• الحلقة الخامسة عشرة
  • 2022-04-16

الغربة

السلام عليكم.

غربة المؤمن:
هل تشعر بالغُربَة؟ في أي مجتمعٍ تشعر بالغُربَة؟ هناك من يشعر بالغُربَة إذا كان في المسجد، أو في درس علمٍ، أو مع أشخاصٍ صالحين يدعون إلى الخير والمعروف، وهذه غُربةٌ مذمومة.
لكن أتحدث هنا عن غُربَة المؤمن فأقول: هل تشعر بالغُربَة في زمن الفتن؟ في المجتمعات المُتَفَلِّتَة؟ مع وسائل الإعلام المُنحرفة هل تشعر بغُربةٍ؟ هنا يأتيك حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم:

{ بَدَأَ الإسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كما بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ) }

[ مسلم ]

ويقول تعالى:

فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116)
[ سورة هود ]

احرص أن تكون من أُولي البَقِيَّة الذين ينهون عن الفساد في الأرض.

صفات الغرباء التي ذكرها المصطفى صلى الله عليه وسلم:
ما صفات الغرباء التي ذكرها المصطفى صلى الله عليه وسلم؟
1- الصفة الأولى: الذي يَصلُحون أو يُصلِحون إذا فسد الناس:

{ قيل: ومن هم يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون حين فساد الناس }

[ الطبراني ]

يَصلُحون بأنفسهم ويُصلِحون غيرهم إذا فسد الناس، فالغرباء صالحون ومُصلِحون، هذه الصفة الأولى.
2- الصفة الثانية: هم الذين يُصلحِون ما أفسد الناس من سُنتي من بعدي.

{ إن الدين بدأ غريبًا، وسيرجع غريبًا، فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي }

[ الترمذي ]

تذكير الناس دائماً بسُنَّة النبي الكريم
فأهل الخير وأهل الغُربَة في هذا المجتمع يحاولون أن يُذَكِّروا الناس دائماً بسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أفراحه، وفي أتراحه، وفي طعامه، وفي شرابه، وفي رضاه، وعند غضبه، يُذَكِّرون الناس بسُنَّة المصطفى صلى الله عليه وسلم، كيف عامل زوجته، كيف عامل أولاده، كيف وقف في حالة الفقر، وكيف كان في حالة الغنى، وفي حالة الضعف، وفي حالة القوة، فهم يُصلِحون ما أفسد الناس من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده.
3- الصفة الثالثة: هم النُّزَّاع من القبائل.

{ إن الإسلام بدأ غريبا، وسيعودُ كما بدأ، فطُوبَى للغُرَبَاءِ قيل: ومن الغُرَباءُ؟ قال: النُزّاعُ من القبائلِ }

[ الترمذي ]

أي من كل قبيلةٍ رجلٌ أو رجلان كما قال المُفسِّرون أو المُحَدِّثون النُّزَّاع من القبائل، فقد يأتي النبي يوم القيامة ومعه الرجل والرجلان، فلا تَغتَرَّ بالكَثرة وإنما عليك بأهل الصلاح والتُّقى.
4- الغرباء أيضاً هم قومٌ صالحون في ناس سوءٍ كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم:

{ طوبى لِلْغُرَباءِ، قيل: و مَنِ الغُرَباء يا رسولَ اللهِ؟ قال: ناسٌ صالِحُونَ قَلِيلٌ في ناسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أكثرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ }

[ أخرجه أحمد ]

أكثر الناس لا يستجيبون لهم ولا لمنهجهم، ومن يطيعونهم قليل.
5- الصفة الخامسة للغرباء هم الفَرَّارون بدينهم، يبعثهم الله مع عيسى ابن مريم عليه السلام.

{ قيل: ومن الغرباء؟ قال: الفرارون بدينهم يبعثهم الله تعالى مع عيسى ابن مريم عليه السلام }

كل هذه الصفات وردت في أحاديث صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

{ يُوشِكُ أنْ يَكونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بهَا شَعَفَ الجِبَالِ ومَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ }

[ البخاري ]

لا تغترَّ بكثرة الهالكين
الغرباء يفرُّون بدينهم، يذهبون ويبتعدون عن الفتن، ويأوون إلى الكهف، الكهف هو منزلهم وبيتهم، مسجدهم، رفاقٌ صالحون حولهم، فهم يَفِرُّون بدينهم، ويبتعدون عن مجالس الَّلهو والفسوق والبُعد عن الله تعالى.
لا تغترَّ بكثرة الهالكين، الزَم الجماعة المؤمنة ولو كانت قليلة، ففي القرآن الكريم لا تجد مَدحاً للأكثرية:

ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17)
[ سورة الأعراف ]

يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)
[ سورة الأعراف ]

فعليك بالقِلَّة ودَعكَ من الكثرة الهالكة، أنت الجماعة ولو كنتَ وحدك، وهم الضِّعاف القِلَّة ولو كانوا بالملايين، فالحق هو الجماعة، والباطل هو القِلَّة مهما كَثُرَت، فالزم طريق الحق ولا تغترَّ بكثرة الهالكين.
إلى الملتقى أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.