• الحلقة الأولى
  • 2022-04-02

الفرح


الفرح نوعان:
1 ـ فرح محمود:
السلام عليكم.
هل تشعر بالفرح؟ ما أجمل الشعور بالفرح، كلنا شعرنا بالفرح يوماً أو شعرنا به أياماً.
لكن ما الذي يُفرِحُك؟ السؤال هنا ما الذي يُفرِحُك؟ قل لي ما الذي يُفرِحُك أقل لك من أنت.
القرآن العظيم يُراقِب مشاعرنا
القرآن العظيم يُراقِب مشاعرنا، هو يُراقِب أفعالنا، ويُراقِب أقوالنا، ويُراقِب نِيَّاتِنا، لكنه يتجاوز ذلك كُلّه إلى مراقبة مشاعرنا، فهو لا يريد مِنَّا أن نفرح بشيءٍ فيه هَلاكُنا، ولا يريد مِنَّا أن نترك الفرح لشيءٍ فيه عِزُّنا وفَخارُنا، فيعلِّمنا بمَ نفرح وبمَ لا ينبغي أن نفرح، قال تعالى:

قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)
[ سورة يونس ]

هذا أمرٌ بالفرح: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ).
في المقابل هذا قارون خرج على قومه في زينته:

إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76)
[ سورة القصص ]

إذاً ليس كل فرحٍ يُحِبُّه الله، وليس كل فرحٍ يَذُمُّه الله، هناك فرحٌ محمود، وفرحٌ مذموم.
نفرح بفضل الله تعالى وبرحمته، ما فضل الله تعالى وما رحمته؟ قال أبو سعيدٍ الخدري رضي الله عنه:
فضل الله القرآن ورحمته أن جعلكم من أهل القرآن
{ البيهقي وابن جرير }
وقال غيره: فضل الله ورحمته الإسلام، الذي هدانا الله تعالى إليه، والقرآن الذي هو خيرٌ من الذهب والفضة.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما والحسن وقتادة وجمهور المفسرين:
فضل الله الإسلام و رحمته القرآن
{ ابن المنذر والبيهقي }
فنحن نفرح بالإسلام ونفرح بالقرآن.
روى الإمام البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه:

{ أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ما أعْدَدْتَ لَهَا؟ قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت مع من أحبَبت، قال أنس: فما فرحنا بشيٍء فرَحَنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحبَبت، قال أنس: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ وعمر وأرجو أن أكون معهم بِحُبِّي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم }

[ ابن المنذر والبيهقي ]

هذا فرحٌ بفضلٍ عظيمٍ من الله، وهو أن يجمعنا الله تعالى بأنبيائه ورسله في مُستَقرِّ رحمته، إن كُنَّا مُحبِّين لهم محبةً حقيقيةً فيها اتَّباعٌ لمنهجهم وإن قصَّرت أعمالنا عن أعمالهم.

2 ـ فرح مذموم:
الفرح بالحياة الدنيا مذموم قال تعالى:

اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (26)
[ سورة الرعد ]

الفرح بالحياة الدنيا مذموم
فذَمهُم على فرحهم بالحياة الدنيا، لكن هل كل فرحٍ بالدنيا مذموم؟ وهل يستطيع إنسانٌ مثلاً أن يأتيه مبلغٌ من المال فلا يفرح؟! مبلغ من حلال، مبلغ مالي من حلال، تجارة ربِحَت وجاءته أرباحها، لماذا لا يفرح؟ هذا فسَّره عمر الفاروق رضي الله عنه فقرأ قوله تعالى:

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
[آل عمران: 14]

{ قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّا لاَ نَسْتَطِيعُ إِلاَّ أَنْ نَفْرَحَ بِمَا زَيَّنْتَهُ لَنَا، اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ أَنْ أُنْفِقَهُ فِى حَقِّهِ }

[ صحيح البخاري ]

فما دُمت تُنفِق من الدنيا بالحلال ويأتيك ما أتاك منها بالحلال، فلا حَرَج أن تفرح، لكن المذموم من الفرح بالدنيا أن تكون الدنيا في قلب الإنسان لا في يده، فتستخدمه الدنيا ولا يستخدمها، وينقاد إليها ولا تنقاد إليه، فيبيع دينه من أجلها فهذا هو الفرح المذموم، وينبغي أن يكون فرحنا دائماً بفضل الله تعالى وبرحمته وبما يُرضيه.
إلى الملتقى، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.