• الحلقة التاسعة عشرة
  • 2022-04-20

الغضب

السلام عليكم.

الابتعاد عن الغضب:
المؤمن لا يغضب لشيءٍ فاته من الدنيا
هل تشعر بالغضب؟ ما الذي يُغضِبُك؟ هناك من يُغضِبُه نقص الملح في الأكل، وهناك من يُغضِبُه بُوق سيارةٍ خلفه، وهناك من يُغضبِه خسارة الفريق الذي يشجعه في مباراةٍ من مباريات كرة القدم مثلاً، وهناك من يغضب إذا انتُهِكَت حُرُمات الله، والمؤمن يغضب غضباً مُنضبِطاً بضوابط الشرع إذا انتُهِكت حُرُمات الله، لكنه لا يغضب غضباً يُخرِجُه عن طَوره، ولا يغضب لشيءٍ فاته من الدنيا.
أما إذا غَضِب لحقٍّ من حقوقه فإنه يُسارِع إلى المغفرة :

وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37)
[ سورة شورى ]

(وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ). في الحديث الشريف:

{ رَجُل قالَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوْصِنِي؟ قالَ: لا تَغْضَبْ. فَرَدَّدَ مِرَارًا، قالَ: لا تَغْضَبْ }

[ رواه البخاري ]

هل تعلمون ماذا يعني أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: (لا تَغْضَبْ) أن ينهانا عن الغضب، ما معنى ذلك؟ معنى ذلك لو أنك قلتَ لإنسانٍ: لا تأكل على سبيل المثال، إذاً هو بإمكانه أن يأكل أو ألا يأكل، إذا قلت له: لا تركض، إذاً هو بإمكانه أن يتوقف عن الركض، لمجرد أن تنهى الإنسان عن شيء فهذا يعني أنه يستطيع الانتهاء عنه، و إلا لما نهيته عنه.
ليس هناك طَبْعٌ لا يمكن تغييره
فالغضوب الذي تقول له: لا تغضب، ثم يقول لك: أنا لا أستطيع، أنا هكذا خلقني الله، أنا أستَثار فوراً، إذاً لماذا يأمرك المصطفى صلى الله عليه وسلم فيقول: (لا تَغْضَبْ)؟ كيف ينهاك عن الغضب وأنت لا تستطيع ذلك؟ أيعقل ذلك؟ أيعقل أن يكون كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حاشاه عبثاً؟ معاذ الله.
إذاً لمجرد أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تَغْضَبْ) إذاً نحن قادرون على الكَفِّ عن الغضب، وليس هناك طَبْعٌ لا يمكن تغييره، طَبْعٌ من الطِّبَاع التي كَلَّفنا الله تعالى بها أو بخلافها، إذاً نحن قادرون عليه، من هنا يقول صلى الله عليه وسلم:

{ إنَّما العِلمُ بالتَّعلُّمِ، والحِلمُ بالتَّحَلُّمِ }

[ الخطيب في تاريخ بغداد بسند صحيح]

فالحليم لم يُخلق حليماً وإنما هو إنسانٌ مَارَسَ الحِلْم آناً بعد آن فأصبح حليماً، إذاً نستطيع أن نَتَحَلَّم أي أن نكسب الحلمَ كَسْبَاً، نستطيع ذلك، فلما يغضب الإنسان في المرة الأولى فيَحْلُم، ثم الثانية والثالثة والرابعة ومرة بعد مرة يصبح حليماً ويزول عنه الغضب.

الغضب محمودٌ إذا كان ضمن ضوابط الشرع:
إذاً الغضب محمودٌ إذا كان ضمن ضوابط الشرع، وعند حالةٍ وحيدة وهي إذا انتُهِكَت حُرُمات الله، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يغضب لله ويُعرَف ذلك في وجهه، ومن ذلك أنه لمَّا كلَّموه في أمر الأنصارية التي سرقت فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعُرِفَ ذلك في وجهه ثم قال:

{ إنَّ قُرَيْشًا أهَمَّهُمْ شَأْنُ المَرْأَةِ المَخْزُومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ، فَقالوا: ومَن يُكَلِّمُ فِيهَا رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ فَقالوا: ومَن يَجْتَرِئُ عليه إلَّا أُسَامَةُ بنُ زَيْد ٍ، حِبُّ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قالَ: إنَّما أهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقَامُوا عليه الحَدَّ، وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا }

[ متفق عليه]

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب لله، ويغضب إذا انتُهِكَت حُرُمات الله، و ضمن الضوابط الشرعية التي شرعها الله.
أما الإنسان الغضوب الذي يغضب لكل شيءٍ ولأتفه سبب فنقول له كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لا تَغْضَبْ) (وإنما والحِلمُ بالتَّحَلُّمِ).
إلى الملتقى أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.