• الحلقة الثامنة والعشرون
  • 2022-04-29

الافتقار

السلام عليكم.

الافتقار إلى الله:
هل تشعر بالافتقار؟ لأنك ولأنني خُلِقنا ضعفاء، قال تعالى:

يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)
[ سورة النساء ]

ولأن الدنيا فيها من المصائب والأحزان والمتاعب ما لا حَصْر له، ولا عَد، لهذين السببين المُهَمَّين فإن شعور الافتقار مُتَأَصِّلٌ فيك أيها الإنسان، فهو ليس اختياراً ولكنه اضطرار، فكلنا يفتقر إلى قُوَّةٍ تحميه، أو إلى قوةٍ يشعر أنها قادرةٌ على حمايته.
الافتقار ذُلّ إلا لوجه الله تعالى
كل الناس، كل الناس إما أن يجدوا قوةً في الدين ولو كان دينهم على باطل، لكنه يجد أو يظن أن هذه القوة تحميه، أو تقدر على حمايته، وقد يَضلُّ الطريق، بعض الناس يتجهون إلى الأقوياء في الأرض فيحتمون بهم، كل الناس ضعفاء، كلنا ضعفاء، من مِنَّا قويٌّ بذاته؟ نحن ضعفاء، لكن ميزة المؤمن وحده أنه عرف من هي القوة التي تحميه حقاً، فاتجه إليها وحدها وترك ما دونها، ثم إنه عرف الطريق الذي يوصله إلى هذه القوة العظيمة فسلكه.
الافتقار ذُلّ إلا لوجه الله تعالى فهو عِزٌّ وفَخَار، الدموع حُزن إلا تلك الدموع التي تذرفها عند الافتقار لله تعالى فهي منتهى العِز، الانحناء علامةٌ على الذُل إلا الركوع والسجود بين يدي الله تعالى فإنه أعظم رفعة ترفعك عند الله.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)
[ سورة فاطر ]

أنتم في منتهى الفقر إليه، وهو جلَّ جلاله في منتهى الغنى عنكم، ومع أنه الغنيُّ عنكم فإنه يحمد لكم عَمَلكم الذي هو في الأصل فضلٌ منه ومنة، فالله تعالى غنيٌّ عنك، وهبَك مالاً، ثم أنت تذهب فتُنفِق من مال الله الذي آتاك على عباد الله، فيحمَد لك ذلك ويُكافئك عليه، يعطيك المال ثم تُنفِق منه فيحمَد لك ذلك.
هل هناك جهةٌ في الأرض تفعل ذلك معك؟ يقول لك: خُذ هذ المال مِنِّي ثم لما تدفعه لشخص يُثني عليك ويُكافئُك ويعطيك أضعافاً مضاعفة والمال منه في الأصل؟! لذلك قال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) فهو رغم غناه عنك، وأنه ليس بحاجتك ولا بحاجة عبادتك، ولا مالك، ولا جاهك، ولا منصبك، رغم كل ذلك فإنك عندما تتصرف فيما وهبَك الله بالحق فإنه حميدٌ جلَّ جلاله.
يحمَد لك صنيعك ويُكافئك عليه في الدنيا سكنيةً، وقُرباً، وأُنسَاً، وتعويضاً بالأضعاف المضاعفة، وفي الآخرة جنة فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذنٌ سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر.

بطولة الإنسان أن يفتقر إلى الله اختياراً:
كلنا مُفتقِرون إلى الله، في كل لحظةٍ نحن مفتقرون إلى الله، في كل ثانية نحن لا نقوم إلا بالله جلَّ جلاله، نقطة دمٍ في شريانٍ قد تعلَق فتُسبِّبُ أمراضاً وبيلةً لا حصر لها.
في كل ثانيةٍ نحن بحاجة مولانا جلَّ جلاله، لقمة الطعام نحن بحاجة لله جلَّ جلاله، وإخراج الطعام نحن بحاجةٍ لله جلَّ جلاله.
فافتقارنا إلى الله حاصل ولا بد منه، ولكن البطولة أن نفتقر إلى الله تعالى اختياراً كما نحن مفتقرون إليه اضطراراً، فنُحسِن التوجه إليه، ونُحسِن التوكل عليه، ونجعل من هذه النقطة نقطة الضعف (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)، نجعل منها قوةً تمنعنا في الوقوع من المُحرمات، لأننا دائماً بحاجةٍ إلى مولانا فنعود إليه في كل حاجاتنا وأحوالنا، فيعصمنا ذلك من الوقوع فيما حَرَّم الله.
إلى الملتقى أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.