• الحلقة الثلاثون
  • 2022-05-01
  • برنامج في ثنايا القرآن
  • قناة يمن شباب

الأمن

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ الحمدُ للهِ رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.


المؤمن المُوحِّد وحده يتمتع بالأمن:
أيها الإخوة الأحباب؛ في كتاب الله تعالى آيةٌ يُخبر الله تعالى بها عن حديث نبيهِ إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام مع قومه يقول مُخاطباً قومه:

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)
[ سورة الأنعام]

من الذي ينبغي أن يخاف المُشرك أم المُوحِّد؟ (وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ) كيف أخاف أصنامكم؟ كيف أخاف ما تعبدونه من دون الله؟

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)
[ سورة الأنعام]

المُوحِّد قلبه مُمتلئ بالأمن
فالذي يخاف هو المُشرك، والذي يأمن هو المُوحِّد، لماذا يأمن المُوحِّد ويخاف المٌشرك؟ يأمن المُوحِّد لأنه جعل الهموم كلها هماً واحداً، فهو يعمل لإرضاء جهةٍ واحدة، هو يُريد إرضاء ربه، فأيّ شيءٍ يُرضي الله تعالى يفعله، وأيّ شيءٍ يُسخط الله تعالى يبتعد عنه، أيُّ رجلٍ يُقربه من الله تعالى يُواليه، وأيُّ رجلٍ يُبعده عن الله تعالى يتبرأ منه، فهو بذلك جعل الهموم كلها هماً واحداً، وهو رضا الرحمن جلَّ جلاله، لذلك لا يخاف المُوحِّد بل قلبه مُمتلئ بالأمن، لأنه متجهٌ إلى الله تعالى بِكُلّيته، أما المُشرك فإنه يريد إرضاء مئة جهةٍ وجهة، يُريد إرضاء زوجته وأولاده ومديره في العمل ولو كان ذلك في غضب الله تعالى، ويريد إرضاء شريكه في المصنع، يريد أن يُرضي جهاتٍ متعددة، وكل جهةٍ تطلب منه طلباً، فيتشتت، ويتمزق، ويمتلئ قلبه خوفاً ورُعباً، فإن أرضى هذا سخط هذا، وإن أرضى هذا سخط ذاك وهكذا، فإنه يمتلئ خوفاً ورُعباً بسبب شِركه فيُلقي الله تعالى في قلبه الرعب بسبب الشرك، فإبراهيم عليه السلام لمّا خاطبهم قال:

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81)
[ سورة الأنعام]

أي ليس لكم به حجة من الله.

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)
[ سورة الأنعام]

لو قال تعالى: أولئك الأمن لهم، لاحتمل في اللغة العربية أن يكون الأمن لهم ولغيرهم، لكنه لمَّا قال: أولئك لهم الأمن، فقدم الجار والمجرور على المبتدأ، فهنا المعنى لهم الأمن وحدهم، فلا يمكن أن يأمن أحدٌ وهو مشرك بالله، أبداً.

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)
[ سورة الأنعام]

أي لم يخالطوا إيمانهم بالظلم، ما معنى الظلم هنا؟ في الصحيحين لمَّا نزلت هذه الآية شقَّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: أينا لم يظلم نفسه؟ كل إنسان يظلم نفسه بنظرةٍ لا تُرضي الله، بكلمةٍ لا تُرضي الله، بترك فريضةٍ، يظلم نفسه، إذاً هو محروم من الأمن بنص الآية، فقال صلى الله عليه وسلم: ليس ذاك، ليس المقصود بالظلم هنا مجرد المعاصي الصغيرة التي يتوب الإنسان منها، ولكن المقصود بالظلم هنا الشرك، قال: ليس ذاك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه وهو يعظه:

وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13)
[ سورة لقمان]

إذاً المؤمن المُوحِّد وحده يتمتع بالأمن، وأما المُشرك فهو خائفٌ مرعوب، مهما وجدت حوله من الحرّاس، ومهما أوهمك بأنه آمن، هو في حقيقة الأمر في قلبه من الرعب الشيء الكثير، لأنه مُشرك.

فريق الإيمان مع التوحيد هو الفريق الأحق بالأمن:
الأمن أمن الإيمان
الفريق الذي هو أحق بالأمن هو فريق الإيمان مع التوحيد، ولا يتحقق أمنٌ إلا بالإيمان، ولا يتحقق أمنٌ إلا بالتوحيد، فلا يُتعب الإنسان نفسه بالبحث عن الأمن، الأمن أمن الإيمان، والأمن أمن التوحيد، ولو كان الإنسان في أي مكان فإنه يجد الأمن.
نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم وجد أمنه في الغار والأعداء قريبون منه، إذا نظر أحدهم إلى موطئ قدمه رآه قال:

إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)
[ سورة التوبة]

وجد أمنه ووجد سكينته في الغار، وإبراهيم عليه السلام وجد أمنه وقد ألقي في نارٌ مُحرقة فقال الله لها:

قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69)
[ سورة التوبة]

وجد أمنه هناك، وموسى عليه السلام وجد أمنه في تابوتٍ خشبي وهو رضيع تتقاذفه المياه لتُلقيَّ به على باب فرعون فيُربيه في قصره، وهو الذي أراد أن يقتله فرباه في قصره، هذا هو الأمن.

الأمن نفسي ومجتمعي:
الأمن من الله تعالى
الأمن من الله تعالى لا أمن إلا بالإيمان، ولا أمن إلا بالتوحيد، هذا الأمن النفسي، أما إن سألتني عن الأمن المجتمعي أن يتحقق الأمن في المجتمع سواءً المجتمع الصغير كالأسرة، الأكبر قليلاً العمل، المصنع، الأكبر المجتمع بشكل عام، فالأمن في المجتمع لا يتحقق إلا بالعدل، إقامة العدل بعد الأمن والتوحيد، بعد الإيمان والتوحيد، إقامة العدل تحقق الأمن المجتمعي، لمّا جاء الهرمزان ورأى عمر رضي الله عنه مُستلقياً وحده ببردةٍ كاد طول العهد يُبليها، وليس حوله حراسٌ ولا خدم، سأل فقيل: هذا أمير المؤمنين، فقال قولته المشهورة التي أصبحت مثلاً قال: حكمت فعدلت فأمنت فنمت يا عمر.
متى أمن عمر رضي الله عنه؟ عندما عدل بين رعيته، فالعدل أساس المُلك، وأساس الأمن، ولا يمكن أن يتحقق أمنٌ في مجتمعٍ صغيرٍ ولا كبيرٍ إلا من خلال العدل، العدل بين أفراد المجتمع.
في الأسرة الصغيرة الأب عندما يعدل بين أولاده فلا يُميز ولداً على آخر لا بعطيةٍ، ولا بمودةٍ، ولا بهبةٍ، ولا بقبلةٍ حتى، يعدل بين الجميع، فيجد الأبناء أنَّ أباهم أو أنَّ أمهم عادلٌ معهم، يعطيهم جميعاً بالعدل والسوية، فعندها ينتشر العدل في ربوع الأسرة الصغيرة، فلا مُشاحنات ولا بغضاء ولا غير ذلك، لكن عندما يُميز الأب أو تُميز الأم بين ولدٍ وآخر فيُعطى هذا ولا يُعطى ذاك فإنه سيكون خوفٌ ومشاحنات في الأسرة في حياة الوالدين وبعد موتهما.
النعمان بن بشير وهب لابنه حديقة وذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُشهده على ذلك فقال له: ألك ولداً غيره؟ قال: نعم، قال: أأعطيت كل أولادك ما أعطيته لولدك هذا؟ قال: لا، قال: فأشهد غيري فإني لا أشهد على جَور.

{ النعمان بن بَشيرٍ جاء أبوهُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال له: إني نَحَلْتُ ابني هذا غلامًا؟ فقال له: أَكُلَّ ولدِكَ له نِحْلةٌ مثلُ هذا؟ قال: لا، قال: فاردُدْهُ. [ وفي روايةٍ ] أَلِكُلِّ ولدِكَ نِحْلَةٌ مثلُ هذا؟ قال: لا، قال: أَتُحِبُّ أن يكونَ الكلُّ في البِرِّ سواءٌ؟ قال: نعم، قال: فَسَوِّ بينَهم في العَطِيَّةِ، وفي روايةٍ: أَشهِدْ على هذا غيري، وفي روايةٍ :إني لا أَشْهَدُ على جُورٍ }

[متفق عليه]

لم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشهد على ظلم، لأنَّ هذا الظلم سيؤدي إلى شحناء في الأسرة، المعمل، المصنع، الشركة، مدير الشركة عندما يُميز بين موظفيه فيُعطي فلاناً زيادةً، ولا يزيد لفلان في المال، يُعطي هذا لقرابته، ويمنع هذا لبعده عنه، يُعطي إجازةً لفلان، ولا يُعطي للموظف الآخر لأنه لا يحبه مثلاً، عندها ينشأ بين الموظفين خصومات، وعداوات، يضعف الإنتاج، ولا يتشكل فريق العمل المطلوب بسبب الظلم، فلا يمكن أن يتحقق عدلٌ في المجتمع إلا بالعدل.
أما في النفس في الداخل فالأمن النفسي كما أسلفنا سبيله الإيمان والتوحيد، فإذا كان الإنسان مؤمناً مُوحِّداً فهو آمن، والمجتمع لا يتحقق الأمن فيه إلا بالعدل بين جميع أفراده، بدءاً بالأسرة الصغيرة وانتهاءً بعلاقة الحاكم مع المحكومين.

وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)
[ سورة الأنعام]

سعدت بصحبتكم، أسأل الله تعالى أن ألتقيكم دائماً وأنتم في أحسن حال، وفي خير حال مع الله ومع خلقه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته