• الحلقة الواحد والعشرون
  • 2022-04-22
  • برنامج في ثنايا القرآن
  • قناة يمن شباب

موسى الكليم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ الحمدُ للهِ رب العالمين، وأُصلّي وأُسلّم على نبينا الهادي الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.


التوحيد والدعوة:
أيها الأخوة الكرام؛ في الوادي المقدس طوى هناك في هذه البقعة المُباركة جرى لقاءٌ تاريخيٌ عظيم، هذا اللقاء لم يكن لقاءً اعتيادياً، ربما لم يجر ولن يجري مثله في تاريخ البشرية كلها، هذا اللقاء كان بين سيدنا موسى الكليم مع ربِّ العزة جلَّ جلاله:

وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ (13)
[ سورة طه ]

التوحيد فحوى دعوات الأنبياء جميعاً
بعد قوله تعالى فاستمع لما يُوحى ينبغي أن ننتبه تماماً فما سيأتي الآن هو كلامٌ مباشر من الله تعالى لنبيه موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتمُّ التسليم، وهذا الكلام يُلخص فحوى دعوات الأنبياء جميعاً من آدم إلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم، كل دعوات الأنبياء ستُلخص الآن:

وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)
[ سورة طه ]

إنني أنا الله لا إله إلا أنا هذا هو التوحيد، وما تعلَّمت العبيد أفضل من التوحيد، فاعبدني هذا هو السلوك، العبادة، التوحيد عِلم، والعبادة عمل، ونشاط الإنسان في الحياة أيُّ نشاطٍ، أيُّ حركةٍ في الحياة إنما تدخل في عِلمٍ أو عمل، لا بدَّ أن تكون عِلماً أو عملاً، فإذا كان العِلم توحيداً والعمل عبادةً فقد أديتَ الذي أراده الله تعالى منك:

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
[سورة طه]

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)
[سورة الأنبياء]

كُلُّ الرسل الذين أرسلهم الله؛ إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون، موسى عليه السلام جاء بالتوحيد والعبادة، وعيسى عليه السلام جاء بالتوحيد والعبادة، ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم جاء بالتوحيد والعبادة، وكل الأنبياء جاؤوا بالتوحيد والعبادة، كل عِلمٍ تعلمه لن يصل إلى التوحيد مهما يكن، فنهاية العِلم التوحيد، ونهاية العمل العبادة.

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
[سورة طه]


من علم أنه لا إله إلا الله فقد وصل إلى أعظم عِلمٍ يتعلّمه إنسانٌ في الأرض:
كلُّ الأمر بيد الله
التوحيد ألا ترى في الكون يداً تعمل إلا يد الله تعالى، وألا ترى قدرةً إلا قدرة الله، كل ما تراه من البشر، يتحركون، ويأكلون، ويشربون، ويذهبون، ويَبغون، ويُفسدون، ويُصلحون، كل ما تراه من البشر إنما يتحركون بأمر الله تعالى، فيدُ الله تعمل وحدها في الخفاء، ولا رافع ولا خافض، ولا مُعزَّ ولا مذلَّ إلا الله تعالى، فكلُّ الأمر بيده، فإذا تيقنت من ذلك لا أقول قلت ذلك، وإنما تيقنت من ذلك لأن الله تعالى يقول:

فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)
[ سورة محمد]

ولم يقل: قُل: لا إله إلا الله، فكل إنسانٍ يقول: لا إله إلا الله يستطيع أن يقولها، لكن ليس كل إنسانٍ يعمل بمقتضاها، ويقولها خالصة من نفسه، ويكفُر بما يُعبد من الطاغوت من دون الله تعالى، فإذا علمت أنه لا إله إلا الله فقد وصلت إلى أعظم عِلمٍ يتعلّمه إنسانٌ في الأرض وهو عِلم التوحيد، وبعدها يُفيدك كل عِلمٍ تتعلمه، كل العلوم تفيدك بعد التوحيد، ولا ينفعك عِلمٌ من غير التوحيد ثم العبادة.

العبادة اسمٌ جامعٌ لكل الخيرات:
تعاملك مع الناس عبادة
العبادة هنا ليس المعنى ضيقاً فيها، فليس المقصود بها إقامة الشعائر من صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحجٍ مثلاً على عِظم هذه الفرائض، وأهميتها، وعلى أنها أركان الإسلام التي لا يقوم إلا بها، ولكن العبادة أوسع من ذلك فهي تشمل العبادات الشعائرية، وتضم إليها العبادات التعاملية، تعاملك مع الناس عبادة، تجارتك عبادة، نزهتك عبادة، تُعبِّد حياتك لله، ألا يقولون: طريقٌ معبّدة؟ ما معنى: طريقٌ معبّدة؟ أي مُذللةٌ سالكةٌ، فالإنسان يُعبِّد حياته، بمعنى أنه يجعل حياته كلها لله فلا يفعل شيئاً إلا في مرضاة الله، فإذا تنزّه فهو في عبادة، وإذا لعب رياضةً فهو في عبادة لأنه يأتيها على الوجه الصحيح من الناحية الشرعية، يستر عورته مثلاً ثم هو يبتغي بها تقوية جسمه على الطاعات، وعلى الأعمال الصالحة، وغير ذلك، فحتى لعبُه يصبح عبادةً ما دام وفق منهج الله، فالعبادة اسمٌ جامعٌ لكل الخيرات التي تأتي وفق منهج الله إرضاءً لله.

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
[سورة طه]

هذا هو الدين؛ أن توحِّد وأن تعبد، فإذا وحدته وعبدته فقد حققت الهدف من وجودك.

من ذكر الله أدى واجب العبودية له ومن ذكره الله منحه الحب والسكينة:

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
[سورة طه]

الصلاة عبادة ولكنه خصّها بالذكر هنا من باب عطف الخاص على العام، العبادة عموم ثم خصّ نوعاً من أنواع العبادة وهو إقامة الصلاة، أقم الصلاة وليس في القرآن صلّوا، ولكن أقيموا الصلاة، كانت العرب تقول: أقام القوم سوقهم إذا لم يُعطّلوها من البيع والشراء، أما أن تقام السوق وليس هناك بيعٌ ولا شراء فهذه ليست إقامةً حقيقةً، وإقامة الصلاة تعني أن تحقق الصلاة مقصدها الشرعي فتنهى الإنسان عن الفحشاء والمنكر وتكون خالصةً لوجه الله الكريم جلَّ جلاله:

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)
[سورة طه]

فالصلاة تُقام من أجل أن تذكر الله تعالى فيها، فإذا ذكرت الله في صلاتك ذكرك الله، قال تعالى:

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152)
[سورة البقرة]

أنت إن ذكرت الله تعالى أديتَ واجب العبودية له، ولكنه إن ذكرك جلَّ جلاله منحك الحب، والسكينة، والرضا، والصبر، والحكمة، وأسعدك في الدارين الدنيا والآخرة.

الإيمان باليوم الآخر:

إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ( 14) إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (15)
[سورة طه]

إن الساعة آتيةٌ هذا هو الإيمان باليوم الآخر، فالإنسان عندما يؤمن بالله تعالى يستقيم على أمره، وعندما يؤمن باليوم الآخر فإنه لا يمكن أن يُؤذي مخلوقاً، لأن هناك وقوفاً بين يدي الله تعالى، وسيحاسبنا عن كل أعمالنا صغيرها وكبيرها.

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49)
[ سورة الكهف]

فالإيمان بيوم القيامة والإيمان بالساعة جزءٌ من هذا اللقاء الذي جرى بين ربِّ العزة جلَّ جلالهُ وموسى فقال:

إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (15)
[سورة طه]

ستأتي الساعة؛ ستأتي الساعة الصُغرى وهي ساعة مغادرتنا للدنيا، وستأتي الساعة الكُبرى يوم الوقوف بين يدي الله تعالى والنفخ في الصور.

الحكمة من إخفاء موعد الساعة:

إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (15)
[سورة طه]

الله تعالى أخفى عنا موعد الساعة ولكنه أعلمنا ببعض علاماتها وأماراتها:

إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ (15)
[سورة طه]

إنَّ الساعة آتية أكاد أخفيها لماذا؟ لتُجزى كل نفس بما تسعى، لذلك يوم القيامة هو يوم الجزاء:

فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ (16)
[سورة طه]

لا يصدنك عن الساعة من لا يؤمن بها لأن الذي لا يؤمن بالآخرة يستخِفُك، ويقول لك: ليس هناك حساب ولا عقاب ودعك من ذلك واستمتع بالحياة:

فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ (16)
[سورة طه]

فتردى أي فتهلك فيهلك إن اتبع هوى نفسه، واتبع من يصدُّه عن الساعة.
إذاً هذا اللقاء التاريخي العظيم بين رب العزة جلَّ جلاله وموسى الكليم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام تضمن التوحيد والعبادة بمفهومها الواسع، وإقامة الصلاة ذكراً لله تعالى، والإيمان باليوم الآخر الذي سنقف فيه جميعاً بين يديّ الله تعالى ليسألنا عن كُل أعمالنا صغيرها وكبيرها، والعاقلُ من يُعدُّ لكل شيءٍ يفعله جواباً لخالقه جلَّ جلاله.
إلى المُلتقى أستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته