سيدنا يوسف وصُواع الملك

  • الحلقة الحادية عشر
  • 2021-06-13
  • قناة الحقيقة

سيدنا يوسف وصُواع الملك


مقدمة:
الدكتور مراد:
الحمدُ لله رب العالمين، نَحمدك يا ربي حمد الشاكرين، وأصلّي وأسلِّم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه الغُر الميامين.
مشاهديَّ الكرام؛ أسعد الله مساءكم في برنامجكم: "رحلة الصديق"، الصديق يوسُف عليه السلام، حلقتنا لهذا اليوم سيدنا يوسُف عليه السلام وصواع الملك، نسمع الآيات ثم نعود إليكم.

وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُف مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يوسُف فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يوسُف فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يوسُف وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يوسُف حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)
(سورة يوسُف)

إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ.
مُشاهديَّ الكرام؛ أسعد الله مساءكم في هذه الليلة، وفي برنامجكم: "رحلة الصديق" اليوم سنقف على محطة جديدة سيدنا يوسُف وصواع الملك بعد أن نرحب بضيوفنا الكرام، أخي الحبيب الدكتور محمد الفاعوري أستاذ أصول الدين في جامعة العلوم الإسلامية العالمية أهلاً وسهلاً بكم ضيفنا العزيز، وأخي الحبيب الدكتور بلال نور الدين أهلاً وسهلاً بكم سيدي حيّاكم الله يا سيدي، مازلنا مع سيدنا يوسُف والآن نحن في محطات القصة في نهايتها، وصلنا اليوم إلى مشهد دخول إخوة يوسُف عليه السلام وإحضار الرهينة، الرهينة بنيامين الأخ الشقيق لسيدنا يوسُف عليه السلام، سيدنا يوسُف الآن استفرد بأخيه بنيامين قام بحيلة سيدنا يوسُف، الحيلة تضمنت عدة بنود منها أنه استفرد ببنيامين ولم يلفت لهم الأنظار هذه الحيلة، قام بحيلةٍ أيضاً جديدة بأنه قسَّم إخوته في غرف كل اثنين مع بعضهم البعض حتى بقي بنيامين لوحده، وهذا أيضاً استفراد جديد، حيلة جديدة، أيضاً قام بحيلة السرقة أنه وضع صواع الملك في رحل أخيه بنيامين، وأذن مؤذن في هذه العير حتى يُبينوا السارق، بادر بالسؤال عمن هو السارق، حتى بيّن أنه وضع القانون أنَّ الذي سرق سآخذه، أي أنه سيكون رقاً لي، وهذه القوانين الموجودة في ذلك الزمن.
أخي الدكتور بلال السؤال لك؛ سيدنا يوسُف قام بهذه الحيلة ترتيب رباني مُنظَّم لديه هدف، سؤالنا الآن: هل يجوز لنا في حياتنا اليومية أن نقوم بهذه الحيل؟ وهل هناك ما يسمى بحيلةٍ شرعية؟

الوصول للغايات النبيلة:
الدكتور بلال نور الدين:
بادئ ذي بدء حيَّاكم الله أنتم وأستاذنا الكريم الدكتور محمد.
الغايات النبيلة لا يُتوصل إليها إلا بوسائل مشروعة
أولاً دكتور مراد أستغل هذه الفرصة لأقول: ليس في ديننا الغاية تُبرر الوسيلة في الأصل بل في ديننا الغايات النبيلة لا يُتوصل إليها إلا بوسائل مشروعة، حتى لا يُفهم خطأً أنني يمكن أن أتوصل لأي غاية نبيلة، أو أتصور أنها نبيلة فأسلك طُرقاً غير مشروعةٍ للوصول إليها كما يفعل بعض الناس للتهرب من أوامر الدين، أو استحلال المحرّمات، أو ترك واجبات، فهذه ليست حيلاً شرعية، وإن سموها زوراً وبهتاناً حيّلاً شرعية، نعم لا يخفى أنَّ هناك بعض الحيل التي تسمى حيلاً شرعية، وأنا أقول: ربما تسميتها بالحيل من باب المجاز، مثلاً بالفقه التمر إذا كان عندك تمر رديء وعنده تمر جيد لا يجوز مُبادلة التمر بالتمر، فالحكم الشرعي أنك تبيع تمرك وتقبض الثمن ثم تشتري التمر الجيد، يسمون هذا: حيلة شرعية، هي ليست حيلة بمعنى الحيلة، ولكنها في الحقيقة حكم شرعي إذ لا ينبغي مُبادلة التمر فلجأنا إلى الطريق الصحيحة، أما الحيلة الشرعية التي يفعلها بعض الناس اليوم ويسمونها: حيلة شرعية فتشبه ما فعله بنو إسرائيل يوم مُنعوا أن يصطادوا يوم السبت، فكانوا يجمعون الحيتان يوم السبت ثم يصطادونها يوم الأحد فاستحقوا اللعنة على فعلهم هذا، فهذه ليست من الحيلة في شيء، وإنما هي من التحايل على أمر الله تعالى، والتهرب من أمر الله تعالى، فوجب التنبيه إلى ذلك.
نأتي إلى قصة سيدنا يوسُف عليه السلام مع إخوته أقول أولاً: ما تمّ في هذه الحيلة أو الكيد كان بوحيٍ من الله تعالى أي مأمور، ودليل ذلك:

فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُف مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)
(سورة يوسُف)

فالأمر من الله والتنفيذ كان من يوسُف عليه السلام، الكيد هو التدبير، وهنا التدبير قد يكون لخير وقد يكون لشر، المكر يكون غالباً في الشر، وإذا جاء المكر من الله فهو من باب المُشاكلة لغةً، أما الكيد فيكون لأمور فيها خير ، أي تكيد له من أجل أن توصل إليه خيراً فهو تدبيرٌ بخفاء فهي حيلةٌ أو كيد لكنه كان بوحي من الله تعالى.
أقرب من ذلك أخي دكتور مراد يوسُف عليه السلام ألم يكن يعلم أنه يمكن أن يبحث عن أبيه؟ هو لمَّا فقد أباه كان واعياً وكان بإمكانه أن يبحث عنه لكنه لم يفعل لماذا؟ لأنه وحيٌ من الله تعالى.

الدكتور مراد:
ويعقوب لم يسأل لأنه وحيٌ من الله.

الدكتور بلال نور الدين:
يعقوب لم يسأل لأنه وحيٌ من الله، هو لقاءٌ مقدَّر في وقتٍ مقدَّر فاستسلم الأب والابن لمشيئة الله تعالى.
الأمر الثاني؛ نأتي إلى الوسيلة التي استخدمها يوسُف وهي من الله عز وجل، لكن هذه الوسائل التي استخدمها يوسُف أولاً ليس فيها أي إضرارٍ ببنيامين بل على العكس:

وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُف آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)
(سورة يوسُف)

انتشله من مكان يتعرض فيه لمُضايقات وأمَّنه في قصره، فلم يكن فيه أي إشكال، هل كان فيه إضرار للإخوة العشر؟ لا والله بل كان فيه نفعٌ لهم لأنهم لم يتوبوا حتى اللحظة، والدليل بعد قليل سيقولون:

قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفَ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)
(سورة يوسُف)

سيدنا يوسف باب التوبة لإخوته
فمازال في قلوبهم مرض، فيوسُف عليه السلام لمّا فعل لهم هذه الحيلة أو ذاك الكيد أوصلهم إلى التوبة، وفتح لهم باب التوبة، فهذا أيضاً لم يكن فيه إضرار، قد يقول قائل: لكن كان فيه إضرار بيعقوب عليه السلام، نعم قد يؤخر الله عنك فرحاً لفرحٍ أهم منه، والدليل أن يعقوب عندما جاؤوا وقالوا له: ابنك سرق ماذا قال:

قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(83)
(سورة يوسُف )

كان ينتظر الفرحة الكبرى فلمّا تأخر الفرح جاء فرحٌ أكبر منه، اجتمع الإخوة وتاب الله عليهم، وتحققت رؤيا سيدنا يوسُف عليه السلام، ووصل الجميع إلى مصر آمنين مُعزَّزين مُكرَّمين، جاء الفرج بعد الضيق، نعم، كان هناك تأخير في سرور الأب لكنه كان لتحقيق سرورٍ أعظم وأكبر، فحتى الوسائل التي استخدمها يوسُف حتى لو قال قائل:

فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70)
(سورة يوسُف)

أي من اللطائف هم كانوا سارقين حقيقةً ألم يسرقوا يوسُف من أبيه؟ ألم يسرقوه؟! هذه أعظم سرقة، أعظم من سرقة الصواع، هم سرقوا يوسُف، حتى هذا الكلام ليس فيه كذب، وإنما فيه مُواربة، أي فهموا شيئاً وهو شيءٌ آخر فهُم في الحقيقة سارقون سرقوا الابن من أبيه، وهو أحب شيءٍ إليه، فما أسهل الصواع والسقاية أمام ما فعلوه، فكل الوسائل لا أظن أن فيها أبداً وسائل غير مشروعة.

الدكتور مراد:
والحزن موجود عند يعقوب عليه السلام والنتيجة ستكون الفرح فلهذا كما أشار الدكتور بلال ليس فيها شيء، أخي الدكتور محمد هل لك تعليق على هذا الأمر؟

الإسلام منهجٌ واضح لا تحايل فيه:
الدكتور محمد الفاعوري:
جزاك الله خيراً دكتور بلال، كلام رائع وفي غاية الروعة، والإسلام حقيقةً منهجٌ واضح لا تحايل فيه، ولا خديعة، وعلماء الفقه لمّا تكلموا في التحايُل نصّوا على بعض المسائل في الزكاة وغيرها كمن يُهدي ماله قبل الحول ثم يستعيده بعد ذلك، والحقيقة أن الشريعة الإسلامية واضحة:

{ أدِّ الأمانةَ إلى من ائتمنَك، ولا تَخُنْ من خانَك. }

(أبو داود والترمذي)

واضحة في تعاملها بكل المعاني، وإن كان هنالك من تحايلٍ تحت المسمى المشروع فإنما يكون في الظفر بالحق فيما مُنع عن صاحبه، كما قال عمر: لستُ بالخبِّ، ولا الخب يخدعني.
فهنا الظفر بالحق العلماء وضحوا هذا المصطلح أنه متى يحق للإنسان أن يأخذ الحق الذي له إن لم يأخذه بالطريق المشروع؟ ذكروا هذا وفصلوه لكن جعلوا له ضوابط حتى لا يكون هنالك تعدٍ على حق الغير.

الدكتور مراد:
""مَن خدعنا بالله انخدعنا له""عبد الله بن عمر له في هذا لطيفة، يقول عبد الله بن عمر كان كل إنسان يعمل أمامه شيئاً يتقرب به إلى الله من صلاةٍ، من صدقات، من العبيد، قال: كان يعتقه لوجه الله، فجاء ابن العباس قال: يا بن عمر إنهم يتحايلون عليك، قال: من خدعنا بالله انخدعنا له.

الدكتور محمد الفاعوري:
وهذا من باب التجاهل سبحان الله إذا شئت فقل التغابي أحياناً كما قالوا:
لَيْسَ الغَبِيُّ بِسَيد في قَوْمِهِ لكنَّ سيِّد قومهِ المُتغابي
{ أبي تمام }
وهذا فهم جميل حقيقةً.

الدكتور مراد:
جميل؛ دكتور الآن إخوة سيدنا يوسُف دكتور محمد نفوا تهمة السرقة عن أنفسهم وحق لهم أي لم يسرقوا وما كنا سارقين، في المقابل لمّا تمت الحيلة وسقطوا في أيديهم اتهموا أخاهم بالسرقة، واتهموا يوسُف أيضاً عليه السلام، وكانت مؤلمة، وكان إخوانهم من أمهم يوسُف وبنيامين اتهموهم بالسرقة كأنها وراثية عندهم، وأنت تعرف أن قصة سيدنا يوسُف :

قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُف فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)
(سورة يوسُف)

وقد سرق أخٌ له من قبل، أشار كثير من العلماء أنه في زمن سيدنا يعقوب كان يوسُف يعيش في البداية عند عمته، فالعمة أرادت أن يبقى يوسُف عندها، وتعلم أنه إذا اتُهم أي إنسان بسرقة يبقى عبداً كما هي الحال الآن، فهي ربطت على خصره بشيء أو قالوا نطاقاً، وقالوا أخذ صنماً وكسره، أي صنم لجده من أمه إلى آخره، فكان هذا سبب لم يسرق هو، لكن حصل ما حصل حتى يكون على هذا الحال، ويبقى عند العمة، ويعيش عندها، وهذه حيلة قامت بها، حتى أن بعض العلماء يُشير إشارة لطيفة جداً يقول: جاء رجل إلى سيدنا يوسُف فقال: يا يوسُف إني أحبك، قال: لا تقل أحبك، ما أحبني شخص إلا ابتليت، أحبتني عمتي فاتُهمت بالسرقة، أحبتني امرأة العزيز فسجنت، أحبني والدي فرُميت في الجُب، فهذا الحال يا دكتور أي الموقف سيدنا يوسُف عندما كان طفلاً أخذ الصنم كما أشرنا هذا الموقف جميعه أي تبرئة النفس واتهام الغير، الإسقاط هم يقولون: إسقاط على الآخر ما سبب ذلك دكتورنا العزيز؟

السرقة مشكلة كبيرة والاتهام فيها مؤلم جداً:
الدكتور محمد الفاعوري:
السرقة تهمة ليست هينة
هو لا شكَّ أن السرقة بالذات تهمة ليست هينة، تهمة لصيقة بالإنسان، حتى لو مهما كَبُر عُرِف عنه هذا الشيء تبقى هذه النفس البشرية مُتعلقة به، فهم أرادوا أن يدفعوا هذه المَعرّة عن أنفسهم ليلحقوها بأي شخص، وهذه عادة سبحان الله! من يكون عنده أحياناً خديعة والنفس البشرية ونحن يجب أن نقف على شيء قبل هذا، نُشخص ما هي النفس أصلاً؟ هل حقيقةً النفس والجسد اليد التي تسرق أم الروح التي تُحيي الجسد؟ هذا العلماء اختلفوا فيه قديماً وقالوا: لعل النفس هي أن تركب الروح الجسد كما يقولون الإنسان وهو يمشي يمشي، فإذا ركب على الدابة سُمي فارساً، فإذا نزل في الماء سُمي سابحاً، النفس هي حقيقةً اجتماع الجسد مع الروح، فالقرآن يسلط الضوء على هذه النفس:

وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)
(سورة الشمس)

أي النفس البشرية دائماً مَحط النفس اللوامة، النفس المطمئنة، فيوجد ملحظ لا بدّ أن نلاحظه هنا؛ إخوة يوسُف أرادوا أن يُلصقوا هذه التهمة بغيرهم وهذا سهل جداً فيمن يقع في ورطة أن يُلحق الأمر بغيره حتى يدفع عن نفسه هذا الشيء، مثلما تجد في أقوال للمعري طبعاً المعري له كلام وتُكلِّم فيه، لمّا قال في أبيات الشعر كيف أن الإنسان في درجة متدنية ينتقد إنساناً في درجة عالية لمّا قال الأبيات التي تتعلق:
إذا وصَفَ الطائـــيَّ بالبخل مــــــــادِرٌ وعَيّــــــــــَرَ قُسَّا بالفهاهـــــة باقـــــــــــلُ وقــــــال السُّهى للشمس أنت خفيَّة وقال الدُّجـــــــــى للصبح لونُكَ حائل وطاولت الأرضُ السمـــــــاءَ سفاهة وفاخرتْ الشُهْبَ الحصى والجنادلُ فيــا موتُ زُرْ، إنَّ الحيـــــــاة ذميمة ويا نفسُ جِدِّي، إن دهرَك هــــازلُ
{ أبو العلاء المعري }
وكان المعري له مشكلة في موضوع السرقة بالذات لمّا قال:
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار تناقضٌ ما لنا إلا السكوت لـــه وأن نعوذ بمولانــــــا من النـــار
{ أبو العلاء المعري }
بعد ماذا تستعيذ؟!هذه مشكلة، فردّ عليه عبد الوهاب المالكي فقال له أبياتاً من أجمل ما يكون قال:
عِزّ الأمانة أغلاها وأرخصها ذُلّ الخيانة فافهم حكمة الباري
السرقة بالذات مشكلة كبيرة حقيقةً، والاتهام فيها مؤلم جداً، وهي أصلاً تُوازي النفس، لأن السرقة في الغالب تتحرك مع المال، اليوم يوجد سرقات أدبية وإلى آخره لكن في الغالب تتحرك مع المال، والمال قُدِّم على النفس في أكثر تسعة عشر موضعاً في القرآن، والله تعالى قرن النفس بالمال:

الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)
(سورة التوبة)

الاتهام في المال أمر فيه إشكال كبير جداً
فهذا كله دائم يتحرك، فالاتهام في المال أمر فيه إشكال كبير جداً، تُهمتهم المباشرة هي قضية تضييع الموضوع كما يقولون إنك تغير الموضوع بسرعة مثل الأزمات، الأزمات قالوا إذا أردت أن تَحُل أزمة فاشغلهم بأزمة، هذا واقع معروف في عالم التفكير في عالم التحايُّل هذا موجود بكثرة، فالحديث اليوم حتى وإن نكون في مشكلة لا قدَّر الله أُسرية حتى نَحُل المشكلة نأتي بموضوع خارجي، موضوع نقول: صار لفلان كذا، هذا كله مقصوده أن يكون هناك ملحظ دقيق في لماذا قالوا هذا الكلام؟ ولماذا حرصوا عليه؟ يوسُف عليه السلام دقيق في العبارات والكلمات، مع أنهم نودوا (أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ)، لاحظ المُوجه أيتها العير، والعير ليسوا هم، براءة اللسان من جهة النبي أنه لا يتهم أحداً، أيتها العير إنكم لسارقون، قالوا: وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون؟ لاحظوا الآن المشهد، الناس الذين تعودوا على الحيَّل سهل جداً، ماذا تفقدون؟ قالوا: نفقد صواع الملك، والصواع هنا يدل على أن هنالك شيئاً مهماً جداً، ولذلك تعرفون فيمن قرأ في كتب التفسير كيف كان كيد يوسُف أنه بدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه، كذلك كدنا ليوسُف، كل هذا حتى تُحبك المسألة، فلمَّا وصلوا عند بنيامين أراد أن يتوقف الذي يفتش، قال: هذا لا يمكن أن يكون قد سرق؟ قالوا له إخوته: لا، فتش له كما فتشت لنا حتى نثبت لك أننا لسنا سارقين، فسبحان الله كانت المكيدة قد حُبكت من أولها لآخرها، لأن الله تعالى يعطي الأمر على قدره كما تحدث الدكتور بلال، وصحيح أن هناك قاعدة المتهم أنه غالباً كالشيطان، ودَّ أن يجمع الناس معه على سُوئه وقُبحه، حتى يُضيع الأصل الأصيل الذي جاءت به هذه المسألة، فاتهام الغير أمر سهلٌ على ألسنة الناس، ولذلك جاء في الشريعة الإسلامية الدعاوى والبينات ما لم يقيموا عليها بيناتٍ أصحابها، دعوة الشريعة الإسلامية عادلة.

الدكتور مراد:
جميل دكتور أشرت إلى موضوع السرقات الأدبية وغيرها هذا كله يعتبر سرقة؟ يعتبر هذا سرقة في ظل ما نعيشه الآن نريد دائماً أن ننبه الإخوة أن السرقات الأدبية وسرقات الرسائل وغيرها هذا يدخل في باب السرقة.

الدكتور محمد الفاعوري:
نفس الشيء صحيح .

الدكتور مراد:
دكتور بلال هل لك إضافة في هذا الملحظ؟

اتهام الآخرين من أساليب تناقض الإنسان مع نفسه ومع فطرته:
الدكتور بلال نور الدين:
الفطرة هي الإسلام والطاعة
جزاك الله خيراً أنا لي إضافة بسيطة؛ الإنسان عندما يعصي الله تعالى يُناقض فطرته التي فطره الله عليها لأنَّ الفطرة هي الإسلام والطاعة، تأتي المعصية فيُناقض فطرته، الآن يشعر بما يسمى بالعرف الحديث تأنيب الضمير، يشعر بالأسى، بالانزعاج من فعله، لأنه تناقض مع نفسه، ومع فطرته، فإذا أراد أن يتخلص من ذلك يفعل عدة أساليب، أحد الأساليب هو الإسقاط بأنه يتهم الآخرين مباشرةً حتى ينجو بنفسه.
من الأساليب التي يستخدمها بعض العُصاة أو بعض المجرمين أو بعض العصاة أنهم يُعممون الجريمة والمشكلة فيقول: كل الناس هكذا، تقول له: لماذا تعصي الله؟ يقول لك: كل الناس تعصي الله، أنت لا دخل لك بالناس، كل الناس.
من الأساليب أنه يتعلق بمفهومات ساذجة لأمور دينية، وبفتاوى غير صحيحة، فيقول لك مثلاً: صلّ على النبي، النبي صلى الله عليه وسلم سيشفع لنا جميعاً، ويدخلنا الجنة مثلاً، وشفاعة النبي حق لكن تعلقه بها بهذه الطريقة خطأ، الحل الوحيد لك إن ابتعدت عن منهج الله أن تتوب إلى الله، أما حلول الإسقاط وتعويم المشكلة والتعلُّق بالفتاوى الشاذة والآراء الضعيفة فهذه بضاعة الضعفاء فانصرف عنها، واعترف لنفسك بالخطأ، وعد إلى ربك.

الدكتور مراد:
والدليل الإسقاط دائماً لا يخرج إلا من ضعيف، هو ضعف منه فيسقط، ليس لديه حجة، هو ضعيف فمباشرة يسقط على الآخر حتى يُخرج الضعف الداخلي في نفسه.
دكتور بلال إخوة يوسُف عليه السلام ليسوا على شر تام، لهم مواقف إيجابية ومواقف سلبية، موقفهم السلبي بنفس الوقت أي تكلموا عن السرقة ومباشرةً طلبوا الرحمة والعفو عن أخيهم رحمةً بأبيهم، وكذلك للوعد الذي أخذوه على والدهم، ماذا تقول في هذا الموضوع؟

لكل إنسان فطرة فطره الله عليها:
الدكتور بلال نور الدين:
التربية عمليةٌ تراكمية وتكاملية
سيدي الإنسان له فطرة فَطره الله عليها، والإنسان مهما أكثر من المعاصي والآثام مادام له مرجعية دينية، أو مرجعية أخلاقية، فإن مكامن الفطرة تستيقظ في داخله، لذلك نقول لكل أب ولكل أم لا تيأسوا من التربية، التربية عمليةٌ تراكمية وتكاملية، تراكمية أي قد تأمره بالأمر عشر مرات ولا يستجيب فلا تيأس، في لحظة معينة تستيقظ كوامن الفطرة في داخله، فيعقوب عليه السلام نبي، وبنى فطرةً في أولاده، إذا كان الواحد منّا وهو أبٌ وليس نبياً تجده يُنفق من وقته في تربية أولاده، ويحرص عليهم، فكيف بأنبياء الله؟! لا شكَّ أنه سعى سعيه الكامل معهم لعله ينجو بهم لكن في المحصلة:

قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)
(سورة يوسُف)

وصلوا إلى يا أبانا استغفر لنا، مهما شرد الابن وابتعد ما دمت تُتابعه بعين الرعاية، وتستعين بالله على ذلك، فلابد من أن يستيقظ في داخله هذا الشعور، فهؤلاء عندهم فطرة سليمة هذا من زاوية.
من زاوية ثانية دائماً إذا نظرت إلى شخص انظر إلى الإيجابيات والسلبيات معاً، لا تنظر إلى السلبيات فقط، هكذا تُعلمنا هذه الآية لمّا قالوا: خذ أحدنا مكانه، الآن سيُضحون، قبل قليل قالوا: إن يسرق فقد سرق له أخ من قبل، وهم لا يُحبونه كثيراً، وفي لحظة معينة انقلبوا إلى أن يضحوا من أجل ألا يُدخلوا الحزن على قلب أبيهم، وألا يُخلّوا بميثاقهم الغليظ معه، أي استيقظ في داخلهم شيء نبيل وجيد، إذاً انظر إلى القرآن الكريم لمّا يتحدث، يتحدث بموضوعية مطلقة: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) لم يقل: أهل الكتاب، من للتبعيض، ولكن أكثرهم، ولم يقل: لكن كلهم، لذلك قالوا: التعميم من العمى، عندما يكون الإنسان أعمى يُعمِّم، يقول: الإنسان كله شر، لا يا أخي، إذا قلت إن هذا الإنسان كله شر إذاً فما الداعي إلى الدعوة إلى الله؟ وما الداعي للأنبياء؟ وما الداعي للآباء؟ وما الداعي للمُربين؟ لا يا أخي ليس كله شر، يوجد في داخله بذرة خير وعليك أن تبحث عنها وتُنميها.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث صحّحه كثير من أهل العِلم يقول:

{ ما مِنَ القلوبِ قَلبٌ إلا ولَه سحَابةٌ كسحابةِ القَمرِ، بينما القمرُ يُضيءُ إذ عَلَتهُ سحابةٌ فأظلمَ إذ تجلَّتْ عنه فأضاء. }

(الألباني في السلسلة الصحيحة)

أي القلوب أحياناً تأتي عليها سحابة من ظُلمات المعصية فيُظلم القلب، ويرتكب بعض المعاصي أو الحماقات، لكن هذه السحابة تزول مثل السحابة على القمر فترجع إليه بذرة الخير، وبذرة المعروف التي في داخل كل إنسان، قال تعالى:

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)
(سورة الروم)

{ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ، كَمَثَلِ البَهِيمَةِ تُنْتَجُ البَهِيمَةَ هلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاءَ. }

(صحيح البخاري)

لكنه مولود على الفطرة السليمة التي فطره الله عليها.
حدثني أخٌ في الختام والعُهدة على الراوي زار فندقاً في بلاد الغرب فمن لطيف ما كتبوا على السرير وترجمها للعربية وضعوا لوحة نحاسية صغيرة قالوا: "إن لم تنم ليلاً فهذا ليس من فُرشنا إنها وثيرة لكنها من ذنوبك إنها كثيرة" فدائماً الفطرة تستيقظ، وسبحان الله الذي أيقظها.

الدكتور مراد:
وكذلك تقوى الآباء أستاذ تنفع الأبناء قال:

وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)
(سورة الكهف)

الجد السابع يقول العلماء كان تقياً فوصلت التقوى إلى الابن السابع، هذه التقوى.
هذه رسالتنا أيضاً لأبنائنا، للآباء، نحن الآباء نحو الأبناء في ظل ما نعيشه من فتن كثيرة دائماً نذكرهم أن هنالك مناعة داخلية ومناعة خارجية، المناعة الخارجية هي التربية المطلوبة، أما المناعة الداخلية فهي أن تطعم نفسك وأبناءك مالاً حلالاً وهي التقوى حتى إذا رفعت يديك إلى السماء وقلت: يا الله، الله يستجيب لك، دكتورنا هل من إضافة؟

وقوف الإنسان عند مرحلة معينة لا يستطيع أن يتمادى بعدها أبداً:
الدكتور محمد الفاعوري:
هي إضافة بسيطة ما شاء الله الدكتور أفاض جيداً في هذا الموضوع، لكن ربما ملحظ هام جداً حتى الإخوة لم يكونوا على درجةٍ واحدة في الرجوع:

ارْجِعُوا إِلَىٰ أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ(81)
(سورة يوسُف)

صار هناك قضية أن هنالك أناساً كيف سيُري نفسه لوالده بعد هذه المحطات المُتتابعة، أي أول مرة احترنا قلنا: أكله الذئب، ثاني مرة كذا، وما كنّا للغيب حافظين، لكن في مرحلة يظهر فيها أن الإنسان لا يستطيع أن يتمادى بعد ذلك.

الدكتور مراد:
قال: لن أبرح، ما استطاع أن يتحرك فانتهى المشهد.
سيدي بأي وجه بدايةً سيذهب أبناء يعقوب ليعقوب هذه المرة كما أشرت للمرة الثانية يعودون، أي المرة الأولى فيها حيلة والآن قال:

قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(83)
(سورة يوسُف)

سيدنا يعقوب عليه السلام، في نفس الآية نرى أن دلالات اليقين مُتجذرة أيضاً في يعقوب النبي عليه السلام:

قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(83)
(سورة يوسُف)

الآن يقين كامل وكأنه يعلم بكيد أبنائه وأن الفرج ولقاءه بسيدنا يوسُف قد اقترب، المُفارقات والمُوازنات الآن بين شخص سيدنا يعقوب كيف تقرؤها؟

المُفارقات والمُوازنات بشخص سيدنا يعقوب:
الدكتور محمد الفاعوري:
لا شكَّ أن الظن هنا عند يعقوب الآن الأدلة أصبحت تترجح له؛ أولاً هذا الصغير يعرف كيف رباه، وكيف أنشأه، وفي سن لا يمكن أن يكون قد تطلع إلى الصواع وغيره، فلما قالوا: إن ابنك قد سرق، هذا كلام مرفوض عنده جملةً وتفصيلاً، ثم لكم سابقة هذا القياس الآن سابقة أنكم قد أخذتم يوسُف من قبل، وفعلتم ما فعلتم، والأب سبحان الله له دِراية في أبنائه نحن الآن عندنا شيء يسمونه: الحاسة السادسة عند الأمهات وعند الآباء، يقول لك: محمد مريض، تكلموا معه، واطمئنوا عليه، لأن هذا الشعور الله تعالى أوجده في الأبوين، ليس في البشر بل حتى في الدواب، أي لمّا عبد العزيز الديريني يقول أبيات كيف تكون عاطفة الأب تجاه الأولاد يقول في المفهوم الدقيق في العاطفة يفوق في البشر وغير البشر ما لا يكون في غيره من الناس تجاه الأبوة والبنوة والعكس كذلك، يقول:
أحب بنيتــــــــــــي وودت أنـي دفنت بنيتي في قـــــاع لـــحـد وما بي أن تهون علي لكن مخافة أن تذوق الذل بعـــدي فإن زوجتها رجلاً فقيــــــــــــراً أراها عنده و الهـــــــم عنــــدي وإن زوجتها رجلاً غنيـــــــــــــاً سيلطم خدها و يسب جـــدي سألــــــــــــت الله يأخذها قريبا وإن كانت أحب الناس عندي
{ عبد العزيز الديريني }
الأب له دراية حتى وإن كان غير موجود
هذه العاطفة التي عند الأب هي التي جعلت الإخوة يعودون، وهم يعلمون أن الأب يعرف، وعنده مشاعر، ومطّلع على أحوالهم، وله دراية بأبنائه، نحن الآن لمّا تصير مشكلة بين الأبناء في الغالب نُرجح من المعتدي ومن المظلوم، لأن الأب له دراية حتى وهو غير موجود يعرف، ونحن نقول لأبنائنا: نحن نشعر بكم، ونعرف ماذا تفعلون، حتى لمّا يخرج إلى نزهة أنت تكون مطمئناً أو غير مطمئن، هذا جعله الله تعالى في الإنسان في هذا الأمر، فلما قال:

قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(83)
(سورة يوسُف)

هذا المنهج العام عند الأنبياء، الصبر على أفعالهم والصبر على الأقدار، هو عنده الآن الصبر، وهو يعلم أن هذا الأمر إن شاء الله سيزول بعد قليل، لأن سبحان الله بعد قليل هم سيستغفرون:

قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)
(سورة يوسُف)

فستنقلب هذه الإشكاليات الكبيرة التي عاشوا عليها زمناً، لكن الآن العبارة اختلفت، العبارة الآن ما أصبح فيها أمر مُغيَّب، أصبح فيها سنقول معالم بدأت تتضح شيئاً فشيئاً، خطاب إخوة يوسُف لمّا جاؤوا أول مرة، وأكرمهم، وأنزلهم نُزلاً عظيماً، غير الخطاب الثاني لمّا قال:

قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(83)
(سورة يوسُف)

مع يعقوب، وغير خطاب يوسُف :

قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يوسُف فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)
(سورة يوسُف)

المسألة الآن بدأت تختلف حتى في التعبير، أنا أكثرت من الشعر لكن يوجد كلام للشافعي رحمه الله تعالى يتكلم عن قضية الموازنات في حسب التصوّر للأشخاص الذين تُعاملهم، أي لا يجب أن تكون أنت مَطيّة لكل إنسان ولا مُتعال على كل إنسان حيث قال:
زِن مِن وَزَنكَ بِما وَزَنكَ وَما وَزَنكَ بِهِ فَزِنــــــــهُ مَن جا إِلَيكَ فَرُح إِلَيـــــهِ وَمَن جَفاكَ فَصُدَّ عَنهُ مَن ظَنَّ أَنّــــــــكَ دونَـــــــهُ فَاِترُك هَواهُ إِذَن وَهِنهُ وَاِرجِـــــــع إِلى رَبِّ العِبادِ فَكُلُّ مــــــــا يَأتيكَ مِنهُ
{ محمد بن إدريس الشافعي }
فالنفسية الآن التي يتكلم فيها يعقوب غير النفسية الأولى، بدأت الآن تتضح المعالم، وبدأ الأمر يتضح له شيئاً فشيئاً، العجيب لمّا قال:

وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يوسُف وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)
(سورة يوسُف)

يوسُف هو قاعدة المصائب بالنسبة ليعقوب
طبعا (أَسَفَىٰ) باللغة هي أسفي بالياء لكنها تُقلب لأجل النداء، قال: على يوسُف، والآن يوسُف ليس هو محل الحديث أصالةً، الحديث الآن عن الصغير الذي قالوا: إن ابنك قد سرق وإلى آخره لماذا على يوسُف؟ لأن يوسُف هو قاعدة المصائب بالنسبة ليعقوب، أي كل ما حصل له في المستقبل يعود إلى مشكلة يوسُف أصلاً ، فقد البصر أو ضعف البصر، الحزن الشديد حتى في بعض روايات بني إسرائيل أربعين يوماً وهو يبكي عليه أو غير ذلك، كل هذا الآن سيهون مثل ابن عباس رضي الله عنه لمّا كان يبكي الناس أمواتهم فيقول: " كل مصاب بعد رسول الله يهون"، أي هذا المصاب الأكبر إذا فقدوا فلاناً فلا يضرهم من فقدوا من بعده، فلذلك قال: (يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يوسُف)، ويقولون: مُناداة غير العاقل عجبٌ لأن الأسف هو شيء عرضي وليس شيء له عقل، فمناداة غير العاقل يدل على أن هنالك خطاباً بين المُتكلم يقول للحزن: تعال، الآن آن أوانك، الآن جاء دورك يا حزن، أي إذا كان الحزن السابق كله كان حاضراً في نفس يعقوب وفقد فيه ما فقد فالآن الحزن سيتضاعف، لأنه فقد يوسُف، ثم فقد هذا الصغير، وهاهو يرى أن أبناءه يحتالون عليه فكل هذا زاد المُصاب على مُصاب، والألم على ألم، فهذه الآيات التي جاءت على لسان يعقوب:

قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(83)
(سورة يوسُف)

وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ (18)
(سورة يوسُف)

الرد إلى الله أولاً و آخراً ما ذكره الدكتور أن هنالك أقداراً تجري على عين الله مهما بذلنا فيها من الأسباب، مهما كان عندنا فيها من الحكمة، مهما كان عندنا فيها من التدبير.

أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (79)
(سورة الزخرف)

فالله سبحانه وتعالى هو الذي يُدبر الأمر أولاً وأخيراً .

الدكتور مراد:

قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86)
(سورة يوسُف)

الشكوى إلى الله عز وجل دائماً وأبداً، التوجه إلى الله عز وجل في كل صغيرةٍ وكبيرة، والله عز وجل قادر.

الدكتور محمد الفاعوري:
هذا بعد التولي، أي بعد أن اختلى بنفسه هو لا يريد أن يُظهر الضعف أمامهم لمّا تولى جاءت الآن قضية الخلوة مع الله، لأنَّ الحديث الذي بينك وبين الله في القيام وفي الصيام وفي السجود وفي الخلوات يفوق التصنع أمام الناس.

الدكتور مراد:
جميل فيه من الذل والانكسار بين يدي الله عز وجل.
دكتور هل من إضافة في هذا المشهد؟

لكلّ نبي خلوة مع الله عز وجل:
الدكتور بلال نور الدين:
هذا الكلام اللطيف الذي تفضل به الدكتور أنه لمّا خلا وتولى عنهم، ويشبهه بعد قليل لمّا قالوا: استغفر لنا، قال: سأستغفر لكم ربي، وكأنه عنده وقت مع الله، الأنبياء لهم أوقات مع الله ما قال: فوراً يا ربي اغفر لهم، قال: سأستغفر لكم، أنا عندي وقت مع الله وهناك أخلو به، فيخلو به في مضراته، وفي مسراته، وفي دعائه لأولاده.

الدكتور مراد:
سوف أستغفر لكم ربي.

الدكتور بلال نور الدين:
سوف للبعيد ليس الآن، أعطوني وقتاً، أنا عندي وقت مع الله هذا وقت الخلوة.

الدكتور مراد:
نعم بعض العلماء أشاروا أن ساعة الاستجابة يوم الجمعة، أكثر لهم الاستغفار في وقت الاستجابة يوم الجمعة، هذا بين العصر إلى المغرب في يوم الجمعة.
دكتورنا بنفس المنحى سيدنا يعقوب يتولى عنهم، يخلو بنفسه كما أشرنا، الآن قلبه يعتصر بألم الفراق، عينه تنزل، الحنين إلى يوسُف ، الآن سيدنا يعقوب يتقلب بين مشاعر الأب والنبي يعقوب عليه السلام ماذا تقول في هذا دكتور؟

الأنبياء قدوة البشر وابتلاؤهم ليس كالبشر:
الدكتور بلال نور الدين:
بارك الله بكم؛ لا شكَّ أن أشدّ الناس بلاء هم الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، ويبتلى الرجل على قدر دينه:

{ أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ ، ثم الأمثلُ فالأمثلُ ، يُبتلى الرجلُ على حسَبِ دينِه ، فإنَّ كان في دينِه صُلْبًا ، اشْتدَّ بلاؤه ، وإن كان في دينِه رقةٌ ابْتُليَ على قدْرِ دينِه ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتى يتركَه يمشي على الأرضِ وما عليه خطيئةٌ }

(الألباني صحيح الجامع)

فيعقوب نبي وابتلاؤه كان عظيماً، ربما ليس كابتلاءات باقي البشر، لكن الله عز وجل يبتلي أنبياءه ليستخلصهم لنفسه، لكن هذا لا يُخرجه عن بشريته بحال، والنبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم يقول:

{ يا أُمَّ سُلَيْمٍ ! أَمَا تَعْلَمِينَ إني اشتَرَطْتُ على ربي فقلتُ: إنما أنا بَشَرٌ أَرْضَى كما يَرْضَى البَشَرُ ، وأَغْضَبُ كما يَغْضَب البَشَرُ ، فأَيُّما أحدٍ دَعَوْتُ عليه من أُمَّتِي بدعوةٍ ليس لها بأهلٍ أن تَجْعَلَها له طَهورًا ، وزكاةً وقُرْبَةً تُقَرِّبُه بها منكَ يومَ القيامةِ. }

(أخرجه مسلم)

والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه مرات ومرات:

قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)
(سورة الكهف)

النبي بشر وتجري عليه خصائص البشر
فالفرق هو الوحي من الله عز وجل، لكن البشرية تبقى موجودةً لماذا؟ لأنَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو غيره من الأنبياء لو لم يكن بشراً تجري عليه كل خصائص البشر ثم انتصر على بشريته لما كان سيد البشر، كيف أصبح الأنبياء سادة البشر؟ بانتصارهم على بشريتهم، فيهم نوازع الأبوة، وفيهم نوازع الخير، وفيهم نوازع الشر، لكنهم انتصروا على بشريتهم، وأخلصوا لربهم، أما لو كان الأنبياء كالملائكة (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، فكيف نقتدي بهم؟ يقول قائل اليوم: أنا لست نبياً، يا أخي نقول له ومن قال لك إنك نبي؟ لكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ يا أيُّها الناسُ إنَّ اللهَ طيِّبٌ ولا يقبلُ إلا طيبًا إنَّ اللهَ أَمَرَ المؤمنين بما أَمَرَ به المُرسلينَ. }

(أخرجه مسلم)

لأنَّ النبي بشر، وأنت بشر، صحيحٌ أن المرتبة مختلفة لكن في محصلة الأمر أنت مأمورٌ بالأوامر الشرعية، لأنك قادرٌ عليها، لأن نبيك الذي جاء إليك صلى الله عليه وسلم استطاع أن يتحمل هذا الأمر، وانتصر على بشريته فكان سيد البشر، محمدٌ صلى الله عليه وسلم، سيدنا محمد ذاق الفقر هل عندكم من شيء؟ لا، إني صائم، ثم أذاقه الله الغنى، لمن هذا الوادي؟ قال: إنه لك! قال: أسلموا مع محمد فإنه يُعطي عطاء من لا يخشى الفاقة.

{ ما سُئِلَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ علَى الإسْلَامِ شيئًا إلَّا أَعْطَاهُ، قالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فأعْطَاهُ غَنَمًا بيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إلى قَوْمِهِ، فَقالَ: يا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فإنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لا يَخْشَى الفَاقَةَ. }

(صحيح مسلم)

ذاق الضعف حتى ضربوه بالحجارة وأدموا قدمه الشريفة قال:
اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون عسى الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله.
أصبح قوياً إلى مرتبة أن السيوف تنتظر كلمة منه لتهوي على رقاب من أساؤوا إليه وناصبوه العَداء لسنوات وسنوات:

{ معشر قريشٍ ، ما ترون أني فاعلٌ بكم ؟ قالوا : خيرًا ، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ ! قال : فإني أقولُ لكم ما قال يوسُف لإخوتِه: لا تثريبَ عليكم اليوم ، اذهبوا فأنتم الطلقاءُ . }

(السلسلة الضعيفة للألباني)

ذاق فقد الولد، ذاق أن تكلم الناس في عِرض زوجته الطاهرة المُطهّرة، أراد الله تعالى أن يذوق الأنبياء كل أنواع الابتلاء ليتحقق فيهم القدوة.
فيعقوب عليه السلام نبي، نعم هو نبي لكنه كان بشراً في المُحصلة، خاف على ابنه وحزن من أجل ابنه، حتى اليوم إذا أُصيب إنسان بابنه، أو أُصيب بماله، أو أُصيب ببعض عرضه، أو بشيء، يكون له في أنبياء الله قدوةٌ ومرجع يتأسى بهم.

لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)
(سورة الأحزاب)


الدكتور مراد:
جميل إشارات لطيفة جداً دكتور أكيد ستُضيف ؟

الأنبياء قدوات يتحاكى الناس بأحوالهم:
الدكتور محمد الفاعوري:
الإضافة هي على التحسُّر، ذكر التحسُّر والعجيب أن يعقوب عليه السلام قال: (يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يوسُف)، وهذا تحسُّر بشرية، بشرية مُجردة بكل معاني البشرية ليبقى هنالك أمر لا بُدَّ أن يضفي عليه حال البشرية حتى في حياة الأنبياء، لم يقل: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، مع أن الكلمة التي عُلّمت أمة محمد أن تقولها عند المصائب، وأن تكون هي أول ما يتداركه اللسان لتصحيح ما يصيب الإنسان من المصائب، وغير ذلك، يقولون: لأن إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون مما خُصَّت به أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وهي من أعظم الكلمات التي تعُيدك من حيث بدأت، أي كيف تبكي على شيء وأنت في طريقٍ وزوالٍ إليه؟!
نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة فكيف أبكي على شيء إذا ذهبا
{ الشافعي }
إنا لله وإنا إليه راجعون من أجمل الكلمات
أنت في الطريق أصلاً أنت على ماذا تبكي؟ أنت خلفه مباشرةً، فإنا لله وإنا إليه راجعون من أجمل الكلمات، وكلمة راجعون هنا الجمال، أنه من حيث بدأت سترجع، لست أنت في منتصف طريق، ولا في ضياع، ولا هباء في صحراء، أنت من حيث بدأت سترجع، ولذلك هذه الأم الحانية التي هي القبر تكون لها أثر جميل.
أذكر مرة في دفن كان على وقت المغرب، وكان أبناء المتوفاة في وجوههم حزن شديد، تعرف القبر وحشة، ومنطقة مُظلمة، ومُخيفة، وبعد قليلٍ الليل، وهذا وحشة أكثر عما يكون للإنسان من تصورات، فأنا قلت: سبحان الله لعل هذا يتناسب أن أطرح مسألة تكون هامة، قلت: انظروا إلى القبر بوابته تشبه بوابة البيت حجماً تقريباً قياساً، هذه البوابة ليست إلى التراب، هذه البوابة إلى الله،، من منكم يتمنى أن يسير إلى الله؟ فهؤلاء الشباب الذين أمهم الآن تُدفن اختلفت المسألة حقيقةً، هذه البوابة إلى الله، فإذا كانت البوابة إلى الله هي معنى بل الرفيق الأعلى، بل الرفيق الأعلى، فالبشرية التي تثبت للأنبياء في التحسر، في الألم، حتى يكونوا قدوات يتحاكى الناس بأحوالهم، ومثلما ذكر الدكتور مشكوراً أن هم قدوات يتأسى الناس بأفعالهم، بأحزانهم، بآلامهم، نبيٌ طلَّق، نبيٌ فعل، ومن الأحكام الشرعية العامة أكل وشرب:

مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ (75)
(سورة المائدة)

كل البشرية ستثبت، وسيبقى هنالك التوجيه الشرعي الذي مُستمر في مسيرة الأنبياء جميعاً.

الدكتور مراد:
دكتور إذ آوى إليه أخاه، الإيواء هنا ضمه، وهذا اللقاء الجميل جداً بين الأخ وأخيه اليوم نريد دعوة دكتور للإخوة الذين بنفس البناء، إخوة ولا يلتقون إلا يمكن يوم الوفاة حتى يعزوهم الناس، هذه رسالة مهمة جداً للإخوة، انظر الضم الإيواء كيف ضمه، كيف حضنه، ماذا تقول دكتور؟

الحرص على الأخ لأنه هو السند:
الدكتور بلال نور الدين:
صدقت يا سيدي، أخوة النسب وأخوة الإيمان، فأخوك النسبي تجمعك معه أُخوة النسب، أُخوة الدم وأُخوة الإيمان، والله لا يعرف أهمية الأخ حتى قالوا: إنك تقول آخ من ألمك فيأتي أخوك، ولما ربنا عز وجل قال في القرآن الكريم قال:

يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34)
(سورة عبس)

بدأ بالأخ لأنَّ الإنسان في الدنيا إذا أراد أن يحتمي احتمى بأخيه، الأب موضع الاحترام، والابن موضع الحنان والعاطفة، ويبقى الأخ، فلذلك لا تستهينوا بإخوتكم، احرصوا عليهم في حياتكم، ضُموهم، تعاونوا معهم، ابنوا معهم خيراً ومعروفاً.

خاتمة وتوديع:
الدكتور مراد:
الأخ هو السند.
دكتورنا العزيز دكتور محمد الفاعوري جزاك الله عنا كل خير، بارك الله بك، وأخي الدكتور بلال نور الدين جزاك الله خيراً، سعدنا بكم، وصلنا إلى فقرتنا الأخيرة علّمني سيدنا يوسُف .
فقرتنا علّمني سيدنا يوسُف أن المُحب لا ينسى، وأن الجوى لا ينتهي، والموصول بالله تعالى لا ييأس ولا ينقطع رجاؤه، نلقاكم بإذن الله في الأسبوع القادم في برنامجكم رحلة الصديق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته