• الحلقة التاسعة والعشرون
  • 2022-04-30
  • برنامج في ثنايا القرآن
  • قناة يمن شباب

اتباع الهوى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ الحمدُ لله رب العالمين، وصلاةً وسلاماً على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.


وجوب اتباع الهدى:
آيتان في ثنايا كتاب الله تعالى تتحدثان عن اتباع الهُدى قال تعالى:

قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123) ﴾
[ سورة طه]

وقال تعالى:

قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(38)
[ سورة البقرة]

اتباع الهدى واجب كل مؤمن
اتباع الهُدى هو ما ينبغي أن يكون ديدننا في الحياة الدنيا؛ أن نتبِع هُدى الله تعالى لأنَّ الله تعالى قد هدانا ابتداءً عندما أرسل إلينا الرُسلَ والأنبياء، وأنزل الكتب فهدانا إليه، ودلَّنا عليه، والهداية هي الدِّلالة أو الدَّلالة، فينبغي أن نهتدي وأن نتبِع الهُدى الذي جاءنا من الله تعالى فاتباع الهدى واجب كل مؤمن، ماذا يُقابل اتباع الهُدى؟ اتباع الهوى إما أن يتبع الإنسان الهُدى أو أن يتبع الهوى، وليس هناك طريقٌ ثالثة، قال تعالى:

فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)
[ سورة القصص]

الذي يستجيب لله ورسوله قد اتبع الهُدى
الذي يستجيب لله ورسوله فقد اتبع الهُدى من الله فسلم وسعِد في الدنيا والآخرة، وكانت له جنةٌ عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ومن لم يستجب لهدي الله تعالى، وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو حتماً مُتبعٌ لهوى نفسه، يريد الهوى، يريد أن يأكل المال مما حلَّ أو مما حُرِم، ويريد أن يأتي شهوته فيما يُرضي أو لا يُرضي الله تعالى، فهو غير مُتبعٍ لهُدى الله.

فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)
[ سورة القصص]

يقول تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)
[ سورة الأنفال]

اتباع الهُدى حياة، حياة الإيمان وليس هناك حياةٌ إلا حياة الإيمان، لا يحيا الإنسان إلا بهُدى الله تعالى، ولا يحيا إلا بقُربه من الله تعالى، والدليل قال تعالى:

وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124)
[ سورة طه]

قال: معيشةً، وما قال: فإن له حياةً، فإن له معيشةً ضنكاً وليس معيشةً سعيدةً، بل هي معيشةٌ ضنك فيها ضيق القلب، وفيها الاكتئاب، وفيها البُعد عن الله عز وجل الذي يؤدي إلى ضيق القلب وانقباضه:

وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ (124)
[ سورة طه]

في المقابل:

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)
[ سورة النحل]

الحياة الطيبة حياة الإيمان
فالحياة الطيبة حياة الإيمان؛ والحياة الطيبة هي الاستجابة لله وللرسول، وأما المعيشة الضنك فهي لمن أعرض عن ذكر الله تعالى، وترك منهجه، واتبع هواه، الإنسان سيتبع مستحيل ألا تتبع، لا بُدَّ أن تتبع شيئاً، هذه فطرة الله التي فطر الناس عليها، يبحث ثم يتبع شيئاً، فإما أن يتبع الهُدى فيكون في أعلى عليين:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)
[ سورة البينة]

أي خيرُ ما برأ الله تعالى، ويكون عندها فوق الملائكة، أفضل من الملائكة عند الله تعالى إن اتبع الهُدى، وإما والعياذ بالله أن يتبع الإنسان الهوى:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)
[ سورة البينة]

أي شر ما برأ الله:

أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا (44)
[ سورة الفرقان]

يكون أضلَّ من ناقته التي يركب عليها عندما يتبع هوى نفسه، وقد أُعطي فطرةً وعقلاً وكتاباً وسُنةً، ثم يترك كل ذلك ويتجه إلى الهوى.
إن الهوى لهو الهوان بعينه فإذا هويت فقد لقيت هوانا
{ [ سورة الفرقان] }
إذاً لا بدَّ من أن نتبع الهُدى.

نتائج اتباع الهدى:
إذا اتبعنا الهُدى بنص الآيتين اللتين بدأنا بهما حلقتنا هذه ما النتيجة؟

قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123)
[ سورة طه]

قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(38)
[ سورة البقرة]

أربعة أشياء؛ أولاً: لا يضلُّ في الدنيا.

قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (123)
[ سورة طه]

لا يضلُّ في الدنيا يمشي في الطريق الصحيح:

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
[ سورة الفاتحة]

نسألها الله تعالى في كل يوم عشرات المرات في صلواتنا:

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
[ سورة الفاتحة]

فلا يضلُّ في الدنيا، وإنما يسلك الطريق الصحيحة المُوصلة إلى الهدف التي خُلق من أجله وهو السعادة:

إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119)
[ سورة هود]

فقد خلقنا ليرحمنا، نحن أبناء الآخرة، فلا يضلُّ في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، يوم القيامة لا يمكن أن يشقى، فالشقاء للمُعرض عن الله تعالى، أما المؤمن ففي سعادةٍ مستمرة، قال تعالى:

وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)
[ سورة هود]

يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105)
[ سورة هود]

أعظم شعورٍ هو شعور الأمن
أين الشقاء والسعادة؟ يوم العرض على الله، عند الوقوف بين يدي الله، إما شقاءٌ وإما سعادة، فالمُتبع لهُدى الله تعالى أولاً: لا يضلُّ في الدنيا، ثانياً: لا يشقى في الآخرة، ثالثاً: لا خوفٌ عليهم، رابعاً: ولا هم يحزنون، لا خوفٌ عليهم في المستقبل، وأعظم شعورٍ هو شعور الأمن، وهو ألا تتوقع المُصيبة في المستقبل، والمؤمن لا يخاف من المستقبل لأنه مع الله، ومصيره إلى الله، وسيقف بين يدي الله.
أعرابيٌ سأل: من يُحاسب يوم القيامة؟ قالوا: الله، قال: نجونا، فإن الكريم إذا أعطى تفضَّل، فهو مع الله تعالى لا يخاف من المستقبل، لأنه ذاهبٌ إلى ربه الذي يُحبه، الذي عبده، وأطاعه، واتبع هُداه، وعاش له، ومات من أجله:

قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)
[ سورة الأنعام]

إذا كان مرجعه إلى الله فمم يخاف وهو سيقف بين يدي الله الذي هو أرحم به من أمه ومن أبيه؟ لن يخاف من شي، فالمستقبل مضمون لا خوفٌ عليهم، ولا هم يحزنون على الماضي، فلا يندم على شيءٍ فاته من الدنيا لأنها زائلة، ولأنَّ الآخرة هي الباقية:

وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَىٰ (4)
[ سورة الضحى]

فإذا بذل في الدنيا الأسباب، وأراد أن يُحصّل شيئاً منها، وأعطى وقتاً وجُهداً لذلك، ثم جاءت الأمور بخلاف ذلك فإنه لا يندم على شيءِ فاته:

{ المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ من المؤمنِ الضعيفِ ، وفي كلٍ خيرٌ احرصْ على ما ينفعُك واستعنْ باللهِ ولا تعجِزنَّ ، وإن أصابَك شيءٌ فلا تقلْ : لو أني فعلتُ لكانَ كذا وكذا ، ولكن قلْ قدَّرَ اللهُ وما شاءَ فعلَ فإن لو تفتحُ عملَ الشيطانِ }

[أخرجه مسلم وابن ماجه وأحمد والنسائي]

الأمور كلها بيد الله تعالى
لا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، المؤمن ليس في قاموسه كلمة لو، فما فاته فقد فاته وانتهى الأمر، فلا يحزن عليه، وأيُّ سعادةٌ بعد هذه السعادة؟! إنسانٌ اتبع هُدى الله تعالى فلا ضَلالة في الدنيا، فهو يمشي على الطريق السوية، ولا شقاء في الآخرة فهو من سعداء الدارين، وسيُسعده الله تعالى بقربه، وبرضوانه، وبالنظر إلى وجهه الكريم، لن يضل في الدنيا، ولن يشقى في الآخرة، لن يخاف من المستقبل لأنه سيرِد إلى الكريم جلَّ جلاله، وسيُكرمه الله تعالى بما قدَّمه في الدنيا من أعمالٍ صالحة، ولا هم يحزنون، لن يحزن على شيءٍ فاته ومضى، لأنَّ الأمور كلها بيد الله تعالى، ولأنَّ الله تعالى يقول:

قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)
[ سورة التوبة]

فالله تعالى كتب لك ولم يكتب عليك، فكل ما في الدنيا مكتوب لك، ولأجلك، ولصالحك، سواءً كان خيراً، أو رأيته بعينيك شراً، لكن الله تعالى أراد به في محصلة الأمر خيراً.
إلى المُلتقى أستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته