عرفة مدرسة الدعاء

  • زوم
  • 2023-06-27
  • مؤسسة رحمة حول العالم

عرفة مدرسة الدعاء


مقدم اللقاء:
عرفة مدرسة الدعاء، يعني يخرج الإنسام في جرعة روحية، ويخرج في جرعة ثمينة من خلال الاتصال بالله تبارك وتعالى والدعاء في يوم عرفة.
كثير من السلف الصالح، والتابعين، والعلماء، كانوا يدّخرون حاجاتهم إلى يوم عرفة، فإذا جاء يوم عرفة تضرعوا إلى الله تبارك وتعالى بحاجاتهم، وتوسلوا إليه لقضائها، كيف ترى عرفة؟ كيف ترى فرصة هذه الساعات المباركات؟ أنتم الآن غابت الشمس عندكم، انقضى النهار، لكن نحن مازلنا في منتصف النهار، فلو تزودنا بشيء يعيننا إن شاء الله على اغتنام هذه الساعات المباركة في التضرع من خلال التقرب من الله تبارك تعالى.

الدكتور: بلال نور الدين:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، كل عام وأنتم بخير، والمستمعون الكرام، والمتابعون الكرام بألف ألف خير، أعاده الله على الأمة الإسلامية بالخير واليمن والبركات.
أيها الإخوة الأكارم، أيتها الأخوات الكريمات، أشكر هذه الدعوة الكريمة لمؤسسة رحمة حول العالم، لطلبهم هذا اللقاء، فهو شرف لي أن ألتقي بجمهورهم الكريم، وأكون في خدمتهم وهم يقومون على ثغر عظيم.

الدعاء هو العبادة:
أيها الكرام عرفة مدرسة كما تفضل الشيخ شادي، عرفة مدرسة في الدعاء، لذلك يقول صلى الله عليه وسلم:

{ خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. }

(رواه الترمذي)

{ الدعاءُ هو العِبادةُ }

(مسند الإمام أحمد)

كما قال صلى الله عليه وسلم.

وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(60)
(سورة غافر)

الدعاء هو العبادة
وما قال عن دعائي، فالدعاء هو العبادة ﴿سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ فالدعاء عبادة من أجلِّ العبادات إلى الله تعالى؛ لأن الذي يدعو الله تعالى هو في بادئ الأمر يعلم أن الله تعالى يسمعه، ويعلم أن الله تعالى يراه، ويعلم أن الله تعالى يعلم حاله، ويعلم أن الله تعالى قادر على تلبية طلبه، ويعلم أن الله تعالى يحبه، فالداعي الذي يدعو الله تعالى يجتمع فيه خصوصيات عظيمة جداً، إيمانه بسمع الله، وببصر الله، وبعلم الله، وبمحبة الله له وغير ذلك كثير، ولولا ذلك لما توجه إلى الله تعالى، فالإنسان لا يدعو إلا مَن يعلم يقيناً أنه قادر على حلّ مشكلاته.
لو أن ملكاً من ملوك الأرض واعد أهل بلدة من البلاد أن يكونوا جميعاً في مكان واحد، في صعيد واحد، في وقت واحد، حدد لهم يوماً، حدد لهم مكاناً، حدد لهم ساحة من ساحات البلد، وقال من يحضر إلى هذا المكان في الساعة الفلانية ويطلب فأنا أجيبه، بربكم كم إنساناً سيحضر هذا اللقاء؟ أنا أقول لو أن البلد فيها أربعة ملايين فكلهم سيكونون في هذا المكان، ربما ينام بعضهم قبل أيام في هذه الساحة، كلهم يجهزون حاجاتهم، الآن لو سألنا مجيء هذا العبد ملك من ملوك البلاد، ملوك الأرض مجيئه ممكن أم واجب؟ الجواب ممكن، فربما يمرض ولا يأتي، ربما يخبره المسؤولون أن الناحية الأمنية لا تسمح بنزوله فلا ينزل، ربما يموت، فمجيئه جائز وليس واجباً، ثم لو حضر هل يستطيع أن يسمع كل هؤلاء؟ بالتأكيد لا، لو افترضنا أنه سمعهم هل يستطيع أن يجيبهم كلهم؟ لو طلب أحدهم فقال: اشفِ لي ولدي هل يستطيع؟ لو سأله أحدهم أن يدخله الجنة، هل يستطيع أن يقول له نعم لك الجنة؟ فهو ربما يأتي أو لا يأتي، ويسمع أو لا يسمع، ولو سمع فإنه لا يستطيع أن يجيب كل من يسأله، ومع ذلك يتكاثر الناس من أجل سؤاله حاجتهم، ومظلمتهم، وشكواهم، وبثه همومهم.
لكن ربنا جل جلاله يوم يقول أنا أسمع وأنا أرى وإذا كان الثلث الأخير نزل ربكم إلى السماء الدنيا:

{ إذا كان ثُلثُ اللَّيلِ الباقي يَهبِطُ اللهُ عزَّ وجلَّ إلى السَّماءِ الدُّنيا، ثُمَّ تُفتَحُ أبْوابُ السَّماءِ، ثُمَّ يبسُطُ يدَه، فيقولُ: هل مِن سائلٍ يُعطى سؤْلَه؟ فلا يزالُ كذلك حتى يطلُعَ الفَجرُ. }

(أخرجه أحمد)

وإذا وقف المسلمون على صعيد عرفات يباهي بهم ملائكته ويقول انظروا عبادي جاؤوني شعثاً غبراً أشهدكم أني قد غفرت لهم،

{ إذا كان يوم عرفة فإن الله تبارك وتعالى يباهي بهم الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا ضاحين من كل فج عميق أشهدكم أني قد غفرت لهم. }

(أخرجه البيهقي)

فربنا جل جلاله وجوده واجب وليس جائزاً، وسماعه واجب وليس جائزاً، وإجابته واجبة وليست جائزة.

مقدم اللقاء:
أستاذ كأنك اختزلت كل صفات الإيمان في الدعاء، كأن كل خصائص الإيمان وضعتها في الدعاء.

الدكتور: بلال نور الدين:

الدعاء يختزل كل خصائص الإيمان:
الإنسان الذي يدعو الله هذه مرتبة
أحسن الله إليك، هذه هي، هذا ما أردت أن أقوله تماماً، أردت أن أقول: لماذا الدعاء هو العبادة؟ لأن الإنسان الذي يدعو الله هذه مرتبة، يعني كما لو أنك قلت فرضاً: هذا الطبيب يوقع وصفة طبية، جميل، إذا سأل أحدهم: هل درس الابتدائية؟ طبعاً درس، أقول لك يوقع وصفة طبية، أخذ الثانوية؟ درس الطب؟ طبعاً درس طب، توقيع الوصفة يقتضي أنه درس كل السنوات السابقة، فالذي يقول يارب من قلبه، ويقول يارب من داخله معناها هذا الشخص يعلم أن الله يعلم، يعلم أن الله يرى، يعلم أن الله تعالى يسمع، يعلم أن الله يحبه، يحب أن يسمع صوته، فيناجيه، فيطلب منه، لذلك الدعاء هو العبادة لأنه يختزل كما تفضلت كل هذه المعاني ويعبر عنها.

مقدم اللقاء:
لماذا قال النبي: خير الدعاء يوم عرفة، لماذا خصص هذا اليوم بهذه الخيرية؟

الدكتور: بلال نور الدين:

لله تعالى خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص:
الله تعالى له خواص بالأزمنة والأمكنة
قالوا: إن لله تعالى خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فالله تعالى خلق الزمن جل جلاله، ثم اختص منه رمضان، اختص منه يوم عرفة، اختص منه العشر من ذي الحجة، ليالي العشر الأخير من رمضان، فالله تعالى له خواص بالأزمنة والأمكنة، ثم خلق الأمكنة كلها، واختص منها الحرم المدني، والمكي والأقصى، قال:

{ لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، ومَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومَسْجِدِ الأقْصَى. }

(صحيح البخاري)

ثم اختص منها هذا الموقف وهذا الصعيد موقف عرفات، وعرفة من المعرفة، فعرفة تدل على المعرفة، فمن عرف الله تعالى كان وقوفه في عرفات تجلياً لمعرفته بالله تعالى، وأصل الدين كما يقول ابن القيم رحمه الله أن تعرفه، فإذا عرفته عرفت كل شيء، وإن فاتتك معرفته فقد فاتك كل شيء، فعندما يقف الإنسان على صعيد عرفة، بهذا الموقف، في هذا الزمان الذي اختصه الله، وفي هذا المكان الذي اختصه الله، ثم يكون هو في تجرد كامل من الدنيا، حتى لباسه التي على جسمه يخلعها إرضاء لله، ويترك لباس المخيط والمحيط، ثم يترك العطر، ثم يُسوّي نفسه بأصغر إنسان في العرف الاجتماعي، فيتساوى الجميع في موقف واحد، هنا في هذه اللحظة يتجلى الله تعالى على عباده.

الرحمة تعم الحاج وغير الحاج:
نحن نصوم عرفة
ومن رحمته العظيمة جل جلاله أنه جعل لمن لم يذهب إلى الحج، لمن لم يُكتب له الحج جعل له من الفضل في بلده الشيء الكثير، فنحن نصوم عرفة، والآن قبل قليل أفطرنا، وأنتم إن شاء الله صائمون نسأل الله أن يكون فطركم على خير وإفطار شهي إن شاء الله، ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله، فلهم الوقوف بعرفة، ولا صيام لهم، ونحن وأنتم في بلدكم لكم صيام عرفة يكفر السنة الماضية والباقية، انظر إلى منزلة عرفة، قال: أنتم لكم التلبية يقولون "لبيك اللهم لبيك"، فقد جئتم، أنتم في بلادكم قولوا" "الله أكبر الله أكبر" عقب الصلوات، فيتجاوب أهل عرفة وأهل الصعيد وكأن الكون كله في هذا اليوم عرفة، يعني أنت الآن في الولايات المتحدة الأمريكية، يوم الاثنين، أنت الآن في عرفة، وأنا على أرض أخرى، هذه أرض الله، وأنت الآن كأنك في صعيد عرفات لأن الزمان يتجاوب مع بعضه والمكان يتجاوب مع بعضه، فهذا من فضائل هذه الليلة وذلك اليوم أن ربنا جل جلاله ما ترك فقط للسفراء الذين يذهبون اليوم مليونان ونصف مليون مسلماً، أسأل الله أن يكتب لهم الصحة والسلامة، وأن يعيدهم سالمين غانمين إلى أهليهم وذويهم.
المسلمون ملياران، فأنت تتكلم عن 2% الذين في الحج، و98% ؟ لا، لهم عشر ذو الحجة، ولهم أفضل الدنيا غداً إن شاء الله يوم النحر، ولهم يوم عرفة، ولهم يوم القر، ولهم الذبائح، ولهم الأضاحي.
• فأنتم أيها الحجاج تذبحون الهَدْي ونحن نذبح الأضحية.
• أنتم تقفون في عرفات ونحن نصوم يوم عرفة.
• أنتم تقولون: "لبيك اللهم لبيك"، ونحن نقول: "الله أكبر الله أكبر ولله الحمد".
فيتجاوب الكون كله بالتسبيح، عندها نتعرض لنفحات الله، صحيح في الأصل أن الله اختص هذا المكان، لكن لمّا نحن جعلنا فيه من الخير ماجعلنا حققنا مراد الله تعالى الشرعي فيه، فزاد فضله، وزاد عطاؤه، وزاد خيره.

مقدم اللقاء:
هناك حديث شيخ بلال:

{ إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا. }

(أخرجه الطبراني بسند ضعيف)


الدكتور: بلال نور الدين:

الحرص على التعرض للنفحات:
الأرض كلها في قبضة الله جل جلاله
نعم، هذا البث يعمل، والبث الإذاعي يعمل، فأنت إذا معك الراديو أخرجه واضبط الإبرة تحصل على البث، البث موجود الآن كما هو موجود في أمريكا، موجود في عمان، في مكة، في المدينة، في القطب الشمالي البث موجود، الأرض كلها في قبضة الله جل جلاله، البث من الله موجود، لكن أنت الآن تعرّض واضبط الإبرة على البث وخذ من هذه النفحات، وخذ من هذا الفضل، أبخل الناس من يبخل في هذا اليوم بالدعاء لنفسه ولأهله ولأولاده وللمسلمين، هذا بخيل، أنا أقول بخل على نفسه.

هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ۖ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ ۚ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاءُ ۚ وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم(38)
(سورة محمد)


مقدم اللقاء:
آخر شيء شيخ بلال، استشهاد بحديث النبي عليه الصلاة والسلام: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) هذا ليس دعاء، هذا ذكر، توحيد، ذكر، ما هو الرابط بأن خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وحديث: أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي؟

الدكتور: بلال نور الدين:

أول ما في الدعاء إخلاص الوجهة لله تعالى:
جزاك الله خيراً على هذه اللمحة اللطيفة، يونس في بطن الحوت:

وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ (88)
(سورة الأنبياء)

إخلاص الوُجهة إلى الله تعالى في الدعاء
فسمى توحيده لله تعالى والتجاءه لله تعالى سماه دعاء، فقال: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ هو ما قال له يارب نجني من بطن الحوت، هو قال له: ﴿لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ فهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا إن أول ما في الدعاء أن تُخلِص الوُجهة إلى الله تعالى: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له"، ثم تعترف بأنه مالك كل شيء، هذا الذي قلناه بأن الدعاء يشمل كل هذه الأمور: "له الملك"، ثم تعترف أنه لا يتوجه الحمد والشكر إلا له، ثم تعترف بأنه قادر على كل شيء، وأنت شيء وإجابتك شيء، وهو يدعوه لأنه ضمن ملكه، ولم يعترف بأن الحمد لله تعالى وحده فتوجه لغيره، فاعترف بالربوبية والألوهية "له الملك وله الحمد"، ثم اعترف بأن الله قدير على كل شيء، فإذاً هناك مشكلة في الدعاء إذا لم يكن هذا الأمر متحصلاً في داخله، فيعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم بماذا نفتتح مسألتنا، وبماذا نفتتح دعاءنا وهو الإقرار لله تعالى بالوحدانية والربوبية والألوهية ومطلق القدرة، ثم قل يا رب أعطني، فالقدير يجيبك، ثم قل يا رب أريد رزقاً فالملك يعطيك، ثم قل يا رب لك الشكر على ما أنعمت فأنت تعلم أنه له الملك وحده ولا تتوجه إلا إليه، وهذا لب الدعاء وجوهر الدعاء؛ الإخلاص.

مقدم اللقاء:
ما شاء الله شيخنا، فتح الله عليك، وجزاك عنا كل خير، وشكر الله لك هذا الوقت الذي أمضيته في تلبية دعوتنا، أسأل الله تبارك وتعالى أن يجمعنا بك على عرفة إن شاء الله، وكل المشاهدين والمستمعين بإذن الله، ولا تنسانا من صالح دعائكم، وتقبل الله دعواتكم وكل عام وأنتم بألف خير إن شاء الله.

الدكتور: بلال نور الدين:
وأنتم الخير إن شاء الله، حياكم الله، السلام عليكم.
والحمد لله رب العالمين.