العلاقة بين القرآن والسنة

  • الحلقة الحادية والعشرون
  • 2021-08-14

العلاقة بين القرآن والسنة


هل في صحيح السنة ما يناقض القرآن الكريم؟
القرآن الكريم كلام الله تعالى، والسنة وحي من الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وما دام المصدر واحداً فالمنطق يقتضي ألا يكون هناك تعارض بين القرآن والسنة، بمعنى أنه لا يقبل ولا يصح أن يأتي القرآن بأمر وتأتي السنة بالنهي عنه، أو أن ينهى القرآن عن محرم ثم تأتي السنة تحلله، هذا في الأمر والنهي، وكذلك الحال بالنسبة للأخبار فلا يصح أن يخبر القرآن عن شيء ثم تخبر السنة بخلافه.
يقول تعالى:

أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)
(سورة النساء)


فهم العلاقة بين القرآن والسنة:
أولاً: يجب أن نفهم العلاقة بين القرآن والسنة:
1- السنة مقررة ومؤكدة لما في كتاب الله تعالى، مثال ذلك أن القرآن جاء بالأمر بالصلاة وجاءت السنة لتؤكد هذا الأمر.
2- تأتي السنة مفصلة لما أجمل في كتاب الله فالأمر بالصلاة جاء مجملاً في القرآن وجاءت السنة لتفصل طريقة الصلاة وأعداد ركعاتها وأوقاتها، وكذلك الزكاة جاء الأمر بها في القرآن مجملاً وجاءت السنة لتبيين أنصبتها ووقت وجوبها.
3- تأتي السنة لتخصيص ما جاء عاماً في كتاب الله تعالى كقوله تعالى:

يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)
(سورة النساء)

وهذا نص عام في كل الأولاد لكن السنة استثنت منه أصنافاً:

{ القاتلُ لا يَرِثُ }

(صحيح الترمذي)

4- تقيد السنة ما جاء مطلقاً في كتاب الله.
لَمَّا نَزَلَتْ:

الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)
(سورة الانعام)

شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ:

وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
(سورة لقمان)

5- تشرع السنة أحكاماً جديدة ليست في كتاب الله، كتحريم الذهب والحرير على الذكور من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وزكاة الفطر ثبتت بالسنة الصحيحة ولم تثبت بالقرآن الكريم، وتحريم الجمع بين البنت وعمتها أو البنت وخالتها.
مع هذه الأنواع الخمسة لا يصح أن نقول إن هناك تناقضاً.

أمثلة تدعي التناقض بين القرآن والسنة:
من الأمثلة التي يذكرها المشككون أن هناك تناقضاً بين حد الردة وقوله صلى الله عليه وسلم:

{ أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلَاةَ، ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وأَمْوَالَهُمْ إلَّا بحَقِّ الإسْلَامِ، وحِسَابُهُمْ علَى اللَّهِ. }

(صحيح البخاري)

من جهة، وقوله تعالى:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)
(سورة البقرة)

من جهة ثانية، وقد بينت رد هذا التعارض الموهوم في حلقتين سابقتين يمكن الرجوع إليهما.
من الأمثلة أيضاً التعارض الموهوم بين حد الرجم الثابت في السنة الصحيحة للزاني المحصن وللزانية المحصنة وفق الشروط الشرعية المعتبرة وقولِه تعالى في الحديث عن الزواج من الإماء:

وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (25)
(سورة النساء)

قالوا: إن الآية الكريمة تبين أن عقوبة الأمة هي نصف عقوبة الحرة، فالحرة تجلد مئة جلدة إن زنت، والأمة تجلد خمسين جلدة، وهذا واضح لا خلاف فيه، ولكن كيف ننصِّف الرجم، والرجم موت، والموت لا ينصَّف!
والجواب: أن الأمة لا ترجم وإنما عقوبتها هي الجلد خمسين جلدة سواء كانت بكراً أم متزوجة، وهذا واضح في الآية.
أما المحصنات في قوله تعالى: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ) فهن الحرائر هنا ولسن المتزوجات بدليل مطلع الآية وهو قوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ).
ولقد جاء قوله تعالى: ( من العذاب ) ليؤكد أن الحديث هنا عن الجلد، لأن العذاب يكون للحي، ومثله قوله تعالى حكاية عن نبيه سليمان يوم غاب الهدهد عن مجلسه قال:

لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (21)
(سورة النمل)

ففرق بين العذاب الذي يؤلم والذبح الذي هو الموت.
وبالتالي لا تعارض بين الآية الكريمة الموجبة لحد الزنا على الأمة وهو خمسون جلدة على كل حال، سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة، وحد الرجم الثابت في السنة وهو خاص بالحرائر المتزوجات والأحرار المتزوجين.