• الحلقة 07
  • 2023-03-29

أرنا الله..!

وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)
(سورة الأنعام)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: قصة موسى في القرآن الكريم تكررت بشكل يلفتُ الأنظار، أكثر من ثلاثين موضعاً يذكر الله فيها مشاهد من قصة موسى مع قومه، مع بني إسرائيل، مع ربه ...إلخ.
أكثر قصة تكررت في كتاب الله تعالى
قصة موسى أكثر قصة تكررت في كتاب الله تعالى، ولسائل أن يسأل لماذا؟ لأن الله تعالى يعلمنا بغيرنا، وهذا أسلوب عظيم في التعليم، التعليم غير المباشر، يعلمنا ببني إسرائيل، وكأنه يقول لنا جل جلاله تلك أمراضهم فلا تقعوا بها، تلك أمراضهم فإياكم أن تقعوا بما وقعوا به، وذلك يشبه المثل الشعبي: "الحكي لك يا جارة واسمعي يا كنة" فتكلم الجارة تريد أن تسمع كنّتها، فربنا جل جلاله يعلمنا بأسلوب غير مباشر، فيحدثنا عن بني إسرائيل من أجل ألا نقع بأخطائهم، ولا ننزلق مزالقهم فتكون عاقبتنا كعاقبتهم.

مشكلة بني إسرائيل ضعف إيمانهم بالغيب:
ما أعظم مشكلة عند بني إسرائيل؟ ضعف إيمانهم بالغيب، يريدون كل شيء في عالم الشهادة، يريدون كل شيء يدركونه بحواسّهم، لا يريدون شيئاً من عالم الغيب، حتى إنهم لما غاب عنهم موسى -عليه السلام- اتخذوا عجلاً جسداً له خوار، فجعلوه إلهاً يرونه بأعينهم، ويسمعون صوته بآذانهم، هكذا؛ لأنهم لا يريدون إلهاً لا تدركه الأبصار، يريدون إلهاً تدركه الأبصار، هذا مرض الإغراق في عالم الشهادة وقع به بنو إسرائيل، من ذلك أنهم قالوا لنبيهم:

وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ(55)
(سورة البقرة)

هكذا، نريد أـن نرى الله حتى نؤمن لك، ليست المصيبة في طلبهم لرؤية الله تعالى في الدنيا، وهو جل جلاله لا تدركه الأبصار في الدنيا، ولكن المصيبة الأعظم في أنهم يربطون الإيمان بموسى -عليه السلام- وبنبوته، وبما يتلوه عليهم من آيات ربه يربطون هذا الإيمان العظيم بشيء يريدونه من عالم الشهادة.

يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُّبِينًا(153)
(سورة النساء)


لا قيمة للإيمان في عالم الشهادة:
ليس مع العين أين
ما قيمة الإيمان عندما يكون في عالم الشهادة؟ ما قيمته؟ لو قلت لك الآن أنا أؤمن أن أمامي طاولة، وأنت تراها بعينك، وأنا أراها بعيني، هذا كلام مضحك، ما معنى أنني أؤمن برؤية شيء نراه جميعاً ونتفق على وجوده؟ و"ليس مع العين أين" كما قالوا، عندما ترى الشيء بعينك لا تسأل أين هو؛ لأنك تراه بعينك، فما قيمة الإيمان عندما يكون شيئاً مشهوداً؟ قيمة إيمانك أنك تؤمن بشيء لا تراه بعينك، ولكنك تؤمن به بعقلك، ومن خلال إخبار الله تعالى لك.
الإيمان بالغيب أعظم ما يمكن أن يصل إليه المؤمن، وكلما نما إيمانك بالغيب نما حبك لله، نما خوفك منه، نما اشتياقك إليه، نما رجاؤك ما عنده، وخشيتك من عقابه.
إلى الملتقى، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.