• الحلقة الحادية عشرة
  • 2022-04-12

السعادة

السلام عليكم.

السعادة مطلب كل إنسان:
هل تشعر بالسعادة؟ من مِنَّا لا يُحبُّ أن يكون سعيداً؟! كل الناس من آدم إلى يوم القيامة على اختلاف مِلَلِهِم، ونِحَلِهِم، وطوائفهم، وأعراقهم، إنَّما يبحثون عن السلامة والسعادة.
كل مِنَّا يريد السعادة
كل مِنَّا يريد السعادة، وكل مِنَّا يبحث عن السعادة، ولكن المؤمن وحده استطاع أن يبحث عنها في مَظانِّها فوصل إليها، وكثيرون بحثوا عن السعادة في غير مَظانِّها فكان حالهم كحال من يبحث عن اللؤلؤ في الصحراء فيعود بعدها خالي اليدين.
السعادة في القرآن الكريم وردت في آيتين اثنتين في سورةٍ واحدة وهي سورة هود.
الآية الأولى ذكرت زمن السعادة، والثانية ذكرت مكان السعادة، زمن السعادة في قوله تعالى:

يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)
[ سورة هود ]

هناك الشقاء، وهناك السعادة يوم القيامة، وأما مكانها فهو في جنَّات الخُلْد، قال تعالى:

وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)
[ سورة هود ]

فالسعادة مكانها الدار الآخرة، وزمانها يوم القيامة، ولن تجد سعادةً حقيقيةً مُستمرةً إلا هناك، لكن هل هذا يعني أن الدنيا ليس فيها سعادة؟ لا أبداً.

تحقيق السعادة يكون بــــ:
1 ـ الصلة بالله:
يمكن أن تُحِقَّق سعادةً في الدنيا ولكن عن طريق خمسة أشياء:
الصلة بالله تعالى تجعلك سعيداً
الشيء الأول: هو الصِّلَة بالله، الناس يُحقِّقون السعادة من خلال الجمال أو الكمال أو النوال أي العطاء، فيأخذ شيئاً فيسعَد به، أو يجد موقفاً كاملاً فيُسعِدُه ذلك الموقف، أو ينظر إلى شيءٍ جميل فيسعَد بنظره، فالسعادة في الجمال والكمال والنوال.
من خالِق الجمال والكمال والنوال؟ إنه الله تعالى، فمن أحَسنَ الصِّلَة بخالِقه، ووقف بين يديه وناجاه فقد وصل إلى أصل الجمال والكمال والنوال، فكل ما في الوجود من جمال إنَّما هو مَسحَةٌ من جمال الجميل جلّ جلاله، وكل ما في الأرض من كمال إنَّما هو شيءٌ يسيرٌ من كماله جلّ جلاله، وكل ما في الأرض من عطاء إنَّما هو في حقيقته وفي أصله عَطِيُّةٌ من الله تعالى، أول ما يُشعِرُك بالسعادة في الدنيا أن تتصل بالله تعالى.

2 ـ الرضا:
الأمر الثاني: هو الرِّضا، فالرِّاضي سعيد، والذي يرضى بما قَسَمَ الله له في الدنيا يسعَد بذلك ولو كان ذلك المقسوم شيئاً يسيراً، والذي لا يرضى يشقى ولو كان ذلك المقسوم أمراً عظيماً جليلاً، فسِرُّ السعادة في الرضا وليس في حجم ما نملك.

3 ـ إسعاد الآخرين:
الأمر الثالث: في إسعاد الآخرين.
(سُئل حكيمٌ: من أسَعُد الناس؟ فقال: من أسعَدَ الناس)
{ منقول }
فإذا أردت أن تسعَدَ فأسعِد الآخرين.
قيمة العطاء لا يعرفها إلا من يُعطي
قيمة العطاء لا يعرفها إلا من يُعطي، فالذي يُعطي يجد السعادة في وجه يتيم، أو يجد البسمة على وجه أرملة، أو يجد السرور في عائلةٍ قد أهمَّها مرض ربِّ الأسرة، أو غير ذلك، هذه السعادة التي يجدها في وجوه الناس هي سِرُّ سعادته، إذا أردتَّ أن تسعَد فأسعِد الناس.

4 ـ الإيمان بموعود الله:
الأمر الرابع: هو الإيمان بموعود الله.
ما الذي يُميِّز المؤمن عن غير المؤمن؟ المؤمن ينتظر شيئاً وعده الله تعالى به، ينتظر جَنَّةً عَرضُها السماوات والأرض، ينتظر نعيماً لا يَحول ولا يزول، ينتظر جَنَّةً فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذُنٌ سَمِعَت، ولا خطَرَ على قلب بشر، فسعادته تنبع من أنه ينتظر موعود الله تعالى.

5 ـ التسليم لله والتوكل عليه:
والأمر الأخير في السعادة إنما يكون في التَّسليم لله والتَّوكُّل عليه، قال تعالى:

قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)
[ سورة التوبة ]

المؤمن سعيد لأنه مُتوكُّلٌ على الله
فالمؤمن سعيد لأنه مُتوكُّلٌ على الله حَقَّ التَّوكُّل، ولأنه مُسَلِّمٌ الأمر له، فكل ما سيأتي في المستقبل إنما هو له وليس عليه، فقد كتبه الله له، ولمصلحته، ولحكمةٍ يعلمها الله تعالى، فلمَّا سَلَّمَ أمره للحكيم العليم الخبير ارتاح من عناء الدنيا وانتظر موعود الآخرة.
إذاً السعادة الحقيقية يوم العَرضِ على الله في جنةٍ يدوم نعميها، والسعادة في الدنيا تكون بالصِّلَة بالله، والرِّضا بما قَسَم الله، وتكون في إسعاد الآخرين، وتكون في الإيمان بموعود الله، وتكون في التَّسليم لله وحُسْنِ التَّوكُّل عليه.
إلى الملتقى أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.