الإيمان بموعود الله

  • الحلقة السادسة والعشرون
  • 2022-04-27
  • برنامج في ثنايا القرآن
  • قناة يمن شباب

الإيمان بموعود الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ الحمدُ للهِ رب العالمين، وأُصلِّي وأُسلِّم على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.


مقارنة الله تعالى بين حال نموذجين من البشر:
أيها الإخوة الأحباب؛ في ثنايا القرآن الكريم آيةٌ نحن في أمسِّ الحاجة إليها، وحولنا من الفتن والمصائب ما حولنا نسأل الله تعالى أن يُزيل الغُمة عن جميع بلاد المسلمين، هذه الآية هي قوله تعالى:

أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
[ سورة القصص]

يُقارن الله تعالى بين حال نموذجين، النموذج الأول إنسانٌ وعده الله تعالى وعداً حسناً، فهو ينتظر شيئاً، ينتظر خيراً كثيراً.
نحن ننتظر موعود الله
الصنف الثاني مُتمتِّع بالحياة الدنيا إلى أقصى حد، يأكل ما يشتهي، يأتي ما يشتهي، يفعل ما يشتهي دون ضوابط، دون قيود، دون أي سؤال عن حلال أو عن حرام، ثم يوم القيامة يُحضَر إلى العذاب والعقاب والحساب نسأل الله السلامة، فأيهما خير؟ أن تكون في متاعب ومصائب ولكنك موعودٌ من الله بوعدٍ حسن أم أن تكون فيما يظهر أنه عافية ومتاع الدنيا وغير ذلك لكن بعده حسابٌ وعقابٌ وعذاب؟ المؤمن عندما يصل إلى دار السلام بسلام يقول: لم أر شراً قط، كل ما عاناه في الدنيا من مصائب وشرور عندما يصل إلى هدفه، ويصل إلى جنة ربه، ينسى كُلّ ذلك، ويقول: لم أر شراً قط، المرض، السجن، الأَسر، التعب، النصَب، كل ذلك يزول عند أول قدمٍ في الجنة، بغمسةٍ واحدةٍ في الجنة ينسى كل آلامه ومتاعبه، والمُنحرف المُقصّر الشارد عن ربه عاش الدنيا كما يريد، لكنه عندما يُغمس غمسةً واحدةً في نار جهنم والعياذ بالله ينسى كلّ خيرٍ أصابه في الدنيا ويقول: لم أر خيراً قط، إذاً نحن ننتظر موعود الله.

الابتلاء قدرنا:
لا أقول: إنَّ المؤمن لن يصيبه من همِّ الدنيا وتعبها ونكدها ومصائبها ومشكلاتها، كل الناس سيذوقون من ألم الدنيا فالدنيا جُبلت على الابتلاء:

الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)
[ سورة الملك]

إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ (30)
[ سورة المؤمنون]

فالابتلاء قدرنا، لا يمكن أن ينجو إنسانٌ من قَدَر الابتلاء، كلنا مُبتلون، لكن السؤال هنا: المؤمن عندما يعيش هذه الابتلاءات ماذا ينتظر بعدها؟ هنا موطن الشاهد، هو ينتظر وعد الله فتهون عليه مصائبه، ويهون عليه ما يجده في الدنيا.

جوهر ديننا أن موعود الله تعالى كائنٌ لا محالة:

أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
[ سورة القصص]

المؤمن يؤمن بالغيب
أي لاقيه في المستقبل، هو الآن يعيش هموم الدنيا ومتاعبها، ولكن ما يُخفف عنه ما يجده من هموم الدنيا ومتاعبها ومشكلاتها وآفاتها وسقمها ومرضها، ما يُخفف عنه كُلَّ ذلك الألم أنه ينتظر شيئاً من موعود الله تعالى، وهذه عظمة المؤمن أنه يؤمن بالغيب، غير المؤمن المُنحرف يتمتع بالدنيا يأخذ منها ما شاء، قال تعالى:

فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)
[ سورة الأنعام]

لم يقل باباً وإنما أبواب، وما قال شيء، وإنما قال كُل شيء، باب المال، وباب الشهوات، وباب الرفعة في الأرض، وباب الأمطار والخيرات، وكل شيء، أبواب كل شيء، لم ينقصهم شيء، عاشوا أجمل حياة:

فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ (44)
[ سورة الأنعام]

بغتةً: فجأة، إذاً ليست العبرة أن تعيش الدنيا وتعيش متاعها، وتستمتع بها، ثم يكون بعدها عذابٌ أليم والعياذ بالله، وإنما البطولة أن تعيش الدنيا بمتاعبها وهمومها وأنت تنتظر موعود الله تعالى الذي هو كائنٌ لا محالة، وهذا جوهر ديننا.

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3)
[ سورة البقرة]

الناس معظم الناس يتعاملون مع الواقع المحسوس المُشاهَد، هنا متعةٌ يأخذها، هذا مالٌ يقبضه، لا يبالي من حلالٍ أو من حرام، المؤمن عنده مقاييس مختلفة، عنده ميزان، لأنه يرى شيئاً لا يراه الآخرون، هو ينتظر شيئاً لا يعلم الناس عنه، هذا الشيء هو ما وعده الله تعالى به من جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، فيقيس حياته بناءً على هذا الذي ينتظره من عطاء الله تعالى، فما يُقربه من هذا العطاء يفعله.

ضرورة التزام كل مؤمن بالمنهج الذي يُرضي الله تعالى والابتعاد عما يُسخطه:
إذاً نعود إلى الآية:

أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
[ سورة القصص]

أترضى أن تكون مثل ذلك الإنسان الذي أخذ من الدنيا ما شاء ثم سيُحضَر يوم القيامة إلى العذاب والعقاب والحساب أم تريد أن تكون من الصنف الأول الذين ذاقوا من هموم الدنيا ما ذاقوه ولكنهم ينتظرون وعداً من الله يُزيل عنهم كلَّ هموم الدنيا وكلَّ متاعب الدنيا؟
في الحديث الشريف:

{ الدُّنْيا سِجْنُ المُؤْمِنِ، وجَنَّةُ الكافِرِ }

[ صحيح مسلم]

الدنيا تُقيّد المؤمن لأنه لا يستطيع أن يستمتع بكل مباهجها، هناك شيءٌ يستمتع به في رضوان الله، وهناك شيء يتركه إرضاءً لله، قال تعالى:

بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (86)
[سورة هود]

أرأيت معي إلى دائرة؛ المؤمن له منها زاوية بقدر فرضاً - والمثال افتراضي -تسعين درجة يتحرك ضمن هذه الزاوية، أما بقية الثلاثمئة والستين درجة فليست له، هذه ليست للمؤمن لأنها في غضب الله تعالى، وهو لا يريد أن يُغضب الله تعالى، إذاً يلتزم ببقية الله التي سمح الله تعالى له بالحركة ضمنها، ويبتعد عن باقي الدائرة التي تُخرجه من رضوان الله تعالى إلى سخطه، تُخرجه من حُبِّ الله تعالى إلى عدم حُبِّه، فإنه يلتزم بالمنهج الذي يُرضي الله تعالى ويبتعد عما يُسخطه.

الجنة ليس لها ثمن هي محضُ عطاءٍ وفضل من الله:
الجنة محضُ فضلٍ من الله
إذاً أيها الأخوة الكرام نحن في الدنيا ننتظر موعود الله، لا تنسوا ذلك، نحن أبناء الآخرة، نحن لم نُخلق للدنيا، هذه الدنيا جئنا إليها مؤقتاً لندفع فيها سبباً، أو لنقدم فيها سبباً يؤهلنا لدخول جنة ربنا، الجنة ليس لها ثمن، هي محضُ عطاءٍ من الله، ومحضُ فضلٍ من الله، ونحن إن أكرمنا الله بالجنة - ونسأل الله ذلك - فلن ندخلها بأعمالنا، وإنما سندخلها برحمة الله تعالى فقط، ولكن جئنا إلى الدنيا لنُقدّم الأسباب التي تؤهلنا لدخول الجنة:

الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32)
[سورة النحل]

أي بالأسباب التي قدمتموها من الأعمال الصالحة ادخلوا الجنة، وخُذوا منها ما شئتم، ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، الأذن تسمع ضمن دائرة محددة:

{ قالَ اللَّهُ: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَر }

[صحيح البخاري]

العين مرئياتها محدودة، كل منا رأى مرئيات في حياته، رأى بلداناً معينة، لكن هناك بلدان لم يذهب إليها، ولم يطَّلع عليها.
ولا أذنٌ سمعت؛ هذه دائرة أوسع فنسمع عن بلدان كثيرة لم نزرها، فالعين لم ترها لكن الأذن سمعت بها، لكن دائرة الخواطر يصعب أن نُحيط بها، ولا خطر على قلب بشر، فقال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث القدسي:

{ قالَ اللَّهُ: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصَّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ علَى قَلْبِ بَشَرٍ }

[صحيح البخاري]

فهذه الجنة العظيمة أيليق بنا أن نتركها من أجل متاع الدنيا؟! أقصد متاع الحرام، أما الحلال؛ فخذ من الدنيا ما شئت بالحلال دون أن يُلهيك عن ذكر الله، ولكن أقصد بالحرام أيليق بنا أن نضيع آخرتنا من أجل دنيا فانية من حرام لا يُرضي الله تعالى؟! هذا ليس بعاقل أن يفعله، بل العاقل ينتظر موعود الله:

أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)
[ سورة القصص]

إلى المُلتقى أستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته