• الحلقة الرابعة والعشرون
  • 2016-06-15

أم سلمة رضي الله عنها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ الحَمْدُ لله رَبِّ العَالَمِينَ وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.


موقف اليوم ترويه لنا الصحابية الجليلة أم سلمة فتقول رضي الله عنها:
تقول أم سلمة: لمّا أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة ، رحّل لي بعيره ثم حملني عليه وحمل معي ابني سلمة في حجري ، ثم خرج بي يقود بي بعيره ، فلما رأته رجال بني المغيرة ، وهم قوم أم سلمة ، قاموا إليه فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه ، زوجتك ، علامَ نتركك تسير بها إلى البلاد؟ قالت أم سلمة رضي الله عنها: فنزعوا خطام البعير من يده فأخذوني منه ، قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد ، رهط أبي سلمة ، فقالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها، نزعتموها من صاحبنا ، قالت: فتجاذبوا ابني سلمة عندهم حتى خلعوا يده ، وانطلقوا به بنو عبد الأسد ، وحبسني بنو المغيرة عندهم وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة ، أصبحت أم سلمة عند قومها ، وسلمة عند قوم أبيه، وأصبح الزوج في رحلته للهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت أم سلمة: ففُرِق بيني وبين زوجي وبين ابني ، فكنت أخرج كل غداةٍ فأجلس بالأبطح ، وهو وادٍ في مكة ، فما أزال أبكي حتى أمسي، سنةً أو قريباً منها، حتى مرّ بي رجلٌ من بني عمي ، فرأى ما بي فرحمني ، فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة ، فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها؟! قالت أم سلمة : فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئتِ ، قالت: عند ذلك، ردّ قوم زوجي إلي ابني ، قالت: فأخذت ابني فارتحلت بعيري ، ثم خرجت أريد زوجي ، قالت: وما معي أحدٌ من خلق الله ، قلتُ: أتبلّغ بمن لقيت ، يساعدني من ألقاه في طريقي ، حتى إذا كنت بالتنعيم ، لقيت عثمان بن طلحة ، ولم يكن مسلماً وقتها ، قال: إلى أين يا بنت بني أمية؟ قالت: أريد زوجي بالمدينة ، قال: معك أحد؟ قالت: لا والله! إلا الله وابني هذا ، قال: والله ما لك من مترَك ، لن أتركك وحدك ، فأخذ بخطام البعير ، فانطلق معي يهوي به ، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قطُّ أرى أنه كان أكرم منه ، كان إذا بلغ المنزل ، مكان الراحة ، أناخ بي ثم استأخر عني حتى إذا نزلنا استأخر ببعيري فحط ّ عنه ثمّ قيّده في الشجرة ، ثم تنحى إلى شجرةٍ فاضطجع تحتها ، فإذا دنا الرواحُ ، المسير ، قام إلى بعيري فقدّمه فرحّله ثم استأخر عني فقال: اركبي ، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاد بي حتى ينزل بي ، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة ، فلمّا نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف في قباء ، قال: زوجك في هذه القرية ، فادخليها على بركة الله ، ثمّ انصرف راجعاً إلى مكة.

خُلقُ العِفة تفرِضُه الفِطرة
خُلق العفة عند عثمان بن طلحة
هذا هو الموقف ، وأما العبرة: فهي في خُلق العفة التي كانت عند عثمان بن طلحة ، إنه خلق رفيع تفرضه الفطرة التي فُطر الناس عليها ، فالفطرة تقتضي أن تكون عفيفاً ، قال تعالى:

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
(سورة الروم: الآية 30)

عثمان بن طلحة لم يكن مسلماً ، ولكنه كان على الفطرة التي جعلته يخدم امرأةً دون حاجة يريدها منها ، بل كان يستأخر عنها لكي لا يرى شيئاً لا ينبغي أن يراه ، رعاها حق رعايتها ، حتى أوصلها إلى زوجها ، تلك هي الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
أيها الإخوة أيتها الأخوات: إلى أن نلقاكم في موقفٍ جديد أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.