كيف نحافظ على روحانيات رمضان؟

  • الحلقة 14
  • 2021-04-28
  • مركز رحمة

كيف نحافظ على روحانيات رمضان؟


مقدمة:
المحاور:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الأخوة والأخوات الكرام، المستمعون والمشاهدون والمتابعون، حياكم الله في حلقةٍ جديدة من برنامج: "رمضان أجرٌ وإحسان"، البرنامج التي تقوم على رعايته مؤسسة رحمة حول العالم، في كل حلقةٍ نستضيف عالماً من العلماء، وإماماً من الأئمة، يشرفني ويسعدني أن نستضيف في هذه الحلقة فضيلة الشيخ الدكتور بلال نور الدين، من علماء دمشق، حياكم الله شيخ بلال كيف أنتم؟

الدكتور بلال نور الدين:
أكرمكم الله دكتور شادي، بارك الله بكم، ونفع بكم، وشكراً لهذا اللقاء الطيب في هذا الشهر المبارك.

المحاور:
حفظكم الله سيدنا ؛ وأسأل الله تبارك وتعالى أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يجعلنا من الذين يحققون التقوى في هذا الشهر الكريم.
سيدي؛ نحن في عصر السرعة، والتواصل الاجتماعي، وفي خضم هذه الأحداث يأتي رمضان، يشوب أوقات رمضان في بعض الأحيان بعض المواقف التي تشوش على الصائم من أن يستثمر في روحانيات هذا الشهر الكريم، قد تشغله بعض الشواغل في أوقاته وتضيع عليه فرصة الاستمتاع بروحانية هذا الشهر المبارك، كيف يستطيع الصائم أن يحافظ على روحانيات رمضان، وروحانيات الصيام؟

كيفية المحافظة على روحانيات رمضان:
الدكتور بلال نور الدين:
بارك الله بكم، وشكراً لهذا السؤال المهم جداً في هذا العصر، عصر العولمة.
الشواغل اليوم كثيرة والصوارف متعددة
اليوم الهاتف في يدك، والآيباد ربما، أو التاب على طاولتك، والشاشة مقابل وجهك، فالشواغل كثيرة، والصوارف متعددة، ونحن في شهر يعدُّ فرصةً استثنائية ربما لا تتكرر، نسأل الله تعالى أن يطيل الأعمار في حسن العمل، لكن هذه سنة الحياة، كم من أُناسٍ كانوا معنا في رمضان الماضي، لكننا اليوم نسأل الله لهم الرحمة، وقد أصبحوا تحت أطباق الثرى، فطبيعة الحياة اليوم تشغلنا، إلا أننا عندما نعلم أن هذه الفرصة استثنائية، وأن أي شيءٍ ننشغل به مهما يبدو في نظرنا مهماً فإنه لن يبلغ معشار أهمية هذا الشهر الكريم، كنا نقول دائماً للأخوة الكرام: ينبغي حتى في الأمور الأساسية من إدارة الأموال، وبعض الخلافات التجارية، أو الأسرية، ينبغي أن تغلقها وألا تفتحها إلا بعد العيد، من أجل أن تستثمر هذا الشهر، اليوم نقول: ما الذي يمنع في هذا الشهر الكريم أن تخصص فقط ساعة واحدة في اليوم لوسائل التواصل؟ لست ملزماً في كل لحظة أن تفتح هاتفك، أو جوالك، أو الكمبيوتر، أو الشاشة لتنظر هل جاءتك إشعارات جديدة، أو رسائل جديدة، هذا الشهر شهر صلة بالله، وقرب من الله، وهذه الوسائل أعلم ما فيها من منافع كثيرة ولا ننكر ذلك، بالنسبة للمؤمن التقي لها منافع لكن مهما بلغت منفعتها فإن رمضان أهمُّ منها.
النبي صلى الله عليه وسلم - أخي الحبيب - كان ينهى عن إضاعة الوقت، وينهى عن إضاعة المال، وسائل التواصل إن لم تستثمر بالشكل الصحيح، وبوقتٍ مناسب دون تفريط فإنها تُضيع الوقت، وتُضيع المال، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال، فقال:

{ عن أبي بزرة نضلة بن عبيد الأسلمي قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟ }

[ رواه مسلم ]

شهر رمضان هو شهر القرآن
فهذا العمر يجب أن يفنى في طاعة الله، في أهم ما يحقق به العبد قربه للمولى، فهذا الشهر الكريم المبارك شهر رمضان هو شهر القرآن، شهر الإحسان، شهر تفقد الأرحام، شهر حسن الجوار، شهر القيام، والصيام، كل دقائقه وثوانيه ينبغي أن تستثمر في طاعة الله ورضوان الله عز وجل، فإذا علمنا هذه الحقيقة المهمة فمؤداها المباشر أن نخفف، أو نلغي، نلغي أو نخفف، لا أقول دائماً نستطيع أن نلغي لكن أن نخفف قدر الإمكان من وسائل التواصل، ونقطع علاقتنا بالمخلوقين، ونجعلها مع الخالق، لا نقطعها من المخلوقين إحساناً وبراً معاذ الله، ينبغي أن نزيد الإحسان والبر، نقطعها بالمخلوقين من حيث الكلام الذي ربما يكون من المباحات، لكن لا يؤدي إلى شيء، ولا طائل من ورائه، سلام وكلام، وبعض الرسائل اليومية، يجب أن نُعد العُدة لهذا الشهر الكريم، والنبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح كان إذا دخل العشر شدّ المئزر، قال بعض أهل العلم: شد المئزر كناية عن الاجتهاد والجد، لماذا كان هناك في رمضان اعتكاف في العشر الأواخر؟ ما معنى الاعتكاف؟ خلوةٌ بالله تعالى، خلوةٌ بالحبيب، فلابد من أن نخفف من وسائل التواصل في رمضان، وأن نقلع، طبعاً نخفف أقصد بالمباحات، أما المحرمات فهذه مفروغ منها لأهل الإيمان، أي لا يعقل للصائم أن يقضي وقته خلف الشاشة على الأغاني الماجنة، أو المسلسلات الساقطة، هذه مفروغ منها، لكن أقصد بالمباحات، بالأشياء المباحة أيضاً هذه ينبغي أن نخفف منها حتى ينتهي هذا الشهر الكريم لله تعالى، فإذا انقضى شعرنا بسرورٍ لا يعدله، ولا نقايض عليه ملء الأرض ذهباً.

المحاور:
شيخنا الكريم؛ إذاً هو الترشيد الحكيم، كيف يستخدم الصائم وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه الأدوات التي تحيط بنا، والعبادة لا تقطع الإنسان عن الدنيا، لكن لابد أن يفرغ الإنسان من وقته، ما الأشياء التي تعين الصائم أن يستخدم هذا الترشيد؟ هل هو العلم؟ هل هو التذكير؟ هل هو يحتاج إلى صحبة؟ إلى بيئة تحتضنه؟ تساعده؟ تعينه على أن يحيي الروحانية في رمضان؟

الأشياء التي تعين الصائم على الإخلاص لله في شهر رمضان:
الدكتور بلال نور الدين:
صلاة الجماعة من الأمور المهمة في رمضان
نعم، جزاك الله خيراً، الحقيقة كل ما ذكرته مجتمعاً، وربما أشياء أخرى جميعها تعين الصائم على إخلاص هذا الشهر لله، والإعراض قدر الإمكان كما قلنا، أو ترشيد استخدام وسائل التواصل، من الأمور المهمة جداً في رمضان التي تعين على ذلك، صلاة الجماعة في المساجد مثلاً، هذه صلاة الجماعة - في البلاد التي فتحت بها المساجد، نسأل الله أن يزيل هذا الوباء - عندما يذهب الإنسان إلى المسجد يشعر بغير وعيٍ منه أنه الآن أصبح مع الله عز وجل، لأنهم كانوا يقولون إذا دخلوا المسجد: نويت الاعتكاف في هذا المسجد ما دمت فيه، أي يخلص النية لله في المسجد، هذا شيء.
من الأشياء المهمة أيضاً: طلب العلم الذي تفضلت به، لأن العالم أو طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً، فالعلم مهم جداً.
أيضاً مما يساعد هناك أخي دكتور شادي بعض التقنيات البسيطة، نحن أغلب أوقاتنا تذهب في أخذٍ ورد على أهم برنامجين ؛ الفيسبوك والواتس أب، لو نضع الإشعارات هذه التي تأتي خصوصاً بالمجموعات على الصامت، أحياناً تكون المجموعة على الواتس أب فيها مئتان أو ثلاثمئة شخص، فلو أننا وضعنا الإشعار خلال شهر رمضان على الصامت حتى لا نسمع كل لحظة إشعاراً، فالنفس من غير أن تشعر تريد أن تنظر ماذا أُرسل، نُبقي فقط المراسلات الشخصية، لأن المجموعات تأخذ وقتاً كبيراً في استعراض الرسائل، فهذا الإنسان أراد أن يرسل عن علم الفضاء، وهذا أراد أن يرسل طرفة، وهذا أراد أن يرسل شيئاً جرى معه في هذا اليوم، جميل ! ربما تكون الأشياء مباحة، لكن في رمضان تأكل الوقت من غير أن يشعر الإنسان، رمضان يحتاج إلى تفرغ للعبادة، تفرغ للقرآن الكريم، تفرغ للقيام، فلذلك يجب أن نلزم أنفسنا أنه مثلاً بعد الإفطار، أو قبل الإفطار عند العصر تقريباً أفتح الهاتف جاءتني بعض الرسائل المهمة أجيب عليها، أستعرض صفحتي على الفيسبوك بشكل سريع مثلاً، والإيميلات، انتهى الأمر، كل شيء يمكن تأجيله إلى ما بعد رمضان، أو إلى وقت آخر.

المحاور:
دكتور بلال ؛ في الآية الكريمة التي تصف المؤمنين:

الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23)
[ سورة المعارج ]

كيف نسقطها على واقعنا في هذا الزمان الذي ضاقت فيه الأوقات وازدحمت فيه أحداث الحياة؟

المؤمن دائم الصلة بالله عز وجل:
الدكتور بلال نور الدين:
الصلاة بمعناها الواسع هي دوام الصلة بالله
أخي الحبيب؛ قال بعض أهل العلم: ( هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ) بمعنى أن صلتهم بالله مستمرة، فقالوا: ما بين كل صلاتين صلاة، فالصلاة هنا الصلاة بمعناها الواسع وهو دوام الصلة بالله، فالإنسان عنده خمسة فروض في اليوم، ربما تأخذ منه مجتمعةً نصف ساعة، والباقي من الوقت مثلاً هو ثلاث وعشرون ساعة، ما هذه؟ هذه ينبغي أن يكون فيها دوام صلة بالله عز وجل، بمعنى حتى وأنت منشغل في الحياة، في العمل، مع الأهل، مع الأولاد، ينبغي ألا يغيب عنك ذكر الله تعالى، والصلة به، فأنت تعمل وتبتغي بعملك وجه الله، فأنت بذلك تداوم على صلتك بالله، وأنت تتابع شيئاً على هاتفك مما فيه منفعة، وأنت على صلةٍ بالله لأنك تبتغي بذلك وجه الله، وإذا جلست إلى الطعام مع أهلك وأولادك، ونويت التقوي على طاعة الله، وحمدت الله، وسميت الله تعالى قبل البدء، فأنت دائماً على صلتك بالله عز وجل، فدوام الصلة بالله عز وجل لا يعني التفرغ في محراب العبادة، وإنما يعني أن نكون في محراب الحياة كما نحن في محراب العبادة، نحن في محراب العبادة نتوجه إلى الله بشكل مباشر في الفروض الخمس وغيرها من النوافل، لكن في محراب الحياة هناك مالٌ من حرام ينبغي أن نكُف عنه، وهناك نظرةٌ من حرام ينبغي أن نغض البصر عنها، وهناك مكانةٌ ومنصبٌ لكنه يحتاج إلى رشوة، فنتركه لله تعالى، فنكون بذلك دائمي الصلة بالله، لأننا في كل لحظةٍ من لحظات حياتنا لا نخطو خطوةً إلا في رضا الله، ولا نتكلم كلمةً إلا في رضا الله، ولا نمسك عن كلمةٍ إلا ابتغاء رضوان الله، ولا نعطي إلا لله، ولا نمنع إلا لله، ولا نضحك إلا لله، ولا نغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله، وبذلك نكون على صلةٍ دائمةٍ بالله، وكأن بين كل صلاتين صلاةً مستمرةً، وصلةً مستمرةً بخالقنا وبارئنا جلّ جلاله.

خاتمة وتوديع:
المحاور:
شيخنا ؛ إذا صام الجسد، وصامت الجوارح، استطاع الإنسان أن يشعر بهذه الأجواء الروحانية في رمضان، وسمت روحه، وسما فكره، وسما عقله، وأدى الصيام الذي يريده الله تبارك وتعالى.
جزاكم الله خيراً شيخنا المبارك.
باسمكم جميعاً مشاهدينا ومستمعينا والمتابعين نشكر فضيلة الدكتور الشيخ بلال نور الدين على هذه الكلمات الطيبات، نسأل الله تبارك وتعالى أن يجزيه عنه خير الجزاء، وإلى أن نلقاكم إن شاء الله في حلقةٍ جديدة من برنامج: "رمضان أجرٌ وإحسان"، دمتم بخيرٍ وصحةٍ وعافية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته