• الحلقة الثالثة عشرة
  • 2021-06-19

حقوق المرأة


مقدمة:
حقوق المرأة مصطلح برّاق، فمن لا يحب أن تُعطى المرأةُ حقوقَها! بل مَن مِن العقلاء لا يسعى إلى أن يُعطى كلُّ ذي حقٍّ حقَّه؟ إلا أن هذا المصطلح (حقوق المرأة) صار عند بعض دعاته كلمةَ حقٍّ يُراد بها باطل، إنها عبارة تمَّ التلاعب من خلالها بعواطف الكثيرات، إذ إن كثيراً ممَّن ينادون بحقوق المرأة ينادون بها بطريقة لا تقبل عقلاً، قبل أن نقول: لا تصح شرعاً.

المقارنة بحقوق الرجال:
لو أنَّ مجموعة من الرجال اجتمعوا وأسسوا جمعية من أهدافها المطالبة بحقوق الرِّجال، ووضعوا بعض الحقوق التي يرغبون بالمطالبة بها، ومنها على سبيل المثال:
لماذا نحن ملزمون بفريضة الجمعة؟ نريد أن نستمتع بالإجازة الأسبوعية كالنساء تماماً.
نطالِب بمالٍ يدفعه أهل الفتاة للخاطب ليعينه على تكاليف الزواج أسوة بالمهر الذي يدفعه الخاطب للفتاة.
نطالب ألا تكون النفقة علينا وحدنا معاشرَ الرجال، بل نطمح أن يُنفق علينا، فقد أرهقنا الخروج من البيت والقيام بالأعمال المجهدة التي نطالَب بها للإنفاق على البيوت، بينما لا تتحمل المرأة والأولاد شيئاً من النفقات!
ربما يكون المثال مضحكاً، إلا أنني أردت من خلاله أن أبين أن الرجال هنا لا يطالبون بحقوقهم وإنما يطالبون بالمساواة مع النساء!

التفضيل بين الرجال والنساء:
هذا المعنى عبر عنه القرآن الكريم، قال تعالى:

وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)
(سورة النساء)

ومما ورد في سبب نزول هذه الآية: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «يَغْزُو الرِّجَالُ وَلَا تَغْزُو النِّسَاءُ وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ المِيرَاثِ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ).
علماً أن التفضيل لا يقتضي الأفضلية دائماً ، فالمفضَّل بشيء لا يعني أنه أفضل ممن فُضِّل عليه.
مثال ذلك: لو أن عندي ولدين؛ أحدُهما يدرس في الجامعة والثاني في الصف الأول الابتدائي فأعطيت الأول مئة لمصروف الجامعة وأعطيت الثاني خمساً فقط لمصروفه في المدرسة، فقد فضلت الأول على الثاني، ولكن هذا التفضيل لا يعني أبداً أفضلية الأول عندي بل لربما أكون أكثر حباً للصغير ومع ذلك فضلت الكبير عليه!
مثال آخر: لو أن عندي ولدين؛ أحدهما متفوق في الدراسة والثاني مقصر، ففضلت المقصر على المتفوق بدروس خاصة دفعت لأجلها مالاً فهل يعني ذلك أن المقصر أفضل عندي من المتفوق، بالتأكد لا!
نعود إلى الآية: الله تعالى فضَّل الرجل على المرأة بأشياء، وفضَّل المرأةَ على الرجل بأشياء أخرى، وخيرهما عند الله أتقاهما لله، قال تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)
(سورة الحجرات)


حقيقة المطالبة بحقوق المرأة:
إن أكثر من ينادون بحقوق المرأة اليوم هم في الحقيقة لا يطالبون بحقوقها، بل يطالبون بمساواتها مع الرجال!
إن قلتَ لي: أطالبُ بألا تُهان المرأة وألا تتعرض للتعنيف اللفظي أو الجسدي أقول لك: نعم هذا حقها الذي أقرَّه شرع الله، وإن قلت لي: أطالب ألا تُمنع من ميراثها الذي فرضه لها الله تعالى قلت لك: أحسنت، وإن قلت لي: أطالب أن تُعطى المرأة مهرَها قلت لك: وأنا معك، وإن قلت لي: أطالب ألا تُزوَّج المرأة إلا بإذنها قلت لك: ما أحسن هذا، إنه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم!
وإن قلتَ: أطالب أن تُصان المرأة فلا تنزِل إلى عمل لا يليق بكرامتها قلت لك: نعم المطالبة.
وإن قلت لي: أطالب بتعزيز مكانة الأم في نفوس الأبناء والأخت في نفوس أخواتها قلت لك: بالتأكيد هذا ما يجب أن يكون.
وإن قلت لي: أطالب أن نتعاون على إيقاف تسليع المرأة (تحويلها إلى سلعة) فهي أكرم من أن تستخدم لجذب الانتباه إلى إعلان ما، ومن كرامتها وحقها ألا تكون سلعة تنظر إليها عيون المرضى نظر الريبة، قلت لك: أمر مشروع يجب التعاون عليه.

صون حقوق المرأة:
هذا الذي ذكرته وغيره كثير هي حقوق المرأة التي يجب أن تصان وأن تعزز، أما ما يطرحه كثيرون من أدعياء حقوق المرأة فهو ليس حقوق المرأة بل هي حقوق الرجل يطالبون بتطبيقها على المرأة، ولربما طالبوا بأخذها من الرجل وإعطائها للمرأة وهذا ظلم للمرأة قبل أن يكون ظلماً للرجل.
كلنا مع حقوق المرأة التي كفلها لها شرع الله تعالى، إلا أننا لا نقبل أن تكون حقوق المرأة باباً لإفسادها وإفساد المجتمع من بعد ذلك لأن المرأة هي عماد المجتمع وهي المسؤولة عن تربية الأجيال
كلنا مع حرية المرأة التي كفلها الإسلام ولكننا لسنا مع حرية الوصول إلى المرأة التي يسعى إليها البعض تحت ستار الحرية.
ليست المرأة حرة بلا قيود وليس للرجل حرية بلا ضوابط ، الناس رجالاً ونساء في كل مكان يخضعون بشكل أو بآخر لقيود والمسلم ارتضى أن يخضع لضوابط الخالق ، أما أن تعتقد أن هناك حرية مطلقة للمرأة أو للرجل فهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة.