حقيقة الابتلاء

  • الحلقة الثانية والعشرون
  • 2022-04-23
  • برنامج في ثنايا القرآن
  • قناة يمن شباب

حقيقة الابتلاء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ الحمدُ للهِ رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أُمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين.

معنى الابتلاء:
أيُها الإخوة الكرام، أيتها الأخوات الفاضلات؛ يقول تعالى في سورة الفجر:

فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17)
[ سورة الفجر]

الابتلاء في الحياة شيءٌ لا بدَّ منه
أيها الكرام؛ الدنيا في حقيقتها ابتلاء؛ هي ابتلاء معنى ابتلاء أي امتحان، الطالب عندما يدخل الجامعة ليس بالخيار أن يُمتحن أو لا يُمتحن، لا يُمكن لجامعةٍ أن تُخيّر الطالب فتقول: هل تريد امتحاناً أم بغير امتحان؟ الامتحان لا بُدَّ منه بغض النظر عن طريقته، لكن كل الجامعات تمتحن طلابها، فالامتحان في الجامعة شيءٌ لا بدَّ منه، والامتحان في الحياة شيءٌ لا بدَّ منه:

الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
[ سورة الملك]

فنحن جئنا إلى الدنيا لنُمتحن؛ فإذا نجحنا في الامتحان كنّا في جنة عرضها السماوات والأرض، وإذا رسب المُقصرون المُعرضون في الامتحان كانوا في نارٍ خالدين فيها والعياذ بالله، فنحن في امتحانٍ، كل حياتنا امتحان، كل دقيقةٍ تمرُّ علينا في امتحان، موقفٌ نقفه، بسمةٌ نبتسمها، غضبٌ نغضبه، مالٌ نأخذه أو ننفقه، نظرةٌ ننظرها، شيءٌ نسمعه، نحن في امتحان نُمتحن بكل شيء:

فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)
[ سورة الفجر]

ابتلاه امتحنه، فأكرمه ونعَّمه أعطاه من الدنيا ومن نعيمها، ومن ومالها، ومن خيرها، ومن طعامها، أكرمه ونعَّمه فيقول هذا الإنسان: ربي أكرمني، يُسرّ بهذا العطاء ويظن بأن الله تعالى يُكرمه لأنه يحبه، ربي أكرمني، ربي يُكرمني في الدنيا ويُعطيني إياها، فيفهم الابتلاء على أنه إكرام، وهذا فهمٌ خاطئ، فالله يبتليك هنا ويمتحنك ولكنه ليس بالضرورة يُكرمك.

وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)
[ سورة الفجر]

أي ضيّق عليه في الرزق، رزقه ضيق قليل، فيقول: ربي أهانني، إنَّ الله يُهينني لأنه يمنع عني الدنيا هكذا يظن الأول وهكذا يظن الثاني، يظن الأول أنّ العطاء من الله إكرام له، ويظن الثاني أن المنع من الله إهانةٌ له، والحقيقة ليست ذاك ولا ذاك، كلاهما مُخطئٌ في ظنه، لذلك قال الله تعالى بعدها: كلا، وكلا أداة ردعٍ وزجرٍ ونفي؛ ليس ما تقولونه صحيحاً، ليس عطائي إكراماً وليس منعي حرماناً، العطاء ابتلاء، والمنع دواء فانتبهوا .

مادتا الابتلاء في الدنيا:
الغنيُّ مُبتلى بِغناه
ما مادة الابتلاء في الدنيا؟ هما مادتان؛ الشر والخير، في الجامعة الطالب عنده مواد امتحان؛ مادة الرياضيات، مادة الفيزياء، مادة اللغة العربية، عنده مواد للامتحان، مادة الامتحان في الدنيا شيئان اثنان؛ المادة الأولى مادة الشر، الثانية الخير، نحن جميعاً ننتبه إلى أنَّ من أصيب بشرٍ فهو مُبتلى، فإذا وجدنا إنساناً مريضاً فنقول: هذا مُبتلى، وإذا وجدنا فقيراً نقول: هذا مُبتلى، وإذا وجدنا ضعيفاً نقول: هذا مُبتلى، ولكننا في الوقت نفسه إذا وجدنا غنياً يجب أن نقول: هذا مُبتلى، مُبتلى بماله، كما أن الفقير مُبتلى بفقره فالغنيُّ مُبتلى بِغناه، وإذا وجدنا صحيحاً يجب أن نقول: هذا مُبتلى، لأنه ابتلي بصحته كما ابتلي المريض بمرضه، والمُبتلى بقوته كالمُبتلى بضعفه كلاهما ابتلاء، هناك من يبتليه الله تعالى بالقوة فينظر كيف يعمل بقوته، وهناك من يبتليه بالضعف فينظر كيف يعمل في ضعفه، فكلاهما امتحانٌ وابتلاء، هكذا ينبغي أن نفقه حقيقة الدنيا، فإذا أعطانا الله تعالى فهو يبتلينا، وإذا منع عنا فهو يبتلينا، الغنيُّ مُبتلى في ماله هل يُنفقه في الحلال أم في الحرام؟ هل يُؤدي زكاته أم لا يؤديها؟ هل يكسبه من حلالٍ أم من حرام؟ هو مُبتلى بغناه .
والفقير مُبتلى بفقره هل يتجمل ويصبر ويتقي الله تعالى في نفسه وأهل بيته أم يتجه إلى الحرام وإلى السرقة ليأتي بالمال يخرج عن طوره ويسخط على الله والعياذ بالله فهو مُبتلى في فقره؟

زكاة نعم الله:
زكاة الصحة أن ُتنفق في طاعة الله
الصحيح مُبتلى بصحته؛ هل يؤدي زكاة صحته؟ وهل للصحة زكاة؟! نعم كل ما أعطاك الله تعالى له زكاة، زكاة الصحة أن تنفق هذه الصحة في طاعة الله، أن تقوم لله، أن تذهب إلى المساجد، إلى الأعمال الصالحة، إلى الخيرات، إلى المبرات، هذه زكاة الصحة، فالله ابتلانا بصحتنا، وإذا مرض الإنسان نسأل الله السلامة فإن الله يبتليه بمرضه هل يصبر على المرض أم يتسخّط؟ هل يتجمل بالستر والعافية وينظر إلى ما أعطاه الله تعالى من الخيرات التي تغيب عن كثير من الناس أم يسخط ويرى أنه لم يأخذ من الدنيا شيئاً ويتناسى نعم الله تعالى عليه؟ إذاً الصحيح مُبتلى والمريض مُبتلى .
القوي الذي أعطاه الله تعالى مكانةً كبيرةً فهو مُبتلى بهذا المنصب، هل يُحق الحق ويُبطل الباطل أم يُمالئ المجرمين؟ هل يقف مع الحق أم يقف مع الباطل؟ هل يقف مع الظالم أم مع المظلوم؟ هل يُقيم شرع الله عز وجل أم يُقيم شهواته؟ فهو مُبتلى بقوته والضعيف مُبتلى بضعفه، هل هو في هذا الضعف الذي هو فيه يخرج عن دينه أم هو ثابتٌ على مبدئه ودينه وقيمه رغم ما يجده من ضعفٍ طارئ فيحول الضعف إلى قوة؟

العطاء ليس إكراماً والمنع ليس إهانةً:
إذاً كلنا مُبتلون بالشر ومُبتلون بالخير، لا يصح أبداً أن يفهم الإنسان العطاء إكراماً، ولا أن يفهم المنع إهانةً، وقد قيل في الحِكم:
ربما أعطاك فمنعك، و ربما منعك فأعطاك، و متى فتح لك باب الفهم في المنع صار المنع عين العطاء
{ أحمد بن عطاء السكندري }
العطاء والمنع عند المؤمن سواء
قد يمنعك الله تعالى عن شيء لأنه يريد أن يُعطيك أشياء، وقد يُعطيك شيئاً ويَمنعك من أشياء أُخرى، فالعطاء والمنع عند المؤمن سواء، لأنه يعلم أن الذي يُعطي هو الله، وأن الذي يمنع هو الله، والله تعالى حكيم، والحكيم لا يُعطي إلا بحكمة، ولا يَمنع إلا لحكمة، إذاً نحن ندور في فلك حكمة الله تعالى عطاءً أو منعاً فلا نفهم العطاء إكراماً ولا نفهم المنع إهانةً .

فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17)
[ سورة الفجر]

هو يقول ذلك، هو يظن ذلك، وأما إذا ما ابتلاه امتحنه، ضيّق عليه في الرزق والمال فيقول: ربي أهانني، هو يقول ذلك، مع أن الله تعالى أكرم أقواماً لم يُعطهم مالاً، وأهان أقواماً رغم أنه أعطاهم مالاً، فقارون أعطاه الله مالاً وأهانه به، وخسف به وبداره الأرض، ومنع المال عن بعض الناس وأكرمهم بذلك والعكس صحيح، فهناك من أُعطي المال فأكرم به كعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعاً .
فليس العطاء إكراماً، ولا المنع إهانةً، وإنما المُعوّل عليه هو نجاحك أنت في تلك الفتنة وذاك الامتحان والاختبار .
إلى المُلتقى أستودعكم الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته