صفات المتقين
صفات المتقين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ الحمدُ للهِ رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ارتباط الحركة بعِظَم الهدف الذي نسعى إليه:
يقول تعالى في كتابه الكريم: |
وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)[ سورة القصص]
وسارعوا، على قِدَر عِظم الهدف الذي نسعى إليه ينبغي أن تكون الحركة، فعندما ذكر الله تعالى الرزق والسعي إلى الرزق في الدنيا قال: |
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)[ سورة الملك]
والمشي في مناكب الأرض مطلوب، وكلوا من رزقه، وأما عندما ذكر صلاة الجمعة فذكر معها السعي قال تعالى: |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)[ سورة الجمعة]
نمشي في مناكب الأرض، نسعى إلى ذكر الله، وعندما ذكر الجنة ذكر المسارعة والمُسابقة: |
وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)[ سورة آل عمران]
سابقوا، فالمُسارعة والمُسابقة للجنة لأنَّ الهدف عظيم، وعندما ذكر الفِرار إلى الله تعالى قال: |
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (50)[ سورة الذاريات]
فنمشي في الأرض ونسعى سعياً إلى ذكر الله، ونُسارع، ونُسابق إلى الجنة، ونَفرُّ فِراراً إلى ربنا وخالقنا ومولانا. |
وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)[ سورة القصص]
صفات المتقين:
1 ـ الإنفاق في السراء والضراء:
ما صفات المُتَّقين في هذه الآيات؟ قال: |
الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)[ سورة القصص]
الإنفاق من أول صفات المُتَّقين
|
الإنفاق في حالة الأزمات أشدُّ ضرورةً من حالة اليُسر والرخاء، لأن الناس يكونون في حالة الضراء في أشد حاجاتهم إلى مالٍ يُنقذ أولادهم، أو إلى شيءٍ من الدنيا يَعُفُّهم عن الحرام، إلى غير ذلك، فجاءت الصفة الأولى من صفات المُتَّقين أنهم ينفقون في السراء والضراء على السواء. |
2 ـ كظم الغيظ والعفو عن الناس:
السيطرة على النفس في لحظة الانفعال
|
المرحلة الثانية وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، عندما كظم الغيظ بقي الغيظ موجوداً، ولكنه منع خروجه، المرتبة الثانية من مراتب المُتَّقين أنهم يَعفون عن الناس، والعفو إزالة الأثر من النفس، فبعد أن كظمت الغيظ ومنعت خروجه تنتقل إلى المرحلة الثانية فتقول له: قد عفوت عنك، سامحتك، وتُزيل أثر هذا الغيظ من داخلك، حتى لا يبقى ناراً مشتعلة في داخل الإنسان تمنعه من صِلته بربه، وإحسانه إلى الناس. |
الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(134)[ سورة القصص]
3 ـ الإحسان:
أعظم مرحلةٍ هي الثالثة، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، فتزيد إلى عفوك عنه أن تُحسن إليه، لعل إحسانك إليه بعد إساءته لك يُقرّبه من الله تعالى، ويُقرّبه منك، ويُنشئ حبال المودة بينك وبينه، فيصبح ولياً حميماً بعد أن كان عدواً لئيماً. |
الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(134)[ سورة القصص]
رُوِي أن جاريةً أرادت أن تُقدِّم طعاماً لسيدها فأثناء تقديمها الطعام له سقط الإناء من يدها على ثيابه وانكسر فغضب منها، فتلت عليه قوله تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ)، لمّا رأت الغضب في وجهه قالت له: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ) يا مولاي، قال لها: قد كظمت غيظي، قالت له: (وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) قال لها: قد عفوت عنك، سامحتك، أزلت أثر هذا الغيظ من قلبي، قالت له: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال لها: أنت حرةٌ لوجه الله، فكظم غيظه ثم عفا عنها ثم أعتقها لوجه الله تعالى. |
التحلي بصفات المتقين لننال محبة الله:
أيُها الأحباب؛ المُتَّقون لهم صفاتٌ في كتاب الله كثيرة، ولكنهم في هذه الآية كما بيّنّا لهم أربع صفات؛ الأولى أنهم يُنفقون يُعطون مما أعطاهم الله: |
الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)[ سورة البقرة]
ليست العطية محصورةً في المال: |
{ تبسُّمُكَ في وجهِ أخيكَ صدقةٌ }
[صحيح ابن حبان]
أن تُعطي من وقتك، من خبرتك، من علمك، من مالك، من جاهك، فكل شيءٍ تُنفقه مما أعطاك الله تعالى إياه فهو إنفاق، ويجب أن يكون هذا الإنفاق في حالة اليُسر وفي حالة العُسر على السواء. |
يُنفقون في السراء والضراء، يكظمون غيظهم، يمنعون خروجه حتى لا تؤدي انفعالاتهم إلى مواقف يندمون عليها طوال حياتهم، يَعفون عن الناس ويُزيلون أثر الغيظ من قلوبهم، ثم يُحسنون إلى الآخرين: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ). |
افتح كتاب الله تعالى تجد عدة آيات فيه تقول: والله يحب الصابرين، المُتَّقين، المُحسنين، فكن من هؤلاء يُحبك الله تعالى، وفي المقابل افتح كتاب الله تعالى تجد: إن الله لا يُحب كل خوانٍ أثيم، لا يُحب الكافرين، إلى غير ذلك مما تجده في كتاب الله تعالى فابتعد عن هذه الأمور حتى تنال محبة الله تعالى. |
إلى المُلتقى أستودع الله دينكم، وأمانتكم، وخواتيم أعمالكم. |