فرح الخبث والخبثاء

  • الحلقة الثالثة
  • 2020-04-26

فرح الخبث والخبثاء

السلام عليكم: الآية اليوم هي الآية الثامنة والثمانون بعد المئة من سورة آل عمران وهي قوله تعالى:

لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
(سورة آل عمران: الآية 188)

أما الحديث فقد جاء في صحيح البخاري:

{ أنَّ مَرْوَانَ قالَ لِبَوَّابِهِ: اذْهَبْ يا رَافِعُ إلى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْ: لَئِنْ كانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحَ بما أُوتِيَ، وأَحَبَّ أنْ يُحْمَدَ بما لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا، لَنُعَذَّبَنَّ أجْمَعُونَ، فَقالَ ابنُ عَبَّاسٍ: وما لَكُمْ ولِهذِه إنَّما دَعَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَهُودَ فَسَأَلَهُمْ عن شيءٍ فَكَتَمُوهُ إيَّاهُ، وأَخْبَرُوهُ بغَيْرِهِ فأرَوْهُ أنْ قَدِ اسْتَحْمَدُوا إلَيْهِ، بما أخْبَرُوهُ عنْه فِيما سَأَلَهُمْ، وفَرِحُوا بما أُوتُوا مِن كِتْمَانِهِمْ، ثُمَّ قَرَأَ ابنُ عَبَّاسٍ: {وَإِذْ أخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ} كَذلكَ حتَّى قَوْلِهِ: {يَفْرَحُونَ بما أتَوْا ويُحِبُّونَ أنْ يُحْمَدُوا بما لَمْ يَفْعَلُوا} }

(صحيح البخاري)


صفتان مشتركتان في كل البشر
كل إنسانٍ يفرح بما أتى
(أنَّ مَرْوَانَ قالَ لِبَوَّابِهِ: اذْهَبْ يا رَافِعُ إلى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما) وابن عباس هو حبر الأمة وترجمان القرآن، (اذْهَبْ يا رَافِعُ إلى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقُلْ: لَئِنْ كانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحَ بما أُوتِيَ، وأَحَبَّ أنْ يُحْمَدَ بما لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا، لَنُعَذَّبَنَّ أجْمَعُونَ) يعني لو أنَّ الإنسان أتى طاعةً من الطاعات، أو قام بعملٍ صالح، أو جاءه شيءٌ من الدنيا من المباح والحلال ففرح بما أوتي، ثم أحبَّ أن يُحمد بشيءٍ ربما لم يفعله لكنه سمع كلمة مديح فأحبَّ هذا المديح، فإن كان كل إنسانٍ اتصف بهاتين الصفتين سيعذب فهذا يشمل كل الخلق، لأن كل إنسانٍ يفرح بما أتى، وربما يحب أن يُحمد بما لم يفعل (لَئِنْ كانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحَ بما أُوتِيَ، وأَحَبَّ أنْ يُحْمَدَ بما لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا، لَنُعَذَّبَنَّ أجْمَعُونَ) .
الآن اسمعوا إلى ابن عباسٍ رضي الله عنهما: (فَقالَ ابنُ عَبَّاسٍ: وما لَكُمْ ولِهذِه) يعني كيف تفهمون الآية؟

المراوغة رغم معرفة الإجابة
عدم الإجابة رغم معرفتهم بها
ثم وضَّح معنى الآية قال: (إنَّما دَعَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَهُودَ فَسَأَلَهُمْ عن شيءٍ فَكَتَمُوهُ إيَّاهُ) لم يُجيبوه عن سؤاله رغم معرفتهم بالجواب.
(وأَخْبَرُوهُ بغَيْرِهِ، أي كذبوا، فأرَوْهُ أنْ قَدِ اسْتَحْمَدُوا إلَيْهِ) كأنهم يطلبون منه أن يحمدهم وأن يشكر لهم ما أخبروه به رغم أنهم أخبروه زوراً وبهتاناً.
(فأرَوْهُ أنْ قَدِ اسْتَحْمَدُوا إلَيْهِ، بما أخْبَرُوهُ عنْه فِيما سَأَلَهُمْ، وفَرِحُوا بما أُوتُوا مِن كِتْمَانِهِمْ) فرحوا بخبثهم، ثم فرحوا بأنهم طلبوا إليه أن يشكرهم على شيءٍ لم يفعلوه أصلاً فهم لم يجيبوا عن سؤاله صلى الله عليه وسلم.

فرح الخبث والخبثاء فرحٌ مذموم
فرحٌ مذمومٌ لا يحبه الله تعالى
إذاً نصيبنا من هذه الآية أو ما نريد أن نصل إليه من هذه الآية أنَّ هناك فرحاً يمكن أن نسميه فرح الخبث والخبثاء وهو أن يقوم إنسانٌ بدهاءٍ أو بمكرٍ بخبثٍ أن يقوم بكتمان شيءٍ من أمرٍ من أمور العلم أو بأمرٍ من أمور الحياة يكتمه ويكذب ويراوغ ويجيب بخلاف ما سُئِل عنه ليتهرَّب من حقٍّ أو من واجبٍ لازمٍ عليه أن يفعله فيتهرَّب من ذلك ثم يطلب من الناس أن يشكروه وأن يحمدوه لأنه تكلم، وهو في الحقيقة يكذب ويراوغ، هذا الفرح هو فرح الخبث والخبثاء وهو فرحٌ مذمومٌ لا يحبه الله تعالى.
إلى الملتقى أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.