ليطمئن قلبي
ليطمئن قلبي
وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)(سورة الأنعام)
السلام عليكم: |
نبيّان من أولي العزم من الرسل، طلبا طلبَين من عالم الشهادة، لا بد من بيان هذا الإشكال الذي كثيراً ما نُسأَل عنه. |
طلب سيدنا إبراهيم عليه السلام:
الأول هو سيدنا إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، طلب أن يرى بعينه كيف يحيي الله الموتى: |
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)(سورة البقرة)
الانتقال من علم اليقين إلى عين اليقين
|
إذاً، إبراهيم عليه السلام أولاً لم يسأل عن قدرة الله تعالى، كما فعل الحواريون مع سيدنا عيسى، فقال بعضهم: |
إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (112)(سورة المائدة)
حاشاه أن يفعل ذلك، ثم هو مُتيقّن من قدرة الله تعالى على البعث وعلى الإحياء، ولكنه أراد أن يطمئن قلبه برؤية العين؛ ليكون معه سلاح إضافي في مواجهة قومه الذين يعبدون الأصنام من دون الله تعالى، هذا نبي الله إبراهيم. |
طلب سيدنا موسى عليه السلام:
أما موسى عليه السلام، فما الذي طلبه؟ لقد طلب أن يرى الله: |
وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)(سورة الأعراف)
في الدنيا لا يمكن للقدرة البشرية أن ترى الله تعالى: |
لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)(سورة الأنعام)
فهو غيب جل جلاله ولكن إيماننا به، إيماننا بالغيب ونحن لا ندرك الله تعالى بأبصارنا سيجعل مكافأتنا يوم القيامة أن ننظر إليه، فننظر إلى ربنا إن شاء الله تعالى يوم القيامة: |
لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)(سورة يونس)
والزيادة هي النظر إلى وجه الكريم جل جلاله. |
سيدنا موسى أراد أن ينظر إلى الله حباً
|
أما قوم موسى فربطوا إيمانهم برؤية الله، فقالوا: |
وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (55)(سورة البقرة)
لأنهم ربطوا إيمانهم بالرؤية، أي ربطوا الإيمان بالشهادة، أما موسى عليه السلام فحاشاه أن يربط إيمانه بالشهادة، وإنما أراد موسى أن ينظر إلى وجه الكريم حباً وشوقاً بعد إذ كلّمه الله تعالى، فهو كليم الله. |
إذاً، هذا إبراهيم عليه السلام من أولي العزم، وذاك موسى عليه السلام من أولي العزم، وكِلا النبيَّين طلبا شيئاً من عالم الشهادة، ولكن لم يكن طلبهما شكاً –حاشاهما- وإنما كان طلب إبراهيم من أجل سلاح أمضى في مواجهة قومه المعرضين المشركين، وكان طلب موسى عليه السلام حباً برؤية وجه الكريم بعد إذ كلمه الله تعالى. |