤولية.

أحكام صدقة الفطر
المذيع: آخر شيء مجموعة من النصائح تساعدنا في اغتنام هذه الليالي الفضيلة وإذا كان عندك لفتة حول صدقة الفطر، تذكير حول هذا الأمر بارك الله بك.
أحكام صدقة الفطر
الدكتور بلال: أريد أن أذكر الإخوة الكرام بصدقة الفطر لأن هذا العام في كثير من البلدان وعندنا في الأردن سيكون هناك حظر يوم الجمعة وإذا كان السبت يوم العيد فأيضاً السبت حظر، فربما يكون هناك صعوبة بإيصالها، لذا أذكر الناس قبل يوم الجمعة بإخراج صدقة الفطر بدءاً من الأربعاء والخميس والذي لم يخرجها فليخرجها، والذي أخرجها من أول رمضان على رأي الحنفية فقد أجزأته إن شاء الله، لكن الذي لم يخرجها فليخرجها 2.5 كيلو من غالب قوت أهل البلد، وإن أراد أن يدفع القيمة فلا حرج إن شاء الله دينار وثمانين قرش في الأردن، وألف وخمسمئة ليرة في سوريا، وثمانية وعشرون ليرة في تركيا، وكل بلد حسب ما قُدِّرَت هذه الزكاة، وإذا استطاع أن يخرج أكثر فليخرج وليخرج عن نفسه وعن أهل بيته ممن ينفق عليهم فهذه صدقة الفطر طعمةٌ للمساكين وطهارةٌ من اللغو والرفث للصائم فهي مثل صلاة النافلة تجبر ما كان من نقص في الصيام وتطعم المسكين وتغنيه عن السؤال في ليلة العيد، ووقت وجوبها هو غروب شمس آخر يومٍ من أيام رمضان، ومن قدمها بيوم أو يومين أو أكثر فهو جائز إن شاء الله، وهي واجبة على كل مسلمٍ ذكراً كان أم أنثى، صغيراً كان أو كبيراً ولا بد من إخراجها قبل صلاة العيد، صلاة العيد في هذا العام ستؤدى في البيوت فرادى أو جماعة في البيت دون خطبة فليخرجها قبل صلاة العيد فأنا أذكر الناس وأذكر نفسي بإخراج هذه الصدقة قبل صلاة العيد.
المذيع: هل تصح على أهل بيته؟ يعني أولاده زوجته بناته؟ يعطي صدقة الفطر لهم؟
الدكتور بلال: لا تصح على كل من ينفق عليهم لأنه أخذها من جيب ووضعها في جيب، فأنا زوجتي وأولادي لا أعطيهم زكاة الفطر، والدي لا أعطيهما زكاة الفطر، الأصول والفروع لا يأخذون الزكاة، أما أخوتي وأخواتي فهم أولى بها من الغريب إن كانوا فقراء، فأبدأ بهم قبل أن أتفقد غيرهم، إخوة، أخوات، أعمام، أخوال، أبناء عم، أبناء خال، هؤلاء لهم الأولوية إن كانوا فقراء أومساكين، ثم أتجه إلى غيرهم الأبعد فالأبعد وكل إنسان ضمن دائرته.

فضل العشر الأخير من رمضان
الدكتور بلال:

{ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ }

(رواه مسلم)

هذه الليالي الليالي العشر النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في الليالي العشر ما لا يجتهد في غيره.

{ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَر }

(رواه البخاري)

فضل آخر ليالي رمضان
فهذه ليالٍ طيبة مباركة، وما زال أمامنا ليلتان وتريتان من أرجى ليالي ليلة القدر حسب ما ورد عن الصحابة السابعة والعشرين والتاسعة والعشرين من أرجى الليالي فيهما آثار عن الصحابة، فما زال أمامنا ليلتان من الليالي نرجو أن تكون ليلة القدر، فلنجتهد فيها بالعبادة ولنجتهد بالطاعة، والليالي المتبقية كلها ولكن نزيد شيئاً في نفحات الله في هاتين الليلتين، لنجعل جزءاً من قيامنا في ثلث الليل الآخر وجزءاً في أول الليل، أو نؤخره كلَّه إلى آخر الليل، لكن فلنجعل شيئاً من قيامنا في ثلث الليل الآخر قبل السَّحَر لأن هذا موطن الإجابة ويتنزل فيه ربنا إلى السماء الدنيا ليجيبنا إلى دعائنا، لندعو لأنفسنا من خيري الآخرة والدنيا ولنبدأ بخير الآخرة فهو والله أعظم وأنفع، ولنعلم يقيناً بأن الدعاء هو العبادة وأن الله سيجيبنا إلى دعائنا حتماً ولكن بإحدى طرقٍ ثلاثة: (إما أن يعجل لنا في الدنيا) (وإما أن يدخر لنا في الآخرة) إن كانت الإجابة في الدنيا ليست في مصلحتنا

وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا
(سورة الإسراء: الآية 11)

يستعجل الإنسان، (وإما أن يغفر له بقدر ما دعا) إن كان هناك ذنوب فنحن مجابون إلى دعائنا بواحدةٍ من طرقٍ ثلاث فلا ينبغي أن نكف عن دعاءٍ بدعوة أن الله لم يجبنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ ما مِن رجُلٍ يدعو اللَّهَ بدعاءٍ إلَّا استجيبَ لَهُ فإمَّا أن يعجَّلَ له في الدُّنيا وإمَّا أن يدَّخرَ لَهُ في الآخرةِ وإمَّا أن يُكفَّرَ عنْهُ من ذنوبِهِ بقدرِ ما دعَا ما لم يَدعُ بإثمٍ أو قطيعةِ رحمٍ أو يستعجِلْ . قالوا يا رسولَ اللَّهِ وَكيفَ يستعجِلُ قالَ يقولُ دعوتُ ربِّي فما استجابَ لي }

(أخرجه أحمد بسند صحيح)

فأي دعاء هو إن شاء الله معرضٌ لإجابة الله بطريقةٍ من ثلاث فلنسأل الله في هذه الليالي ولنلحَّ عليه في السؤال فإن الله يغضب إن تركنا سؤاله، أما الناس فيغضبون إن سألناهم، فاتجه إلى خالقك ومولاك، ضع حاجتك عنده، قل: حسبي الله ونعمَ الوكيل، انقل ملفك من الأرض إلى السماء، وهناك ستجد له حلاً إن شاء الله عند أحكم الحاكمين وأكرم الأكرمين جل جلاله والحمد لله رب العالمين.