• الحلقة عشرون
  • 2022-04-21
  • برنامج في ثنايا القرآن
  • قناة يمن شباب

القلب السليم

السلام عليكم؛ الحمدُ للهِ رب العالمين، وأُصلّي وأُسلّم على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.


الاعتناء بالقلب لأنه يدوم إلى أبد الآبدين:
في ثنايا كتاب الله آيةٌ تتحدث عن القلب السليم يقول تعالى:

يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)
[ سورة الشعراء]

كلُّ آلام الدنيا تنتهي بالموت
في الدنيا قد يتوهم الإنسان أنَّ ماله ينفعه ويُخلّصه من كثيرٍ من المَتاعب والمُشكلات مع أنه ليس كذلك، ولكنه يتوهم ذلك، أو يتوهم أن بنيه يرفعون من قدره بين الناس، ويجعلونه في مكانٍ عليّ يتوهم ذلك، لكن يوم القيامة لن ينفع الإنسان شيءٌ من الدنيا لا مالٌ، ولا بنونٌ، ولا ولدٌ، ولا والدٌ، ولا زوجةٌ، ولا أخٌ، يَفرُّ المرء من كل شيء ويبقى له قلبه السليم، فإن جاء بقلبٍ سليم نفعه ذلك بين يدي ربه، كلُّ أمراض الدنيا مهما اشتدت آلامها، كلُّ أمراض الدنيا مهما تكن وبيلةً فإنها تنتهي عند الموت، كلُّ آلام الدنيا تنتهي بالموت، لكن إذا كان القلب مريضاً سقيماً ولا أعني هنا بالقلب المضخة التي تُرسل الدم إلى أنحاء الجسم، وإنما أعني بذاك القلب الذي يحمل الخير أو يحمل الشر والعياذ بالله، لكن أمراض القلب تبدأ مصائبها وتَبِعاتُها المُؤلمة عند الموت، وقد تمتد إلى أبد الآبدين - نسأل الله السلامة - لذلك وجب على الإنسان أن يعتني بقلبه أكثر مما يعتني بصحة جسده لأنه يدوم معه إلى أبد الآبدين.

صفات القلب السليم:
1 ـ سَلِم من كل آفةٍ تُبعد عن الله:
ما القلب السليم؟ القلب السليم فيه أربع صفات، أولاً: سَلِم من كل آفةٍ تُبعد عن الله، ثانياً: سَلِم من كل شهوةٍ لا ترضي الله، ثالثاً: سَلِم من كل شُبهةٍ تعارض خبر الله، رابعاً: سَلِم من تحكيم غير شرع الله.
الشرك أعظم الآفات التي تُبعد عن الله
نشرح هذه الصفات، أولاً: سَلِم من كل آفةٍ تُبعد عن الله؛ ما الآفات التي تُبعد عن الله، الشرك أعظم الآفات التي تُبعد عن الله، ولا أعني هنا الشرك الأكبر فقط فقد عافانا الله تعالى منه، الشرك الذي يُخرج من الملَّة والعياذ بالله، ولكنني أعني معه الشرك الأصغر كالرياء يقول صلى الله عليه وسلم:

{ إنَّ يسيرَ الرِّياءِ شركٌ، وإنَّ من عادَى للَّهِ وليًّا فقد بارزَ اللَّهَ بالمحاربةِ إنَّ اللَّهَ يحبُّ الأبرارَ الأتقياءَ الأخفياءَ الَّذينَ إذا غابوا لم يُفتقدوا وإن حضروا لم يُدعوا ولم يُعرفوا قلوبُهم مصابيحُ الهدَى يخرجونَ من كلِّ غبراءَ مظلمةٍ }

[سنن ابن ماجه]

أن يصلي الإنسان مثلاً فيُزيّن صلاته لما يرى من نظر رجلٍ إليه، أو يُنفق ليقول الناس: إنه مُنفق، أو يُجوّد صوته بالقرآن ليقول الناس: قارئ، وغير ذلك من الرياء، فهذا شركٌ أصغر، وهي آفةٌ تُبعد عن الله، وتُمرض القلب، وقد تصل به إلى الموت، نعم الحقد آفة، الحسد آفة، الغرور آفة، التعالي على الناس، الكِبر، العُجب بالنفس، هذه آفاتٌ إذا وقعت في القلب أبعدته عن الله تعالى، وأصبح القلب سقيماً، إذاً أولاً: سَلِم من كل آفةٍ تُبعد عن الله.

2 ـ سلم من كل شهوةٍ لا تُرضي الله:
ثانياً: سلم من كل شهوةٍ لا تُرضي الله؛ وهل هنالك شهواتٌ ترضي الله؟! نعم اشتهى المرأة فتزوج، اشتهى المال فتاجر بالحلال وحقق أرباحاً، اشتهى حُسن الذكر في الأرض فربى أولاده، وأحسن سيرته بين الناس، وأحسن للناس فرفَع الله له ذكره، إذاً هناك شهواتٌ تُرضي الله بالحلال، لكن أن تكون الشهوة بالحرام لا تُرضي الله فهذه تُمرض القلب، كأن يشتهي المرأة فيذهب إلى الزنا والعياذ بالله أو إلى إطلاق البصر، أو أن يشتهي المال فيأكل أموال الناس بالباطل، أو يأكل الربا أو غير ذلك من مصادر الدخل الحرام، أو يشتهي العلو في الأرض فيطغى على عباد الله ويبغي حتى يصل إلى أعلى المناصب، ويُحقق عُلّواً في الأرض لكن على حساب الناس، وعلى حساب كرامة الناس، فالشهوة التي لا تُرضي الله عز وجل تُمرض القلب.

3 ـ سَلِم من كل شُبهةٍ تعارض خبر الله:
ثالثاً: الشُبهات؛ الشُبهات التي تُناقض شرع الله تُدخل المرض إلى القلب، اليوم في بعض وسائل الإعلام تُثار الشُبهات على ديننا، فتارةً يتهمون ديننا بالإرهاب، وتارةً بأنه ظلم المرأة، وتارةً يُشككون بثوابت ديننا، وبكتب الصحيح، وحتى ربما يُشككون بقرآننا، فإذا ألقى الإنسان سمعاً لهذه الشُبهات دخلت إلى قلبه فتمكّنت منه فحجبته عن الله تعالى، وأمرضت قلبه، إذاً سَلِم من كل شبهة تُعارض خبر الله.

4 ـ سلم من تحكيم غير شرع الله:
الاحتكام إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله
رابعاً: سلم من تحكيم غير شرع الله؛ مُشكلةٌ بينك وبين شخصٍ ما، مشكلة مالية، مشكلة بين الإنسان وزوجته، بين الرجل وشريكه، بين المرأة وصديقتها، مُشكلات الحياة، إلى من نحتكم؟ ما الفيصل بيننا؟ من الذي يحكم بيننا؟ إذا كنت تحتكم إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهنيئاً لك فقلبك سليم، فأنت لا ترضى أن تحكِّم غير شرع الله عز وجل، ولو كان في غير شرع الله عز وجل ما يناسب هواك فقد تُعطيك القوانين ما لا يُعطيك شرع الله عز وجل، ولكن ما الذي يَميل قلبك إليه أن تحتكم إلى شرع الله ولو كان الحق عليك أم أنك تَميل إلى غير شرع الله عز وجل لتأخذ شيئاً ليس لك؟ فإذا مالَ الإنسان بقلبه إلى تحكيم غير شرع الله كان قلبه مريضاً سقيماً.
إذاً القلب السليم سَلِم من كل آفةٍ تُبعد عن الله، من كل شهوةٍ لا تُرضي الله، من كل شُبهةٍ تُعارض خبر الله، من تَحكيم غير شرع الله، يقول صلى الله عليه وسلم:

{ تُعْرَضُ الفِتَنُ علَى القُلُوبِ كالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْداءُ، وأَيُّ قَلْبٍ أنْكَرَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حتَّى تَصِيرَ علَى قَلْبَيْنِ، علَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ السَّمَواتُ والأرْضُ، والآخَرُ أسْوَدُ مُرْبادًّا كالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إلَّا ما أُشْرِبَ مِن هَواهُ }

[ صحيح مسلم]

كيف الحصير الذي يوضع في الأرض وتتشابك أعواده؟ الفتن تعُرض على القلوب لا سيما هنا في آخر الزمان وفي زمن الفتن والشَهوات والشُبهات، (تُعْرَضُ الفِتَنُ علَى القُلُوبِ كالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها-أدخل الفتن إلى قلبه- نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْداءُ، وأَيُّ قَلْبٍ أنْكَرَها - أبعد الشهوات والشُبهات عن قلبه - نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضاءُ ) نقطة مُضيئة في قلبه قال: (حتى تصير القلوب إلى قلبين الأول أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفا لا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ - يصبح قلبك أبيض لا تضره أيُّ فتنةٍ من الفتن – والآخر أسْوَدُ مُرْبادًّا شديد السواد كالْكُوزِ مُجَخِّيًا - الكوز الكأس مجخياً مقلوباً -) أي إذا وضعت كأساً مقلوباً على الطاولة فهل يمكن أن تُدخل فيه شيئاً وأنت قد قلبته رأساً على عقِب؟ لن يدخل فيه شيء فقال: ( كالْكُوزِ مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إلَّا ما أُشْرِبَ مِن هَواهُ لا يدخل فيه إلا الهوى ) وهذا قلبٌ مريض.

الحرص على تنقية القلوب:
أبو دجانة صحابيٌ جليل دخلوا عليه وهو في مرض موته فرأوا وجهه مُتهللاً قالوا: ما لِوجهك متهللاً مشرقاً مُضيئاً وهو في لحظة مغادرة الدنيا؟! قال: والله ما من شيء أرجى عندي في حياتي من شيئين ألقى بهما ربي، الأول: ما تكلّمت في شيءٍ لا يعنيني:

{ مِن حُسْنِ إسلامِ المرءِ تَرْكُه ما لا يَعْنِيه }

[ أخرجه الترمذي بسند حسن]

والثاني وهنا موطن الشاهد قال: ما حملت في قلبي غِشاً أو سُوءاً لأحدٍ من الناس، ما حمل في قلبه غشاً فكان قلبه سليماً.

يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)
[ سورة الشعراء]

فلنحرص حرصاً لا حدود له على تنقية قلوبنا حتى نجعلها بيضاء كالصفا لا تضرها فتنةٌ ما دامت السماوات والأرض.
إلى المُلتقى أستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته