رب عمر يرانا
رب عمر يرانا
وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)(سورة الأنعام)
السلام عليكم: كان سيدنا عمر ابن الخطاب -رضي الله عنه- أمير المؤمنين يتفقد رعيته، وإذ به يسمع من بيت جارية تخاطب أمها: |
قالت بنية قومي فامذقي اللبنا فالماء سوف يزيد الوزن والثمنا قالت لها البنت يا أماه معذرة فقد نهى عمر أن نخلط اللبنا قالت الأم: أنّى يرى عمر صنيعنا إنما الفاروق ليس هنا قالت البنت: لا تفعلي أبداً فالله يعلم منا السر والعلنا إن لم يكن عمر الفاروق يبصرنا فإن رب أبي حفص هنا معنا
إن لم يكن عمر يرانا فإن ربّ عمر يرانا
|
هنا يسمع عمر -رضي الله عنه- مقولتها فيُعجَب بجوابها، ويقول لخادمه "أسلم" ضع علامة على الباب، وفي الصباح يذهب يتحرّى عن تلك الفتاة، فإذا هي جارية تُدعى "أم عمارة"، يخاطب عمر أبناءه ويرسل إليهم: لو كان لي حركة إلى الزواج لتزوجتها، أريد أن أزوّجها لأحدكم، علم عمر -رضي الله عنه- من تكون تلك الفتاة المؤمنة بالغيب، وكيف يمكن أن تربي جيلاً مختلفاً، أقسم ليزوجنّها إلى أحد أولاده، فكان أن تزوجها عاصم بن عمر رضي الله عنه، فتزوجها عاصم، فكان من نسلها "ليلى" التي تزوجها "عبد العزيز بن مروان" فكان من نسلها "عمر بن عبد العزيز" خامس الخلفاء الراشدين، الذي انتشر عدله، وذاع صيته، هو حفيد الفاروق، وهو حفيد "أم عمارة" تلك الفتاة التي قالت يوماً: إن لم يكن عمر يرانا فإن رب عمر يرانا، فعاش "عمر بن عبد العزيز" حياته كلها وهو يتمثّل هذا المعنى، فكان عدله، وكان تواضعه، وكان حكمه بما يرضي الله تعالى كان كل ذلك مُستمدّاً من أنه يراقب الله تعالى في كل فعل، وفي كل قول يقوله، فكان كلما دخل دار الخلافة تلا قوله تعالى: |
أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205)(سورة الشعراء)
هذا عالم الشهادة، الدنيا. |
أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205)ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ (206)مَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207)(سورة الشعراء)
﴿ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ هذا عالم الغيب، كان مؤمناً بالغيب رضي الله عنه، فلما حضرته الوفاة تلا قوله تعالى: |
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ(83)(سورة القصص)
عاش مؤمناً بالغيب، فمات وهو مؤمن بالغيب، ينتظر الدار الآخرة التي وعدها الله تعالى عباده الصالحين، في جنة يدوم نعيمها، فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. |
إلى الملتقى، أستودعكم الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |