• الحلقة الرابعة
  • 2022-04-05

الندم

السلام عليكم.

الندم نوعان:
1 ـ ندم مذموم:
العاقل لا يندُم على شيءٍ فاته من الدنيا
هل شعرتَ بالنَّدم يوماً؟ يندم الإنسان على شيءٍ فاته من الدنيا، والعاقل لا يندُم على شيءٍ فاته من الدنيا مهما يكن، لأنه يعلم أن ما فاته إنما فاته بقَدَرٍ من الله تعالى، وأن الشيء الذي فاته من الدنيا لو أراد الله تعالى أن يصل إليه لوصل إليه، والنبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يقطع أسباب هذا الندم فيقول:

{ الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ علَى ما يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ باللَّهِ ولا تَعْجِزْ، وإنْ أَصَابَكَ شيءٌ، فلا تَقُلْ: لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللهِ وَما شَاءَ فَعَلَ، فإنَّ لو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ }

[ صحيح مسلم ]

طبعاً الإنسان يتخذ الأسباب، ويريد أن يصل إلى شيء في الدنيا، بعد اتخاذ الأسباب والتَّوكُّل على الله عز وجل إن لم يُقَدِّر لك الله تعالى هذا المال، أو هذه التجارة، أو هذا المَنصِب، أو هذه الزوجة، أو أي شيء من الدنيا، فلا ينبغي للعاقل أن يندم على شيء فاته من الدنيا، وقد قيل:

{ أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا، صدْقُ الحديثِ، وحفْظُ الأمانةِ، وحُسْنُ الخُلقِ، وعفَّةُ مَطْعَمٍ }

[ أخرجه أحمد ]

(أربعٌ إذا كنَّ فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا)، ما هذه الأربعة؟ قال: (حِفْظُ الأمانةِ) أن تكون أميناً، و(صدْقُ الحديثِ) إن تكَلَّمتَ فأنت صادق، وإن عاملتَ الناس فأنت أمين، (وحُسْنُ الخُلقِ) في تعاملك مع الناس، (وعفَّةُ مَطْعَمٍ) فلا تأكل شيئاً إلا من حلال.
فما دُمتَ عفيفاً في مَطعَمِك، صادقاً في أقوالك، أميناً في تعامُلِك، حَسَناً في خُلُقك، فلا عليك ما فاتك من الدنيا فإنها كلها زائلةٌ.

2 ـ ندم محمود:
ولكن هناك ندمٌ محمود ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث فقال:

{ الراوي عبد الله بن مسعود: الندمُ توبةٌ، فقال له أبي: أنت سمعتَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليْهِ وسلَّمَ يقولُ: الندمُ توبةٌ؟ قال: نعم }

[ ابن ماجة ]

الندم توبة
الندم توبة لماذا؟ نحن في الحياة نَحتَكِم دائماً إلى قانون أو يحكُمُنا قانون، هذا القانون من ثلاث كلمات: إدراك، انفعال، سلوك. أنت تسير في غابة وجدت ثعباناً أدركتَ من خلال معلوماتك أن هذا الثعبان خطير، وأن لَدغَتَه قاتلة، انفعلتَ، هذا الانفعال هو الخوف، ثم تحَرَّكتَ إلى سلوك، هذا السلوك إما أن تتجه صوبه لتقتله، والأغلب أن تهرب بنفسك، هذا هو السلوك الهروب ؛ إدراك، انفعال، سلوك.
التوبة ضمن هذا القانون هي: إدراك، انفعال، سلوك. الإدراك أن يعلم الإنسان أنه مُذنِب، وأن هذا الذنب عظيمٌ أمام عَظَمَة الله تعالى مهما بدا لك صغيراً، لكنه عظيمٌ لأنه جُرأةٌ على الخالق جلَّ جلاله، هذا العِلم إدراك، فيأتي الحال أو الانفعال وهو الندم فيندم على ما كان منه من تفريطٍ في حَقِّ خالقه ومولاه، فيندفع إلى سلوك، يستغفر الله ويعقِد العَزم على عدم العودة إلى الذنب، ويؤدي الحقوق إلى أصحابها إن وُجِدَت.
فالندم توبة لأن الانفعال في التوبة هو الندم، فلا شك أنه قد سبقه عِلمٌ فلا يمكن أن يحصل انفعال بغير عِلم، ولا شك أنه سيعقبه سلوكٌ لأنه لا يُقبَل أن ينفعل الإنسان ولا يتحرك وفق انفعاله. فلَخَّص النبي صلى الله عليه وسلم أركان التوبة بقوله: (الندمُ توبةٌ).
أيها الأخوة الأحباب؛ إذاً ندمٌ مذموم على شيءٍ فاتنا من الدنيا، دعه وانطلق إلى ما بعده، وندَمٌ محمود وهو على ذنبٍ ارتكبه الإنسان، أو حق من حقوق العباد فَرَّط فيه، أو حَقٍّ من حقوق الله تعالى لم يُؤدِّه كما ينبغي.
إلى الملتقى أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.