بين الحوار والجدال

  • الحلقة الحادية والعشرون
  • 2020-05-14

بين الحوار والجدال

السلام عليكم: الآية اليوم هي الآية الثامنة والخمسون من سورة الزخرف وهي قوله تعالى:

وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ
(سورة الزخرف: الآية 58)

وأما الحديث: فقد أخرج الإمام الترمذي في سننه بسندٍ صحيح:

{ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الجَدَلَ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الآيَةَ: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} }

(صحيح الترمذي)

الجدل أيها الكرام؛ مذموم ومثله المِرَاءَ.
وفي الحديث الصحيح:

{ وعن أَبي أُمَامَة الباهِليِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وإِن كَانَ مازِحًا، وَببيتٍ في أعلَى الجَنَّةِ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ }

(رواه أبو داود)

(أَنا زَعِيمٌ ببَيتٍ) أي أنا ضامنٌ بيتاً، (في ربَضِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ) أي الجدال، (وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا) وإن كان الحق معه لكنه ترك الجدال الذي لا طائل وراءه، (وأَنا زَعِيمٌ ببيتٍ في وَسَطِ الجنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ، وأَنا زَعِيمٌ ببيتٍ في أعلَى الجَنَّةِ لِمَن حَسَّنَ خُلُقُهُ)، فمن تَرَكَ المِرَاءَ له بيتٌ في ربَضِ الجنَّةِ، أي في أدناها.
أيها الكرام: هناك مصطلحان: الحوار والجدال، ومثل الجدال المِرَاءَ.

الحوار ممدوح
الحوار ممدوح ومحمود، وباعثه التواضع، وباعثه الحب، وباعثه الرغبة في نقل الخير إلى الآخرين، وأما هدفه فهو الوصول إلى الحق، فالذي يحاور هدفه أن يصل إلى الحق، وهذا معنى قول الإمام الشافعي رحمه الله:
"رأيي صَوابٌ يَحتَمِلُ الخَطأ، ورأيُ غَيري خَطأ يَحتَمِلُ الصَّوابَ"
{ الإمام الشافعي }
هدف الحوار الصول إلى الحق
فأنا عندما أناقش أو أحاور إنساناً في قضيةٍ من قضايا الدين وليست من الثوابت التي لا مجال للحوار فيها أصلاً وإنما أحاوره في قضيةٍ من قضايا الدين الفرعية، عندما أحاوره يكون في مخيلتي وفي خاطري أنني يمكن أن أكون مُخْطِئاً فإن ظهر لي أن الحق معه فسأخضع للحق، وفي المقابل ينبغي أن يكون هو يحاورني وهو يعتقد أن الحق معه لكنه قد يكون معي، هذا حوارٌ ممدوح.

الجدال مذموم
أما الجدال المذموم :

مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ
(سورة الزخرف: الآية 58)

الجدال باعثه الاستعلاء
ذمَّه النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِلَّا أُوتُوا الجَدَلَ) بعد ضلالهم يبدؤون بالجدل، فالجدال باعثه الاستعلاء وباعثه الكبر على الآخرين، فهو يرى نفسه فوق الآخرين، ويرى أن ما عنده من فكره ومن معلوماته لا يمكن أن يدانيه فيها أحد، وأما هدف الجدال فهو إفحام الخصم وتحقيره، فالمجادل يريد أن يُخضع الطرف الآخر لما يعتقده، فهذا الجدال مذموم، وغالباً ما يكون الجدال في أمور الدنيا التي لا طائل وراءها وينبغي للإنسان أن يتركه وألا يجادل به لينال بيتاً في ربَضِ الجنَّةِ.
التمسك بفكرةٍ ليست من النص
وقد يكون الجدال للأسف أحياناً في دين الله فيتمسك شخصٌ ما بفكرةٍ ليست من النص وإنما من فهمه للنص، ثم يجادل الآخرين في فهمه للنص، لا يجادلهم بأصل النص وبما فهمه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم وسلف الأمة، وإنما هو يفهم النص كما يريد ثم يجادل ويماري الآخرين في فهمه للنص ليُخضعهم وليُظهر ضلالهم، فهذا جدالٌ مذموم.
إلى الملتقى أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.