• الحلقة الثامنة والعشرون
  • 2016-06-25

مالك بن دينار

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

موقف مالك بن دينار مع الرجل الفقير
موقف اليوم يرويه لنا مالك بن دينار رحمه الله تعالى، يقول: كنت في العراق وأنا في ريعان شبابي رئيس حرس الأسواق وكنت فظّاً غليظ القلب لا يحبني أحد، وبينما أنا أجول في السوق رأيت رجلاً من التجار طويل القامة عريض المنكبين وبين يديه رجلٌ فقيرٌ قد جثا على ركبتيه يتوسل ويبكي وهو يقول: يا مولاي لماذا أخذت مني سبعة دراهم وهي محصلة يومي وتعبي؟ ردها عليّ إنني أحتاج إليها هذه الليلة ففيها عشاء بنيَّاتي فإن أخذتها مني ستبيت بنيَّاتي جائعاتٍ في هذا البرد الذي لا يرحم، وكلما تذلل المسكين بين يديه شمخ الغني بأنفه وكأن الرجل الفقير يكلم جداراً أو حجراً، تأثرت بهذا المنظر فجئت إلى الغني وقلت له: ما شأنك وهذا الفقير؟! سبعة دراهم، وأنت قد أغناك الله ،ردها عليه، فلما قلت له ذلك أبى وتكبر وطغى، فصفعته صفعةً طنّت لها أُذناه، ثم أدخلت يدي في جيبه وأخرجت الدراهم ووضعتها في يد الفقير وقلت له: انطلق، فانطلق فرحاً يلتفت وهو يجري، قلت له: يا هذا إن تعشت بنياتك هذه الليلة فقل لهنَّ يدعون لمالك بن دينار.

زواج مالك ابن دينار ووفاة ابنته
سعادة مالك بن دينار في حياته
فلما أصبح الصباح وبينما أنا في السوق أحسست في قلبي أن الله قد قذف فيه حب الزواج، فتزوجت جاريةً مسلمةً مؤمنةً، فكانت نِعْمَ المرأة، كنت أرى فيها الخير والبركة من يوم أن حلت بداري، فقد تركت الخمر وأقبلت على الصلاة والذكر والطاعة، ورزقني الله منها بُنَيَّةً صغيرةً كنت أرى فيها سعادة الدنيا، وبينما أنا كذلك ذات يومٍ وهي تلعب بين يدي إذ خرَّت في حجري ميتةً فكاد قلبي ينخلع من مكانه، فقلت ذات ليلةٍ وأنا حزين: لأشربنَّ الخمر حتى أموت، فأحضرت الشراب وجلست أشرب حتى خررت على الأرض صريعاً وبينما أنا في ذنبي ومعصيتي لم أرضَ بقضاء الله ولكن الله أرحم الراحمين رأيت في المنام كأن القيامة قد قامت، الخلائق تجري وأنا أجري أحس بلهيبٍ خلف ظهري فلما التفتُّ رأيت ثعباناً ينفث ناراً يجري خلفي ووجدت جبلاً يعترض طريقي، وفي الجبل فتحاتٌ تطلُّ منهن بنيَّاتٌ فلما رأينني صرخن: يا فاطمة أدركي أباك فإذا بنيتي الصغيرة تطل من شرفةً في الجبل فتقول: أبي؟ ثم أشارت إلى الثعبان فوقف، فمدت يدها إليَّ وأصعدتني عندها، ثم جلست بين يدي وهي تقول: يا أبتاه ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ) واستيقظت من نومي فسمعت أذان الفجر فاستغفرت وتبت إلى الله ثم اغتسلت وتوضأت وذهبت إلى المسجد الجامع أصلي خلف الإمام الشافعي وإذ به في الصلاة يقرأ قوله تعالى:

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ
(سورة الحديد: الآية 16)


توبة مالك بن دينار وحاله بعد التوبة
تأثر مالك بن دينار بالآية وتوبته
فانتفض قلبي وفاضت عيناي وكأنني أنا الوحيد المخاطب بهذه الآية، فاستحييت من الله حق الحياء وتبت واستغفرت لذنبي وتجلّت عندي رحمة الله، فقلت لزوجتي: هيا بنا نشد الرحال لمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوفقني الله إلى كثيرٍ من العلم، وعوضني خيراً من بنيتي، عوضني أبناء المسلمين يشدون إلي الرحال من مشارق الأرض ومغاربها يجلسون بين يدي طول النهار وزلفاً من الليل يطلبون العلم، فحمدت الله تبارك وتعالى على نعمته.
أيها الإخوة أيتها الأخوات: إلى لقاءٍ آخر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.