• الحلقة الثامنة
  • 2022-04-09

الأمن

السلام عليكم.

نعمة الأمن أعظم نعمة على الإطلاق:
هل تشعر بالأمْن؟ ما أعظمها من نعمة أن يشعر الإنسان بالأمْن، بل إن من أعظم نِعَم الله تعالى التي يمتَنُّ بها على عباده أن يُؤمِّنَهُم، قال تعالى مُمتَنَّاً على قريش:

الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4)
[ سورة قريش ]

وبالمقابل:

وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)
[ سورة النحل ]

فنعمة الأمن لا تعدلها نعمة:

{ مَن أصبحَ آمنًا في سِرْبِهِ، مُعَافًى في بدنِهِ، عندَهُ قوتُ يَومِهِ، فكأنَّما حِيزتْ لهُ الدُّنيا بحذافيرِها }

[ الترمذي ]

في سربه: في جماعته.
إن كنت في أمْنٍ نفسي، وفي عافيةٍ جسدية، وعندك طعامٌ يكفيك ليومِك، فما فاتك من الدنيا شيء.

أنواع الأمن:
الأمْن نوعان؛ أمْن نفسيٌ يتحقُّق في داخل النفس، وأمْنٌ مجتمعيٌ يتحقُّق في المجتمع الصغير أو الكبير.
الأمْن النفسي: ليس له سبيلٌ إلا الإيمان مع التوحيد، ولن تجد آمناً غير مؤمن وموحِّد معاً، ودليل ذلك قوله تعالى:

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)
[ سورة الأنعام ]

(أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ): أي لهم وحدهم وليس لغيرهم.
المؤمن آمِن
في اللغة العربية لم يقل: أولئك الأمْن لهم، لكن قال: (أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) أي لهم وحدهم وليس لغيرهم، هم (آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) ولمَّا نَزَلَتْ هذه الآية شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا:

{ فَقالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قالَ: ليسَ ذلكَ إنَّما هو الشِّرْكُ أَلَمْ تَسْمَعُوا ما قالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وهو يَعِظُهُ {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ باللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}-[ لقمان: 13] }

[ البخاري ]

فإذا كان الإنسان مؤمناً مُوَحِّداً فقد تحقَّق الأمْن في داخله، وغير المؤمن المُوَحِّد مهما أحاط نفسه بالحُرَّاس، وأوهمَك أنه في أمْن، فإن في قلبه من الخوف ما لو وُزّعِ على أهل بلدةٍ لكَفَاهُم، فالمشرك خائف، والمؤمن آمِن لأنه مُصطَلِحٌ مع ذاته، مُصطَلِحٌ مع ربه.
الأمْن المجتمعيُّ لا يتحقق إلا بالعدل
وأما الأمْن المجتمعيُّ فلا يتحقق إلا بالعدل، بدءاً بالأسرة الصغيرة وانتهاءً بالمجتمع الكبير، فإذا كان الأب عادلاً في عَطيَّتِه لأولاده، وفي مودته لهم، فإن الأمن سيتحقق في بيته الصغير، و إذا كان الحاكم عادلاً في حُكمِه فسيتحقَّق العدل في المجتمع الكبير وهكذا.
لمَّا جاء الهُرمُزان إلى المدينة ورأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مُستلقياً في المسجد من غير حُرَّاسٍ ولا خدم، قال قولته التي أصبحت مثلاً قال: (حَكمتَ فعَدلتَ فأمِنتَ فنِمتَ).
حَكمتَ فعَدلتَ فأمِنتَ فنِمتَ، فليس هناك أمْنٌ مجتمعيٌّ إلا عن طريق العدل:
وقال قولة حقٍ أصبحت مثلاً أَصبَحَ الجيلُ بَعدَ الجيلِ يَرويها أَمِنتَ لَمّا أَقَمتَ العَدلَ بَينَهُـــــمُ فَنِمت نَومَ قَريرِ العَينِ هانيــــها
إذاً أمْنٌ في النفس يتحقَّق بالإيمان والتوحيد وأمنٌ في المجتمع يتحقَّق بالعدل، ولن تجد أمْناً إلا من خلال هذين الطريقين.
إلى الملتقى، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.