لماذا نسعد في رمضان؟

  • قناة الجزيرة مباشر- اللقاء الأول
  • 2022-04-10

لماذا نسعد في رمضان؟


مقدمة:
المذيع:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم في حلقةٍ جديدة من برنامجكم: " أيام الله ".

وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)
[ سورة هود ]

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم جميعاً منهم، اللهم آمين.
السعادة في الدَّاريْن قمة ما ننشده جميعاً، وفي رمضان نلحظ على وجوه الجميع ملامح السعادة والفرح، سعداء بالخيرات التي تحوطنا، ورحمات ربنا التي لا تنقطع عنا في هذه الأيام المباركات، مستبشرين وداعين ربنا بعظيم فضله أن يتقبل صيامنا وقيامنا وصلاتنا ودعاءنا، وشهر رمضان هو أكثر الشهور في حياة المسلم التي تلمس تغييراً كبيراً فيها، يسعى لاستثمار أوقاته، يدعو الله ألا يمر سريعاً بل نجد انعكاس ذلك على حياته، يدعو الله مبتهلاً أن يُبَلِّغه شهر السعادة مرات عديدة، ونحن نتَنسَّم عطر الرحمة والمغفرة والعتق من النار.
سعداء بأن بلَّغنَا الله هذا الشهر المبارك، نتحدث في حلقة اليوم عن رمضان، شهر السعادة وموسم السعادة، فيسعدنا ويُشرِّفنا أن نُرَحِّب بفضيلة الدكتور بلال نور الدين، الداعية الإسلامي، أهلاً وسهلاً بك دكتور، وكل عام وأنت بخير، ورمضان مبارك.

الدكتور بلال:
أهلاً وسهلاً بكم أستاذ مجاهد وبجميع الأخوة المتابعين، وكل عامٍ وأنت بخير إن شاء الله.

المذيع:
بارك الله فيك دكتور بلال.
دكتور بلال في البداية ما هو مفهوم السعادة في ديننا الحنيف؟

مفهوم السعادة في ديننا الحنيف:
الدكتور بلال:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، جزاكم الله خيراً على طرح هذا الموضوع الشائق والجميل ذلك أن كل الناس على اختلاف أعراقهم وأنسابهم وانتماءاتهم يبحثون عن مَطلَبين أساسين في الحياة، السلامة و السعادة، السلامة ليحفَظ الإنسان نفسه من المكروه، والسعادة ليُحقِّق ما هو جميلٌ في حياته فيسعد به.
كلنا نبحث عن السعادة، لكن ما كلنا وصلنا إلى السعادة، ذلك أن الإنسان عندما يبحث عن الشيء ينبغي أن يبحث عنه في مَظانِّه. فالذي يبحث عن اللؤلؤ في الصحراء يعود صفر اليدين، فاللؤلؤ ليس في الصحراء.
المال فيه لَذَّة
بعض الناس بحثوا عن السعادة في أموالهم، والمال فيه لَذَّة لا يُنكِر ذلك أحد، لكن لمَّا ذهب المال عادوا إلى كآبتهم، وبعض الناس بحثوا عن السعادة في مناصبهم العليا، لكن لمَّا عُزِلوا عن مناصبهم عادوا إلى ما كانوا عليه، بعض الناس بحثوا عن السعادة في البيوت الواسعة والمركبات الفارهة لكن سرعان ما تفاجؤوا بأن هذه المظاهر انتهت وعادت أمراً طبيعياً لا يُسعِدهُم، لكن المؤمن وحده بحث عن السعادة في مَظانِّها فوجدها واستمر عليها حتى يلقى ربه.
سألتني سؤالاً جميلاً جداً: ما مفهوم الإسلام عن السعادة؟ الإسلام يريد سعادةً تنبع من الداخل، لا يريد سعادةً تتعلق بأِشياء خارجية تأتي وتذهب، فمن يُعَلِّق سعادته على المال فالمال يذهب ولا يستمر، وإن استمر فعندما يغادر الدنيا يخسره كله، وكذلك المناصب، وكذلك الشهوات الأخرى كلها تذهب، لكن الإسلام يريد سعادةً تنبع من داخلك تُرافقك أينما ذهبت، سعادتك تنبع من قلبك العامر بالإيمان، فأينما كنت سواءً كنت في قصرٍ مُنيف أو في كوخ فأنت سعيد، سواءً ملكت كثير المال أو قليله فأنت سعيد، سواءً تبوَّأتَ منصباً رفيعاً أو كنت عاملاً بسيطاً فسعادتك معك في داخلك لا تحتاج إلى مؤثراتٍ خارجية، هذا الأمر الأول في مفهوم السعادة في الإسلام.
أما الثاني فيريد الإسلام سعادةً لا تنقطع، أنت تفضَّلتَ في بداية الحلقة بآية كريمةٍ رائعة: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا قال تعالى ۖ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي غير مُنقطع، فالإسلام لا يريد سعادةً تتناقص ثم تنتهي أو تَعقبها كآبةٌ مُدمِّرة، لكنه يريد أن تكون نِعَم الدنيا مُتَّصلةً بنِعَم الآخرة فيَسعد الإنسان في دنياه بالرضا، ويسعد عند لقاء ربه برضوانٍ من الله أكبر.
فالإسلام إذاً يريدك أن تبحث عن سعادةٍ تنبع من داخلك، ولا تحتاج إلى مؤثراتٍ خارجية، تفقدها فتفقد معها سعادتك، ويريد منك أن تبحث عن سعادةٍ متصلةٍ مستمرةٍ غير مُنقطعة تنتهي بك إلى جنةٍ عرضها السماوات والأرض: (عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ).

المذيع:
بارك الله فيك دكتور بلال.
لكن عندما نقرأ القرآن فضيلة الدكتور نجد آيات تُحدِّثنا عن فكرة أن هناك أشياء في الدنيا يتعلق الإنسان بها، في آية آل عمران:

زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)
[ سورة آل عمران ]

في هذه المقابَلة فكرة أن هناك شهوات يتعلق الإنسان بها في الدنيا، وجُبل عليها، وأنه لا بد أن يرى متاعاً، وأن هذا الأمر في الدنيا، لكن المتاع الحقيقي أو السعادة الحقيقية في الآخرة. كيف ترى ذلك فضيلة الدكتور؟

أكبر هَمِّ المؤمن هو آخرته:
الدكتور بلال:
بارك الله بكم.
الحقيقة أن سيدنا عمر بن الخطاب عملاق الإسلام قرأ هذه الآية التي تفضَّلتَ بها:
(زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ) فقال عمر رضي الله عنه:
(اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرحَ بما زيَّنتَه لنا)
{ البخاري }
الدنيا في يد الإنسان يملكها ولا تملكه
من منا لا يفرح بمالٍ جاءه من حلال؟ هنا نتحدث عن الحلال، مال من حلال يفرح به، (الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ) مثل السيارات الجميلة اليوم يفرح بها، البيت الواسع، الحرث، المتاع، قال: (اللهم إنا لا نستطيع إلا أن نفرحَ بما زيَّنتَه لنا، اللهم إني أسألك أن أُنفِقه في حقِّه) إذاً الفرح بالدنيا بحدودٍ معقولة لا حرج فيه لكن بشرط أن يبقى العمل في الدنيا لا لها، وأن نستخدم الدنيا لا أن تستخدمنا، فنُضَحِّي بكل شيءٍ من أجل آخرتنا، ولا نُضَحِّي بآخرتنا من أجل دنيانا، فالدنيا عندما تكون في يد الإنسان يملكها ولا تملكه، ويتحكَّم بها ولا تتحكم به، أما عندما تسيطر على قلبه فإنها تتحكَّم به وتملكه فيبيع دينه من أجلها، لذلك النبي صلى الله عليه وسلم من أدعيته والتي هي من جوامع الكَلِم صلى الله عليه وسلم، كان يقول:

{ قَلَّما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقومُ من مجلِسٍ حتى يدعُوَ بهؤلاءِ الدَّعَواتِ لِأَصحابِهِ: اللهمَّ اقسِمْ لنا مِنْ خشيَتِكَ ما تحولُ بِهِ بينَنَا وبينَ معاصيكَ، ومِنْ طاعَتِكَ ما تُبَلِّغُنَا بِهِ جنتَكَ، ومِنَ اليقينِ ما تُهَوِّنُ بِهِ علَيْنَا مصائِبَ الدُّنيا، اللهمَّ متِّعْنَا بأسماعِنا، وأبصارِنا، وقوَّتِنا ما أحْيَيْتَنا، واجعلْهُ الوارِثَ مِنَّا، واجعَلْ ثَأْرَنا عَلَى مَنْ ظلَمَنا، وانصرْنا عَلَى مَنْ عادَانا، ولا تَجْعَلِ مُصِيبَتَنا في دينِنِا، ولَا تَجْعَلْ الدنيا أكبرَ هَمِّنَا، ولَا مَبْلَغَ عِلْمِنا، ولَا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لَا يرْحَمُنا }

[الترمذي]

ما قال: اللهم لا تجعل الدنيا هَمَّنا، فكلنا عندنا هَمُّ الدنيا، نريد أن نُزَوِّج أولادنا، ونريد أن نُعَلِّمهم، ونريد أن نوفِّر لهم حياةً كريمة، لكن لا ينبغي أن تكون الدنيا أكبر الهَم، فالآخرة هي أكبر الهَمّ، فقال: (اللهم لَا تَجْعَلْ الدنيا أكبرَ هَمِّنَا) أكبر هَمِّ المؤمن هو آخرته، لأنها السعادة الحقيقية، ولكنه يتمتع بما في الدنيا بالحلال، ويُنفِق ما فيها بالحلال، وعندها لا مانع أن يفرح بما آتاه الله تعالى من فضله، قال تعالى:

قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)
[ سورة يونس ]

لا يوجد في الإسلام حرمان، عندما نتحدث عن السعادة الأُخرَويَّة لا نعني أبداً أن المؤمن محرومٌ من متاع الدنيا، ولكنه يتحكَّم بمتاع الدنيا، ولكنه يقود الدنيا له، ولا ينقاد للدنيا، وقد قيل:

{ أوحى ربك إلى الدنيا أن من خدمني فاخدميه، ومن خدمك فاستخدميه }

[ ورد في الأثر ]


المذيع:
نعم، بارك الله فيك دكتور بلال، ونحن الآن نتحدث عن السعادة في هذه اللحظة ينشر تلفزيون فلسطين فيديو لإطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي النار على سيدة فلسطينية استُشهِدت على الفور بعد إطلاق النار عليها. ربما سبحان الله ! نتحدث عن السعادة في الدنيا وفي الآخرة ونرى هذا المشهد الذي يجلب علينا جميعاً الحزن لاستشهاد هذه المرأة الفلسطينية بقوات الاحتلال الإسرائيلي، هل لك تعليق فضيلة الدكتور؟

استشهاد أخواننا برصاص العدو يحزن قلبنا ولكننا نستبشر بأن لهم الجنة:
الدكتور بلال:
المسلم أخُو المسلم
صدقت. نحن نحزن عندما نرى وينبغي أن نحزن لأن المسلم أخُو المسلم، ولأننا جميعاً نحزن لأي إنسان حتى والله لو لم يكن مسلماً يُؤذَى أو يُظلَم في الأرض فكيف لإخواننا في تلك البلاد التي احتُلَّت؟ لكن هذا الحزن يرافقه شيءٌ كبيرٌ من الأمل، الألم يُرافِقه شيءٌ كبير من الأمل، هذا الصحابي الجليل الذي جاءه سَهمٌ دخل في ظهره، فصرخ بأعلى صوته: فزتُ وربِّ الكعبة، ما الذي رآه هذا الصحابي الجليل؟ نحن رأينا مشهداً مؤلماً لكن ما الذي حصل بعده؟

قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) ِبمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)
[ سورة يس ]

فنحن ننظر من زاويةٍ واحدة، وحُقَّ لنا أن نحزن بل وجب علينا أن نتألم لما يُصيب إخواننا في مشارق الأرض ومغاربها من المظلومين، ولكن لو نظرنا بعينين اثنتين لاستبشرنا خيراً مع حزننا بأن هذه المرأة إن شاء الله ومثيلاتها من أخواتنا المُرابطات وأمثالها من أخوتنا الكرام ممن استشهدوا في سبيل الله قد ذهبوا فرحين بما آتاهم الله من فضله، ومستبشرين وهم الآن عند ربٍّ كريم يقولون: يا ليت قومنا يعلمون بما غفر لنا ربنا وجعلنا من المُكرَمين.

المذيع:
نعم. بارك الله فيك دكتور بلال، دكتور بلال ما وجه الارتباط بين شهر رمضان المبارك والسعادة؟

وجه الارتباط بين شهر رمضان المبارك والسعادة:
الدكتور بلال:
جزاك الله خيراً على هذا السؤال.
الحقيقة هذا السؤال في العمق، سأضرب مثلاً من أجل توضيحه.

المذيع:
تفضل.

الدكتور بلال:
تاجر وتجارته من النوع الصعب، تحتاج إلى عمل طوال النهار من التاسعة صباحاً إلى التاسعة مساءً في متجره، وعنده محل فرضاً لبيع السجاد، وهذا العمل مُرهِق، كلما جاء زبون يحتاج إلى أن يفرد له السجاد من أجل أن ينتقي إحداها، إلى آخره، عمله مُتعِب، في يومٍ من الأيام لم يأت أي زبون، لم يبع ولا بيعةً واحدة، فأمضى نهاره في موسم الكساد، أمضى نهاره أمام محله التجاري جالساً على كرسيه وأمامه كأسٌ من الشاي كلما انتهى كأسٌ جاءه من يعمل عنده بكأسٍ آخر، يأكل ويشرب، جسمه مرتاح 100%، لمَّا عاد إلى بيته مساءً عاد كئيباً محزوناً، سألته زوجته: ما بالك هل أنت متعب؟ قال: لا، أنا مرتاح اليوم أكثر من أي وقت في حياتي، قالت له: ولماذا أنت مكتئبٌ مهموم؟ قال: لأنني لم أٌحقِّق هدفي اليوم، لم أبع أبداً، ولم أربح ديناراً واحداً، فأنا مهمومٌ لأنني لم أُحقِّق هدفي في تجارتي اليوم.
بعد أيام كان عنده بيعٌ كثير، تعب كثيراً، أفنى نهاره في العمل، لكن باع كثيراً وربح كثيراً، رجع إلى بيته مساءً مُتعَب الجسد، مُنهَك القوى، استلقى على سريره وهو في قمة سعادته، لماذا أنت سعيد؟ لقد بعنا وحققنا الهدف من هذه التجارة، هذا المثل يُوضِّح لماذا نحن سعداء في رمضان. الإنسان خُلِقَ وهدفه أن يُرضِي ربه.

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)
[ سورة الذاريات ]

في رمضان نعمل للهدف الذي خُلِقنا من أجله
فلمَّا يُمضي وقته في نهار رمضان صائماً إرضاءً لله، أعمال صالحة وصدقات وزكاة ومساعدة للناس إرضاءً لخالقه، ثم يسهر ليله قياماً وذِكراً ودعاءً وصلاةً، أنهك جسده لكنه سعيد، لماذا سَعِد هذا الرجل رغم ما نجده في نهار رمضان من الجوع والعطش وفي ليل رمضان من التعب والسهر؟ لماذا نحن سعداء؟ لأننا نعمل للهدف الذي خُلِقنا من أجله، خارج رمضان نحن مشغولون بالدنيا، ومشغولون بكل شيءٍ ربما يُبعِدنا عن الله تعالى، فلا نجد السعادة التي نجدها في رمضان.
إذاً الإنسان متى يسعَد؟ يسعَد عندما تكون حركته في الحياة متوافقةً مع هدفه الذي خُلِق من أجله، ونحن في رمضان نتحرك الحركة الصحيحة، وهي العبادة، ولا أعني بالعبادة هنا صيام النهار وقيام الليل فحسب، وإنما كل الأعمال الصالحة، حتى عملنا مهنتنا التي نرتزق منها، فإنما نكون نعملها لوجه الله تعالى، فمساعدة الناس، مدّ يد العون للمحتاجين، أن نجعل حياتنا كلها عبادة. إذاً نحن سعداء في رمضان لسببٍ بسيط أننا قريبون من خالقنا، أننا قريبون من الله، نحن أبناء الآخرة جئنا إلى الدنيا مؤقتاً لنعود إلى الجنة التي وُعِدنا بها إن شاء الله، إلا من رَحِم ربك ولذلك خلَقَهم.
فمتى كنا قريبين من خالقنا فنحن أسعد ما نكون، ومتى ابتعد الإنسان عن خالقه شقي وأشقى:

كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ (7)
[ سورة العلق ]

في رمضان نشعر بالافتقار فنسعَد، قبل أن يأتي وقت صلاة المغرب أو وقت آذان المغرب بنصف ساعة تقريباً يبلغ التعب من الإنسان مبلغه، وقد أمضى نهاره في عمله، وغير ذلك، فيجلس مُفتَقِراً في هذه الدقائق، يكون في قمة سعادته لأنه مُفتَقِر، لقد خلقنا الله تعالى فقراء، ضعفاء:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15)
[ سورة فاطر ]

خلقنا فقراء لنفتقر في ضعفنا فنسعَد بافتقارنا، ولو خلَقنا أقوياء لا يؤثِّر فينا ترك طعامٍ ولا شراب لاعتددنا بقوَّتنا فشقينا باستغنائنا عن الله تعالى.
إذاً نحن سعداء في رمضان لأننا قريبون من الله، نحن سُعداء في رمضان لأن عملنا يتوافق مع الهدف الذي خُلِقنا من أجله، لسنا مشغولين عن هدفنا، كل أعمالنا في رمضان متوافقةٌ مع أهدافنا التي نطمح إليها وهي دخول الجنة، ورضا ربنا، ونحن سعداء في رمضان لأننا نشعر بالافتقار إلى خالقنا، وهذا الافتقار مصدر سعادتنا ومصدر عِزَّتنا.

المذيع:
نعم. بارك الله فيك دكتور بلال. دكتور بلال حضرتك في البداية قلتَ إن قرار السعادة هو قرار داخلي ينبع من داخل الإنسان، وسؤالي لفضيلتكم: ما أثر الإيمان بالله في حصول المرء على هذه السعادة؟

أثر الإيمان بالله في حصول المرء على السعادة:
الدكتور بلال:
سيدي الكريم حقيقةً لن تجد سعادةً حقيقيةً بغير الإيمان بالله، والله ربما البعض يسمع ذلك فيقول هناك سعادة، السعادة الحقيقية لن تكون إلا من خلال الإيمان بالله، قال تعالى:

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا ۚ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)
[ سورة الأنعام ]

والأمن من أعظم السعادة.

الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)
[ سورة الأنعام ]

السعادة هي سعادة الصِّلَة بالله تعالى
(بِظُلْمٍ) أي بشرْكٍ، يعني مؤمن مُوَحِّد، قال: (أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) لو قال تعالى: أولئك الأمن لهم أي ولغيرهم، لكن لمَّا قال: (أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) أي لهم وحدهم، فالأمن هو أمن الإيمان والسعادة هي سعادة الإيمان، والسعادة هي سعادة الصِّلَة بالله تعالى، لماذا؟ ما الذي يُسعِد الإنسان في الدنيا من خلال المؤثرات الخارجية؟ ثلاثة أشياء: الجمال والكمال والنوال، النوال أي العطاء. من المُناولة.
الجمال: يُسعِده منظر جميل، يجلس في بستان، ماء رقراق، عصافير تُزقزِق، يُسعده ذلك.
والكمال: يُسعده موقف كامل في الصدق، في الأمانة، يجد موقفاً كاملاً فيسعد به.
والنوال: العطاء، يأتيه مبلغ مالي ضخم، فيسعَد به.
الجمال والكمال والنوال، عندما يتصل المؤمن بالله، الله تعالى هو أصل الجمال والكمال والنوال، فكل ما في الكون من جمال إنما هو خَلْق الجميل جلَّ جلاله، وهو مَسحَةٌ بسيطةٌ من جمال الله، الله تعالى هو الجميل، ومن أسمائه الجميل جلَّ جلاله.
وكل ما تجد من مواقف الكمال في الأرض فهي شيٌ لا يمكن أن يُقارَن بكمال الإله جل جلاله الذي أعدَّ لنا جنةً عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُّذنٌ سَمِعَت، ولا خطر على قلب بشر.
وكل العطاء الذي يأتيك من البشر إنما هو يسيرٌ من عطاء الله، ولولا أن الله ألهمهم أن يُعطوك لما أعطوك، فكل العطاء من الله، والمال مال الله، ونحن إن أنفقنا إنما ننفق من مال الله جلَّ جلاله.
إذاً لمَّا يُؤمن الإنسان بالله تعالى الخالق العظيم الجميل يؤمن به إيماناً حقيقياً، فقد أحسنَ صِلَته بأصل الجمال وأصل الكمال وأصل النوال، فأي سعادةٍ تلك التي تتملَّكه وهو مع الله؟! إذا كان الإنسان مع مخلوقٍ أعطاه مبلغاً يشعر بلَذَّةٍ ومتعة، فكيف إذا كان مع الخالق الذي خلقه وخلق هذا الذي أعطاه؟! الذي خلقه ووهب المال لمن أعطاه، الذي خلقه ووهب الجمال لمن يشعر بالسعادة عندما ينظر إليه.
إذاً الإيمان خيارنا، الإيمان حياتنا، والله تعالى جلَّ جلاله قال:

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
[ سورة النحل ]

الحياة الطَّيِّبة هي حياة الإيمان، وفي المقابل قال تعالى:

وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124)
[ سورة طه ]

ما قال: حياة، قال: معيشةً. فالمُعرِض عن الله عز وجل يعيش لكنه لا يحيا، الحياة حياة الإيمان، والمُعرِض يعيش لكنه يعيش معيشة الضَّنْك مهما وجد، مهما وجد حوله من مالٍ وشهواتٍ ومناصب، إذا لم يكن متصلاً بالله تعالى فإنه يشعر بضيقٍ في صدره لا يمكن أن يوصَف لأنه ابتعد عن خالقه.
أما المؤمن فقد يفتقد بعضاً من مَلذَّات الحياة أو كثيراً منها لكن اتصاله بالله تعالى وحُسنَ صِلَته بالله تعالى تجعله سعيداً رغم ما يعانيه من ظروفٍ ومتاعب.

المذيع:
نعم.
فضيلة الدكتور بلال حضرتك تتحدث الآن على فكرة ربط السعادة بالإيمان، وأنه كلما ازداد الإنسان معرفةً بالله وإيماناً به زادت له السعادة، قد يقول المشاهد الآن: إن الإنسان قد يعتريه بعض الحُزن، بعض الهَمّ، بعض الغَمّ، هل هذا ينافي مفهوم السعادة وبالتالي يرى نفسه أن إيمانه ليس مكتملاً أو ليس مؤمناً حقيقياً؟

المؤمن خُلق للآخرة:
الدكتور بلال:
جزاك الله خيراً على هذا السؤال الرائع.
طبيعة الحياة الابتلاء
حقيقةً لا يمكن أن نقول ذلك أبداً، أي لا يمكن أن نربط بشكل عكسي، بمعنى أن يقول إنسان: أنا عندي هموم وأحزان إذاً هناك مشكلة في إيماني، لن أقول ذلك، سأقول: المؤمن يعاني ما يعانيه الناس، مَن مِنَّا لا يعاني من غلاء الأسعار إن غَلَت؟ ومن مِنَّا لا يعاني في صحته من بعض الأسقام إن وُجِدَت؟ هذه طبيعة الحياة، طبيعة الحياة الابتلاء، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الخلق والبشر، وهو أول خلق الله تعالى رُتبةً عند الله، وجد من معاناة الدنيا ما وجد، فمرَّت عليه الأيام والليالي وهو لا يجد ما يأكل إلا ما يواريه إبط بلال كما في الصحيح. ورسول الله صلى الله عليه وسلم حُوصِر في الشِّعْب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الطائف فضربه أهلها وأغرَوا صبيانهم وسفهاءهم به حتى أدموا قدمه الشريفة صلى الله عليه وسلم. فهل لعاقلٍ أن يقول: إن هذا كان نقصاً في الإيمان؟! معاذ الله. رسول الله أكمل الناس إيماناً، ولكن طبيعة الدنيا أنها جُبِلَت على الامتحان والابتلاء، فمن يجد من هموم الدنيا أو أحزانها شيئاً فهذا لا يتناقض مع سعادته، ولكنه يتفق مع طبيعة الدنيا، وهنا لا بد من أن أُبَيِّن شيئاً مهماً وأنطلق به من قوله تعالى:

أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
[ سورة القصص ]

ما معنى ذلك؟ نحن أخي الحبيب نعيش للآخرة فلما نجد من هموم الدنيا ما نجده ما الذي يُخَفِّفها عنا؟ أننا نتذكر موعود الله، (أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ) فتهون تلك الهموم في أعيننا، لأننا نتذكر أنها زائلة، وأنها مؤقتة، وأنها مهما امتدت فهي لا يمكن أن توازي نقطةً في بحر الآخرة، (أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ) أي في المستقبل (كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا).
المنحرف والبعيد عن الله يتمتع بالدنيا لكنه سُيَحضُر يوم القيامة للحساب والعقاب، أما المؤمن فيجد من الدنيا ما يجده، ويجد معها سعادة الإيمان والصِّلة بالله، ثم هو ينتظر موعود الله، انتظاره لهذا الموعود يُخفِّف آلامه، مثلاً سجين - نسأل الله أن يُفَرِّج عن السجناء - سُجِنَ ظُلماً في سجنه يشعر بالحزن أحياناً، وتغلبه عيناه بالدموع أحياناً أخرى، ثم يتذكر أن موعد إطلاق سراحه قد حان واقترب فيشعر بالسعادة.
المؤمن يشعر بهموم الدنيا ثم يسترجع فوراً أنها زائلة، وأننا خُلِقنا للآخرة، وأننا ننتظر موعود الله، وأن هذه الهموم تُكَفِّر الذنوب، وترفع الدرجات، فمباشرةً يستيقظ في داخله مارد السعادة فيُخفِّف من آلام الدنيا، ويُخَفِّف من أحزانها، لأنه ينتظر موعود الله تعالى.

المذيع:
نعم. بارك الله فيك دكتور بلال على هذا التوضيح.
دكتور بلال الحديث عن فكرة الالتزام بأوامر الله ومعرفة الله سبحانه وتعالى يزيد من سعادة المؤمن، لِمَا ينتكس بعض الأشخاص بعد الالتزام بهذه التعاليم وبالسعي إلى الله عز وجل كيف لهم أن ينتكسوا وقد ذاقوا طعم السعادة؟

انتظام حياتنا بثلاث كلمات:
الدكتور بلال:
سؤال منطقي وجميل جداً.
الآخرة غيب
أخي الحبيب؛ لأن هناك دائماً صراعاً، حُفَّت النار بالشهوات وحُفَّت الجنة بالمكاره، الدنيا نَضِرَة خَضِرَة وهي واقع، واقع مُشاهَد، الآخرة غيب، الإنسان خُلِق عجولاً، خُلِق من عَجَل، يستعجل، فالمُتَع الآنيَّة التي أمامه أحياناً تخطف بصره، الآخرة وعد، غيب، لذلك ما الذي يُمَيِّز المؤمن؟ في بداية سورة البقرة أول ما ذكر الله تعالى صفات المؤمنين قال:

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
[ سورة البقرة ]

فلما يضعف الإيمان بالغيب يعود الإنسان إلى أصل خَلْقِه وهو العَجلَة، فيستعجل المُتَع الآنِيَّة ويأخذها ويُعرِض عن الآخرة التي هي وعدٌ من الله تعالى وغيب، لذلك ما يُمَيِّز المؤمن أنه يؤمن بالغيب.
كل حياتنا و تفكيرنا ينتظمه ثلاث كلمات: نظرٌ وأثرٌ وخبر.
النظر: هو ما نشاهده بأعيننا والدنيا نظر، نشاهده بأعيننا، نسمعه بآذاننا، نلمسه بيدنا، أقصد بالنظر الحواس الخمس، فما نشاهده بالدنيا هو المرتبة الأولى من المعرفة.
العاقل ينتقل إلى الأثر: يستدل من خلال الموجود على شيءٍ لا تراه عينه فيقول: في هذه القاعة كهرباء بسبب إضاءة المصباح، هذا عاقل.
المؤمن ينتقل من الأثر والنظر إلى الخبر فيؤمن بالخبر. أحد السلف الصالح قال: لقد رأيت الجنة والنار عياناً، فقال له من حوله: انظر فيما تقول، لا أحد منا رأى الجنة والنار عياناً. فقال: (والله لقد رأيت الجنة والنار عياناً، قالوا: وكيف ذاك؟ قال: لقد رأيتهما بعيني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورؤيتي لهما بعيني رسول الله أصدق عندي من رؤيتي لهما بعينيَّ أنا، لأن بصري قد يزيغ وقد يطغى أما بصره فما زاغ وما طغى) إذاً وصل إلى مرحلة الخبر أن نؤمن بالخبر.
لذلك أخي الحبيب عندما يجد الإنسان سعادة الإيمان ثم ينحرف عنها نقول: والله لو وصل إلى اليقين بالغيب، ووصل إلى اليقين بموعود الله عز وجل فإنه لا يمكن أن يبيع سعادته التي وجدها بالدنيا وما فيها.
لكن هناك أحياناً طفرات، أي يجد شيئاً ثم تغلِبُه شهوته، عندما يصبح الإيمان أقوى من الشهوة عندها لا يمكن للإنسان أبداً أن يترك السعادة التي وجدها، وأن يُضَحِّي بها في سبيل لَذَّةٍ آنيةٍ طارئةٍ متناقصةٍ إن كانت في الحرام ستعقبها كآبةٌ مدمِّرة.

المذيع:
نعم. بارك الله فيك دكتور بلال.
إذا كان الأمر مرهوناً بالإيمان بالغيب، والجنة غيب، والنار غيب، والله سبحان الله وتعالى بالنسبة لنا غيب لا نراه، كيف يمكن أن يُقوَّي الإنسان هذا الإيمان حتى يكون حاجزاً بينه وبين الانتكاسة والبعد عن الله عز وجل؟

تقوية الإيمان بالطاعة:
الدكتور بلال:
جزاكم الله خيراً. تقوية الإيمان، الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، والدليل قوله تعالى:

وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124)
[ سورة التوبة ]

وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17)
[ سورة محمد ]

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ إنَّ الإيمانَ لَيَخْلَقُ في جَوْفِ أحدِكُمْ كَما يَخلَقُ الثّوبُ، فاسْألُوا اللهَ تعالَى: أنْ يُجَدِّدَ الإيمانَ في قُلوبِكمْ }

[ الطبراني ]

والصحابة الكرام كان بعضهم يقول لبعض: تعال بنا نؤمن بربنا ساعة، إذاً الإيمان هو عملية تراكمُيَّة وليست عملية لَحظيَّة، يمكن أن يتراكم الإيمان وأن يزداد، ويمكن إذا غفل الإنسان عن الله أن ينقص.
إذاً ينبغي أن نزيد إيماننا بالله. كيف يكون ذلك؟
زيادة الإيمان تحتاج إلى صُحبةٍ صالحة، الذي يقضي أوقاته مع الفاسدين من غير أن يشعر سينقاد إليهم، الصُّحبَة الصالحة مهمة جداً:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)
[ سورة التوبة ]

هذا أمرٌ إلهي، أن نكون مع الصادقين.
زيادة الإيمان بالغيب تحتاج إلى تلاوة يومية
زيادة الإيمان واليقين، وزيادة الإيمان بالغيب تحتاج إلى تلاوة قرآنية يومية، لاحظ أننا في رمضان أكثر التزاماً بأمر الله تعالى، ويقيناً بموعوده، لأننا نرافق القرآن في كل يوم، إن لم يقرأ الإنسان القرآن وهذا مطلوب، إن لم يقرأه في يومه فإنه يسمعه في صلاة التراويح، صلاة القيام أو في الفجر مع الإمام، فالقرآن معنا، والقرآن يُحصِّنُنا.
كثرة ذِكر الله تعالى بجميع أنواع الأذكار: قراءة القرآن، ذِكر اللسان، التفَكُّر في خلق الله، النظر في أفعال الله، وفي صفات الله، وفي أسماء الله، كله مما يزيد في الإيمان.
الابتعاد عن مجالس السوء، الاكثار من مجالس العِلم، متابعة العلماء الربَّانيِّين الذين يُعَلِّمون الناس دينهم.
كل هذه الأمور مجتمعةً تزيد في الإيمان، أما إذا أهمل الإنسان نفسه، قال: أنا مؤمن - وكلنا ولله الحمد مؤمنون - أنا مؤمن وترك نفسه، مثل الطبيب، أنا طبيب وتخرجتُ ولم يعد يحضر أي مؤتمر، ولم يقرأ أي مجلة طبية، ولا يتابع أي ندوة طبية، ولا يزيد من معلوماته، بعد عشر سنوات لا يطرق بابه مريض، لأنه لم يزد في طِبِّه، الطب يحتاج إلى متابعة، كل إنسان يحتاج إلى أن يُتابع تخصصه حتى لا ينسى، حتى لا يغفل، المتابعة مطلوبة.
فالمؤمن أن يقول: أنا مؤمن وانتهى الأمر، لا، الإيمان عمل يومي، يومياً أنت بحاجةٍ إلى أن ترافق مؤمناً، يومياً أنت بحاجةٍ إلى أن تؤدي الصلوات في خشوع وهدوء، وإن استطعتَ في جماعة فهذا أفضل وأفضل، أنت بحاجة يومياً إلى ذِكر الله، كما أنك يومياً تأكل الطعام ينبغي يومياً أن تذكر الله تعالى، وإلا ضَعُف الإيمان، وكلنا ذلك الرجل، من منا لا يضعف إيمانه إذا ترك العبادة والطاعة أياماً؟ يشعر بنفسه قد تراجع إلى الوراء، يحتاج إلى شحن يومي.
لذلك الإسلام جعل في اليوم خمس صلوات للشَّحن، وفي السنة شهر رمضان للشحن، وفي العمر الحج لشُحْنةٍ روحيَّةٍ عظيمة هائلة.
إذاً لا بد أن نشحن أنفسنا بذكر الله تعالى، وبصحبة الصالحين، وبالابتعاد عن مجالس السوء، وملازمة صلوات الجماعة، وحتى صيام النَّفل بعد رمضان إن شاء الله، كل هذه الأمور والأعمال الصالحة تزيد في الإيمان فيبقى الإنسان على الجادة، ويبتعد عن الانحراف والعودة والانتكاسة.

المذيع:
بارك الله فيك دكتور بلال.
ابق معي، مع عدد من الاتصالات سنأخذها سريعاً ثم سنكتمل هذا الحوار الماتع.
وسؤال الحاج كما فهمت منه لأن الصوت كان ينقطع، فكرة السعادة وانقضاء شهر رمضان، ما فهمت السؤال ربما هو يقصد فكرة ربط السعادة بالصيام. والله أعلم.

الحكمة من فرح الإنسان إذا انقضى شهر رمضان:
الدكتور بلال:
نعم. سيدي يقول صلى الله عليه وسلم:

{ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَام َ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ }

[ البخاري ]

الفِطر يوم الجائزة
نعم يفرح الإنسان إذا انقضى شهر رمضان، لا لأنه انقضى فهو كان أسعد الناس فيه، ويتمنى أن تكون السَّنة كلها رمضان، لكنه يفرح بفِطْره، لأن الفِطر يوم الجائزة، فقد انقضى تعب هذه الأيام وبقي أجرها وسعادتها إلى يوم القيامة، وأما من ترك الصيام والقيام فقد انقضت لذائذه، وبقيت متاعبه إلى يوم القيامة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ) إن شاء الله بأول يوم من شوال صبيحة العيد نفرح جميعاً، نحن نحزن على فراق شهرنا لكن نفرح لاستقبال عيدنا فهذا مطلوب، والله تعالى يقول:

قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)
[ سورة يونس ]

فنحن نفرح بصيامنا، ونفرح بطاعتنا، ونفرح بطاعة الفطر، كما نفرح بطاعة الصيام، نحن الآن نفرح بطاعتنا لله بالصيام. بالأول من شوال الصيام حرام لو الإنسان استيقظ بواحد شوال قال: أريد أن أصوم، نقول له: هذا حرام، يجب اليوم أن تفرح بالفطر كما فرحتَ ثلاثين يوماً بالصوم، فالفرح في أول رمضان وفي آخر رمضان مشروع، والسعادة مشروعةٌ في رمضان، بل مطلوبةٌ بل مأمورٌ بها (فَلْيَفْرَحُوا).

المذيع:
نعم. بارك الله فيك فضيلة دكتور. دكتور منيف من اليمن كان يسأل على فكرة سعادة المؤمن وغير المؤمن، الفرق بينهم؟

الفرق بين سعادة المؤمن وغير المؤمن:
الدكتور بلال:
كما أسلفتُ في البداية سمَّيتُ من يسعد في الدنيا من غير المؤمنين أو المنحرفين أو البعيدين عن الله عموماً سمَّيتُها لذائذ، ولكي أكون واقعيَّاً نعم في الدنيا لذائذ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:

{ الدُّنْيا سِجْنُ المُؤْمِنِ، وجَنَّةُ الكافِرِ }

[ مسلم ]

ففيها لذائذ، وفي الحقيقة حتى نكون واقعيين البعيد عن المنهج وعن الضوابط وعن القيم يستمتع بالدنيا أكثر ما يستمتع بها المؤمن، لأن المؤمن عنده حدود، في المرأة عنده زوجته فقط، وفي المال عنده الحلال فقط، وفي المناصب عنده المنصب الذي يُقيم فيه شرع الله فقط، أما البعيد عن الله فعنده من اللذائذ ما عنده، يستمتع بالمال ما يشاء من حلالٍ أو حرام، من نساء بغير ضوابط والعياذ بالله، بالمناصب بغير ضوابط، أي ليس عنده ضوابط. فهو يسعد في الدنيا لكن سمَّيناها لَذَّةً حتى نُفَرِّق بينها وبين السعادة.

الفرق بين اللذة والسعادة:
السعادة كما قلنا في البداية مُتنامية وتنتهي بجنةٍ عرضها السماوات والأرض، وتنبع من الداخل.
اللذائذ وأظن الأخ سأل في النهاية عن السعادة واللذة.

المذيع:
صحيح.

الدكتور بلال:
طبيعة الحياة أن اللذائذ فيها متناقصة
واللذائذ تحتاج إلى مؤثرات خارجية ومتناقصة وليست مُتنامية. كيف مُتناقصة؟ إنسان اشترى سيارة في اليوم الأول، هو أسعد الناس بالسيارة الفارهة، كل ساعة ينزل إليها ويحاول أن يتعرف ميزاتها الجديدة، بعد أسبوع تصبح أقل بكثير من اليوم الأول، بعد شهر أقل، بعد أشهر تصبح السيارة التي يركبها أمراً عادياً ينزل إليها فقط من أجل أن توصله للمكان، تصبح مجرد واسطة نقل، وينسى ما وجده في اليوم الأول من لذَّتها، هذه طبيعة الحياة أن اللذائذ فيها متناقصة وليست متنامية، بينما السعادة سعادة المؤمن متنامية ولا تنقطع، الموت نقطةٌ في الخط وبعدها أسعد مما كان قبلها، هذا هو الفرق بين سعادة المؤمن ولذائذ المنحرف، وهذا هو الفرق عموماً بين السعادة واللذَّة، السعادة تنبع من الداخل واللذَّة تحتاج إلى مؤثرات خارجية تزول بزوالها.
السعادة متنامية وتنتهي بجنةٍ عرضها السماوات والأرض، اللذَّة متناقصةٌ وإن كانت في حرام تنتهي بالكآبة.
وآخر شيء ؛ السعادة الحقَّة هي المتصلة بنعيم الجنة، وأما اللذائذ فليس بعدها إلا السخط والعياذ بالله.

المذيع:
نعم. بارك الله فيك دكتور بلال.
نمشي بترتيب هذه الحلقة بمن سأل أولاً نجيبه أولاً.
منيف من اليمن كان له سؤال: فكرة هل تتفاوت السعادة بين المؤمنين؟

تفاوت السعادة بين المؤمنين:
الدكتور بلال:
نعم، تتفاوت بلا شك، فكلما كان الإنسان أقرب من الله تعالى، وأكثر أعمالاً صالحة زادت سعادته، وكلما ابتعد عن الله أو نقصت أعماله الصالحة قلت سعادته.

المذيع:
نعم بارك الله فيك دكتور بلال.
عبد الفتاح من الأردن يسأل عن الآية الكريمة:

فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2)
[ سورة الطلاق ]

و يقول: ما نراه في الحياة أنه من لا يتَّقِي الله هو أكثر رزقاً ومالاً وسعادةً؟

من يتق الله يجعل له مخرجاً والمَخرَج يُقَدِّره الله تعالى وفق حكمته:
الدكتور بلال:
الرزق ليس مالاً فقط
كأني بالأخ الكريم جزاه الله خيراً قد حَصَر مفهوم المَخرَج الذي يعقب التقوى بالمال، والرزق ليس مالاً فقط، الرزق ليس مالاً، كم من إنسانٍ آتاه الله مالاً ثم أُصيب في صحته فتمنى لو زال المال كله عنه ويعود إليه بصره أو يعود إليه عمل كُليَته، فالرزق والمَخرج ليس مالاً فحسب، راحة البال رزقٌ أعظم من المال، السَّكَينة التي تتنزل على النفس مَخرجٌ من هموم الدنيا أكثر من مَخرج المال، فعندما يقول تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) هذه سُنَّةٌّ إلهية وإن كانت وردت في موضوع الطلاق بمعنى أنه من يتَّقِ الله في تطليق زوجته يجعل الله له مَخرجاً إلى إرجاعها، لكن لو نُزِعَت من سياقها فلها معنى السُّنَّة، سُنَّة إلهيَّة.
فالله تعالى من يتَّقيه يجعل له مخرجاً، هذا المَخرَج يُقَدِّره الله تعالى وفق حكمته، فإن كان المَخرَج بمالٍ أعطاه المال، وإن كان المَخرَج بسكينةٍ أنزل على قلبه السَّكينة، وإن كان بصحةٍ أعطاه الصحة. فالمَخرَج من الله أعظم من أن نحصره في أنه أخذ مالاً.

وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)
[ سورة الإسراء ]

كم من إنسان يدعو يريد شيئاً وهذا الشيء شرٌّ له وهو يظنه خيراً.

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)
[ سورة البقرة ]

فليُسَلِّم الإنسان الأمر لله تعالى، وليعلم أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وما أصابه لم يكن ليُخطِئَه، وليعلم أنه ربما أعطاك فمنعك، وربما منعك فأعطاك، فالمنع أحياناً يكون عين العطاء.

المذيع:
أبو أنس كان يسأل عن فكرة السعادة الفردية والسعادة الجماعية ويقول حديث النبي صلى الله عليه وسلم (من أدخَل السرور على قلب مسلم هي من أقرب القُرُبات إلى الله عز وجل) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فهل السعادة الجماعية فرض أم اختيارية؟

السعادة في العطاء:
الدكتور بلال:
أحسَنَ أخي أبو أنس إذ سأل هذا السؤال.
سئل حكيمٌ من أسعدُ الناس؟ فقال: من أسعَد الناس، وإذا أردت أن تسعَد فأسعِد الآخرين.
قمة السعادة في العطاء لا في الأخذ
صَدِّق أخي الكريم ولا أُبالغ أن قمة السعادة في العطاء لا في الأخذ، ولا يعرف ذلك إلا من جرَّبه من المحسنين، السعادة أن تعطي لا أن تأخذ، كلنا يفرح إذا جاءه شيءٌ وأخذه، لكن من ذا الذي يفرح إذا أعطى؟ هذا هو المؤمن الحق، السعادة في العطاء، هل هي واجبةٌ أم مندوبة؟ بل واجبة. الشاعر قديماً قال:
فلا هطَلَت عليَّ ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا
{ أبو العلاء المعري }
أن أبيت شبعان وجاري إلى جنبي جائعٌ وأنا أعلم، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ ما آمن بي من بات شبعانَ وجارُه جائعٌ إلى جنبِه وهو يعلم به }

[ البزار و الطبراني ]

ينفي عنه إيمانه الكامل صلى الله عليه وسلم، إذا كان يعلم أن جاره في البناء جائع وهو يفطر وعلى مائدته أنواع كثيرةٌ من الطعام ولا يبالي بمن حوله، فإذا أردتَ أن تسعَد فأسعِد الآخرين.
السعادة كل السعادة في الإسعاد، أسعدُ الناس من أسعَد الناس، فشكراً لهذا السؤال لأننا بحاجةٍ دائماً أن ننتبه إلى أن السعادة في العطاء وليست في الأخذ، يجد المعطي من السعادة أضعاف ما يجده الآخِذ عندما يجد آثار عمله بسمةً على وجه يتيم، أو شكراً من إنسانٍ صالح، أو من إنسانٍ قد أُجرِيت له عمليةٌ جراحيةٌ بمال هذا المُحسِن.

المذيع:
نعم. بارك الله فيك دكتور بلال.
عبد الرحمن من مصر كان يسأل عن فتوى حج العمالة الذي يأخذ تأشيرة عمل ويأتي عليه وقت الحج فيذهب إلى الحج، فهل يأخذ ثواب الحج أم يكون ثواباً منقوصاً أم ماذا؟

القبول هو الثواب من الله:
الدكتور بلال:
القبول هو الثواب من الله، نسأل الله أن يُثيبَه وأن يقبله.

المذيع:
آمين يا رب.

الدكتور بلال:
إذا كان في الأصل أخذ فيزا عمل بطرق نظامية من غير أن يدفع رشاوى لأحد وإنما هي فعلاً فيزا عمل، ثم أدركه الحج وتيسَّر دخوله وحجَّ فحجه إن شاء الله مبرورٌ مقبول، أما من يريد أن يذهب إلى الحج فيتحايل بدفع رشاوى معينة من أجل أن يحصل على فيزا غير فيزا الحج ثم يذهب بها فهذا لا أفتي له بذلك، لأنه يبدأ حجَّهُ بمعصية الرشوة، أما لو هو فعلاً ذهب بفيزا عمل وربنا عز وجل يسر له الحج فهنيئاً له، ونسأل الله له القبول إن شاء الله.

المذيع:
نعم. لكن هناك أيضاً بعض فيز العمل المُتعَلِّقة بالحج، أي عمل داخل الحج، ووقتها هو يعمل وفي نفس الوقت في المناسك وينوي الحج، هذا جائز فضيلة الدكتور؟

من ذهب إلى الحج بفيزا متعلقة بالحج فحجه مقبول مبرور:
الدكتور بلال:
نعم، نعم جائز.

لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28)
[ سورة الحج ]

هو ذهب إلى العمل كطبيب أو أحياناً كلحَّام أو شيء مما يتطلبه الحج وكان في المناسك ودون أن يُقَصِّر بعمله، أدى حجَّه فإن شاء الله مقبول مبرور.

المذيع:
إن شاء الله، بارك الله فيك دكتور بلال، حامد من السودان كان يسأل عن الآية الكريمة قال تعالى:

وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ۚ كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ﴿71﴾
[ سورة مريم ]

والآية الأخرى:

إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101)
[ سورة الأنبياء ]

كيف نفهم هاتين الآيتين؟

ورود النار لا يعني دخولها:
الدكتور بلال:
نعم ورود النار لا يعني دخولها، ورود النار شيء ودخولها شيء، الورود كلنا سنرد النار، أي سنطَّلِع عليها من أجل أن نرى عدل الله تعالى المطلق، قال تعالى:

قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51)

ثم يقول تعالى:

فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55)
[ سورة الصافات ]

المؤمن لا يدخل النار ولا يسمع حسيسها
فورود النار لا يعني دخولها، المؤمن لا يدخل النار ولا يسمع حتى حسيسها، أبداً. لكننا قبل الدخول إلى الجنة إن شاء الله تعالى - نسأل الله الجنة لجميع المسلمين - قبل أن ندخل الجنة نرد النار أي سنطلع عليها.
تماماً كما لو أنك أنشأت سجناً حضارياً فيه ما فيه من الكمبيوترات، وفيه غرف المطالعة، وغير ذلك، فجاءك زائرٌ هو وزير داخلية من دولة أخرى، فأخذته إلى هذا السجن لتطلعه على ما فيه من تقدُّمٍ وتحَضُّرٍ، فهذا الوزير لا يسمى سجيناً وإنما يسمى زائراً وارداً للسجن، جاءه وراداً وليس داخلاً، فنحن سنرد النار جميعاً لا سندخلها، وهذا هو التفريق بين الآيتين.
المؤمن لن يدخل النار ولن يسمع حسيسها إن شاء الله، الذي استحق الجنة مباشرةً، لكن سيرد النار ليرى عدل الله تعالى، ومصير الطُّغاة والظالمين الذين نَكَّلوا بالناس وأذاقوهم صنوف العذاب.

المذيع:
نعم. بارك الله فيك دكتور.
فطيمة من موريتانيا كانت تسأل عن فكرة كيف نجدد العلاقة مع الله عز وجل بالرغم من كثرة الذنوب التي يقع فيها الإنسان؟

تجديد العلاقة مع الله:
الدكتور بلال:
الله تعالى أقرب إلينا من حبل الوريد
أكثر مدخل للشيطان على الإنسان أن يوهمه أن ذنوبه أو كثرتها ستحول بينه وبين الله، وودَّ الشيطان لو يظفر منا بذلك، أن نستكثر ذنوبنا فنبتعد عن ربنا، الله تعالى أقرب إلينا من حبل الوريد، ومهما تكاثرت الذنوب ينبغي أن نلجأ إليه أكثر وأكثر، نزيد من علاقتنا بالله تعالى من خلال الذِّكر، ذكر الله تعالى:

الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)
[ سورة الرعد ]

فأعظم ما يزيد الإنسان قُربَه من الله يزيد من ذكره لله، وأن يزيد من النوافل، يقول تعالى في الحديث القدسي:

{ مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، هذا أول شيء، الفرائض لا بد منها قال: وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ - صلاة، صيام، أعمال صالحة - فإذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عن شَيءٍ أنا فاعِلُهُ تَرَدُّدِي عن نَفْسِ المُؤْمِنِ؛ يَكْرَهُ المَوْتَ، وأنا أكْرَهُ مَساءَتَهُ }

[ البخاري ]

فعندها لا يسمع إلا بنور الله، ولا ينظر إلا بنور الله، ولا يُحَرِّك يده إلا في رضا الله، و لا يحرك برجله إلا بما يرضي الله.

المذيع:
نعم. بارك الله فيك دكتور بلال على هذا الإجابة الطيبة.
للحفاظ على الوقت، الدكتور سيجاوب حضرتك حالاً، كسرنا قاعدة الترتيب ليجيب على سؤالك ويطمئن قلبك.
يكون واقفاً خلف الإمام يُصلّي وهو يُمسك الميكرفون بيده ويتحرك بيده من غير أن يضع يده في المكان المفترض الذي يضعه فيه، سواء ركوعاً أو سجوداً، هذا هو سؤالك؟ فضيلة الدكتور هل هذا الأمر يؤثر على صحة أحد المأمومين؟

على الإمام ألا يكثر التحرك في الصلاة وأن يأتي بها على الوجه المطلوب:
الدكتور بلال:
أما المأمومون فصَلاتُهم صحيحةٌ بلا خلاف، وليس عليهم شيء، فلا يقلق إن شاء الله من هذا الموضوع، صلاته صحيحة، وأما الإمام فننصح له إذا كان يستطيع أن يضع المايك على صدره من أجل ألا يكثر التحرك في الصلاة وأن يأتي بها على الوجه المطلوب، فهذا الأصل، وهذا ما ينبغي في مساجدنا، وهذا لا يُفعَل إلا في حال الضرورة فقط، هذا الكلام للإمام، أما المأموم فصلاته صحيحة بغض النظر عما يفعله الإمام إن شاء الله.

المذيع:
نعم. بارك الله فيك دكتور بلال , نعود إلى الأسئلة بالترتيب.
سيدي من موريتانيا كان يسأل عن فكرة ما هو مستوى العلم الذي ينبغي على المسلم أن يحصل عليه حتى يجد حلاوة الإيمان؟

مستوى العلم الذي ينبغي على المسلم أن يحصل عليه:
الدكتور بلال:
هذا يسميه أهل العلم: ما ينبغي أن يُعلَم من الدين بالضرورة، ما ينبغي أن يُعلَم من الدين بالضرورة، نعم ما كل الناس سيدرسون علوم الشريعة وليس هذا مطلوباً من الجميع، أي:

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)
[ سورة آل عمران ]

العِلم يُورِّث الخشية من الله
فجزء من الناس يتعلمون العلوم الشرعية وهذا فرض كفاية، لكن المؤمن العادي، المؤمن الذي يعمل في أعماله غير متخصص، أي يمكن أن يذوق حلاوة الإيمان أكثر مما يذوقها من عنده أكبر شهادة في الشريعة، فالموضوع هنا ليس مُتعلِّقاً بالعلم النظري وإنما مُتعَلِّق بالعِلم الذي يُورِّث الخشية من الله، قال تعالى:

أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)
[ سورة الزمر ]

فسمَّى هذا الإنسان الذي يقنت في الليل، يقنت في الليل ويدعو ربه ساجداً وقائماً سمَّاه عالِماً، فالمؤمن الذي يستقيم على أمر الله ويعلم الحلال والحرام في حياته، والحلال والحرام في مهنته، يذوق حلاوة الإيمان.
إذاً ما ينبغي أن يُعلَم من الدين بالضرورة: أركان الإسلام، وأركان الإيمان، وبعد ذلك الحلال والحرام في أسرته وفي عمله.

المذيع:
نعم، بارك الله فيك دكتور بلال.
جعفر كان يسأل عن الصلاة خلف إمام لا يُتقِن الفاتحة ومُتَمَسِّك بالإمامة ولا يريد أن يتركها، ماحكم الصلاة خلفه؟

حكم الصلاة خلف إمام لا يتقن فاتحة الكتاب:
الدكتور بلال:
الفاتحة ركنٌ من أركان الصلاة على قول جمهور أهل العِلم، فلا بد أن يؤتَى بها على الوجه المطلوب، ومن كان لا يُتقِن قراءتها ويُخطِئ فيها فإما أن يكون غير قادرٍ على غير ذلك فهذا له العُذر:

فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ ۗ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)
[ سورة التغابن ]

وإما أن يكون قادراً ولا يفعل فصلاته غير صحيحة، لكن على الحالتين لا ينبغي أن يُنَصِّب نفسه إماماً، فإن أصرَّ وكان المُصَلُّون مُجمِعين على أنه يُخطِئُ في الفاتحة، وأصرَّ على الإمامة فلا بد أن يُرفَع أمره إلى الأوقاف المسؤولة في ذاك البلد، أو إلى لجنة المسجد إن لم يكن هناك أوقاف حتى يتم معالجة الأمر، وتنصيب إمام يكون قارئاً يُحسن القراءة.

المذيع:
نعم، بارك الله فيك دكتور بلال.
كمال من مصر يسأل سؤالاً عن امرأة أرملة هل يجوز أن تتزوج بدون وليّ أو بدون علم الولي لأن إخوانها غير موافقين على زواجها إلا من رجل غني وهي تريد أن تَعفَّ نفسها؟

حكم عضل المرأة في الإسلام:
الدكتور بلال:
لا يجوز أن تُعضَل امرأةٌ أو تُمنَع من الزواج
إذا تم العَضل، يسمى هذا في الفقه الإسلامي العَضل، بمعنى أن يمنع ولي الفتاة سواءً كان أباً أو أخاً أو عمَّاً أو خالاً أن يمنع تزويجها من الكفء لها الذي هو على خُلُقٍ ودين، يأتيها من هو على خُلُقٌ و دين، ثم يرفضه ينتظر أن يأتيها صاحب مال مثلاً أو لا يريد أن يزوحها أصلاً، يريد أن تبقى في البيت عنده لخدمته، وهذا للأسف موجود وإن كان نادراً، ولكنه موجود للأسف الشديد، فعندها ترفع أمرها إلى القاضي في بلدها ويُزَوِّجَها القاضي، فلا يجوز أن تُعضَل امرأةٌ أو تُمنَع من الزواج، أما أن تذهب وحدها وتتزوج دون قاض ودون عقد شرعي فهذا لا يصح، في كل بلد هناك قاض شرعي تذهب إليه وتقول له: أهلي لا يزوجونني، أنا أريد أن أُعِفَّ نفسي، فالقاضي يُزَوِّجُها إن شاء الله.

المذيع:
نعم، بارك الله فيك دكتور.
سؤالنا، أخونا خالد من مصر يسأل: الوالدة كبيرة في السن، قاربت التسعين، تطلب منه بعض الطلبات، تريد أن تحج وهو لا يستطيع مادياً أن يفعل ذلك، طلبت منه عند وفاتها أن يُجَهِّز لها سُرادِق عزاء كبير وهو مادياً لا يستطيع ذلك، فهو يريد من باب أن يبرها ومن ناحيةٍ أخرى هناك ظروف مادية ضاغطة عليه فماذا يفعل؟

لا يكلف الله نفساً إلا وسعها:
الدكتور بلال:

لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ۖ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (7)
[ سورة الطلاق ]

وليس عليه إلا ما يستطيع، وبغير ذلك فهو غير آثم إن شاء الله تعالى، إن كان قادراً أن يذهب معها إلى الحج فليفعل، فإن لم يكن قادراً فليعتذر إليها وليس عليه إثم، وبعد أن يتوفاها الله - نسأل الله لها الصحة وطول العمر - بعد الوفاة يفعل ما يستطيعه، فإن تمّ العزاء في بيته فهذا جيد، وإن كان أمام البيت فهذا جيد، وما يستطيعه يفعله، ولا يكلف نفسه مالاً وشيئاً لا يستطيعه، أو يُقَصِّر به على أهل بيته، وطعامهم، وشرابهم، فلا يُكلِّف الله نفساً إلا وسعها.

المذيع:
بارك الله فيك دكتور بلال.
دكتور بلال بالعودة إلى الحديث عن السعادة. يقول الإمام ابن تيمية: (إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة).
البعض قد يجد الذِّكر والدعاء والصلاة والصيام والعبادة بكل صورها ثقيلة عليه، فكيف يصل إلى هذه الدرجة من انشراح الصدر من العمل الصالح؟

الإخلاص في العبادات:
الدكتور بلال:
في رمضان نذوق جنة القُرْب من الله
نعم (في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الاخرة)، جزاك الله خيراً. هذه جنة القُرب، جنة القُرْب من الله، كلنا نذوقها الآن في رمضان، أظن كثيراً من المشاهدين يشاركونني الرأي، أننا نذوق جنة القُرْب في رمضان سواءً بلحظات السَّحَر، أو قبل الفِطْر، أو عند القيام، هذه جنة القُرْب، والذي يجد ثِقَلاً أحياناً في العبادة فأولاً التكليف كُلْفة، لن يزول الثِّقل في العبادة لو لم يكن التكليف فيه كُلْفة، لما كانت تكليفاً أصلاً، أي لو كان التكليف سهلاً على النفس فكيف يرقى المؤمن عندما يُنَفِّذ أمر الله؟! كل الناس كانوا أقبلوا على الطاعة إذا ليس فيها كُلفَة، فالكُلفَة موجودة.
كان أحد الصالحين يقول: تعذَّبتُ بالصلاة عشرين سنة، ثم تنَعَّمتُ بها عشرين سنةً أخرى، بقي عشرين سنة يقوم إلى الصلاة ونفسه تنازعه إلى تركها ثم تنَعَّم بها عشرين سنة، أي انتقل من حالة أرحنا منها إلى حالة أرحنا بها.
النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:

{ يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها }

[ ابن داوود ]

قال تعالى:

وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)
[ سورة البقرة ]

(وَإِنَّهَا) أي الصلاة. (لَكَبِيرَةٌ) أي صعبةٌ شاقةٌ.
الخشوع في الصلاة يجعل الصلاة سهلةً
فالذي يجد الخشوع في الصلاة تصبح الصلاة سهلةً عليه، والذي لا يجد الخشوع فيها تصبح صعبةً، لكنه مأجورٌ في الحالتين إن شاء الله تعالى، حتى نكون واقعيين.
من منا لم يقف في صلاةٍ مثلاً في عمرته في بيت الله الحرام أمام الكعبة المشرفة أو في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: تمنَّيتُ ألا تنقضي تلك الصلاة لشدة ما وجدتُ فيها من الأُنْس والسعادة والقُرْب والخشية لله تعالى؟
إذاً العبادات عندما نخلص فيها لوجه الله تعالى، ونستحضر فيها عظمة الله، وخشية الله، تصبح هيَّنةً طَيّعَةً على النفس، وعندما تكون بعيدة عن مقاصدها تصبح صعبةً، لكن المؤمن في الحالتين لا يترك فرضاً فرضه الله عليه سواءً وجد في هذا الفرض سعادةً في داخله وهناءً وسروراً، أو وجد فيه مَشقَّةً لأنه يعلم أنه في كلتا الحالتين مأجورٌ مبرورٌ إن شاء الله.

المذيع:
إن شاء الله. بارك الله فيك دكتور بلال. لم يتبق إلا دقيقة ونريد هذه السؤال باختصار فضيلة الدكتور.
أحمد يتحدث عن السعادة في رمضان، هل يكفي الشهر الفضيل ليكون مدخلاً للوصول على السعادة؟

رمضان شهر انطلاقة إلى السعادة:
الدكتور بلال:
شهر رمضان انطلاقةً إلى السعادة
يكفي لكي يكون انطلاقةً إلى السعادة، يكفي لكي يكون انطلاقةً، ما نذوقه في هذا الشهر من حلاوة الإيمان وحلاوة القُرْب ينبغي أن يُشَكِّل عندنا أساساً ودافعاً لنستمرَّ بعد رمضان كما كنا في رمضان.
فربُّ رمضان هو ربُّ كل الشهور والأعوام، والذي أدخل على قلوبنا السرور والسعادة في رمضان قادرٌ أن يُدخِلُها في كل وقتٍ وآن، فهذا الشهر الكريم يكفي لكي يكون نموذجاً عما يفعله القُرْب من الله تعالى، والأُنس به، والافتقار إليه، في نفس المؤمن ليتابع بعد رمضان التَّرقِّي والصعود في سُلَّم القُرْب من الله تعالى، فلا نريد لرمضان أن يكون مُدافعةً للتَّدنِّي ولكن نريد منه أن يكون متابعةً للترقِّي إن شاء الله تعالى.

خاتمة وتوديع:
المذيع:
في نهاية حلقتنا مشاهدينا نتقدم بالشكر لفضيلة الدكتور بلال نورد الدين على وجودك معنا في هذه الحلقة، شكراً جزيلاً لك فضيلة الدكتور.
وندعو ما كان يدعو به نبينا صلوات ربي وسلامه عليه، فعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال:

{ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بها هؤلاء الكلمات: اللهمَّ بعِلْمِكَ الغيبَ وقُدْرَتِكَ عَلَى الخلَقِ، أحْيِني ما علِمْتَ الحياةَ خيرًا لِي، وتَوَفَّنِي إذا عَلِمْتَ الوفَاةَ خيرًا لي، اللهمَّ إِنَّي أسألُكَ خشْيَتَكَ في الغيبِ والشهادَةِ، و أسأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا والغضَبِ، وأسألُكَ القصدَ في الفقرِ والغِنَى، وأسألُكَ نعيمًا لَا ينفَدُ، و أسالُكَ قرَّةَ عينٍ لا تنقَطِعُ، وأسألُكَ الرِّضَى بعدَ القضاءِ، وأسألُكَ برْدَ العيشِ بعدَ الموْتِ، وأسألُكَ لذَّةَ النظرِ إلى وجهِكَ، والشوْقَ إلى لقائِكَ في غيرِ ضراءَ مُضِرَّةٍ، ولا فتنةٍ مُضِلَّةٍ، اللهم زيِّنَّا بزينَةِ الإيمانِ، واجعلنا هُداةً مهتدينَ }

[ النسائي ]

اللهم آمين. أشكركم مشاهدينا إلى أن ألقاكم غداً، لكم كل التحية.
والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته