• الحلقة الثانية عشرة
  • 2022-04-13

الحياء


السلام عليكم.

الحياء قيمة عالية:
الحياء شُعبَةٌ من الإيمان
هل تشعر بالحَياء؟ المؤمن حَيِيّ، والله جلَّ جلاله حَيِيّ، والمؤمن يأخذ من هذا الاسم العظيم، ويتعبَّد الله تعالى بهذا الاسم فيكون حَيِيَّاً، والحياء شُعبَةٌ من الإيمان، والحياء إذا رُفِعَ من الناس فإن الحياة لا تُطَاق، فإذا كنتَ حَيِيَّاً فهنيئاً لك، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أشدّ حياءً من العذراء في خِدرِها.
الحَياء ليس خجلاً ولكنه قيمةٌ عالية، الحَياء لا يعني أن يترك الإنسان المطالبة بحقوقه، أو أن يكون ضعيفاً، ولكنه يعني أن الإنسان يُراقب ربه فيستحيي أن يعصي الله تعالى في أرض الله، هذا هو الحَياء.

كيفية الاستحياء من الله:
النبي صلى الله عليه وسلم خاطب أصحابه فقال:

{ استحيوا مِن الله حقَّ الحياء، قال: قلنا: يا رسول الله إنَّا لنستحيي، والحمد للَّه، قال: ليس ذاك - أي ليس الحياء المعهود، ولكنه حياءٌ من مرتبةٍ أعلى من ذاك، سَمَّاها النبي صلى الله عليه وسلم حق الحياء - ولكنَّ الاستحياء مِن الله حقَّ الحياء أن تحفَظ الرَّأس وما وعى، وتحفَظ البطن وما حوى، وتتذكَّر الموت والبِلَى، ومَن أراد الآخرة ترك زينة الدُّنيا، فمَن فعل ذلك فقد استحيا مِن الله حقَّ الحياء }

[ رواه الترمذي ]

دعونا نتأمل في هذا الحديث الشريف الجليل:
(أن تحفظ الرَّأس وما وعى) ماذا في الرأس؟ مَنفَذٌ هو الأُذُن، مُدخَلات تدخل من الأُذُن ومُدخَلات تدخل من العين، فحِفْظ الرأس وما وعى ألا تُدخِل من خلال عينك مَشهداً لا يُرضِي الله، فتستحي أن تنظر إلى ما حَرَّم الله النظر إليه، وألا تُدخِل من أُذُنِك كلاماً بذيئاً أو فاحشاً أو شُبهَةً تريد النَّيْل من دينك أو التَّشكيك فيه، ثم لا تُخرِجُ من فِيكَ كلمةً لا تُرضي الله أو شيئاً يُبعِد عن الله، فتكون بذلك قد حفظتَ الرأس وما وعى، فما أدخلتَ فيه إلا ما يُرضي الله تعالى، وما أخرجتَ منه إلا ما يُرضي الله، فأنت حَيِيّ.
الآن: (وتحفظ البطن وما حوى): فلا ينبغي أن يدخُل إلى جوفك لُقمةٌ من حرام وإنَّما تُطيب مَطعمَك، فالطعام الطَّيِّب ليس النَّفيس، وإنما الطعام الذي أشتُري بمالٍ حلال، وكان حلالاً في ذاته وأُنفِقَ في الحلال، (وتحفظ البطن وما حوى)، فلا تُدخِل إلى بطنك لُقمةً إلا من حلال.
ذكر الموت استحياءٌ من الله
(وتتذكَّر الموت والبِلَى): البِلى هي المصائب، فالذي يُكثر من ذكر الموت يستحي من الله حق الحياء، لماذا؟ لأن الموت يُشعِره بأن اللقاء مع الله تعالى قد اقترب، فيجب أن تكون مُستعداً له، فإن كنتَ على معصيةٍ فينبغي أن تُسارع إلى التوبة منها، فهذا حياءٌ من الله، والذي يذكر البِلى والمصائب يستحيي من الله حَقَّ الحياء لأن هذه المصائب التي تُصيبه إنما هي في الأصل لتدفعه إلى باب الله تعالى، فيفهَم حكمة الله في مصيبته فيستحيي من الله تعالى حق الحياء.
قال: (ومَن أراد الآخرة ترك زينة الدُّنيا) ما قال: ترك الدنيا، لأن الدنيا لا يمكن أن تُترَك فمن تركها فقد أهمل مَطِيَّته إلى الآخرة، فنحن نعمل في الدنيا لكننا لا نعمل لها، ونحن نترك زينتها لكننا لا نتركها هي، فنُعرِضُ عن زينتها المُحَرَّمَة ولكننا نأتي من الدنيا ما قَسَمَ الله تعالى لنا في رضا الله وابتغاء مرضاة الله. (ومَن أراد الآخرة ترك زينة الدُّنيا) فأعرَض عن الحرام لأنه مُتشوقٌ إلى الآخرة، فالدنيا ليست مَبلَغ عِلمه، وليست الدنيا منتهى هَمِّه:

{ قَلَّما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقومُ من مجلِسٍ حتى يدعُوَ بهؤلاءِ الدَّعَواتِ لِأَصحابِهِ: اللهمَّ اقسِمْ لنا مِنْ خشيَتِكَ ما تحولُ بِهِ بينَنَا وبينَ معاصيكَ، ومِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنَا بِهِ جنتَكَ، ومِنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَيْنَا مصائِبَ الدُّنيا، اللهمَّ متِّعْنَا بأسماعِنا، وأبصارِنا، وقوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا، واجعلْهُ الوارِثَ مِنَّا، واجعَلْ ثَأْرَنا عَلَى مَنْ ظلَمَنا، وانصرْنا عَلَى مَنْ عادَانا، ولا تَجْعَلِ مُصِيبَتَنا في دينِنِا، ولَا تَجْعَلْ الدنيا أكبرَ هَمِّنَا، ولَا مَبْلَغَ عِلْمِنا، ولَا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لَا يرْحَمُنا }

[ الترمذي ]

فإنه يعيش في الدنيا من أجل الآخرة، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، قال: (فمَن فعل ذلك فقد استحيا مِن الله حقَّ الحياء) ما هو ذلك؟
1- حَفِظَ الرأس وما وعى، لم يُدخِل من أُذُنه ما يُغضِب الله، ولا من عينه ما يُغضِب الله، ولم يُخرِج من فمه ما يُغضِب الله.
2- حَفظَ بطنه فما أدخل لُقمة من حرام، ماله حلال.
3- أكثر من ذِكر الموت والمصائب.
4- ترك زينة الدنيا وابتغى وجه الله تعالى والآخرة.
فهذا قد استحيا من الله حَقَّ الحياء.

الحياء من الإيمان:

{ إنَّ ممَّا أدْرَكَ النَّاسُ مِن كَلامِ النُّبُوَّةِ، إذا لَمْ تَسْتَحِ فافْعَلْ ما شِئْتَ }

[ البخاري ]

فمن يترك الحياء سيفعل ما شاء من المعاصي والموبقات لأنه ترك الله تعالى، و أعرض عن منهجه فترك الحياء فأصبح هَمُّه فَرْجَه وبطنه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الحياء من الإيمان، ومن يشعر بالحياء فهو نادرٌ وللأسف في هذا الزمن، فهنيئاً لك أيها الحَيِيّ، وينبغي أن نحرص جميعاً على نأخذ هذه الشُّعبة من الإيمان وهي شُعبة الحياء.
إلى الملتقى أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.