• الحلقة السابعة عشرة
  • 2022-04-18
  • برنامج في ثنايا القرآن
  • قناة يمن شباب

أحسن الحديث

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ الحمدُ للهِ رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.


عشر صفاتٍ في غاية الأهمية لكتاب الله تعالى:
أيُها الإخوة الأحباب؛ يقول تعالى في كتابه الكريم مُتحدِّثاً عن القرآن الكريم:

اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(23)
[ سورة الذاريات]

هذه الآية الكريمة تضّمنت عشرَ صفاتٍ في غاية الأهمية لكتاب الله تعالى ينبغي أن نتدبرها بصحبتكم.

1 ـ القرآن كلام الله تعالى:
عظمة المُنزَّل من عظمة المُنزِّل
الصفة الأولى: الله نزَّل؛ فالقرآن كلام الله تعالى وهو الذي نزّله جلَّ جلاله، وعظمة المُنزَّل من عظمة المُنزِّل، فإذا كان المُنزَّل قرآناً كريماً عظيماً فإن المُنزِّل جلَّ جلاله هو الذي أنزله، فقيمة هذا الكلام من قيمة قائله جلَّ جلاله لذلك:

{ يقولُ الرَّبُّ عزَّ وجلَّ: من شغلَهُ القرآنُ عن ذِكري ومسألتي أعطيتُهُ أفضلَ ما أعطي السَّائلينَ، وفضلُ كلامِ اللَّهِ على سائرِ الكلامِ كفضلِ اللَّهِ على خلقِهِ }

[أخرجه الترمذي]

الله نزله فيجب أن تنتبه لأن الله تعالى هو الذي نزل هذا الكلام.

2 ـ الله تعالى هو من أنزل القرآن ولا أحد غيره:
ثانياً: الله نزَّل ولا أحد غيره وهذا لم يرد في الآية صراحةً، ولكنه ورد ضمناً، كأن يقول قائلٌ مثلاً - ولله المثل الأعلى -: الملك أصدر هذه الزيادة أو تلك العلاوة على الراتب، الملك أصدر وكأنهم يريدون أن يقولوا: إنه لم يُشاركه أحدٌ في ذلك فهو الذي أمر بهذا القرار وأصدره.
الله نزَّل أي ولا أحد غيره، هذه الصفة الثانية أو الميزة الثانية.

اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(23)
[ سورة الذاريات]


3 ـ القرآن الكريم أحسن الحديث:
كل ما في القرآن هو إخبارٌ عن الله تعالى
الصفة الثالثة: هو أحسن الحديث، كلُّ ما نتكلمه من أحاديث، وسُمِّي الحديث حديثاً لأنه يستجدُّ، فيه جِدَّة، يحدث، كل ما نتكلم به في حياتنا حديث، فأي حديثٍ هو أحسن حديث، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ إنه كلام الله تعالى، فهو أحسن الحديث، وسمّى الله تعالى كلامه حديثاً لأنَّ كل ما فيه إنما هو إخبارٌ عن الله تعالى سواء كان الإخبار عن قصةٍ سبقت، أو عبرةٍ مضت، أو كان عن أمرٍ ونهي، فهو في المحصلة إخبارٌ عن المولى جلَّ جلاله.
الله نزل أولاً ولا أحد غيره استنبطناها من مفهوم الكلام ثانياً، أحسن الحديث ثالثاً.

4 ـ القرآن مكتوبٌ في السطور كما أنه محفوظٌ في الصدور:
رابعاً: (كِتَابًا) فالقرآن مكتوبٌ في السطور كما أنه محفوظٌ في الصدور فشاءت حكمة الله تعالى أن يبقى القرآن الكريم محفوظاً في السطور:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)
[ سورة الحجر]


5 ـ القرآن كتاب كل أجزائه متشابهة في الحسن:
الخامسة: متشابهاً:

اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(23)
[ سورة الذاريات]

كل أجزاء القرآن تشبه بعضها في الحُسنِ والبلاغة والجمال
متشابهاً أي كل أجزائه متشابهة في الحسن، لو أنك قرأت روايةً من فصول عدة لكاتبٍ مُتميزٍ من الكُتّاب، فقد تجد فصلاً مُتميزاً وآخر أقل تميُزاً، فتقول: هذا أحسن من هذا، هذا أفضل صياغةً من هذا، هذا أكثر بلاغةً من ذاك، أما في كتاب الله تعالى فهو مُتشابه، ما معنى مُتشابه؟ كل أجزائه تشبه بعضها في الحُسنِ والبلاغة والجمال، فلا تستطيع أن تقول في كتاب الله مثلاً: إنَّ هذه السورة أجمل من هذه السورة، ولا هذه السورة أكثر بلاغةً من هذه السورة، أبداً، فكلُّه متشابهٌ في الحُسن والجمال، نعم قد يقول قائل: أنا أتأثر مثلاً بسورة الزمر - وهذه الآية منها - أكثر من غيرها، ممكن، تأثُره هو بها، ولكن ليس هناك في كتاب الله ما هو أجمل من الآخر، كما أنه ليس في خلقه جلَّ جلاله من تفاوت، فكذلك ليس في كتابه من تفاوتٍ بين سورةٍ وأُخرى أو آيةٍ وأُخرى فكله في الحُسن سواء.
الله نزّل ولا أحد غيره كتاباً متشابهاً.

6 ـ في القرآن كل موضوعٍ ينثني على الآخر فيزيده بهاءً وجمالاً ومعنىً:
الآن السادسة مثانيَ؛ مثاني بمعنى أنَّ كل آيةٍ تنثني على أُختها فتفسّرها، وبمعنى أن القرآن إذا ذكر الجنة ذكر النار، وإذا ذكر أحوال المؤمنين ذكر أحوال المُعرضين، وإذا ذكر مصير المُكذبين والضالين ذكر مصير المُحسنين والمُتقين، فالموضوعات فيه مثان، بمعنى أنَّ كل موضوعٍ ينثني على الآخر فيزيده بهاءً وجمالاً ومعنىً.

7 ـ القرآن الكريم كتاب تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم:
الآن السابعة:

اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(23)
[ سورة الذاريات]


8 ـ القرآن الكريم كتاب يجمع بين الترغيب والترهيب:
والثامنة:

اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(23)
[ سورة الذاريات]

الاقشعرار هو الانقباض في الجلد
الاقشعرار هو الانقباض في الجلد، ويقشعر الجلد غالباً عندما يكون هناك خوفٌ أو بردٌ مثلاً يقشعر الجلد، واقشعرار الجلد هنا كنايةٌ عن سكون القلب وخشوعه عند قراءة القرآن الكريم، كيف تقشعر الجلود ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله؟ سأضرب مثلاً؛ أنت إذا تلوت مثلاً سورة ق، ووصلت عند قوله تعالى:

قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)
[ سورة ق]

هنا يقشعر جلدك خشيةً لله تعالى من هذا الموقف المَهيب، ومن تلك النار العظيمة التي أعدها الله تعالى لمن أعرض عن منهجه، وأساء إلى خلقه، ثم تُتابع الآيات:

وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35)
[ سورة ق]

هنا يلين جلدك وقلبك لذكر الله فيكتمل المعنى بين الترغيب والترهيب، بين الخوف والطمع، رغباً ورهباً، بهذا التكامل:

اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(23)
[ سورة الذاريات]


9 ـ القرآن هدي من الله تعالى يهدي به من يشاء من عباده:
الصفة التاسعة ذلك هدى الله؛ فالقرآن هدي من الله تعالى يهدي الله تعالى به من يشاء من عباده، فإذا أراد الإنسان الهداية وفقه الله إليها، وإذا أعرض عن الهداية:

وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ(23)
[ سورة الذاريات]

فالقرآن ذكرٌ لله تعالى، يُذكِّرك بالله، وهو هدىً من الله تعالى.

10 ـ أثر القرآن في النفوس كبير جداً:
جبير بن مُطعِم قال:

{ سَمِعْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقْرَأُ في المَغْرِبِ بالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هذِه الآيَةَ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} [الطور: 35 - 37]، قالَ: كَادَ قَلْبِي أنْ يَطِيرَ. قالَ سُفْيَانُ: فأمَّا أنَا فإنَّما سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُحَدِّثُ، عن مُحَمَّدِ بنِ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، عن أبِيهِ، سَمِعْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقْرَأُ في المَغْرِبِ بالطُّورِ، ولَمْ أسْمَعْهُ زَادَ الذي قالوا لِي. }

[ صحيح البخاري]

كاد قلبي يطير من مكانه، فكان ذلك أول ما وُقِر من الإسلام في قلبه.
عُتبة أرسله قومه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليحدّثه لعله يترك هذه الدعوة ويدعهم وشأنهم حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يستجيب لهم، فلمّا وصل إليه وحدّثه بما أراد استمع له النبي صلى الله عليه وسلم، فلمّا فرغ من كلامه قال: أفرغت يا أبا الوليد، انتهيت من كلامك؟ قال: نعم، قال: فاسمع مني، فقرأ صلى الله عليه وسلم من سورة فصلت:

{ أَرْسَلَتْ قريشٌ عُتْبَةَ بنَ ربيعةَ - وهو رجلٌ رَزِينٌ هادئ - فذهب إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: يا بنَ أَخِي ، إنك منا حيثُ قد علمتَ من المكانِ في النسبِ ، وقد أَتَيْتَ قومَك بأمرٍ عظيمٍ فَرَّقْتَ به جماعتَهم ، فاسمَعْ مِنِّي أَعْرِضْ عليك أمورًا لعلك تقبلُ بعضَها . إن كنتَ إنما تريدُ بهذا الأمرِ مالًا جَمَعْنا لك من أموالِنا حتى تكونَ أكثرَنا مالًا . وإن كنتَ تريدُ شَرَفًا سَوَّدْناكَ علينا فلا نَقْطَعُ أمرًا دونَك . وإن كنتَ تريدُ مُلْكًا مَلَّكْناكَ علينا . وإن كان هذا الذي يأتِيكَ رِئْيًا تَرَاه لا تستطيعُ رَدَّه عن نفسِك ، طَلَبْنا لك الطِّبَّ ، وبَذَلْنا فيه أموالَنا حتى تَبْرَأَ . فلما فرَغَ قولُه تلا رسولُ اللهِ عليه الصلاةُ والسلامُ صَدْرَ سُورَةِ فُصِّلَتْ : حم . تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . بَشِيرًا وَنَذِيرًا؛ فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ . وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ ، وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ . قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ، وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ . الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ . . . }

[أخرجه البيهقي]

قام عتبة من مكانه فوضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أنشدك الرحم إلا كففت، لشدة ما وجد في داخله من مهابةٍ وخشيةٍ لله تعالى وهو غير مؤمن.
يجب أن يفعل القرآن فعله في نفوسنا فهو أحسن الحديث، إلى الملتقى أستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته