لا تستعجلونِ
لا تستعجلونِ
وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ(59)(سورة الأنعام)
السلام عليكم: |
جلست يوماً على كرسي طبيب الأسنان، أعالج مشكلة في أسناني، وأثناء العلاج وبانتظار أن يأخذ المخدر مفعوله، سألني الطبيب سؤالاً. |
قال لي: لقد طال الأمر، لقد كثرت المصائب، وطال أمدها، فهل لها من انقضاء؟ لماذا تأخر النصر؟ لماذا تأخر الفرج؟ نحن مؤمنون بوعد الله، مؤمنون بالغيب، ولكننا ضُقنا ذَرْعاً بطول الأمد. |
قلت له: إن حال الله معنا –ولله المثل الأعلى- يشبهك حالك الآن معي. |
قال: كيف ذاك؟ |
نحن ندعو الله ونحن موقنون بالإجابة
|
قال: لا. |
قلت: لمَ؟ |
قال: لأن العلاج لم ينتهِ بعد، لا بد أن أنهي المشكلة بشكل كامل. |
قلت له: إن الله تعالى يعالجنا، ويؤدبنا، ويريد أن يتوب علينا، ويريد أن تنهض الأمة من كبوتها من جديد، ونحن ندعو الله ونحن موقنون بالإجابة، والله تعالى يجيبنا إلى دعائنا بالطريقة التي يريدها، وفي الوقت الذي يريده، ولكن العلاج لم ينتهِ بعد، وربما يكون إيقافه في منتصفه أسوأ بكثير مما يمكن أن يحصل لو لم يتم العلاج منذ البداية، إذاً لا بد من إتمام العلاج. |
خلق الإنسان ضعيفاً:
أيها الإخوة الأحباب، الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم، ومن أحسن التقويم هذا أنه جعل فيه نقاط ضعف، نعم، هذا من حسن تقويمه، في الإنسان نقاط ضعف: |
يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا (28)(سورة النساء)
ومن نقاط ضعفه أنه يستعجل، يريد العاجلة، وينسى الآخرة، يريد الشيء العاجل، يريد الشهادة، وينسى الغيب، قال تعالى: |
خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ (37)(سورة الأنبياء)
هذا هو الطبع، أنه يستعجل، إذا قلت له: هل تأخذ هذا الآن أم تنتظر قليلاً؟ يقول لك أريد العاجل، يستعجل ﴿خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ هذا طبعه، فما التكليف؟ قال: ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾، لا تستعجل، انتظر حتى تأتي آيات الله تعالى، سواء على مستوى الفرد أو على مستوى الأمة ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾. |
الإنسان عجول:
إذاً، الإنسان عجول: |
وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ۖ وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا (11)
المؤمن يخالف طبعه ويسعى إلى الآجل
|
يقول خباب بن الأرت رضي الله عنه: |
{ شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ. }
(صحيح البخاري)
ما الذي يتخيله الواحد منكم أن يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمام كعبة الله، أن ينهض ويرفع يديه إلى السماء، ويدعو الله تعالى بالنصر والتمكين، لكن النبي صلى الله عليه وسلم –بأبي هو وأمي- لم يفعل ذاك؛ لأنه لمح في كلامهم شيئاً من الضجر، فما أراد أن يتسلل اليأس إلى قلوبهم، فقام صلى الله عليه وسلم غاضباً وقال: (قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) ولكنكم تستعجلون، وجّههم إلى ضرورة التأني، وعدم التعجّل فإنه كما في الحديث الصحيح: |
{ يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي. }
(صحيح البخاري)
الإيمان بالغيب لا يتناسب مع العجلة، الإيمان بالغيب يقتضي أن تؤمن بأن موعود الله تعالى آتٍ لا محالة، وأن تنتظره ليأتي في الوقت الذي يريده الله دون أن تتوقف عن السعي لتكون جندياً لتحقيق موعود الله تعالى. |