الهزيمة النفسية

  • 2017-12-29
  • عمان
  • مسجد الناصر صلاح الدين

الهزيمة النفسية


الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غِنى كلّ فقير، وعزّ كلّ ذليل، وقوة كلّ ضعيف، ومَفزع كل ملهوف، فكيف نفتقر في غناك؟! وكيف نضِل في هداك؟! وكيف نذِل في عزك؟! وكيف نُضام في سلطانك؟! وكيف نخشى غيرك والأمر كلُّه إليك؟!
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أرسلته رحمة للعالمين بشيراً ونذيراً، ليخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته.
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد وعلى أصحاب سيدنا محمد وعلى أزواج سيدنا محمد وعلى ذرية سيدنا محمد وسلّم تسليماً كثيراً، وبعد:
فيا أيها الإخوة الكرام؛ بعد خطب ثلاث في هذا البلد الطيب تحدثت عن المسجد الأقصى وعن القدس، وعن تداعيات هذا القابع في البيت الأسود والذي جرَّ قلمه جرة ظن أنه بها يُحق باطلاً أو يُبطل حقاً، بعد هذه الخطب أنتقل إلى موضوع يمس القضية بشكل غير مباشر، إنه موضوع الهزيمة.

أنواع الهزيمة:
الهزيمة -أيها الإخوة-أنواع:
1- هناك هزيمة عسكرية في أرض المعركة.
2- وهناك هزيمة اقتصادية.
3- وهناك هزيمة علمية فقد تتفوق أمة بعلمها فتهزم أمة أخرى.
4- وهناك هزيمة أعظم من كل هذه الهزائم إنها الهزيمة النفسية، أن يُهزم الإنسان من الداخل، والمهزوم من الداخل لا يستطيع أن يواجه نملة لا عدواً عظيماً كبيراً.

معنى الهزيمة النفسية:
أيها الإخوة الكرام؛ الهزيمة من الداخل تعني أن تتخلى عن مبادئك، أن تتنازل عن دينك، أن تُفتن عن القيم التي عشت من أجلها قيم الإسلام، فإذا هزم الإنسان من الداخل فقد انتهى، -أيها الإخوة-يقول تعالى في كتابه الكريم:

وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ ٱلَّذِىٓ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ لِتَفْتَرِىَ عَلَيْنَا غَيْرَهُۥ وَإِذًا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِيلًا(73)
(سورة الإسراء)

فهم كان جُلُّ همهم أن يفتنوا نبي الرحمة-صلى الله عليه وسلم-عن الذي أُوحي إليهم فيأتيهم بدين وبمبادئ وقيم جديدة تناسب أهواءهم ومصالحهم وطغيانهم (وَإِذًا لَّٱتَّخَذُوكَ خَلِيلًا) عندها تصبح صاحباً لهم لا يضرهم شيء منك ولا تضرهم دعوتك؛ لأنها أصبحت توافق هواهم، إذاً -أيها الإخوة-أعظم هزيمة أن يهزم الإنسان من الداخل، هذه الهزيمة الداخلية لها أعراض، ولها أسباب، ولها علاج.

أعراض الهزيمة النفسية:
ما أعراض الهزيمة الداخلية، الهزيمة النفسية؟ أول عَرض من أعراض الهزيمة بمعنى إذا وجدت إنساناً متلبّساً بهذه الصفات أو ببعضها فقد سار في طريق الهزيمة النفسية:

1- التقليد:
أول عرض هو التقليد:

{ لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ }

(متفق عليه)

أول أعراض الهزيمة أن يقلد الإنسان غيره
أول أعراض الهزيمة أن يقلد الإنسان غيره، ما الذي حدث -أيها الإخوة-؟ الغرب انتصر، انتصر علمياً واقتصادياً وعسكرياً، فراحت الأمة المهزومة داخلياً تقلِّده في كل شيء، لاسيما فئة الشباب، ويظنون أنهم بتقليدهم إياه يصلون إلى ما وصل إليه؛ هذا أول عَرَض من أعراض الهزيمة، فمهما هتفت في المظاهرات ضد أمريكا وضد قرارها ثم أنت تلهث وراء أي شيء يقربك منها، إذاً هذه هزيمة وأية هزيمة، طبعاً تلهث وراء شيء يقربك منها خارج منهج الله وخارج شرع الله، قد يستفيد الإنسان مما وصلوا إليه لكن أن يصبح همه أن يكون مثلهم فهذه هزيمة نفسية.
أيها الإخوة الكرام؛ قال تعالى:

إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُۥ وَتِلْكَ ٱلْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ وَٱللَّهُ لَا يُحِبُّ ٱلظَّٰلِمِينَ(140)
(سورة آل عمران)

جولة للحق وجولة للباطل، هذه سنة الحياة، فهل يُعقل إذا كانت جولة الباطل اليوم في عصرنا وقد طالت أن نقلد الباطل وأهله ولا نقتنع أننا موجودون إلا إذا كنا على سننهم؟! هذه هزيمة كبيرة.

2- اليأس من إمكانية التغيير:
أن ييأس الإنسان من أنه بإمكانه أن يغير
أيها الإخوة؛ العرض الثاني القاتل من أعراض الهزيمة النفسية اليأس من إمكانية التغيير؛ يقول لك: "لقد انتهينا"، "لن تقوم لنا قائمة"، "هذه الأمة انتهت إلى غير رجعة"،" نحن متخلفون"،" أين نحن من ركب الحضارة؟!"، "أين نحن من هؤلاء الذين وصلوا للقمر؟!”، أين نحن من هؤلاء الذين عندهم الجامعات والذين عندهم التقدم والإعلام والثقافة والخ... من نحن أمامهم؟!"، أن ييأس الإنسان من أنه بإمكانه أن يغير، فهذه هزيمة وأية هزيمة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-:

{ إذا قالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهو أهْلَكُهُمْ }

( رواه مسلم عن أبي هريرة )

وفي رواية "فهو أهلَكَهَم"(فَهو أهْلَكُهُم) أي هو أهلك واحد فيهم، إذا اتهمت الناس بالهلاك فأنت أهلك إنسان “فهو أهلَكَهَم" أي هو جعلهم هالكين وهم ليسوا كذلك، هو يدّعي أنهم هالكون والناس لم تهلك، فلا تقل :"هلك الناس"، لا تقل:" انتهت الأمة"، لا تقل: "لن تقوم لنا قائمة" ربما نحن مصابون بأزمة علمية، بأزمة اقتصادية، بأزمة عسكرية، بأزمة ثقافية، لكن حالنا الأخلاقية أفضل بمليون مرة من حالهم الأخلاقية، وأزمات العلم والثقافة والمعرفة يمكن في أي وقت أن تُحل لكن أزمة الأخلاق لا تنتهي إلا بدمار الأمم:
وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا
{ أحمد شوقي }
فمصيرهم إلى الهلاك.

3- السلبية القاتلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
أيها الإخوة؛ العرض الثالث من أعراض الهزيمة السلبية القاتلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لايهمه أحد، لا يأمر بالمعروف حتى ضمن بيته الصغير ولا ينهى عن المنكر، يرى المعروف بعينه فلا يشجعه، ويرى المنكر بعينه ويستطيع أن يغير ولو بقلبه ولا يفعل.

{ من رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمان }

(صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري)

في الدائرة التي تستطيع بيدك ينبغي أن تغير: بيتك، عملك، أولاد إخوتك، أولاد أخواتك هذه دائرة تستطيع فيها أن تغير بيدك، (فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ) بالمجتمع ضمن الطريق ضمن أي مكان ترى أن بإمكانك أن تنصح، لبائع تقول له: هذا لا يجوز أنت علقت صورة لا ينبغي أن تعلقها، أنت غششت إنساناً أمامي لا ينبغي أن تغشه ، باللسان بالحكمة والموعظة الحسنة ، وفي دائرة ثالثة ترى منكراً على الشاشة ببلاد بعيدة يجري بها قتل وتدمير ولا تستطيع بيدك ولا بلسانك (فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمان)،إذاً السلبية القاتلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عرض من أعراض الهزيمة النفسية.

4- الدفاع عن الإسلام كمتهم في قفص الاتهام:
وأخيراً من الأعراض والأعراض كثيرة ولكن نلخصها: أن ندافع عن الإسلام وكأنه متهم، كل يوم شبهة: "الإسلام دين إرهاب" تنبري المنابر الإعلامية وينبري الناس ليدافعوا عن دينهم" لسنا دين إرهاب، ما الذي تريدونه نفعله، نخفف قليلاً من التكاليف، نلغي بعض الأحكام الشرعية، أرجوكم لا تتهموننا، نحن لسنا إرهابيين"، الله أكبر! وهل أنت متهم أصلاً؟! هم المتهمون، هم القتلة، هم الطغاة، هم المحتلون، فإذا جاء بعض أدعياء الإسلام وقتلوا ودمروا فهل دينك متهم؟!
دائما ًيضع المسلم نفسه في موقع المتهم
"الإسلام ظلم المرأة" تنبري المنابر الإعلامية:" نحن نقدس المرأة، نحن نعز المرأة الخ...."، إقامة الحدود "أنتم تقيمون الحدود الشرعية، وهذه الحدود همجية لا تناسب هذا العصر"، "لا هذه الحدود كانت قديمة والبعض يلغيها، والبعض يؤولها، والبعض يقول لك: "يا أخي عقوبات إصلاحية جديدة تناسب التطور، تناسب الحداثة، دائما ًيضع المسلم نفسه في موقع المتهم وهم في موقع البرآء والعكس هو الصحيح، لذلك امضِ في طريقك وادعُ إلى الله على بصيرة ولا تلتفت لكل شخص.
أنت على دين الحق
في كل أسبوع لدينا مشكلة، في كل أسبوع، الأسبوع الماضي امرأة يستحي الإنسان أن يذكر اسمها أو وصفها على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-تتكلم في حق المؤذنين، يصعد الإعلام وتصعد الوزارة في ذلك البلد الذي تكلمت فيه ويبدؤون، من هذه التي تكلمت؟ وما قيمتها؟ ومن هي حتى نبدأ؟ هل أساءت للإسلام أو لا، ثم يصدر تقرير لم تسئ للإسلام، بل أساءت، لا تشغلوا أنفسكم، أنت على دين هو أعظم دين في الأرض، أنت على دين الحق فلا تخشَ في الله لومة لائم، لا تهزم من الداخل.
أيها الإخوة؛ ربعي بن عامر ركب جواده وانطلق لمقابلة قائد الفرس، ما معنى قائد الفرس؟ يعني اليوم ركب جواده وذهب لملاقاة هذا القابع في البيت الأسود بنفس الحقيقة تماماً، قائد الفرس أعظم دولة في التاريخ في عصرهم، ركب جواده وخرج وهو يمشي، وأراد الحرس أن يدخل ربعي على قائد الفرس ماشياً، قالوا: لا تدخل بجوادك ادخل ماشياً، فأبى بعزة المسلم قال: لا، لا أدخل إلا على جوادي ودخل على ظهر جواده، سأله رستم: من أنتم؟! وما الذي جاء بكم؟!باستخفاف عظيم، هل انهزم ربعي؟! قال له: نحن نريد أن نتفق معكم، نريد أن نقيم صلحاً بيننا وبينكم.
ربعي بن عامر قال: "نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد -إن شاء الله-من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة فمن حال -يعني وقف سداً منيعاً-بيننا وبين ما نريد وبين دعوتنا الناس إلى دين الله-عز و جل-قاتلناه حتى نفضي إلى موعود الله.
قال: وما موعود الله ؟!
قال: الجنة لمن مات، والنصر لمن بقي.
بهذه العزة يدخل على رستم قائد الفرس، ومن أعظم ما ذكره هذه الجملة، قال:" فمن حال بيننا وبين دعوة الناس إلى دين الله قاتلناه" لخص مفهوم الجهاد بكلمات، لأننا اليوم نخاف من مصطلح الجهاد لأن الناس أو بعض الناس استخدموه خطأً وفهموه خطأً فأصبحنا نخشى منه، لكن ربعي بن عامر يقول ببساطة ما هو الجهاد :"شخص حال بيننا وبين دعوة الناس لدين الله" لا نسمح لأحد أن يحول بيننا وبين دعوة الناس لدين الله، أما إذا سمح لنا فلكم دينكم ولي دين، نحن ما جئنا للقتل ولا للتدمير، جئنا لندعو الناس إلى الحق إلى الخير ولا نريد من أحد أن يمنعنا من دعوة الناس إلى الحق و الخير،-أيها الإخوة الكرام- هذه أعراض الهزيمة النفسية، فما أسبابها؟

أسباب الهزيمة النفسية:
أولاً: ضعف الإيمان:
الإيمان أيها الإخوة؛ قول وعمل وتصديق، التصديق بالقلب والقول باللسان والعمل بالجوارح، فإذا ضعف الإيمان بسبب المعاصي والذنوب أدى ذلك إلى هزيمة نفسية.

ثانياً: انتشار المعاصي والآثام:
السبب الثاني: انتشار المعاصي والآثام، يقول-صلى الله عليه وسلم-:

{ إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ عنْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ }

(رواه أحمد وأبو داود من حديث عبد الله بن عمر)

هذه سنة إذا انتشرت المعاصي والآثام سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم لا شرق ولا غرب ولا دول ولا اشتراكية ولا تقدمية ولا رجعية ولا شيوعية، لا ينزعه أحد حتى ترجعوا إلى دينكم.
لعل الآن في ذهن أحدكم سؤالاً، هذا الغرب تنتشر به المعاصي والآثام أكثر من بلادنا وما سلط الله عليهم ذلاً، نعم بكل بساطة لأنهم ليسوا مسلمين، قوانينهم مختلفة عنك، أنت لك قانون عند الله وهم لهم قانون، لا يعامل في المعادلات الفيزيائية والكيميائية الخشب كالحديد، كل واحد له قوانينه، الحديد لا يطفو على سطح الماء الخشب يطفو باختصار.
فأنت -أيها المسلم-لك قوانين عند الله، القوانين هي أنك إذا خالفت الشرع وانتشرت المعاصي والآثام هناك تسلط من الأعداء عليك حتى تعود إلى دينك، أما هم فتخلوا عن الدين أصلاً.

فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَٰبَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّىٰٓ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوٓاْ أَخَذْنَٰهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ(44)
(سورة الأنعام)

أتحب أن تكون كقانونهم أم كقانون المسلمين؟ نحن نحب أن نكون ضمن العناية المشددة في غرفة العناية المركزة، نبقى على ديننا ويؤدبنا الله بين الحين والآخر لعلنا نعود ونرجع إليه.

ثالثاً: عدم المعرفة بطبيعة الطريق:
أيها الإخوة الكرام؛ والسبب الثالث من أسباب الهزيمة عدم المعرفة بطبيعة الطريق: طريقنا في الإيمان-أيها الإخوة– ليست محفوفة بالورود والرياحين، هي طريق فيها أشواك هذه طبيعة الطريق، إنسان توهم أن طريقه من محافظة إلى أخرى معبد الطريق، فاكتشف أنها طريق ترابية فطول الطريق وهو يزمجر غاضباً، يا أخي لو سألت قبل أن تذهب، الطريق ليست معبدة، هيئ سيارتك لطريق ليست معبدة، طريقنا في المعركة بين الحق والباطل في الدنيا طريق ليست معبدة وليست مليئة بالورود والرياحين، هي طريق شائكة، هذه سنة الله.

أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُون(2)
(سورة العنكبوت)

مستحيل.

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ(11)
(سورة الحج)

هذه سنة الله في طريق المعركة بين الحق والباطل.

رابعاً: النظرة الضيقة للزمان والمكان:
التاريخ يعلمنا أن المعركة طويلة
أيضاً من أسباب الهزيمة-أيها الإخوة-السبب الرابع: النظرة الضيقة للزمان والمكان: نحن اليوم عندما ننظر إلى معركتنا مع أعداء الحق، أعداء الخير والإنسانية كأننا نضع على أعيننا شيئاً يجعلنا ننظر في زاوية واحدة فقط ، فننظر إلى المعركة على أنها اليوم فقط، لانقرأ التاريخ -أيها الإخوة الكرام-التاريخ يعلمنا أن المعركة طويلة، ونحن لسنا اليوم في برهة من الزمن يمكن أن نغير أو نحول ما يريده الله– عز و جل-فلا تنظر إلى الزمان والمكان نظرة ضيقة، التتار هجموا على المسلمين، القرامطة هجموا على المسلمين، الصليبيون وغيّر الله الواقع.
كنت قلت لكم سابقاً: التتار هجموا على المسلمين، فمُلئت شوارع بغداد بالأشلاء، ولم تُصَلَّ صلاة واحدة في مساجد بغداد-فرّج الله عن العراق وأهله-لم تُصَلَّ صلاة واحدة في مساجد بغداد أربعين يومًا، ثم غيّر الله الواقع، أين التتار؟
الصليبيون هجموا على المسلمين، ومُنعت الصلاة في المسجد الأقصى واحدًا وتسعين عامًا، لم تُصَلَّ صلاة في المسجد الأقصى ثم قيَّض الله لهذه الأمة من أعاد الأقصى إلى حضن المسلمين.
القرامطة هجموا على بيت الله الحرام، والناس يطوفون حول الكعبة، وجاء المجرم أبو طاهر القرمطي ونزع الحجر الأسود من مكانه، ورفع رأسه إلى السماء وقال: أين الطير الأبابيل؟! أين الحجارة من سجيل؟!
ثم عاد الحجر الأسود إلى مكانه وغيّر الله الواقع، وبدل الحال، واليوم تستطيع أن تطوف بالبيت آمناً.
إذاً-أيها الإخوة الكرام-لا تنظر إلى الزمان والمكان نظرة ضيقة، هذه معركة طويلة فيها جولات، لكن المهم أن تكون في صف الحق وأهله.
أيها الإخوة الكرام؛ حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا وسيتخطى غيرنا إلينا فلنتخذ حذرنا، الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، أستغفر الله.

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

علاج الهزيمة النفسية:
اسمحوا لي إخوتي في دقيقتين أن ألخص العلاج حتى نتم الموضوع، العلاج في أربع كلمات.
العودة الجادة إلى كتاب الله وسنة رسوله
أولاً: العودة الجادة إلى كتاب الله وسنة رسوله: وفق فهم السلف الصالح ومن سلفنا الصالح المذاهب الفقهية الأربعة المعتمدة، واليوم وزارة الأوقاف مشكورة وجهت إلى أن نعتز بهذه القيم وبهذا التراث الفقهي العظيم الذي تركته لنا المذاهب الفقهية الأربعة المعتمدة من غير تعصب ومن غير إنكار لفضل هؤلاء الأئمة الذين فهموا كتاب الله تعالى وسنة رسوله.
ثانياً: الأمر الثاني التخلص من الوهن: الوهن الضعف، بماذا عرّف النبي-صلى الله عليه وسلم-الوهن؟ قال:

{ يُوشِكُ الأممُ أن تداعَى عليكم كما تداعَى الأكَلةُ إلى قصعتِها. فقال قائلٌ: ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيلِ، ولينزِعنَّ اللهُ من صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفَنَّ اللهُ في قلوبِكم الوهْنَ. فقال قائلٌ: يا رسولَ اللهِ! وما الوهْنُ؟ قال: حُبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ }

( رواه أبو داود وصححه الألباني عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم)

تعلق شديد بالدنيا، كل شيء يريده في الدنيا ولا يضع شيئاً في سلة الآخرة.
العلاج الثالث قراءة التاريخ: وقد أسهبت قبل قليل فيما يتعلق بالنظرة الضيقة للزمان والمكان، لابد من أن نقرأ التاريخ، وهناك اليوم على النت وعلى مقاطع اليوتيوب هناك مقاطع جيدة جداً للتاريخ، كيف كان الصليبيون؟ وهناك كتب، فلو قرأ الإنسان التاريخ يفهم الحاضر.
اعتز بدينك
رابعاً: الاعتزاز بالدين: أن تعتز بدينك لا أن تقف موقف المتهم أبداً، في أي مكان، مدت امرأة يدها لتصافحك وأنت لا تصافح النساء، لا تقل: "أنا متوضئ"، قل لها: "ديني لا يسمح لي بمصافحة النساء"، قال لك شخص: "ضع مالك وخذ فائدة"، لا تقل له : "لا ، والله أنا ما أحب ذلك"، قل له: "ديني يمنعني من الربا، أنا لا آخذ فوائد ربوية، هذا ربا وليس فائدة" اعتز بدينك، المرأة تضع حجابها، لا تقولي:" نضع الحجاب على أنه موضة جديدة ونلبس ما نشاء"، قولي: “هذا ديني أنا أضع الحجاب لأن ديني يأمرني بالحجاب"، كفانا هواناً في ديننا وضعفاً في ديننا، الاعتزاز بالدين.
أسأل الله –عز و جل-أيها الإخوة – ألا نهزم من الداخل فكل هزيمة دون الهزيمة من الداخل متغلب عليها –إن شاء الله-.

الدعاء:
اللّهم اهدِنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارِك لَنا فيما أَعطيت، وقنا واصرِف عَنا شر ما قَضيت، فإنك تَقضي ولا يُقضى عَليك، إنه لا يذل مَن والَيت ولا يعز من عادَيت تباركت ربنا وتعاليْت، فلك الحَمدُ عَلى ما قَضَيْت، ولك الشكر عَلى ما أَنْعَمتَ وأولَيت، نستغفِرك ونَتوبُ اليك، و نؤمن بِكَ ونتوكل عليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاُ يقربنا إليك، يا واصل المنقطعين صلنا برحمتك إليك، اللهم برحمتك عمنا واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا، وعلى الإيمان الكامل والكتاب والسنة توفنا، نلقاك وأنت راضٍ عنا.
لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين وأنت أرحم الراحمين، وارزقنا اللهم حسن الخاتمة، واجعل أسعد أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمن علّمنا ولمن له حق علينا، ربنا اغفر لنا
ولوالدينا ربنا ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم أحسن لهم كما أحسنوا إلينا.
اللهم بفضلك ورحمتك أعلِ كلمة الحق والدين وانصر الإسلام وأعزّ المسلمين، اللهم من أراد بالإسلام ودياره وأهله خيراً فوفقه لكل خير ومن أراد بهم غير ذلك فاكفنا إياه بما شئت وكيف شئت.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعزّ فيه أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، اللهم يا أكرم الأكرمين فرّج عن إخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم انصر إخواننا المرابطين في القدس والأقصى على أعدائك وأعدائهم يا رب العالمين، اللهم اجمع شملهم على الحق والخير والهدى.
اللهم بفضلك ورحمتك فرّج عن المسلمين المستضعفين أطعم جائعهم واكسُ عريانهم، وارحم مصابهم وآوي غريبهم، واجعل لنا في ذلك عملاً متقبلاً يا أكرم الأكرمين.
اجعل هذا البلد آمناً سخيّاً رخيّاً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وفق اللهم ملك البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، أقم الصلاة، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.