فوائد ومنافع الحج

  • برنامج فكرٌ وحضارة
  • 2022-07-06
  • الأردن - عمان
  • إذاعة الممكلة الأردنية الهاشمية

فوائد ومنافع الحج


مقدمة وترحيب:
الأستاذ حسين:
أرحب بضيفي على الهاتف الدكتور بلال نور الدين أستاذ الفقه الإسلامي، وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته دكتور بلال.

الدكتور بلال:
حياكم الله أستاذ حسين، وحيّا الله جميع الإخوة الكرام المستمعين والمتابعين، بارك الله بكم وكل عام وأنتم الخير إن شاء الله.

الأستاذ حسين:
بارك الله بك، في آية الحج دكتور بلال يقول الله تعالى:

وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ
(سورة الحج)

الأذان هنا، والناس هناك و(يَأْتُوكَ) فوراً سواء (رِجَالًا) أو (عَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ) (مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍۢ).

لِّيَشْهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِىٓ أَيَّامٍۢ مَّعْلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ ٱلْأَنْعَٰمِ ۖ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ(28)
(سورة الحج)

أولاً: لماذا الناس؟
ثانياً: كيف يأتوك؟
ثالثاً: ما الذي يشهدونه؟ ما المنافع التي يشهدها الناس في الحج؟ هل هي منافع دنيوية؟ هل هي منافع أخروية؟

الدكتور بلال:
بارك الله بكم، حياكم الله، أولاً: (وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ) الأذان: هو الإعلام في الأصل (وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ) أعلِمهم بهذه الفريضة العظيمة التي فرضها الله عليهم، وكلمة الناس في سورة الحج ظاهرة تسترعي الانتباه.

رسالة الإسلام للناس:
كنت دائماً أنظر إليها بعين التمحيص والتدقيق، لماذا كلمة الناس دائماً في سورة الحج (وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ) لم يقل بالمسلمين ولا بالمؤمنين، كأن الله تعالى يريد أن يقول: إن هذه الشعيرة على أنها للمسلم:

فِيهِ ءَايَٰتٌۢ بَيِّنَٰتٌ مَّقَامُ إِبْرَٰهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُۥ كَانَ ءَامِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَٰلَمِينَ(97)
(سورة أل عمران)

رسالة الله تعالى للناس جميعاً
لم يقل على المسلمين، صحيح أنها للمسلمين لكنها شعيرة عامة تشمل الجميع، إنها مؤتمر سنوي عالمي يحضره كل الناس، ويجب أن تصل فيه رسالة الإسلام، ورسالة الحق والخير لجميع الناس، لذلك نلحظ فعلاً في سورة الحج هذا النداء الرباني الرحيم (وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ) وكأن الإعلام لجميع الناس، رسالة الإسلام ليست رسالة خاصة بطبقة دون أخرى، ولا بصنف دون آخر، إنها رسالة الله تعالى للناس جميعاً، واليوم نجد ذلك عندما تنقل جميع الفضائيات، وجميع وسائل الاتصال والتواصل هذه الفريضة العظيمة وتلك الشعائر الكريمة (وَأَذِّن فِى ٱلنَّاسِ) قال (يَأْتُوكَ) كما أشرتم جزاكم الله خيراً (يَأْتُوكَ) وكأن النداء يلقى الإجابة فوراً، فليس هناك مدةٌ بين الإعلام بالفريضة، وبين أن يأتي الناس إليها، (يَأْتُوكَ رِجَالًا) أي ماشين على أقدامهم و (عَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ) بوسائل النقل بدءاً بوسائل النقل البسيطة التي كانت في عصورهم، إلى الوسائل الحالية التي في عصورنا (مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍۢ).

المنافع جاءت عامة في القرآن ومطلقة:
أمّا ما تفضلتم به من سؤالكم عن المنافع (لِّيَشْهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمْ) المنافع جاءت عامة في القرآن ومطلقة، ولا نريد أن نخصصها ونقيدها ، لا شك أن أعظم المنافع في الحج هي منافع الروح منافع النفس منافع السكينة، منافع القرب من الله، فما أعظمها من منفعة أن يكون الإنسان بجوار خالقه وقريباً من ربه، لكن لا نترك أيضاً المنافع الأخرى، ما أعظم الحج عندما يكون فيه منافع للناس من جميع الأصناف، مؤتمر سنوي يجتمع فيه المسلم العربي مع المسلم غير العربي، المسلم من أطراف الدنيا كلها يجتمع الناس في هذا المنسك (لِّيَشْهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمْ) يجب أن تكون المنافع عامة سواء كانت منافع اقتصادية، اجتماعية، منافع الأمة بحيث نتناقش في أمور الأمة، ونتحاور في همومها، أن يصبح الحج مؤتمراً عالمياً يجتمع فيه المسلمون من كل أصقاع الأرض، وفود الرحمن من كل بلد وفد، فيجتمع الناس ويتناقشون ويتحاورون، وإن كان هذا الأمر موجوداً الآن على الصعيد الفردي، بمعنى نعم الإخوة تلتقي، ويعود الحاج ويقول التقيت الحاج الإندونوسي والماليزي، وقد التقيت بحاج قد جاء مسلماً من أمريكا، والتقيت، والتقيت ويشعر بأخوّة الإسلام، ولكن لو أننا في مستقبل الأيام ونرجو ذلك حولناها فعلاً إلى لقاءات نتحاور فيها ونتعاون في أرض الحرم، وفي مكانٍ ووقتٍ، المكان والوقت، فضيلة المكان، وفضيلة الوقت، لعل الله عز وجل أن يجعل هذه المنافع عظيمة في الحج فنجتمع ونتحاور ونتناقش بما يفيد أمتنا ويحقق عزتنا وكرامتنا إن شاء الله.

الأستاذ حسين:
في الحج أيضاً يستوقف من يقرأ آيات الحج إقامة ذكر الله الاستمرار في ذكر الله:

لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَآ أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَٰتٍۢ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلْمَشْعَرِ ٱلْحَرَامِ ۖ وَٱذْكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ(198) ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ ٱلنَّاسُ وَٱسْتَغْفِرُواْ ٱللَّهَ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(199) فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَٰسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءَابَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ۗ فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُۥ فِى ٱلْآخِرَةِ مِنْ خَلَٰقٍ(200)
(سورة البقرة)

هذا الذكر في الحج من اليوم، يعني منذ أن تبدأ العشرة من ذي الحجة يبدأ الناس بالذكر، يبدأ الناس لبيك اللهم لبيك، ويعني هذا الذكر، ما دلالة ذلك في موسم الحج؟ لماذا تركز هذه الآيات على ذكر الله؟

الدكتور بلال:
أخي الأستاذ حسين بارك الله بك، لأن هذه العبادة الوحيدة في الإسلام التي جمعت عبادة مالية وبدنية معاً، بمعنى أننا في العبادات الأخرى نقف في بلدنا، في بيتنا، وفي أي مكان ونصلي لله، والله موجود جل جلاله في كل مكان وزمان

وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(4)
(سورة الحديد)


القصد من الحج:
الذكر أوسع نشاط يفعله الإنسان
بعلمه وبقدرته، إلا أنه في الحج فقط أرادنا أن نأتي إليه، أرادنا أن نأتي إليه، تماشياً مع حاجاتنا المادية فجعل له بيتاً، ودعانا إلى بيته جل جلاله، فالحج هو القصد في اللغة، فنحن نقصد إلى مُعظّم، نسير إلى الله تعالى، فأنت عندما تذهب إلى الله لا شك أن أعظم ما يمكن أن تفعله هو أن تذكر من جئت إليه جل جلاله، تماماً كطالبٍ سافر إلى باريس مثلاً ولله المثل الأعلى، لماذا سافر إلى هناك؟ من أجل أن ينال شهادة جامعية عليا، ويعود إلى بلده، فهو ماذا يفعل هناك؟ يدرس، ليس له إلا الدراسة، فأنت ذهبت إلى الله، الرحلة إلى الله هنا رحلة قبل الأخيرة، فلما ترحل إلى الله تعالى لا ينبغي أن يُقضى الوقت إلا في ذكره جل جلاله ونحن في بلادنا نتناغم مع هذا الموقف، فجعل الله لنا هذا الموسم موسم عشر ذي الحجة لنكون مع حجاج بيت الله الحرام في الذكر، والذكر أوسع نشاط يفعله الإنسان، وأوسع عبادة، ذكر الله بقراءة القرآن، ذكر الله باللسان سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ذكر الله بالتفكر في خلق السماوات والأرض، أي شيء يذكرك بالله فهو ذكر فليس الذكر محصوراً بذكر اللسان وإنما كل شيء يذكرك بالله ولو نظرت إلى شجرة فقلت ما أعظم الخالق سبحانه جل جلاله! فقد ذكرت الله، فذكره جل جلاله أن تتذكر دائماً خالقك، فأنت في رحلة الحج ذهبت إليه، فليس لك إلا أن تذكره، أعظم ذكرَين يترددان على لسان الملايين في العالم الإسلامي في هذه الأيام المباركة: لبيك اللهم لبيك، نداء الاستجابة، استجبنا لأمرك تركنا الأوطان، وتركنا الأهل والخلان وتركنا الأموال من أجلك، لبيك لا شريك لك، والذكر الثاني نردده نحن في هذه الأيام ونزيده في أيام العيد: الله أكبر فهو جل جلاله أكبر من كل شيء أكبر من أنفسنا، ومن شهواتنا، ومن أموالنا، ومن أولادنا ومن كل ما نملك، فلا نطيع مخلوقاً ونعصي خالقاً، فهو جل جلاله أكبر من كل شيء.

الأستاذ حسين:
أحسنت أحسنت.

الدكتور بلال:
أحسن الله إليكم يا سيدي.

الأستاذ حسين:
نستقرئ المعاني في الحج من وراء الصور والأعيان، كما قلت كل مكان ومَشعَر تذهب إليه تعطيك مزيداً من الصور، لكن وراء هذه الصور معانٍ ودلالات تستدعي منك دائماً أن تقول ما ذكرت: لبيك اللهم لبيك والله أكبر، ما هي هذه المعاني سواء عند مِنى، أو في المزدلفة أو في عرفة أو في المسعى والمطاف؟

الشعائر والمشاعر:
الدكتور بلال:
الله تعالى جعل لكل مشعر عبادة
هناك شعائر كما تفضلتم، وهناك مشاعر، وكل شعيرة لا بد أن يرافقها شعور، فلا بد للشعيرة من شعور، فالذي يقف في عرفة لابد أن يعرف الله، وأن يشعر بالقرب من الله تعالى، وأن يشعر بأنه في هذا المكان أقرب ما يكون إلى خالقه، وأن الله تعالى يطّلع على أهل الصعيد، وأنه يغفر لهم ولمن دعوا له، فيشعر بهذا الشعور فيمتلئ قلبه حباً بخالقه، والذي يبيت بمزدلفة فإنه يتزلّف لخالقه، ويتقرّب من خالقه، بعبادة من نوع خاص، فالله تعالى جعل لكل مشعر عبادة، والذي يمسك الحصى ويرجم كأنه يعاهد الله تعالى على أنه لن يستجيب بعد ذلك لوسواس شياطين الإنس والجن، فهو يرجم وانتهى الأمر، والذي يقبل الحجر الأسود أو يشير إليه من بعيد فإنه يعاهد الله تعالى على الطاعة، والذي يطوف بالبيت إنما يطوف برب البيت جل جلاله وهكذا، فكل مشعر من المشاعر شعور خاص، والسعي بين الصفا والمروة هو سعي المشتاق، نتذكر السيدة هاجر، ونتذكر قصتها، ونسعى سعي المشتاق بين الصفا والمروة، فليس في الإسلام شعائر منفصلة، أو كما تُسمّى في بعض الأعراف طقوس، ليس في الإسلام طقوس.

الأستاذ حسين:
ليس في الإسلام طقوس؟

الدكتور بلال:
ليس هناك طقوس، هذه شعائر سماها الله تعالى:

ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ(32)
(سورة الحج)


الأستاذ حسين:
(فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ) الترابط هنا بين المشاعر والتقوى؟

الترابط بين المشاعر والتقوى:
الدكتور بلال:
نعم، ماذا قال تعالى:

جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ قِيَٰمًا لِّلنَّاسِ وَٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَٱلْهَدْىَ وَٱلْقَلَٰٓئِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ وَأَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ(97)
(سورة المائدة)

فمتى يتقي الإنسان ربه؟ حين يعلم أن الله يعلم، لماذا يتفلت الناس من بعض أوامر الله تعالى؟ لأنه يغيب عن ذهنهم أن الله يراهم، قال تعالى:

أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ(14)
(سورة الأعلى)

العبادات في الشرع مبنيّةٌ على مصالح الخلق
لكن لما يكون الإنسان في شعائر الحج فإن ذلك أدعى لتقوى القلوب، لأنه يعلم أن الله يعلم، العبادات في الشرع أخي الحبيب مبنيّةٌ على مصالح الخلق، ومُعللّة بمصالح الخلق، كما يقول الشاطبي، فليس هناك عبادة منفصلة عن المقصد، الصلاة:

ٱتْلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيْكَ مِنَ ٱلْكِتَٰبِ وَأَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ ۖ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ(45)
(سورة العنكبوت)

الزكاة:

خُذْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(103)
(سورة التوبة)

الصيام:

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)
(سورة البقرة)

فكل شعيرة في الإسلام لها مقصد والحج: (ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ) فلما يقف الإنسان في بيت الله الحرام وحوله كل إنسان يدعو الله بلغته سيسمع اللغات كلها في حرم الله تعالى، سيوقن أن الله تعالى يعلم، ويستشعر هذا المعنى (أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ) ومن علم أن الله تعالى يعلم فإنه لاشك سيأتي ما أمر الله به، وينتهي عما نهى الله عنه، لا يمكن لإنسان أن يخالف ويقطع إشارة المرور إذا علم أن إدارة المرور تعلم أن الكاميرا مثبّتة، وأنه سيُسجن إن قطع الإشارة فعبر الشارع، لأنه يعلم أن الإدارة تعلم، وما دمت تعلم أن الله عز وجل يعلم فإنك تنضبط بمنهجه، لذلك جاءت الآية: (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ) فربط بين تعظيم الشعيرة والتقوى وهي الخوف من الله، والعمل بأمر الله وبانتهائه عما نهى الله تعالى عنه وزجر.

الأستاذ حسين:
ولماذا يبدأ الحاج أول ما يبدأ بالإحرام؟

علة البدء بالإحرام:
الدكتور بلال:
الإحرام سيدي كأنه خروج من حالة إلى أخرى، وكأنه تخلٍّ، نحن عندنا مصطلح: تخلية وتحلية، تخلية: ننظف الكأس، وتحلية: نملؤه بالشراب الطيب البارد العذب، فلا بد من التخلية، الإحرام هو التخلية، كأنني قد دخلت في النسك تركت الدنيا ورائي، حتى لباسي الذي أتجمّل به وأتأنق به تخليت عنه.

الأستاذ حسين:
يتجرد ويتحرر من كل شيء.

الدكتور بلال:
يتحرر من كل شيء، مع أن اللباس الحسن مطلوب خارج الحج، لكنه في الحج لا يُقبل لإنسان أن يلبس المخيط، لا يُقبل لإنسان أن يتطيب مع أن الطيب مطلوب في كل الأزمان فإنه لا يُرد، الطيب لا يُرد، ولكن في الحج ممنوع أن تتطيّب، الإحرام هو التخلية، ثم تأتي التحلية بعد ذلك الطواف والسعي والقرب من الله عز وجل، ولكن أول ما في الحج هو أن تترك الدنيا وراءك وأن تستقبل الآخرة، وكأنك في رحلة تشبه من زوايا عدة الرحلة الأخيرة إلى الله، ولكنها قبل الأخيرة.

الأستاذ حسين:
في هذه الفترة وأنت مُحرِم تُمنع من أشياء، بمعنى أنك مُلزم بعدم الاقتراب من أشياء معينة، أن تقص شعرك أو أن تتطيب أو كذا، هذه المدة التي هي مدة الإحرام أحياناً تطول وأحياناً تقل، ولكن كل حاج يلتزم بها في هذه الفترة الزمنية، ما الذي تعنيه؟ لماذا؟ ما الذي نستخلصه؟ ما دلالة ذلك في يوم أو يومين بعضها يمتد إلى أيام أنت تبقى في هذه الحالة مُحرٍماً، منقطعاً متحرراً متجرداً من كل شيء.

الدكتور بلال:
اليوم سيدي هناك مصطلح يوني فورم في الجامعات وفي المدارس.

الأستاذ حسين:
اللباس الموحد.

الدكتور بلال:
اللباس الموحد في المدارس، في بعض الأعمال، من أهدافه في المدارس مثلاً ألا يتميز غني عن فقير، بمعنى أن يظهر الناس جميعاً على وجه واحد.

الأستاذ حسين:
متساوين.

السعادة في الحج:
الدكتور بلال:
وهنا في الحج يأتي الأمير ويأتي الخفير، ويأتي الوزير، ويأتي الإنسان العادي الفقير الذي ليس له منصب، وربما من الأميين لا يحسن القراءة والكتابة، فيلبس الجميع لباساً واحداً يشبه الكفن، ليس هناك أي ميزة لشخص على آخر، إنه مظهر من مظاهر وحدة المسلمين، الجميع يلبس الثياب البيضاء، غير المخيطة التي تلف جسده وتستره فقط، اللباس فيه ستر، وفيه جمال قال تعالى:

يَٰبَنِىٓ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَٰرِى سَوْءَٰتِكُمْ (26)
(سورة الأعراف)

هذا الستر (وَرِيشًا) الجمال، ولكن في الحج فقط يواري سوءاتكم لجميع الناس، لكبيرهم وصغيرهم، ولأميرهم وخفيرهم، كل الناس سيلبسون لباساً موحداً ليس فيه أي متعة، لباس الإحرام فيه صعوبة على بعض الناس، أو على كثير من الناس، يعني يحتاج إلى أمور خاصة وليس بسهولة اللباس المخيط الذي يلبسه الإنسان ويتجمل به.
إذاً أراد الله تعالى في الحج ألا يبقى من متعة إلا أن تتصل به، ليس هناك من سعادة في الحج، لماذا لم يجعل الله تعالى الحج في سويسرا حيث الجبال الخضراء والأنهار المتدفقة . لأنه سيختلط السياح بالحجاج، قال:

رَّبَّنَآ إِنِّىٓ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْـِٔدَةً مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىٓ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ(37)
(سورة إبراهيم)

السعادة هي حصراً من الله
أراد الله أن تكون الجبال من صخر أصم، أسود، والجو حار، وجبل عرفة ليس فيه إطلالات ولا مناظر خلابة، لماذا؟ وأنت لا تلبس شيئاَ من متاع الدنيا، وإنما تلبس مناشف وثياب الإحرام، لماذا؟ كل ذلك لأن الله تعالى يريدك إذا شعرت بالسعادة في هذه الأماكن أن تعلم أن هذه السعادة هي حصراً من الله، ليس لها أي سبب خارجي:

وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَٰهيم مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَآ إِلَىٰٓ إِبْرَٰهيم وَإِسْمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِىَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ(125)
(سورة البقرة)

ما معنى مثابة؟ يثوبون إليه. يرجع الحاج فتقول له كيف الحج؟ يقول إن شاء الله يطعمنا العودة (كما يقول العوام) الرجعة يريد أن يرجع (مَثَابَةً لِّلنَّاسِ) وماذا وجدت حتى ترجع؟ هل كنت في مدينة خضراء، وإطلالات وجو ساحر؟ لا، أبداً إذاً ما الذي يجعلك ترجع؟ أنك ذقت طعم القرب من الله، فأراد الله أن يؤكد لك أن السعادة من عنده، وأنك إذا شعرت بالسعادة وأنت بهذا الحال، لا تلبس ثياباً جميلة أنيقة، ولا تشتم هواء صافياً والازدحام شديد، وربما يصدر من بعض الحجاج بعض المواقف غير المنضبطة، فالناس ثقافات مختلفة ومع ذلك لا جدال ولا فسق ولا رفث في الحج:

ٱلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَٰتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى ٱلْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍۢ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقْوَىٰ ۚ وَٱتَّقُونِ يَٰٓأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ(197)
(سورة البقرة)

إذاً مع كل هذه المعطيات وأنت سعيد، لماذا أنت سعيد؟ لأن الله تجلى على قلبك، فتعلم أن الله تعالى هو أصل الجمال، والكمال، والنوال، فتعود من الحج وأنت أكثر تمسكاً بصلتك بالله، وقربك منه.

الأستاذ حسين:
أشكرك جزبلاً دكتور بلال، بارك الله بك، وكل علم وأنت بألف خير، تقبل الله منك ومنا صالح الأعمال.

الدكتور بلال:
بارك الله بكم وكل عام وأنتم بخير.

الأستاذ حسين:
الدكتور بلال نور الدين أستاذ الفقه الإسلامي شكراً جزيلاً لك.