• الحلقة الخامسة والعشرون
  • 2022-04-26

الرحمة

السلام عليكم.

خلو القلب من الرحمة:
نحن في أشدِّ الساعات حاجةً إلى الرحمة
هل تشعر بالرحمة؟ نتحدث عن الرحمة في زمنٍ انتشرت فيه القسوة، الناس يقسو بعضهم على بعض، من البيت الداخلي وإلى الحروب الدولية، عالمٌ يَعج بالقسوة، ثم نأتي إلى الحديث عن الرحمة، نعم، لأننا في أشدِّ الساعات حاجةً إلى الرحمة، والله إن المرء ليتمنى في هذا الزمن المليء بالقُساة والقسوة ليتمنى أن يعيش في خيمةٍ فيها رحمة يتراحم فيها مع الآخرين، فإن الإنسان المؤمن يَفِرُّ من المجتمع القاسي ويأوي إلى ركنٍ شديدٍ، إلى رحمة يجد فيها أُنْسَ قلبه.
هل تشعر بالرحمة؟ يقول صلى الله عليه وسلم:

{ خاب عبدٌ وخسر لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر }

[ ابن عساكر والدولابي ]

أي خيبةٍ وأي خُسرانٍ أعظم من أن يخلو القلب من الرحمة.

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (74)
[ سورة البقرة ]

فالصخور الصُّم فيها رحمة، وبعض قلوب البشر قَسَت حتى هي أشدُّ قَسوةً من الحجارة.

رحمة العامة:
أيُّ خيبةٍ وأي خُسرانٍ أعظم من أن يخلو القلب من رحمةٍ بالناس جميعاً، سماها النبي صلى الله عليه وسلم رحمةً عامة، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ والذي نفسي بيدِه ! لا يدخلُ الجنةَ إلا رحيمٌ، قالوا: كلُّنا رحماءُ؟! - انظروا إلى هذا المجتمع المسلم - كلُّنا رحماءُ، قال: ليس برحمةِ أحدِكم خويصتَه حتى يرحمَ الناسَ }

[ المروزي في زوائد الزهد بسند حسن ]

إنها رحمة العامَّة، معظم الناس يرحمون أولادهم، معظم الناس يرحمون أصدقاءهم الذين يحبونهم، كثيرٌ من الناس يرحمون قبيلتهم وعشيرتهم، ولكن الرحمة التي يريدها الله تعالى مِنَّا حتى يرحمنا جلَّ جلاله هي رحمة العامَّة.

{ عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عزَّ وجلّ: إن كنتم تريدون رحمتي فارحموا خلقي }

[ رواه ابن عدي ]

من أراد رحمة الله عليه رحمة الخلق
فمن أراد رحمة الله تعالى فالطريق إليها هي رحمة الخلق، والخلق هنا تشمل الإنس وتشمل الحيوانات وتشمل النباتات، فالرحيم ليست الرحمة في قلبه متوجهةً لأحد دون أحد، حتى إنه ليقَع في قلبه رحمةٌ تجاه المُذنِبين والعُصاة، يرجو لو أنهم كانوا على غير ذلك، هذا نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يخُاطِبه ربه فيقول: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ ﴾ رحمةٌ من الله استقرت في قلب نبينا صلى الله عليه وسلم فَلانَ للناس فأحبه الناس، والتفُّوا حوله وما يزالون إلى اليوم يلهجون بالثناء عليه والصلاة والسلام عليه ثم يقول له:

وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
[ سورة آل عمران ]

وأنت نبيٌّ ورسولٌ ولكن ليس مع النبوة والرسالة فظاظةٌ أو غلاظة، إنما هي الرحمة المُهداة فيقول صلى الله عليه وسلم:

{ إنَّما أنا رحمةٌ مُهداةٌ }

[ الطبراني ]

كان النبي صلى الله عليه وسلم رحيماً بالبشر كلهم، رحيماً بالحيوان، حتى إن الجمل شكا إليه أن صاحبه يُدئِبه ويجيعه فمسح النبي صلى الله عليه وسلم على ذفريه ونادى صاحبه وعاتبه لما يفعل بهذا الجمل.
كان رحيماً بذاك الجذع الذي يخطب إليه صلى لله عليه وسلم، فلما تركه أَنّ الجذع وسمع الصحابة أنينه في المسجد حتى وضع النبي صلى الله عليه وسلم يده حتى سكن.
إنها رحمة العامَّة، فمن لا يجد في قلبه رحمةً لكل الناس بل لكل الخلق فليُراجِع حساباته، فليُراجِع حساباته فإن الله تعالى لا يرحَم من لا يَرحَم، فمن أراد رحمة الله تعالى فليَرحَم خلقه، وليتَّجِه بقلبه وكُلَّيتِه إلى عباد الله تعالى خيراً وإحساناً و حُبَّاً ورحمةً حتى يستحق رحمة الله.
إلى الملتقى أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة والله وبركاته.