حقيقة الابتلاء
حقيقة الابتلاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ الحمدُ للهِ رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، أُمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين. |
معنى الابتلاء:
أيُها الإخوة الكرام، أيتها الأخوات الفاضلات؛ يقول تعالى في سورة الفجر: |
فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17)[ سورة الفجر]
الابتلاء في الحياة شيءٌ لا بدَّ منه
|
الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)[ سورة الملك]
فنحن جئنا إلى الدنيا لنُمتحن؛ فإذا نجحنا في الامتحان كنّا في جنة عرضها السماوات والأرض، وإذا رسب المُقصرون المُعرضون في الامتحان كانوا في نارٍ خالدين فيها والعياذ بالله، فنحن في امتحانٍ، كل حياتنا امتحان، كل دقيقةٍ تمرُّ علينا في امتحان، موقفٌ نقفه، بسمةٌ نبتسمها، غضبٌ نغضبه، مالٌ نأخذه أو ننفقه، نظرةٌ ننظرها، شيءٌ نسمعه، نحن في امتحان نُمتحن بكل شيء: |
فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)[ سورة الفجر]
ابتلاه امتحنه، فأكرمه ونعَّمه أعطاه من الدنيا ومن نعيمها، ومن ومالها، ومن خيرها، ومن طعامها، أكرمه ونعَّمه فيقول هذا الإنسان: ربي أكرمني، يُسرّ بهذا العطاء ويظن بأن الله تعالى يُكرمه لأنه يحبه، ربي أكرمني، ربي يُكرمني في الدنيا ويُعطيني إياها، فيفهم الابتلاء على أنه إكرام، وهذا فهمٌ خاطئ، فالله يبتليك هنا ويمتحنك ولكنه ليس بالضرورة يُكرمك. |
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)[ سورة الفجر]
أي ضيّق عليه في الرزق، رزقه ضيق قليل، فيقول: ربي أهانني، إنَّ الله يُهينني لأنه يمنع عني الدنيا هكذا يظن الأول وهكذا يظن الثاني، يظن الأول أنّ العطاء من الله إكرام له، ويظن الثاني أن المنع من الله إهانةٌ له، والحقيقة ليست ذاك ولا ذاك، كلاهما مُخطئٌ في ظنه، لذلك قال الله تعالى بعدها: كلا، وكلا أداة ردعٍ وزجرٍ ونفي؛ ليس ما تقولونه صحيحاً، ليس عطائي إكراماً وليس منعي حرماناً، العطاء ابتلاء، والمنع دواء فانتبهوا . |
مادتا الابتلاء في الدنيا:
الغنيُّ مُبتلى بِغناه
|
والفقير مُبتلى بفقره هل يتجمل ويصبر ويتقي الله تعالى في نفسه وأهل بيته أم يتجه إلى الحرام وإلى السرقة ليأتي بالمال يخرج عن طوره ويسخط على الله والعياذ بالله فهو مُبتلى في فقره؟ |
زكاة نعم الله:
زكاة الصحة أن ُتنفق في طاعة الله
|
القوي الذي أعطاه الله تعالى مكانةً كبيرةً فهو مُبتلى بهذا المنصب، هل يُحق الحق ويُبطل الباطل أم يُمالئ المجرمين؟ هل يقف مع الحق أم يقف مع الباطل؟ هل يقف مع الظالم أم مع المظلوم؟ هل يُقيم شرع الله عز وجل أم يُقيم شهواته؟ فهو مُبتلى بقوته والضعيف مُبتلى بضعفه، هل هو في هذا الضعف الذي هو فيه يخرج عن دينه أم هو ثابتٌ على مبدئه ودينه وقيمه رغم ما يجده من ضعفٍ طارئ فيحول الضعف إلى قوة؟ |
العطاء ليس إكراماً والمنع ليس إهانةً:
إذاً كلنا مُبتلون بالشر ومُبتلون بالخير، لا يصح أبداً أن يفهم الإنسان العطاء إكراماً، ولا أن يفهم المنع إهانةً، وقد قيل في الحِكم: |
ربما أعطاك فمنعك، و ربما منعك فأعطاك، و متى فتح لك باب الفهم في المنع صار المنع عين العطاء{ أحمد بن عطاء السكندري }
العطاء والمنع عند المؤمن سواء
|
فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17)[ سورة الفجر]
هو يقول ذلك، هو يظن ذلك، وأما إذا ما ابتلاه امتحنه، ضيّق عليه في الرزق والمال فيقول: ربي أهانني، هو يقول ذلك، مع أن الله تعالى أكرم أقواماً لم يُعطهم مالاً، وأهان أقواماً رغم أنه أعطاهم مالاً، فقارون أعطاه الله مالاً وأهانه به، وخسف به وبداره الأرض، ومنع المال عن بعض الناس وأكرمهم بذلك والعكس صحيح، فهناك من أُعطي المال فأكرم به كعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعاً . |
فليس العطاء إكراماً، ولا المنع إهانةً، وإنما المُعوّل عليه هو نجاحك أنت في تلك الفتنة وذاك الامتحان والاختبار . |
إلى المُلتقى أستودعكم الله . |