ومن الناس - اللقاء الأول: نموذج المنافقين ونموذج المشركين
ومن الناس - اللقاء الأول: نموذج المنافقين ونموذج المشركين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأُصلّي وأسلّم على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، اللّهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علّمتنا وزدنا عِلماً وعملاً مُتقبّلاً يا رب العالمين، اللّهم أخرجنا من ظُلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعِلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القُربات. |
معاني قوله تعالى: فِيهِ ذِكْرُكُمْ:
وبعد أيها الإخوة الكرام يقول تعالى: |
لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(10)[سورة الأنبياء]
الذكر في القرآن الكريم يعني عُلوّ الشأن
|
تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)[سورة المسد]
لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(10)[سورة الأنبياء]
أي فيه عُلوُّ شأنكم وعُلوُّ مقامكم، قال تعالى مُخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: |
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)[سورة الشرح]
المعنى الثاني فيه ذكركم أي يَذكركم القرآن في ثناياه فاقرؤوه، ستجد ذكرك في القرآن الكريم، لكن القرآن الكريم لا يذكر الأشخاص بأعينهم، القرآن ذكر رجلاً واحداً بعينه صحابي سيدنا زيد بن ثابت وذلك لمُهمة وهي حتى يُبطل عادة التبني: |
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا (37)[ سورة الأحزاب]
القرآن لم يذكر أسماء لكن يذكر نماذج
|
أحد السلف الصالح كان يقرأ القرآن الكريم فمرَّ بقوله تعالى: |
لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(10)[سورة الأنبياء]
فقال: عليَّ بالمصحف لألتمس ذكري، أريد أن أبحث في المصحف عن ذكري فمرَّ بقومٍ: |
كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ( 18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)[ سورة الذاريات]
ومرّ بقومٍ: |
تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16)[سورة السجدة]
ومرَّ بقوم، ومرَّ بقوم، فقال: اللهم لست أعرف نفسي هاهنا، أي لست من هؤلاء المُقربين الذين يقومون الليل، لست منهم، ثم مرَّ بقومٍ: |
إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)[سورة الصافات]
ومرَّ بقومٍ: |
وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)[سورة البقرة]
ومرَّ بقومٍ: |
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33)[سورة الحاقة]
فقال: يا رب إني أبرأ إليك من هؤلاء أنا لست من هؤلاء، أنا أحبك وأعبُدك وأُطيعك لست ممن يستنكف عن عبادتك، ثم مرَّ بقومٍ: |
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (102)[ سورة التوبة]
قال: أنا يا ربي من هؤلاء، أنا مُعترفٌ بذنبي أخلط بين الصالح والطالح، وأسأل الله أن يعفو عني، وأن يُثقِّل موازيني، ففهم لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم على هذا النحو. |
النماذج التي يعرضها القرآن والتي تبدأ بقوله الله تعالى ومن الناس:
1 ـ نموذج المنافقين:
القرآن الكريم فيه نماذج؛ من النماذج التي يعرضها القرآن الكريم آيات هي عبارة عن عشر آيات في كتاب الله تبدأ بقوله الله تعالى ومن الناس؛ أربعٌ منها في سورة البقرة، وثلاث في سورة الحج، وآيتان في لقمان، وواحدة في فاطر، أي آيات معدودة في كتاب لله تبدأ بقوله تعالى: ومن الناس، تعرض نماذج بشرية، فدعونا نتعرف على بعض هذه الآيات في هذا اللقاء الطيب وننظر في صفات هؤلاء. |
النموذج الأول سنأخذ ما ورد في سورة البقرة أربع آيات؛ الأولى: |
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)[سورة البقرة]
هذا نموذج بشري؛ نموذج المنافقين هذا يُعلن بلسانه شيئاً ويُخفي في قلبه شيئاً آخر نبرأ إلى الله من هؤلاء. |
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)[سورة البقرة]
وهذا يُؤكد أن الإيمان ليس كلمات ينطقها الإنسان وإنما الإيمان ما وقرَ في القلب وصدَّقه العمل، قال: وما هم بمؤمنين، فليست العبرة فيما أسمع من كلماتٍ منك ولكن العبرة فيما يستقر في قلبك ويُصدِّقه عملك، قال الشاعر: |
إنَّ الكلامَ لَفي الفؤادِ وإنما جُعِلَ اللسان على الفؤادِ دليلاً{ الأخطل }
الكلام في الفؤاد، والدليل أحياناً تجد موقفاً رائعاً في الأخلاق الحسنة تقول: الكلمات تعجز عن التعبير عنه، وأحياناً يُفاجئك بعض الطُغاة بمواقف لئيمة تقول: ما وجدت كلماتٍ تُسعفني لأُعبِّر عن حقارة هؤلاء، وسفالتهم، ونذالتهم، فالكلمات أحياناً لا تُسعف يكون الموقف أكبر، وتكون اللغة عاجزةً عن تصوير المشهد، فالكلام في الأصل في الفؤاد واللسان دليل على الفؤاد. |
المُنافق نفسه هينةٌ عليه
|
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)[سورة البقرة]
ثم قال: ومن الناس من يقول، بدأ بالمنافقين في ثلاث عشرة آية لأنَّ خطر المُنافق أشدُّ من خطر الكافر بكثير لذلك: |
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145)[ سورة النساء]
المؤمن مُتصالحٌ مع نفسه، مُتصالحٌ مع ربه، مُتصالحٌ مع إخوانه، حياته مُتصالحة مع ذاته تُفضي به إلى سعادة أبدية، والكافر أعرض عن المنهج بشكل كُلّي ترك أهل الدين، وترك أهل التديّن، واتجه إلى الباطل، انتهى أمره، أما من الذي يُسيء لدينك؟ المُنافق الذي يدَّعي شيئاً ويُبطن شيئاً آخر، يُظهر شيئاً ويُبطن شيئاً آخر. |
أنواع النفاق:
النفاق أحبابنا الكرام نوعان؛ نفاق اعتقادي يُخرج من الملَّة نسميه: النفاق الأكبر، ونِفاق عملي لا يُخرج من الملّة نسميه: النفاق الأصغر، وعلينا أن نحذر النوعين لكن النوع الأول الحمد لله نحن لسنا منه، هؤلاء في الدرك الأسفل من النار، هؤلاء قال: |
{ إنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الوَجْهَيْنِ، الذي يَأْتي هَؤُلَاءِ بوَجْهٍ، وهَؤُلَاءِ بوَجْهٍ }
[صحيح البخاري]
يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه هذا النوع لسنا منهم الحمد لله، فالنفاق الاعتقادي أن يُبطن الإنسان الكفر وأن يُظهر الإيمان. |
المُنافق لا يظهر في ضعف الإسلام
|
{ آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ }
[صحيح البخاري]
هذا مُنافق لكن ليس نِفاقاً اعتقادياً بل نفاقاً عملياً، هذا يأتي بأفعال تُشبه أفعال المُنافقين فلا يسمى مُنافقاً نِفاقاً أكبر وإنما فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها. |
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)[سورة البقرة]
الحُكم لله في هذه المسألة، قال: |
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9([سورة البقرة]
طبعاً بزعمهم، الله لا يُخدع، لماذا لا يُخدع؟ لأن الخداع تخدعه عندما يكون غائباً عنه معلومة معينة، تخدع إنساناً عندما يكون عنده نقص معلومات: |
وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (7)[سورة طه]
فكيف تخدعه؟ ممكن للإنسان أن يخدع بعض الناس لكل الوقت، أي عنده أربعة أصدقاء استطاع أن يُوهمهم بأنه صالح وهو غير ذلك، وأمضى حياته كلها وقد خدعهم ومات وهم يظنون به الصلاح، ممكن. |
فقال: يمكن أن يخدع الإنسان بعض الناس لكل الوقت، ويمكن أن يخدع كل الناس لبعض الوقت، إذا اتسعت شريحة المخدوعين الوقت لا يطول لأنه لا بُدَّ من أن ينكشف، قال: لا يُمكن أن يخدع نفسه ولا ربه ثانيةً واحدة: |
بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14)[سورة القيامة]
الإنسان لا يخدع نفسه. |
وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ (15)[سورة القيامة]
يعرف بينه وبين نفسه أنه محقٌ أو مُبطل أما أن يخدع ربه فهذا مستحيل، فلما قال تعالى: |
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9([سورة البقرة]
أي بزعمهم، لذلك جاء الجواب: |
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)[سورة البقرة]
المرض هنا هو النفاق والشك والريب. |
ربنا عز وجل في الأصل لا يُودع مرضاً في قلب إنسان ثم يُحاسبه عليه، لكن الإنسان عندما يمرض يُحقق الله له اختياره فيزيده مرضاً، وعندما يهتدي يحقق له اختياره فيزيده هدى، قال تعالى: |
وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)[سورة محمد]
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)[سورة البقرة]
فالله تعالى يُحقق لك اختيارك، يقول لك: هنا طريق الحق وهنا الباطل، من يتجه للحق يزيده حقاً، ومن يتجه للباطل يزيده باطلاً، لأنه يُجسد له اختياره، ولهم عذابٌ أليم إلى آخر الآيات. |
هذا نموذج المنافقين نسأل الله السلامة. |
2 ـ نموذج المشركين:
في سورة البقرة أيضاً: |
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)[سورة البقرة]
هذا نموذج المشركين. |
الندّ هو المماثل أو الشريك والمُساوي
|
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ (106 )[سورة يوسف]
لا بُدَّ من تنقية الإيمان من الشرك الأصغر
|
وقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)[سورة نوح]
مَن هؤلاء؟ قال صلى الله عليه وسلم: هم رجالٌ صالحون، هذه أسماء رجال صالحين كانوا يعبدون الله ويدعون الناس إلى الخير، فلمّا ماتوا قال أقوامهم: نجعل لهم تماثيل تُذكرنا بهم، قال: فلما نُسخ العِلم عُبدت من دون الله، في الأصل كانت النية حسنة لكن ثم عُبدوا من دون الله لذلك يقطع الإسلام أسباب الشرك. |
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)[سورة البقرة]
لن أتحدث عن الشرك الأكبر سأتكلم عن الأصغر؛ الرجل الذي يعصي الله من أجل أن يُلبي طلبات زوجته فيسرق أو يرتشي فهو يتخذ زوجته نِدّاً من دون الله، الشريك الذي يَقبل أن يُتاجر بتجارة مُحرَّمة كي لا يغضب شريكه وينهي الشراكة بينه وبينه قد اتخذ شريكه نِدّاً من دون الله، الإنسان الذي يقول لك: أنا عملي ما كفاني فاضُطررت أن أعمل هذا العمل الحرام من أجل أولادي ومستقبل أولادي اتخذ أولاده أنداداً من دون الله، لأنه أطاعهم في معصية الله فلبى احتياجاتهم وعصى ربه، فاتخذهم نِدّاً من دون الله، فالشرك واسع جداً، الشرك الأصغر مفهومه واسع جداً، أي إنسان يُطيع مخلوقاً ويعصي خالقه إرضاءً لهذا المخلوق فقد أشرك بالله شركاً أصغر لا يُخرج من المِلّة لكنه أشرك بالله، فلذلك ينبغي أن ننتبه للشرك الأصغر، الأكبر الله عافانا منه ولله الحمد والمنّة، لكن ينبغي أن ننتبه ألا نَعصي الله تعالى لنُطيع مخلوقاً فقال: |
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)[سورة البقرة]
لا يُشرك الإنسان إلا لمصلحة
|
{ تَعِسَ عبدُ الدِّينارِ، والدِّرْهَمِ، والقَطِيفَةِ، والخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ. }
[صحيح البخاري]
الخميصة أي يعصي الله من أجل بطنه، شهوة البطن، والقطيفة يعصي الله من أجل لباسه، هو يعبُد لباسه، اليوم يعبد مكانته، يقول لك: أنا لا أريد أن تنزل مكانتي بين الناس، أي مستعد أن يأكل الربا حتى يُحافظ على مظهره، اللباس نفسه، والموبايل نفسه، والسيارة أفخم موديل، وكل شيء بأحسن طراز، عبد القطيفة هذا لا يَعبد الله يَعبد شهوته من دون الله. |
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)[سورة البقرة]
حُبُّ الله لا ينبغي أن يُساويه حُبٌّ في الأرض، حُبُّ الله فوق وكلّ حُبٍّ دونه، فلما يكون حُبُّ الله في داخلك أعظم من كل حُب فلا يمكن أن تعصي الله إرضاءً لأي جهةٍ في الأرض، أنا أُحبُ الله الآن هل أُحب زوجتي أم لا؟ أُحبها مادامت لا تؤدي محبتها إلى معصية الله، أُحب والديَّ حُباً شديداً بل الله أمرني بالإحسان إليهما وحبهما، لكن: |
وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (15([سورة لقمان]
حُبُهما لا يؤدي إلى معصية الله، أُحب شريكي لكن مادام في طاعة الله فإذا عصى الله نصحت له، فإن أبى وكانت معصيته تؤثر على العمل هجرته، لا أقبل أن أُرضي أحداً في معصية الله تعالى: |
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)[سورة البقرة]
أكبر ظلم هو ظلم النفس:
أحبابنا الكرام؛ هؤلاء الذين ظلموا، ظلموا مَن؟ ظلموا أنفسهم أولاً، أكبر ظلم ظلموا أنفسهم، لأنَّ أعظم ظلم هو الشِرك، قال تعالى لقمان لمّا كان يعظ ابنه قال: |
وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)[سورة لقمان]
فيظلم الإنسان نفسه حينما يحمِلُها على معصية الله، ويَظلم الإنسان نفسه حينما يجعلها تتخذ أنداداً من دون الله، تُطيعهم في معصية الله، هذا الظلم. |
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)[سورة البقرة]
العقل أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه
|
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)[سورة البقرة]
هؤلاء لم يعلموا الحقيقة إلا عندما رأوا العذاب بأمِّ أعينهم، وهذا أدنى مستويات المُخلوقين، الذي لا يؤمن إلا بعينيه، هذا أدنى مستوى من مستويات المعرفة، لأنه يشترك بها مع بقية المخلوقات، القطة إذا كانت تعبر الشارع وجاءت سيارة مسرعة تُحس بها فترجع، لكن الإنسان إذا وقف ينظر فيجد السيارة قادمة فلا يفكر بعبور الشارع أصلاً لأنه لا يلحق، يقول لك: لا، لا بدّ من الجسر أو الانتظار حتى تقف الإشارة فهذا مستوى أعلى بالمعرفة، أما أعلى مستوى معرفي فهو الخبر، ألا تكون ترى شيئاً بعينيك ولا تستدل عليه بعقلك، ولكنك تؤمن به لأنه جاءك من مصدر موثوق، فعندما يقول لك تعالى: هناك جنةٌ وهناك نار، إذاً هناك جنةٌ وهناك نار كما لو أني أراها بعيني، هذا أعظم أنواع الإيمان، والإيمان بالخبر هذا هو الغيب. |
الإيمان بالخبر أعظم أنواع الإيمان:
المحسوسات لا تحتاج إلى إيمان
|
اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)[سورة النساء]
بأننا سنقف بين يديه، وأنه سيسألنا عن أعمالنا، فأنا مؤمن بالجنة ومؤمن بالنار بالخبر، هذا أعظم أنواع الإيمان. |
أسباب إشراك الناس بالله:
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)[سورة البقرة]
كل القوة بيد الله
|
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165)[سورة البقرة]
يوم القيامة كل إنسان يتبرأ من شركائه:
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)[سورة البقرة]
اتُبعوا: الذين أُشرك بهم فاتُبعوا على ضلالهم، كرةً أي مرة ثانية أو عودةً، لكن لا يوجد كرة انتهى الأمر حتى الشيطان يوم القيامة يَتبرأ: |
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22)[سورة إبراهيم]
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)[سورة عبس]
يوم القيامة كل إنسان يتبرأ من شركائه، كل إنسان نفسي نفسي: |
إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ (167)[سورة البقرة]
ندم والعياذ بالله، تصبح أعمالهم ندماً الآن في الآخرة. |
هذا نموذج؛ النموذج الأول المنافقون والثاني نموذج المُشركين كلاهما ومن الناس ومازال في سورة البقرة نموذجان: |
وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ(204)[سورة البقرة]
نموذج: |
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207)[سورة البقرة]
نموذجٌ آخر ونتحدث عنهما في لقاءاتٍ أُخرى إن شاء الله. |