ومن الناس - اللقاء السادس: نموذج المُضِل عن سبيل الله

  • محاضرة في الأردن
  • 2022-07-25
  • عمان
  • الأردن

ومن الناس - اللقاء السادس: نموذج المُضِل عن سبيل الله


مقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصّلاة والسّلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللّهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، وزدْنا علماً، وعملاً متقبّلاً يا رب العالمين، وبعد: مع اللقاء السادس والأخير من لقاءات -ومن الناس-:

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8)
(سورة البقرة)

منافقون.

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذْ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ أَنَّ ٱلْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعَذَابِ (165)
سورة البقرة

مشركون.

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُۥ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَيُشْهِدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا فِى قَلْبِهِۦ وَهُوَ أَلَدُّ ٱلْخِصَامِ(204) وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِى ٱلْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ ٱلْحَرْثَ وَٱلنَّسْلَ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلْفَسَادَ(205)
(سورة البقرة)

مفسدون.

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَءُوفٌ بِٱلْعِبَادِ(207)
(سورة البقرة)

مُخْلِصون مُخْلَصُون لله.

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُۥ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِۦ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِۦ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلـْءَاخِرَةَ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ(11)
(سورة الحج)

مشككون.

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ(6)
(سورة لقمان)

التعميم من العمى
هذا نموذج بشري (وَمِنَ ٱلنَّاسِ) من: للتبعيض يعني بعض الناس، والقرآن –بالمناسبة-يعلمنا مبدأً مهماً جداً وهو ألا نعمم، قالوا: التعميم من العمى، فبعض الناس من غير أن ينتبه يكون في مجلس مثلاً يقول: أهل هذه البلد كلهم سارقون نصّابون، فيكون في المجلس من هو من أهل هذا البلد وهو من أهل الصلاح والتقى، فلما قال: كلهم، وقع في التعميم، التعميم من العمى، أو أهل هذه الحرفة جميعهم منافقون، كيف تعمم وهناك منهم الصالح؟!
فالقرآن يعلمنا ألا نعمم يقول: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ)، ما قال: كل الناس، حتى أهل الكتاب قال:

وَمِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِۦ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِۦ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِى ٱلْأُمِّيّـِۦنَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(75)
(سورة آل عمران)

وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُۥنَ أَلْسِنَتَهُم بِٱلْكِتَٰبِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَمَا هُوَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(78)
(سورة آل عمران)

القرآن يعلمنا في أحكامنا ألا نصدر أحكاماً عامةً، قل: بعض، أغلب، الأكثرية، لعل بعضهم كذا، وهناك منهم الصالحون وهكذا..

لهو الحديث:
(وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ) يشتري: يعني هناك بضاعة وثمن، يشتري: يدفع الثمن ويأخذ البضاعة، فيشتري لهو الحديث: إذاً هو يدفع مالاً.
اليوم يقول لك: تُقام حفلة على مسرح كذا الصف الأول (250) ديناراً ((VIP، خلف قليلاً مئتان، بالوراء بـ 100، فيشتري لهو الحديث: يدفع المال ليذهب إلى حفلة ماجنة مختلطة تُدار فيها المعاصي والآثام.
(يَشْتَرِى لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ) ما لهو الحديث؟ ابن مسعود وابن عباس –رضي الله عنهم-وكثير من التابعين قال:" والله، إنه الغناء" أقسم بالله ابن عباس وهو حبر الأمة وترجمان القرآن، قبل أن ندخل بالغناء، بشكل عام لهو الحديث، ما اللهو؟ غواص نزل إلى قاع البحر فوجد اللآلئ ووجد الصدف فأخذ الصدف والأحجار وترك اللآلئ، هذا التهى بالخسيس عن النفيس، هذا لهو ترك شيئاً مهماً جداً وأخذ شيئاً لا قيمة له أمام الشيء الآخر فماذا فعل؟ التهى.

ٱعْلَمُوٓاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَوْلَٰدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ ٱلْكُفَّارَ نَبَاتُهُۥ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَىٰهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰمًا وَفِى ٱلْءَاخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ وَمَا ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَآ إِلَّا مَتَٰعُ ٱلْغُرُورِ(20)
(سورة الحديد)

اللعب ليس له هدف
اللعب: ليس له هدف، طفل صغير في الرابعة من عمره أتى له والده بسيارة صغيرة، أمسك السيارة وجعل يقودها على الطاولة، وبعد قليل السيارة تصطدم، إنه يلعب، الولد يلعب، هل هناك هدف، لا يوجد هدف ما الذي ينتج؟ لا يوجد هدف، لكن اللعب للولد مهم جداً ينبغي أن يلعب، يعني أنت تقول: هناك فائدة، الولد يلعب، يجب أن يلعب الولد حتى ينمو، لكن لما يكبر إذا نظر لنفسه وهو يلعب يضحك على نفسه إذا أتوا له بفيديو وهو صغير معجب بسيارة صغيرة، الآن السيارة المرسيديس ما عادت تعجبه، يضحك على نفسه كيف كنت ألعب؟! هذا لعب.
لكنه يفعل أشد من اللعب وهو اللهو، اللهو: يجلس 4-5 ساعات خلف الشاشة أذّن الظهر وأذّن العصر وهو خلف الشاشة، هذا أشد من اللعب، هو يلهو يترك أشياء مهمة في الحياة الله خلقه لجنة عرضها السماوات والأرض وهو يترك الصلاة من أجل مباراة كرة قدم، أو يترك الصلاة من أجل متابعة مسلسل على الشاشة، هذا يلهو، فاللهو أشد من اللعب خطورة، فلماذا أقسم ابن عباس؟ قال: أقسم بالله إنه الغناء.
طبعاً الغناء نوعان: غناء يعتمد على الكلمة فإذا كانت الكلمة التي يُغنى بها صحيحة المعنى لا يوجد أي مانع، يعني هناك ما يسمى الأناشيد هو باللغة (أغاني) الأغنية في مدح النبي-صلى الله عليه وسلم-على العين والرأس تذكر بالله، بالآخرة:
ربي سبحانك يا أحدُ يا رب الكون و يا صمدُ يا فرداً ليس له ثان في الملك وليس له ولدُ
{ منقول }
لو أن هذا الكلام الراقي غنيناه بصوت جميل ما الذي يمنع؟! بالعكس على العين والرأس، حسناً أغنية تدعو إلى مكارم الأخلاق ليست دينية بحتة لكن تدعو إلى مكارم الأخلاق، أغاني للأطفال تحببهم بالعلم، بالخير تحببهم تعلمهم مفردات اللغة الإنجليزية على العين والرأس، لا يوجد مانع، الكلمة الصحيحة لا يوجد أي مشكلة، أغاني في حب الوطن والدفاع عن المقدسات، أغاني في حب الأقصى والدفاع عن فلسطين على الرحب والسعة فحسنه حسن و قبيحه قبيح المعتمد هو الكلمة، أما الكلمة التي تثير الغرائز وتدفع الإنسان إلى الشهوات والنظر الحرام، وتثير فيه الغزل الفاحش والتغني بجسد المرأة والحب والغرام الذي خارج إطار الزواج؛ هذا هو الغناء الذي هو لهو الحديث، وهو معظم الغناء الموجود اليوم –للأسف-هذا لهو الحديث لأن الكلام فيه يدعو إلى الباطل.

حركة الإنسان في الحياة:
حركة الإنسان تحكمها ثلاث كلمات
بالمناسبة إخواننا الكرام؛ كل حركة الإنسان في الحياة يحكمها ثلاث كلمات: إدراك، انفعال، سلوك، كيف؟ أنت تمشي في غابة، ظهر ثعبان مخيف لمّا نظرت إليه وتأكدت أنه ثعبان حقيقي قريب منك أدركت هذا إدراك، الانفعال أو الوجدان ما تجده في نفسك بعد الإدراك إنسان يرى ثعباناً يجد في نفسه خوفاً، يفزع هذا اسمه انفعال، السلوك يهرب وربما يهجم، لكن لا أحد يهجم (الهرب ثلثا المراجل) الكل يهرب، فأدرك الخطر وجد الخوف، تحرك بالهروب.
وجد شيئاً يلمع تأكد فإذا هو لؤلؤة ثمينة، فرحَ اتّجهَ والتقطها إدراك انفعال سلوك، كل حركة الإنسان في الحياة.
ربنا -عز وجل-من رحمته بنا يحاسبنا على السلوك لا يحاسب على الانفعالات، كيف؟ إنسان رأى شيئاً ثميناً جداً ليس له، مبلغ مالي موضوع على الطاولة وهو ليس له، أدرك أنه مبلغ مالي، بعد أن أدرك صار هناك انفعال رغب أن يأخذهم، الإنسان يرى المال والمال محبب.

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلْأَنْعَٰمِ وَٱلْحَرْثِ ذَٰلِكَ مَتَٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِندَهُۥ حُسْنُ ٱلْمَـَٔابِ(14)
(سورة آل عمران)

الله زين (مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ) فهذا صار معه انفعال رغبة لحد هنا لا يوجد حساب، إذا ضبط رغبته وامتنع يأخذ ثواباً؛ لأنه ما أقدم مع أنه كان بإمكانه يأخذ المبلغ ولا أحد يدري، متى الله يحاسبه؟ إذا سلك وأخذ المبلغ ووضعه في جيبه وهو ليس له ووضعه في جيبه، الآن يُحاسب، لذلك يقول -صلى الله عليه وسلم-:

{ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لِأُمَّتي عَمَّا حَدَّثَتْ به أَنْفُسَهَا، ما لَمْ تَعْمَلْ، أَوْ تَكَلَّمْ بهِ. }

(صحيح مسلم عن أبي هريرة )

يعني إذا تكلمت هناك حساب على الكلام إذا عملت هناك حساب، أما أنا كنت منزعجاً جداً من فلان، حسناً هل ضربته؟ لا تحاسب على انزعاجك منه.
أحيانا بعض الناس يقول لي: والدي كان جداً قاسياً معنا -حالات نادرة موجودة –للأسف-فيقول لي: أنا لا أجد في نفسي حباً له أبداً، قلت له: حقك، يعني يروي لي من تفاصيل ما فعل والده معه -شيء عجيب- ما يستطيع أن يحبه، أقول له: الله لن يحاسبك على أنك تحبه أو لا تحبه، لكن سيحاسبك على أنك تبرّه أو لا تبرّه، يقول لي: لا والله أنا إذا أمرني أطيعه و إذا أراد شيئاً أحضره له، لكن أنا في القلب لا أجد له محبة، أقول له: الله لا يحاسبك على الانفعال، الله يحاسب على السلوك إلا-و دققوا الآن- لأنها مهمة جداً إلا في قضية النساء تحديداً و شهوة المرأة لأنها خطيرة جداً، يقول-صلى الله عليه وسلم-:

{ ما تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أضَرَّ علَى الرِّجالِ مِنَ النِّساءِ }

(أخرجه البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد)

إلا هذه الشهوة فإن الله يضبطها لك من مرحلة الإدراك من الرقم واحد (number one)من الألف إلى الياء (a –to- z)يضبطها، فيقول لك: غض بصرك، حسناً يا رب: أنا لا أصل للزنا، أنا أعرف نفسي، لا غض بصرك، أنا أسمع أغاني تحصل معي شهوة وأشعر بالحب والغرام، لكن لن أفعل شيئاً، لا، أنا أخلو ببعض النساء لكن ما أفعل شيئاً معهن.

{ ألا لا يخلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا كانَ الشيطانَ ثالثُهما }

(أخرجه الترمذي وأحمد عن عمر بن الخطاب وصححه ابن حبان والحاكم )

لا تغلق الباب دعِ الباب مفتوحاً، إنه يغلق المنافذ من مرحلة الإدراك لماذا؟ لأن هذه الشهوة تحديداً دراماتيكية حركية فما إن تبدأ بالخطوة حتى تقودك إلى الخطوة التي بعدها والتي بعدها.
ولو افترضنا جدلاً أن إنساناً لم يقده النظر إلى الزنا، بل بقي في مرحلة النظر الحرام ولم يقده إلى الزنا أو لم تقده الخلوة إلى الزنا –فرضاً-مع أن معظم الناس يقودهم ذلك، فيكفي أن القلب ينشغل عن الله، يعني القلب عندما تعلق بالغناء الفاحش وبالنساء الماجنات وبدور اللهو والاختلاط، عندما يتعلق لن يبقى مكان للتعلق بالله تعالى هذه تكفي وحدها، فلذلك سد المنافذ من أولها.
لهو الحديث: بمعنى الغناء الماجن والفاحش هو سدٌّ لمنافذ الوصول إلى الوقوع في الفاحشة والحرام، (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ) يدفع مالاً من أجل مجالس اللهو والطرب.

الإضلال عن سبيل الله:
السبيل هي الطريق التي توصل إلى الله
أحبابنا الكرام، قال: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ) لـ لام التعليل (لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) سبيل الله: أي الطريق الموصلة إلى الله، السبيل هي الطريق التي توصل إلى الله، ما الطريق الموصلة إلى الله؟ كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-الائتمار بما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر، إتيان فرائضه واجتناب محارمه.

{ أنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: أرَأَيْتَ إذا صَلَّيْتُ الصَّلَواتِ المَكْتُوباتِ، وصُمْتُ رَمَضانَ، وأَحْلَلْتُ الحَلالَ، وحَرَّمْتُ الحَرامَ، ولَمْ أزِدْ علَى ذلكَ شيئًا، أأَدْخُلُ الجَنَّةَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: واللَّهِ لا أزِيدُ علَى ذلكَ شيئاً }

(أخرجه مسلم عن جابر بن عبدالله)

الرجل يريد مكاناً بالجنة في المرتبة الدنيا ما دمت أدخل الجنة انتهينا، صلاة وصيام، عبادات الفرائض الحرام حرام والحلال حلال، هذه ليست سهلة طبعاً يعني يقول أحدهم: والله لا أزيد.
يعني حرّم الحلال وحلّل الحلال فما الذي بقي؟! وطبعاً إذا وقع بالحرام تاب إلى الله، فإذاً طريق الله هو أن تحرّم الحرام وأن تحلّل الحلال هذا الطريق سبيل الله.
قال: (لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ) يُضل ليس هو يَضل، ما قال ليَضِل، قال: ليُضِل أي ليُضل الناس عن سبيل الله، هو لم يكتفِ بنفسه لكنه يدعو الناس ويبعدهم عن الحق، إنسان يقول لك: أنا لم أفعل شيئاً أنا مالك هذه القناة والقناة ليلاً نهاراً معاصي وآثام وفجور وخمور ودعوة للمنكرات، كل من يَضِل عن سبيل الله بسبب القناة فهو في صحيفته، وإذا إنسان وضع صورة ماجنة على صفحته على الفيس بوك هذا يضل عن سبيل الله صورة سيئة جداً، قال لك: أنا ما فعلت شيئاً أنا وضعتها الناس نظروا، أنت تُضل الناس عن سبيل الله.
فينبغي للإنسان أن ينتبه، لا أبالغ إذا قلت: مئة معصية يعصيها الإنسان بينه وبين ربه أهون من معصية يدعو الناس فيها إلى الفجور؛ لأن ما كان بين الإنسان وبين الله يتوب منه بلمحة -والصلحة بلمحة-أما ما كان بينه وبين دعوة الناس إلى المعاصي والآثام، فإنه كلما نظر ورأى الناس يفعلون ما أمرهم به أو ما دعاهم إليه سيشعر بالندم والخزي، لن يسامح نفسه. فلذلك نقول: إياك أن تضل الناس عن سبيل الله، لو وقع الإنسان في المعصية أن تكون معصية فردية وليس فيها دعوة للناس للبعد عن الله -عز وجل-.

الإضلال عن سبيل الله بغير علم:
من بديهيات التجارة أن تربح
قال: (لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) الضلال عن سبيل الله وإضلال الناس عن سبيل الله ليس له مستند علمي أبداً يعني كيف بغير علم؟ يعني لو أن تاجراً وله عشر سنوات في التجارة واشترى بضاعة بعشرة وباعها بثمانية هل هذا عنده علم بالتجارة؟! بديهيات التجارة أن تربح أو على الأقل ألا تخسر من رأس مالك، لكن لما يشتري ويبيع بخسارة فهذا ما عنده علم، فالذي يشتري لهو الحديث ويترك القرآن الكريم ويترك السنة ويترك الحق ويترك مجالس العلم ويذهب إلى مجالس اللهو هذا أسوأ من التاجر الذي اشترى بعشرة وباع بثمانية؛ لأنه ترك الآخرة بما فيها من نعيم مقيم واتجه إلى اللهو.
(وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا) هزواً: سخرية هُزْءاً يستهزئ يتخذ ماذا هزواً؟ سبيل الله، ويتخذها سبيل الله لأن سبيل الله تذكر وتؤنث والأفصح تأنيثها.

قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى وَسُبْحَٰنَ ٱللَّهِ وَمَآ أَنَا مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ(108)
(سورة يوسف)

فالسبيل في اللغة هو الطريق والطريق تؤنث وتذكر، فهنا ويتخذها: أي سبيل الله، يعني إذا قلتَ له: يا فلان تعال إلى مجلس العلم، تعال إلى المسجد، تعال إلى قراءة القرآن، إلى الطاعات يستهزئ، أنتم جماعة الغيب، كيف جماعة الغيب؟! أنتم ما ورائيات يعني تنتظرون شيئاً، أنت استمتع بالدنيا، الآن شاهد حياتك ، العمر لن نعيشه مرتين (وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا) لا يعبأ بطريق الله تعالى.
قال: أولئك من يشترون لهو الحديث ويضلون الناس عن سبيل الله بغير علم (لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ)مهين للكرامة، العذاب قد يكون أليماً وقد يكون مهيناً، أليماً: شدة العذاب يعني إذا كانت الضربة قاسية تؤلمه تشعره بالألم هذا عذاب أليم، المهين: قد لا يكون قاسياً جداً بالشدة لكن لأن الإنسان له مكانة فأحياناً إذا كان العذاب هو عبارة عن كلمة قاسية يبقى ثلاثة أيام يشعر بألمها لأنه مهين، والإنسان الذي له كرامة المهين أشد عنده من الأليم، وهذا الذي عاش في الدنيا يشتري لهو الحديث غالباً هو إنسان مُنعّم ويدفع المال، ويحضر الحفلات الماجنة بأمواله يشتري لهو الحديث إنه يدفع فعنده كرامة، النتيجة (أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) يهينه الله تعالى جزاء ما اقترفت يداه من إضلال الناس عن سبيل الله، الآية التي بعدها:

وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَٰتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِىٓ أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(7)
(سورة لقمان)


الإعراض عن آيات الله:
(وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَٰتُنَا) الآيات سواءً كانت آيات قرآنية، تلوت عليه آيات القرآن انظر ماذا يقول تعالى:

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيرًا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ(12)
(سورة الحجرات)

وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا
(سورة الإسراء)

قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَٰرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ(30)
(سورة النور)

الإعراض عن سماع الآيات عناداُ للحق
تتلو عليه الآيات التي تمنعه من خوض هذه الأمور التي تلهيه عن طاعة الله -عز وجل-وتبعده عن الحق، (وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا) ولّى: أعرض تركك ومشى، لكن تركك لا لأنه خجل بنفسه، بل أعرض لأنه يستكبر عن سماع الآيات، والله -عز وجل-له آيات كما قلنا في القرآن الكريم، وله آيات في الكون يعني قد تقول له: انظر إلى خلق الله العظيم، انظر إلى آيات الله في أفعاله، كم من قرية كانت ظالمة فأهلكها الله لكنه (وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا) يعني عناداً واستكباراً عن الحق.
أول معصيتين عُصي الله تعالى بهما في الأرض: الأولى من إبليس، والثانية من آدم، أول معصيتين في الوجود: الأولى كانت من إبليس لم يقبل السجود لآدم -عليه السلام-:

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰٓئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لِءَادَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ(34)
(سورة البقرة)

الثانية كانت من آدم -عليه السلام-لما أكل من الشجرة.

وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُۥ عَزْمًا(115)
(سورة طه)

أي لم نجد له عزماً على المعصية، ما كان عازماً على المعصية لكن ما خطط هو، ما خطط للمعصية

وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّى لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّٰصِحِينَ(21) فَدَلَّىٰهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَٰتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَنَادَىٰهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَٰنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ(22)
(سورة الأعراف)

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَٰنُ قَالَ يَٰٓـَٔادَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ(120)
(سورة طه)

(فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُۥ عَزْمًا) فما كان عازماً على المعصية لكنه فعلها، إبليس لأنه عصى الله مستكبراً هو إبليس اللعين إلى يومنا هذا، وهو أول من تسعّر به نار جهنم -والعياذ بالله-وآدم:

فَتَلَقَّىٰٓ ءَادَمُ مِن رَّبِّهِۦ كَلِمَٰتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ(37)
(سورة البقرة)

قال له: يا رب تبتُ إليك، ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له، لذلك ألف معصية غلبة وضعف، ولا معصية واحدة استكبار، ألف معصية فيها غلبة نفس وانكسار لله: يا رب، والله ضعفت نفسي سامحني يا رب.
ولا يعصي الإنسان ربه معصية واحدة ويقول: وماذا فعلنا ؟! أنتم جماعة الدين تشددونها كل شيء حرام وحرام، كفى ليس فيها شيء، ماذا عملنا؟! معاصي الغلبة، يقول ابن عطاء الله السكندري-رحمه الله-:"رُبَّ معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزّاً واستكباراً".
يعني تخيلوا أن إنساناً صلى واستكبر، وإنسان أطلق بصره وندم واستغفر الثاني أفضل؛ لأن الله يريد قلوبنا أما إذا كان هناك استكبار واستعلاء، أنا دفعت مالاً للفقراء، أنا ساعدت، أنت لحم أكتافك من خيري –والعياذ بالله-هذه معصية أكبر من أن يعصي الإنسان ربه وينكسر، ويقول: يا رب تب عليّ.

جزاء المعرض عن آيات الله تعالى:
فلذلك هذا (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَٰتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا) قال: (فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) البُشرى تكون بالعذاب أم بالخير؟ البشرى بالخير.

وَجَآءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُۥ قَالَ يَٰبُشْرَىٰ هَٰذَا غُلَٰمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَٰعَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ(19)
(سورة يوسف)

فَبَشَّرْنَٰهُ بِغُلَٰمٍ حَلِيمٍ(101)
(سورة الصافات)

اللهو يكون محرماً بذاته
هنا فبشره بعذاب، هذا على سبيل التهكم والسخرية زيادة في الإهانة لأنه كان يضل الناس عن سبيل الله، تهكم، كيف تهكم؟ إنسان عطشان عطشان عطشان كثيراً، في السجن، ويريد ماءً والسجان لا يحضر له ماءً، أمر صعب -نسأل الله السلامة-عطش ثم جاء له السجان بكأس ماء فسُرَّ سروراً عظيماً، فلما أمسكها ووضعها على فِيه ضربها السجان فكسرها، الثانية أصعب من الأولى بعد أن بُشِّر ظهر أسوأ مما لو لم يُبشر فالتهكم هو أن (فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) -والعياذ بالله-هذا التهكم في اللغة فهذا من باب التهكم (فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).
هذا صنف من الناس-نسأل الله السلامة-هذا يضل الناس عن سبيل الله ليتابع اللهو والغناء والفحش والمعاصي والآثام ومجالس الخمور كل شيء فيه لهو، يعني نحن لا نريد أن نخصصها بالغناء لكن جئنا بالتفسير بالمأثور الغناء الفاحش من اللهو، الكلمات الفاحشة من اللهو، لكن هناك لهو بكل أنواع اللهو، إنسان جلس يلعب النرد للفجر، هذا لهو أم غير لهو؟!! إنسان جلس مع عائلته يتودد لهم هذا لهو؟!! لا، هذا طاعة لله عبادة، إنسان ذهب للملعب يلعب بوقت بين الظهر والعصر ما فاتته الصلاة لكن ذهب يلعب كرة قدم مع رفاقه ينوي بها التقوي على طاعة الله و الترفيه عن نفسه لهو؟!! لا ليس لهواً يوجد فائدة. لكن متى يكون لهواً؟ حينما يكون محرماً بذاته هو محرم، أو يكون حلالاً لكنه يلهيك عن فرض، يعني لعبة كرة قدم حلال لكن إذا كانت بوقت الصلاة وأذّن وفاتت الصلاة ولم نقف صارت حراماً لغيرها، أما النرد حرام ولو لم يلههِ عن الطاعة هو حرام، حرام بذاته ولو كان قبله ركعتان وبعده ركعتان صلاة لأنه محرم، فهناك محرم لذاته ومحرم لغيره، هذا صنف من الناس.

نموذج المؤمن بالله بلسانه:
الصنف الأخير من أصناف الناس وبه نختم هذه المجموعة من اللقاءات، قال تعالى:

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِىَ فِى ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ وَلَئِن جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِى صُدُورِ ٱلْعَٰلَمِينَ(10)
(سورة العنكبوت)

(وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ) يقول بلسانه لكن لم يدخل الإيمان قلبه، إشارة إلى أنه يقول، يقول: آمنا، كل إنسان يقول: آمنا بالله، لكن يوجد فرق بين يقول وبين آمن، الله تعالى عندما يخاطب المؤمنين لا يقول: يا أيها الذين قالوا آمنا، يقول، يا أيها الذين آمنوا يعني آمنوا حقيقة، أما يقول فسهلة (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِىَ فِى ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ) ما معنى أوذي في الله؟ يعني بعد إيمانه واستقامته على أمر الله جاءه مرض، ذهب بعض ماله، توفي قريبه، تعرض لمضايقات بسبب إيمانه لأنه يصلي، سُجن مثلاً إذا كان في بلاد تعاقب على التدين -فرضاً -وهذا موجود (فَإِذَآ أُوذِىَ فِى ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ) يعني في سبيل الله جعل فتنة الناس كعذاب الله كيف جعل فتنة الناس كعذاب الله؟ سوّى بينهما، هل يُسوّى بين عذاب الله وعذاب الناس؟ مستحيل، لماذا؟ عذاب الناس مؤقت، عذاب الله مستمر، عذاب الناس على قدر من يعذب، ماذا يملك من يعذب إنساناً؟ أقصى شيء يملكه أن يقتله، إذا كان المعذب هو الله.

فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُۥ أَحَدٌ(25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥ أَحَدٌ(26)
(سورة الفجر)


فتنة الناس وعذاب الله:
ـفمن الجهل أن يسوّيَ الإنسان بين فتنة الناس وعذاب الله، كيف سوّى بينهما؟ لما أصابته فتنة الناس ترك دينه، لما جاءه مرض ترك الدين، لما فقد ماله ترك، لما سُجن من أجل أنه متدين ويصلي ترك دينه، ونزلت هذه الآية في بعض كفار مكة الذين كانوا يسْلمون فإذا أصابهم الأذى تركوا دينهم.
(جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ) الفتنة هي الامتحان، (جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ) سوّى بينهما هذا من الجهل، عند الله جهنم إلى أبد الآبدين، ماذا يملك أن يفعل لك هذا الإنسان حتى تترك دينك من أجله؟

مَن كَفَرَ بِٱللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَٰنِهِۦ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُۥ مُطْمَئِنٌّ بِٱلْإِيمَٰنِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِٱلْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ(106)
(سورة النحل)

الفتنة هي الامتحان
هذا أمر آخر، أحياناً الإنسان بسبب الفتنة يُظهر كفراً لكن في داخله إيمان هذا مستثنى لا علاقة له، لكن إنسان يترك الدين يقول لك: أخي إنهم يحاسبوننا وصار التدين تهمة، كلما أحدهم دخل الجامع يخرج يصلي يستدعونه؟ لماذا تصلي؟ وأنت ملتزم وتدفع زكاتك وأنت وأنت، واليوم إذا تكلمنا ضد الشاذين مشكلة بهذا البلد، وإذا تكلمنا ضد الربا مشكلة ببلد آخر!
(فَإِذَآ أُوذِىَ فِى ٱللَّهِ) ستتعرض لإيذاء، المسلم يتعرض، ربما يدخل يرفض الجلوس على طاولة فيها خمر –فرضاً-يُدار عليها الخمور يرفض فترفض الشركة –فرضاً -أن تقيم معه الصفقة، أوذي في الله لأنه التزم بدينه،(جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ) معقول؟! الله امتحنك بهؤلاء الناس تجعل فتنتهم كعذاب الله.
قال: (وَلَئِن جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) عندما يأتي فتح من الله وخير يرجع، كنا مع بعضنا نحن، نحبكم، هو ربط دينه بالمتغيرات، إذا الدين يحقق له مصالحه وأموالاً وقوة وعزة، وإذا يقول: أنا مسلم يصير له رفعة في الأرض (إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ).
قال:( أَوَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِى صُدُورِ ٱلْعَٰلَمِينَ) يعني أنت لك أن تدّعي ما شئت، قل: أنا كنت معكم، أنا مسلم، أنا أحب الخير، قل ما شئت لكن الله يعلم ما في داخلك وسيخرجه.

أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَٰنَهُمْ(29)
( سورة محمد)

الله تعالى تكفل أن يظهر الإنسان على حقيقته، هذه نماذج قرآنية، هي ثمانية نماذج، بهذين النموذجين نكون قد أنهينا ثمانية نماذج، هناك آية تاسعة واحدة لكن قريبة من الآيات التي تحدثنا عنها:

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَٰنٍ مَّرِيدٍ(3)
(سورة الحج)

في سورة الحج نحن تحدثنا عن الأخرى:

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَٰبٍ مُّنِيرٍ(8) ثَانِىَ عِطْفِهِۦ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ۖ لَهُۥ فِى ٱلدُّنْيَا خِزْىٌ ۖ وَنُذِيقُهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ(9)
(سورة الحج)

فهذه تشبه تلك، فبهذا نكون قد أنهينا الآيات التسع التي تبدأ بقوله تعالى:(ومن الناس) نسأل الله تعالى أن يجعلنا: (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَءُوفٌ بِٱلْعِبَادِ).
والحمد لله رب العالمين.