العدل والإحسان

  • الحلقة السابعة والعشرون
  • 2022-04-28
  • برنامج في ثنايا القرآن
  • قناة يمن شباب

العدل والإحسان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين.


ضرورة معرفة الآمر ثم معرفة الأمر:
أيها الإخوة الكرام؛ في ثنايا كتاب الله آيةٌ قال عنها الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إنها أجمَعُ آيةٍ في كتاب الله؛ وذلك لِما اشتملت عليه من جمعٍ لخصال الخير ثم جمعٍ لخصال الشر إنها قوله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
[ سورة النحل]

الله تعالى هو الذي يأمر
إنَّ الله يأمرُ؛ هذه الصيغة تدل على أن هناك آمراً وهناك أمراً، آمر وأمر فمن يعرف الآمر ثم يعرف الأمر فإنه سيبذل كل جهده لتطبيق أمر الآمر، أما من يسمع الأمر فقط ولا ينتبه إلى الآمر فإنه ربما لن يُسارع إلى تنفيذ الأمر.
نحن في حياتنا الدنيا أي أمرٍ يأتينا ننتبه دائماً إلى الآمر، فإذا كان الآمر حاكماً فهو غير المحكوم، وإذا كان الآمر أباً فهو غير الأخ وهكذا، فننتبه إلى الآمر ونُنفذ الأمر بقدر ما نُعظِّم الآمر.
إنَّ الله يأمرُ فإذا علمت أن الله تعالى هو الذي يأمر فينبغي أن تُسارع إلى تنفيذ أمره، ثم ينبغي أن تأتي بالأمر كما هو وتتفانى في تطبيقه لأن الله تعالى هو الذي يأمر، يوم قال الله تعالى لقومٍ:

وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (67)
[ سورة البقرة]

هم لم ينتبهوا إلى أن الله تعالى هو الذي يأمر، وإنما التفتوا إلى الأمر فوراً نذبح بقرة! لماذا؟ ما هي؟ ما لونها؟ أسئلةٌ تلو الأسئلة يُحاولون من خلالها التملُّص من تنفيذ الأمر لأنهم لم ينتبهوا إلى الآمر جلَّ جلاله.
في المقابل إبراهيم قال لابنه:

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)
[ سورة الصافات]

لأنَّ إسماعيل عليه السلام انتبه إلى الآمر وليس إلى الأمر، مادام الله تعالى هو الآمر فيجب أن نُسارع إلى تطبيق أمره، يا أبت افعل ما تؤمر.
نحن في حياتنا ينبغي دائماً أن ننتبه إلى الآمر ونُسارع إلى تنفيذ الأمر، فإذا كان الآمر هو الله الخالق البارئ المُصور من أمرنا بيده، ومرجعنا إليه، وحياتنا بيده، وكل ما نملُكه بيده، فلا شكَّ أننا ينبغي أن نسارع فوراً إلى تطبيق أمره، وألا ننظر إلى صِغر الذنب، ولكن ننظر على من اجترأنا جلَّ جلاله.

الجمع بين العدل والإحسان دائماً:
أيها الإخوة الكرام؛ إنَّ الله يأمرُ إذاً الآمر ثم الأمر، يأمر بماذا؟ بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى.
ما العدل؟ العدل أن تأتي الأمور وفق الميزان الشرعي، والإحسان فوق العدل، وما كل المشكلات تُحلُّ بالعدل فقط قال تعالى:

وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ (126)
[ سورة النحل]

هذا العدل.

وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ (126)
[ سورة النحل]

هذا هو الإحسان.

وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)
[ سورة الشورى]

هذا هو العدل.

وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)
[ سورة الشورى]

هذا هو الإحسان.
العدل أن تُعاقب من أساء إليك، والإحسان أن تصبرَ، وأن تعفو عنه، وأن تُصلح حاله بذلك العفو.

وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(45)
[ سورة المائدة]

هذا هو العدل.

وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(45)
[ سورة المائدة]

جُرح فتصدق بجرحه فهو كفارةٌ له يُكفر الله تعالى عنه من ذنوبه بسبب عفوه.
إذاً هناك عدلٌ وهناك إحسان، ما كل مشكلاتنا في الحياة تحلُّ بالعدل يقول لك: أساء إليّ فيجب أن أردَّ إساءته، أكل من مالي فسآكل من ماله، يُعامل بميزان العدل فقط.

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
[ سورة النحل]

كثيرٌ من مشكلاتنا تُحل بالإحسان، أن يعفو الإنسان، وأن يتنازل أحياناً عن بعض حقه في سبيل إرضاء الله تعالى، وإصلاح خصمه.

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
[ سورة النحل]

باب الإحسان واسعٌ جداً
وقد قيل: العدل هو الفرائض، والإحسان هو النوافل؛ أي صلاة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء هذه عدل، والإحسان أن تُصلي الضحى وقيام الليل والرواتب مثلاً، الصيام؛ شهر رمضان عدل هذا، فريضة لا بُدَّ منها لا تستطيع أن تتركها، لكن صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع، أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو صيام يوم عرفة هذا إحسان، فهناك عدلٌ وهو الإتيان بالفرائض، وهناك إحسانٌ وهو أن تأتي بالنوافل، باب الإحسان واسعٌ جداً، وهو أوسع من باب العدل، فالإحسان يكون مع الأب والأم ببرهما، يكون مع الزوجة بحُسن رعايتها، يكون مع الزوج بحُسن تبعُله، يكون مع الأولاد بمدِّهم بأسباب حياتهم وتربيتهم ورعايتهم، يكون الإحسان مع النباتات، ويكون الإحسان حتى مع الحيوانات، فكل حياتنا إحسان، والله تعالى يأمر بالعدل ويأمر فوقه بالإحسان فيجب أن نجمع دائماً بين العدل والإحسان.

من تكفل بذوي قرباه غدا مجتمعه متماسكاً متكافلاً:
هناك قضايا تُحلُّ بالعدل، وهذه تُحلُّ في المحاكم، وفي التحكيم، وأثناء الصلح، فيُعطى كل ذي حق حقه، وهذا مطلوبٌ ومشروع، ولكن ينبغي أن يكون الدافع عند الإنسان دائماً أن يزيد فوق العدل إحساناً، فإحسانك لمن أساء إليك يقلب العدو صديقاً، قال تعالى:

وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34)
[ سورة فصلت]

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
[ سورة النحل]

خصَّ ذوي القربى بالإحسان من باب عطف الخاص على العام، لأنَّ أكثر ما ينبغي أن يكون إحسانك أن يكون لذي القُربى، فلو تكفل كل إنسانٍ بذوي قُرباه فآتاهم من ماله، ومن خبرته، ومن عطائه، ومن مُتابعته، ومن خيره، فإن المجتمع بكُلِّه يغدو مُتماسكاً مُتكافلاً مُتضامناً، فالله تعالى يأمر بالإحسان عموماً ثم هو يخص ذوي القربى بمزيد الإحسان والصلة.
ذوو القربى الوالدان، الأولاد، الزوجة، الأخوال، الأعمام وأبناؤهم إلى آخره من الأرحام القريبة والبعيدة، فالإنسان عندما يريد أن يتصدَّق، وأن يُحسن ينبغي أن يبدأ بالأقربين، فالأقربون أولى بالمعروف، فإذا اكتفى الأقربون فإنه ينتقل إلى غيرهم.

جوهر الدين هو انضباط بشرع الله:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
[ سورة النحل]

الله تعالى يأمر وينهى، ديننا افعل ولا تفعل دينُنا منهج، ليس الدين فقط صلاةً وصياماً وزكاةً وحجاً على عِظم مكانتها وأهميتها في ديننا، لكن الدين ليس شعائر فقط إنه ينتقل من محراب الصلاة إلى محراب الحياة فهو أمرٌ ونهي، والدين الذي لا أمر فيه ولا نهي لا خير فيه، فالدين منهج يجب أن ننضبط به، إن الله يأمر وينهى، وإذا لم ننضبط بما أمر الله تعالى به، ولم ننته عما نهانا الله تعالى عنه، فقد تركنا جوهر الدين الذي هو انضباطٌ بشرع الله تعالى.

الابتعاد عن الفحشاء والمنكر والبغي:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
[ سورة النحل]

الفحشاء والمنكر يكونان في الأقوال وفي الأفعال؛ فهناك فُحشٌ في القول كالسباب، والشتم، واللعن، والغيبة، والنميمة، وهناك فحشٌ في الفعل، ومن أعظم الفواحش والعياذ بالله الزنا:

وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32)
[ سورة الإسراء]

المُنكر تُنكره أصحاب الفِطر السليمة ابتداءً
وهناك مُنكرٌ في الأقوال، وهناك مُنكرٌ في الأفعال، وسميَّ المُنكر مُنكراً لأنَّ أصحاب الفِطر السليمة تُنكره ابتداءً، بينما المعروف سُمي معروفاً لأنَّ أصحاب الفِطر السليمة تعرفه ابتداءً، فمن لا يعرف أن الصدق معروف؟ ومن لا يعرف أن الكذب مُنكر تُنكِره النفوس السليمة؟ وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، والبغي هو الظلم وتجاوز الحد.

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)
[ سورة النحل]

إلى المُلتقى أستودعكم الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته